22.1.16

مستخدم:Hasanisawi/تصميم بيئي

مستخدم:Hasanisawi/تصميم بيئي

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

محتويات

    1 تصميم بيئي
        1.1 أولا: العزل الحراري
        1.2 مواد العزل الحراري
        1.3 ثانيا: العزل الصوتي
            1.3.1 أشكال العزل الصوتي في المباني
            1.3.2 مواد العزل الصوتي
        1.4 ثالثا: مواد العزل الصوتي والحراري
        1.5 رابعا: عوازل الرطوبة


 تصميم بيئي

أولا: العزل الحراري

العزل الحراري للأبنية هو منع انتقال الحرارة من الخارج إلى الداخل أو العكس سواء كانت درجة الحرارة مرتفعة أو منخفضة.

مواد العزل الحراري

1. الألياف النباتية: تعمل من الخشب وتعالج لكي تكون مقاومة للحرائق وامتصاص الماء.
2. الفلين: ويعمل من لحاء الشجر ويستخدم على شكل ألواح في الحوائط التي تحتاج إلى عزل وقد تستخدم على شكل مسحوق.
3. الفلين الصخري: يتكون من صوف صخري ممزوج مع قطع صغيرة من الخشب مع مادة لاصقة إسفلتية غالبا، وتستخدم هذه المادة لعزل مخازن التبريد والمنشآت والبيوت الرخيصة.
4. المواد العاكسة العازلة: حيث يتم فيها العزل عن طريق عكس الحرارة عن الوجه العاكس وليس بطريقة التوصيل الحراري المعتادة، ومن هذه العواكس: الألمنيوم وصفائح الفولاذ والورق العاكس والدهان العاكس. وتستخدم هذه المواد على السقف والجدران الخارجية العمودية.
5. ألواح البولي كاربونيت المموجة ( The poly carbonate sheets): تصنع من مادة البولي كاربونيت الخفيفة الوزن، وتشكل على هيئة ألواح من طبقتين أو ثلاث طبقات حتى تصلح لأغراض العزل الحراري وتصبح قادرة على تحمل الصدمات، وتستخدم غالبا في الأسقف.
6. "إستروفويل" أغشية عازلة جديدة (Reflective insulating material): تتكون من طبقتين من رقائق الألمنيوم العاكسة بينها فقاعات هوائية مصنوعة من مادة البولي إيثيلين، وتقوم هذه المادة بعكس أشعة الشمس عن المبنى في الصيف وتحتفظ بالحرارة داخله في فصل الشتاء، وتساعدها في ذلك الفقاعات الهوائية التي تمنع انتقال الحرارة خلال الحوائط، ومن فوائدها أيضا أنها عازل جيد ضد تسرب الماء والهواء مما يؤدي إلى المحافظة على الطاقة داخل المنزل.
7. ألواح مؤخرة للحرائق (Fire retardant sheets): هي ألواح تتميز بإطالة زمن مقاومة الحريق للمنتج الذي يصنع منها، وهي متوفرة بجميع المقاسات التي تسمح بتشكيل قطع الأثاث الداخلي و القواطع الداخلية والحوائط.

ثانيا: العزل الصوتي

أشكال العزل الصوتي في المباني

1. منع انتقال الصوت في القواطع والجدران والسقوف من الخارج. 2. منع انتقال اهتزاز وأصوات المكائن. 3. طرق امتصاص الصوت والضوضاء في الداخل.

مواد العزل الصوتي

1. وحدات جدارية عازلة للصوت (Acoustique tiles): بلاطات ممتصة للصوت، تتكون من وجهين غالبا وتكون محببة من الكوارتز الملون والملصق بالراتنج، وتتميز بقدرتها على التحمل وسهولة التنظيف ولا يمكن تشويهها بالرسم عليها.
2. ألواح الصوف الزجاجي (Panels of glass wool): يتكون اللوح من وجه من الصوف الزجاجي والوجه الآخر من ورق الألمنيوم المثقب الذي يقوم بامتصاص الصوت، ويمكن تركيبها في الحوائط و الأرضيات والأسقف، وتستخدم في المباني التجارية والصناعية الجديدة أو التي تحتاج إلى تجديد.
3. ألواح من رغوة البلاستيك مثقبة أو محببة الوجه.
4. ألواح من مواد ورقية مضغوطة ومثقبة الوجه.
5. ألواح مربعة أو مستطيلة من الجبس مع ألياف في الوجه والداخل.
6. ألواح من ألياف المعادن مع مادة الإسمنت البورتلندي الأسود.

ثالثا: مواد العزل الصوتي والحراري

هناك بعض المواد التي يمكن استخدامها كعوازل للصوت والحرارة معا، منها:

1. ألواح الصوف الزجاجي: مصنوعة من الصوف الزجاجي المغطى بطبقة رفيعة من الزجاج تكسبها الصلابة، كما أن هذه الألواح لديها القدرة على مقاومة الرطوبة وسوء الاستخدام إذ أنها تخلو من المواد القابلة للصدأ، ويمكن استخدامها في مختلف أنواع المباني لعزل الجدران والأسقف.

2. ألواح العزل الحراري والصوتي (Thermal and acoustic sheets): تستخدم هذه الألواح دون الحاجة إلى تغطيتها من الداخل وتصلح خاصة لأسقف المصانع حيث تناسب جميع الأبعاد الكبيرة للإنشاء، وهذه الألواح تقاوم الغبار والرطوبة والتآكل حيث تغلفها طبقة حماية بلاستيكية ذات عمر طويل، وهذه الألواح نقية من المواد المشجعة على الصدأ.

3. البيرلايت: وهو عبارة عن صخور بركانية بيضاء اللون، ويعتبر البيرلايت من أفضل العوازل المستخدمة لصناعة وتخزين الغازات السائلة تحت درجات حرارة منخفضة جدا، كما أنه يعتبر عازل جيد للصوت ويعطي السطح مقاومة كبيرة للحرائق، ويستخدم البيرلايت لعزل الأسقف والجدران والأرضيات.

رابعا: عوازل الرطوبة

1. الإسفلت أو الورق المقطرن. 2. شرائح الألياف الزجاجية (الصوف الصخري) وخاصة للأسطح الأفقية. 3. الأغشية الواقية من الرطوبة: تتكون من سيليكات الألمنيوم والبوتاسيوم وهيدروكسيد الباريوم وكبريتات المغنيسيوم وتستخدم في الأبنية للأسطح والجدران. 4. أغشية عازلة للماء للأسطح المعدنية "إكسيفلكس" (Exiflex waterproofing membrane for metal roof): يتميز هذا الغشاء العازل بسرعة التركيب ونظافته، ويتألف من عازل من طبقة واحدة ومن إزار مثبت في طرف الغشاء يسمح بتركيب المسامير عليها التي تعمل على تثبيت الغشاء على الأسقف، ويستخدم هذا العازل خاصة على الأسقف المعدنية ويصلح للمباني الصناعية والتجارية ومباني الخدمات. 5. عازل المطاط الجديد (New waterproofing membrane): هو عبارة عن عازل من المطاط ينتفخ عند تشبعه بالماء كمساعد للعزل، ويتميز بأنه ذو مقاومة عالية للمواد الكيماوية وخواص مطاطية عالية، ويستخدم في الأعمال التحت أرضية كالأساسات وأعمال التمديدات الصحية وفي المنشآت الهندسية العامة كمخازن القمح وخزانات المياه والسدود.
وهناك بعض المواد العازلة التي تستخدم لتكسية واجهات المباني منها:
1. ألواح مصنوعة من راتنجات البولستر المقوى بالألياف الزجاجية وحشوات معدنية وهي مركبات قوية ومقاومة للماء بطبقة من الجرانيت المعدني من ألوان مختلفة يتغير لونها تبعا للإنارة والضوء الخارجي أثناء النهار .

2. ألواح تكسية من الإسمنت المقوى بالألياف الزجاجية مقاومة للعفن والصدمات والتقلبات الجوية وماء البحر، تثبي رأسيا أو أفقيا أو بشكل نصف قطري، ومتوفرة بسطح ناعم أو خشن يشبه الخشب مدهونة مسبقا أو يمكن دهانها بما يزيد عن 300 لون، وتستخدم في المساكن الخاصة، المكاتب، مؤسسات الرعاية الصحية، المحلات التجارية، المدارس، الإسكان العام، الصناعة، الفنادق والمطاعم.

3. نظام تكسية ذاتي التنظيف يتكون من مقاطع من سبائك الألمنيوم بأضلاع ضيقة وبارزة بشكل خفيف تركب أفقيا باتجاه معاكس للرياح والمطر على سكك معدنية متقاطعة، ذات تموجات ظاهرة تساعد على التحكم بشدة الإنارة والظل، وهي إما ذات سطح ناعم أو على شكل الجبس، ويمكن أن تكون بأي لون حسب الطلب، وتستخدم في المساكن، المكاتب، مؤسسات الرعاية الصحية، المحلات التجارية، المدارس، الإسكان العام، الصناعة، المطاعم والفنادق.

4. ألواح الألمنيوم المقوسة ذات التدعيم بوصلات طرفية للأسطح والتكسية لعمل ميول بطول 100 متر، تمتاز بسهولة التركيب وهي مطلية بمادة الكلاد (Alclad) ( ألمنيوم _ زنك ) مقاوم للتآكل والصدأ، وتصلح لكافة الأسطح، ومتوفرة بشكل منحني أو مقعر أو محدب، ويمكن توصيل إنارة أو أنظمة شفط دخان على السقف، وتستخدم في المساكن، المكاتب، مؤسسات الرعاية الصحية، المحلات التجارية، المدارس والإسكان العام.

5. فتحة تهوية لشفط الهواء لدورات المياه وهي مصنوعة من مادة البولسترين الأبيض، تعمل بعد اكتشاف وجود الهواء بواسطة نظام استشعار بصري يستخدم عدسة فريزنيل (Fresnel)، وللفتحة شبك على الوجه الأمامي قابل للفك، وتستخدم في المساكن الخاصة والإسكان العام.

مستخدم:Hasanisawi/كيفية علاقة الفعل بفاعله عند ابن سينا

مستخدم:Hasanisawi/كيفية علاقة الفعل بفاعله عند ابن سينا

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
الفاعل يتحدد عند المتكلمة (كما المعتزلة) بالفعل الإنساني، وعند الفلاسفة في مسألة الخلق وفي العلاقة السببية بين الفعل والفاعل. ومن هذا المنطلق تتنوع العلاقة بين بين الفعل والفاعل. فكيف يحدث الفعل ؟ وما هي مسؤولية الفاعل عن فعله؟, وما هي علاقة الفاعل بالجوهر ؟ وما هي نوع العلاقة السببية بين الفعل والفاعل؟. وهل الإنسان مخير أم مجبر ؟.
اعتقدت فرقة الجبرية - واحدة من فرق المتكلمين- أن الإنسان فاعل بالمجاز - أي مجبر في أفعاله وغير خالق لها. وقالوا أن الصفات نوعين: إلهية وبشرية؛ وصفة الخلق هي صفة إلهية. أما فرقة المعتزلة فقالوا إن الإنسان مخير في أفعاله، لأن الله لا يخلق الشر ولا يفعله حسب قوله تعالى: "وما ربك بظلام للعبيد", والإنسان مسؤول عن فعله وبالتالي مثاب أو معاقب عليه.
بين هذه المواقف المتطرفة في مسألة الجبر والاختيار, كان لفرقة الأشاعرة موقفا متوسطا فقالوا بنظرية الكسب. وهي أن الأفعال تسند لله خلقا وللإنسان كسبا. فالإنسان يختار بإرادته الفعل والله يهبه القدرة والاستطاعة على إتيانه. وهكذا يكون الإنسان مخيرا في إرادته، وتابعا في قدرته للمشيئة الإلهية.
ووفقا لأسبقية العقل على النقل او العكس, فقد انقسم المتكلمة بالتوالي إلى فرق كلامية عقلية (مثل المعتزلة)، وأخرى نقلية (كالأشاعرة). الذين قسموا القضايا إلى توقيفية وأخرى توفيقية, حيث الأولى تتعلق بالقضايا الميتافيزيقية التي لا يستطيع العقل أن يأتيها، وبالتالي فالأسبقية للنقل على العقل.
وبالانتقال من قضية الخيار والجبرية تبعا للمتكلمة إلى قضية الفاعل والجوهر (اللامتعين) تبعا للفلاسفة, تبرز واحدة من أهم المسائل: هل العالم محدث أم أزلي ؟. المتكلمة قالوا بانه مُحدث والله هو الفاعل التام للكون. أما الفلاسفة فقالوا أن الوجود لا بد ان يأتي من وجود سابق علية ولا يمكن ان يأتي من العدم. وهذا يعني أن الوجود مر في مرحلتين: مرحلة الوجود بالقوة ومرحلة الوجود بالفعل. بالنسبة لابن رشد الوجود بالقوة هو الجوهر الهيولي. أي ان العالم ازليا في مادته ومحدثا في صورته. أما الفارابي وإبن سينا فقالوا بنظرية الفيض. أي أن العالم احدى فيوضات اللة, وبالتالي فالعالم أزلي تبعا لأزلية مصدر الفيض. وهكذا يكون اللة في الفلسفة الاسلامية السبب الفاعل للكون. ولكن ما هي العلاقة السببية بين اللة والكون ؟>
المتكلمين يؤكدون أن الله هو السبب المحرك باعتباره الفاعل التام للعالم. أما الأطروحة الرشدية (نسبة إلى ابن رشد)، فتذهب وفقا للنظرية الفيضية الى أن الله هو فاعل للعالم من حيث صورته. أي أن الله هو المحرك الأول للعالم من حيث العلاقة السببية فقط وليس أولا من حيث الزمان. وهو كذلك المحرك الذي لا يتحرك. فالقدماء (المتكلمون والفلاسفة) يعتبرون الحركة فعل ينتج من سبب حارجي (فكل متحرك سبب حركته فاعل خارج عن ذاته).

محتويات



    1 ميتافيزيقية ابن سينا
    2 نظرية الفعل عند ابن سينا
    3 تعريف الفعل
    4 العلم الإنساني تصور وتصديق
        4.1 التصور
        4.2 التصديق
            4.2.1 التقييم
    5 حكم نظري وعملي
        5.1 القدرة
            5.1.1 المرجح
    6 الحكم العملي
    7 ما الذي يجعل فعل الله مختلف عن فعل أي كائن آخر
        7.1 الداعي
        7.2 هل الإنسان مختارا بالحقيقة ؟,
            7.2.1 القيمة الاخلاقية للانسان ومدى مسؤوليته عن فعله؟
            7.2.2 الفضيلة ؟
            7.2.3 مصدر الشر في الكون ؟
    8 خلاصة
    9 مصادر وحواشي
        9.1 معاني

ميتافيزيقية ابن سينا

عبر ابن سينا في أعماله عن رؤيته لله, باحترام مبادئ الإسلام, ولامس أيضا الفكر الكلاسيكي اليوناني وتقرب من الواحد الذي قال به افلوطين. الله بالنسبة لابن سينا هو كيان ضروري.
ميز ابن سينا بوضوح بين جوهر الأشياء ووجودها, وذهب إلى أن مجرد التفاعل بين المادة والصورة لا يمكن أن ينتج الحركة والحياة والوجود. هذا الأخير ينشأ من قضية سببية تربط بالضرورة الوجود والجوهر، وفقط بهذه الطريقة أسباب الأشياء الموجودة يمكن أن تتعايش مع الآثار. النموذج الذي اسخدمه لتفسير الوجود والماهية, يكمن في تحليل وجودي لحالات الكينونة, التي ابن سينا قسمها إلى ثلاثة أنواع،الاستحالة، والصدفة, والضرورة؛ الكيان المستحيل هو الغير موجود, بينما الصدفة بحاجة لسبب خارجي عنها، أما الكيان الضروري، فهو فريد من نوعه، يعكس جوهره، وقادر على توليد الذكاء الاول. وفقا لنظام من الفيض, من الذكاء الأول ينبثق الثاني، وهلم جرا، حتى آخر واحد في السلسلة , وهو القمر. ويعتقد ابن سينا ان الكيان الضروري هو المحرك للذكاء الأول فقط, في حين أن الآخرين، فهو يرعاها بطريقة غير مباشرة. وفيما يتعلق بنطاق المعرفة وحدوث العناية الإلهية. ابن سينا يؤكد أن الله يعلم تفاصيل الأشياء بفضل علمه ووعيه. وأعرب ابن سينا عن تأييده لمفهوم الخلود لله وللكون على حد سواء، ونفى أن يكون هناك أي زمان او مكان سابق على الكيان الضروري.

نظرية الفعل عند ابن سينا

تفسر العلاقة بين الفعل والفاعل
وما يميز الفعل بالإرادة عن الفعل بالطبيعة، وتحدد أن الأول ناتج عن الوعي.
وتناقش أيضا الفعاليات العقلية والنفسية التي تحدث قبل وقوع الفعل، ودور الغرض، والقدرة والمرجح في تحديد الفعل.
وما الذي يجعل فعل الله مختلف عن فعل أي كائن آخر.
وتعرض كيف ميتافيزيقية ابن سينا تحدد القيمة الأخلاقية لفعل الإنسان.
وتناقش اتساق الجوانب الميتافيزيقية والنفسية لنظرية ابن سينا
وتخلص إلى أن الله هو الكائن الوحيد ذو الإرادة المطلقة,
ومصدر الإدراك الذاتي للإنسان ككائن مريد هو السعي في محاولته لتقليد الله. [1]

تعريف الفعل

هو الأثر المترتب على فاعل موجود وجودا عينيا أي متشخصا. وبالتالي الكليات لا تصدر أفعال.[2]
ويميز ابن سينا بين ما يصدر عن الفاعل بالعرض وما يصدر عن الفاعل بالذات.
  • الفعل بالعرض: يرتبط بالفاعل بواسطة فعل أولي.
  • الفعل بالذات: يرتبط مع الفاعل كارتباط العلة بالمعلول. [3]
وفي هذه الحالة يكون الفعل إما طبيعي أو إرادي. [4][5]
    • الفعل الطبيعي: في حالة تلازم الفعل والفاعل ويكون صدور الفعل بالطبع او عن قوة طبيعية لعدم وجود مانع. ومنها ما يحصل لاتصاف الفاعل بصفة ذاتية, مثل الأفعال الإدراكية الصادرة عن قوى النفس الناطقة. بعض هذه الفعال تصدر عن النفس بسبب ارتباطها بالبدن كأفعال الحواس الخمس. وبعضها الأخر يصدر للنفس في ذاتها وهو فعل الإدراك العقلي. ويقول ابن سينا أن هذه الأفعال الإدراكية(حسي وعقلي) متمانعة متعاندة, أي إذا اشتغلت انفس بأحدهما انصرفت عن الأخر. .
    • الفعل الإرادي: كل فعل يصدر عن فاعل وغير منافي له. ولكن هذا التعريف ليس كافي إذ يمكن ان تندرج تحته أفعال بالطبيعة. ولذلك لا بد من إضافة شرطين:
      • 1- أن يكون المريد شاعر بذاته ؛ وهذا الشرط يقتصر على الله وعلى الإنسان. فاللة عاقل ومعقول وعقل وفعله عين تعقله لذاته. والإنسان موجود ذو نفس ناطقة, فهو بالضرورة شاعر بذاته. ويقول ابن سينا الفعل والشعور بالذات متلازمان, فإذا قلت فعلت كذا, فقد عبرت ان إدراكي بذاتي.
      • 2- أن يكون مبدأه علما أو ظنا أو تخيلا. هذا الشرط يحدد جهة صدور الفعل, فإذا كان علما, فهو يشمل فعل الله بإطلاق وبعض أفعال الإنسان. أما إذا كانت جهة الصدور ظنا او تخيلا فهو يشمل أفعال الإنسان الأخرى.

العلم الإنساني تصور وتصديق

التصور

  • التصور أما ان يكون حسيا أو عقليا. وبينهما مرتبتان: مرتبة يكون فيها التصور ظنيا والأخرى وتخيليا. ولما كان التصور مبدأ التصديق وهو سابق عليه فهو مبدأ الفعل, فما لم يكن تصورا لم يكن فعلا. وبما ان التصور فاعلية للنفس ولا يقتضي حكما فانه ليس خطأ أو صحيح معرفيا وكما انه لا يلجي للفعل , فليس حسنا او قبيحا أخلاقيا (وجوديا). [6]

التصديق

  • التصديق (أو الحكم) يلي التصور, وهي المرحلة التي يتم فيها تقييم التصور من حيث نفعه او ضرره. وبالرغم من ان التصديق شرط ضروري لحصول الفعل الإرادي, لكنه لا يلزم صاحبه لكي يصدر الفعل. فهو وإن احتمل الصدق او الكذب معرفيا لا يستدعي المدح او الذم اخلاقيا.[7]

التقييم

التقييم فاعلية داخلية- لمعرفة نفع او ضرر التصور- ولكنه يثير فاعلية اخرى. التي يمكن اعتبارها مرحلة تالية للتقييم, حيث يتم فيها الشعور بالشوق او بالنفرة وفقا للتقييم الأولي. وفقط اشتداد هذا الشعور بالنفس يمكن أن يبعث إلى الحركة والفعل لتحصيل المراد. [8]

حكم نظري وعملي

يمكن تلخيص ما سبق في أن الإنسان قبل ان يقوم بفعله يصدر حكمين: - نظري وعملي. الأول يحصل عن فعالية العقل النظري الذي يتأمل الكليات او المقدمات الكبرى كما يسميها ابن سينا. والثاني يحصل عن فاعلية العقل العملي الذي يأخذ نتيجة ما تروى به العقل النظري ويصدقها على الأمور الجزئية: ماذا ينبغي ان يفعل او يترك وما ينفع او يضر وما هو جميل او قبيح او خير او شر. [9]
ولكن هل تقتضي الإرادة القدرة على الفعل ؟

القدرة

القدرة كما يعرفها ابن سينا هي صدور الفعل بمشيئة الفاعل. أي ان الفاعل في هذه الحالة يمكنه الاختيار بين الفعل وضده.
ولكن هل القدرة في الإنسان تعني انه مختار في فعل ما شاء ؟. يقول ابن سينا ان الفعل لا يصدر عن الانسان من حيث قدرته فحسب, بل يجب اقتران القدرة بالمرجح. [10]

المرجح

المرجح ضروري لإخراج الخيار الأمثل من القوة إلى الفعل. لأن المرجح هو ما يترتب على الفعل وجوديا من نفع او مدح او ميتافيزيقيا من خير او شر. ومن الواضح أن هذا الخيار يعتمد أيضا على الظروف المحيطة بالفاعل الإرادي.
وباختصار القدرة في الإنسان تعني انه متى شاء ولم يكن هناك مانع فعل. [11]

الحكم العملي

يسبق فعل الانسان امور كثيرة مثل تصور وتصديق وشوق وإرادة وقدرة ومرجح, ولكن الأهم هو الحكم العملي. الذي يعتمد على امرين: النظرة النفعية والقيمة الاجتماعية, وكلاهكا يرتبط بميتافيزيقية الخير والشر. النظرة النفعية هي الداعي الاول للانسان لما يجب عليه ان يفعل. القيمة الأخلاقية للفعل من قبح او حسن, خير او شر تعتمد على اعتبارات اجتماعية تؤلف قيمها نظرة وضعية (التجربة) او ميتافيزيقية (ادراك مجرد) . وهذا يعني ان المسؤولية الاجتماعية هي معيار الفعل الارادي الصادر عن حرية التصرف.
ولكن هل هذا يوضح أيضا مسألة الجبر أو الاختيار ؟. [12]

ما الذي يجعل فعل الله مختلف عن فعل أي كائن آخر

يعتقد ابن سينا ان الفعل يرتبط بالداعي (أو الغاية) والغرض (أو المرجح), وهذا الرابط هو ما يميز فعل اللة عن فعل غيره. [13]

الداعي

  • الداعي في الإنسان اما ان يكون تصورا حسيا (شهوة والغضب) وفي هذه الحالة لا يختلف الإنسان عن الحيوان. حيث لا يحدث إرادة متوسطة بين صدور الفعل والاعتقاد بالملائمة او النفرة.
  • وإما ان يكون الداعي تصورا عقليا (استكمال ذاته), لان كل متحرك بالإرادة مستكمل.
ووفقا للداعي يميز ابن سينا فعل لانسان عن فعل الازليات, من حيث انه ثابت في حالة الأزليات بسبب عدم وجود اختلاف بين الإرادة والغرض , ومتغير في حالة الآنسان بسبب وجود اختلاف بين الإرادة والغاية. أي أن الداعي والغاية عند الإنسان ليست شيئا واحدا.
وهذا لا يعني ان وجود الغاية تعني حصول الفعل بالضرورة, إلا في حركة الأفلاك الشوقية. [14]
يقول ابن سينا إن فعل الله متميز عن فعل غيره لأنه غير متحرك وبالتالي غير مستكمل, ولأن إرادته غير تابعة لداع أو غاية.
ولكن الأفعال في هذا النوع من الإرادة, تكون صادرة عن طريق اللزوم. ويقول ابن سينا ان هناك نوعين من اللزوم, اما عن طبيعة الفاعل كصدور الضوء عن المضيء, او عن علمه بذاته, كصدور الموجودات عن الباري كنتيجة لعملية الفيض.
وللخروج من مأزق هذا اللزوم او الضرورة, يقول ابن سينا ان المختار بالحقيقة هو الذي لا يدعوه داعي الى فعل ما يفعله. وهذا التعريف لا ينطبق إلا على الله حيث الغاية والفاعل شيئا واحدا. [15]

هل الإنسان مختارا بالحقيقة ؟,

يتضح مما سبق ان الفعل الصادر عن مختار بالحقيقة هو الذي يصدر عن فاعل ذي علم تام. وهذا لا ينطبق على فعل الإنسان لان علمه مشوب بتخيل بسبب اتصال النفس بالبدن, وبالتالي ففعل الإنسان ليس صادر عن اختيار. وفي هذا يقول ابن سينا ان الإنسان "مضطر في صورة مختار". فإن كان كذلك فمن أين أتى للإنسان هذا الشعور بالاختيار ؟.
يميز ابن سينا بين الفعل بالإكراه أو بالاختيار. فالأول يصدر عندما يكون الداعي غير موافق للفاعل, حتى لو كان فيه إصلاحه. أما في حالة الاختيار فيكون صدور الفعل موافق لأقوى القوى التي يشعر بها الفاعل. [16]
  • فإذا لم يكن الإنسان مختارا بالحقيقة فما هو حكم فعله؟.
يقول ابن سينا ان كل ما يصدر عن ذات الله مقترن بنظام العلة والمعلول. وبالتالي أسباب حدوث أي حادث جزئي تتركب وفقا لسلسة من المعلولات التي تبدأ من حركة الفلك المقدرة بتقدير من الباري وإرادته. فإذن كل أفعالنا بقدر ونحن مجبرون عليها. وكل ما يجري في الكون من حتمية تتحول إلى جبرية صريحة. حيث يقول ابن سينا ان فعل الإنسان "لازم من لوازم ما ساقت إليه الأحوال الماضية التي لا بد من وقوعها ولا بد من وقوع ما يتبعها". [17]

القيمة الاخلاقية للانسان ومدى مسؤوليته عن فعله؟

يقول ابن سينا: "اذا كان القدر فلما العقاب ؟", ويتابع بالقول ان الفعل الحسن الذي يصدر عن النفس وتتوخى منه خيرها واستكمالها الذاتي, هو عين الثواب الذي تسعد به. أما الفعل القبيح الذي يصدر عن النفس ولا تتوخى منه خيرها, فهو عين العقاب الذي تشقى به. [18]

الفضيلة ؟

يعتقد ابن سينا ان الفضيلة ملكة ونسبة الأفعال الجميلة إليها كنسبة التأملات بالنسبة لليقين, فكما التأملات والافكار لا توجد اليقين بل تعد النفس لذلك, فكذلك الأفعال الحسنة تعد النفس لقبول الملكة الفاضلة من فيض واهب الصور. أي النفس التي بأفعالها الحسنة تصبح فاضلة بالقوة بذلك الفيض تصبح فاضلة بالفعل. [19]

مصدر الشر في الكون ؟

يعتقد ابن سينا بعدم الشر ميتافيزيقيا, ولكنه يعترف انه موجود بالعرض. الذي يكون بحكم الضرورة , فالنار لكي تكون خيرا لا بد ان تحرق, وإما لعجز المادة عن قبول النظام التام. [20]

خلاصة

نظرية ابن سينا في الفعل تتكون من شقين: سيكولوجي وميتافيزيقي. الشق الأول يتعلق بارتباط الفعل بالفاعل المتعين والمتشخص, وبكيفية صدور الفعل. وما يسبقه من فعاليات ذهنية (كالتصور والتصديق والحكم النظر والعملي) وسيكولوجية (كما الشوق والقدرة والغاية والغرض), ويتعلق أيضا بما يميز الفعل الإنساني عن الفعل الإلهي.
أما الشق الثاني الميتافيزيقي, فيتعلق بحتمية الكون وما يجري فيه من أحداث وفقا لعلم الله وإرادته وقدرته. وبما ان الإنسان جزء من هذا الكون فالحتمية تتحول إلى جبرية . [21]
ولكن هل هناك اتساق بين شقي نظرية ابن سينا بين؟.
يقول ابن سينا فيض الصور المعقولة على النفس الناطقة تجعل العقل عقلا بالفعل (العقل المستفاد). وفيض صور الموجودات تجعلها موجودة بالفعل. فالعقل الفعال (واهب الصور) هو سبب العلم الإنساني سواء تصورا او تصديقا. ويكون هذا العلم أتم كلما كان الفيض أتم.
فالإنسان في مرتبة العقل المستفاد تكون قوته قد تشبهت بأفعال الباري. ويكون ذلك عندما يكون الخير الغاية من الفعل واستكمال النفس. أي عندما يكون الفاعل والغاية أمرا واحدا.

مصادر وحواشي

  1. ^ نظرية ابن سينا في الفعل. سلمان البدور. المجلد 15 العدد 3. 1988.
  2. ^ الكليات" هي كيانات فكرية يمكن أن تنطبق على عدة أفراد. عند صياغة جمل مثل "كل رجل عقلاني"، فنحن نستخدم بعض المصطلحات في هذه الحالة "رجل دون الاشارة إلى شخص محدد. الخلاف حول مفهوم الكلي هي القضية الاولى للمدارس الفلسفية واللاهوتية. جوهر القضية يدور حول عما إذا الكليات موجودة أو هي فقط أفكار في عقل من يفكر فيها. أي إذا كانت فكر أو كينونة، أو إذا كانت كلمات أو حقيقة. النقاش دار حول ثلاثة مواقف مختلفة, وهي: - الكليات حقيقية، ولكن سابقة على الاشياء المحسوسة , في اللة قبل الخلق (universalia ante rem). - الكليات موجودة في الأشياء كجوهر (universalia in re) - الكليات تصبح واقعية فقط عندما يعيها العقل (universalia post rem)-
  3. ^ العلة والمعلول مصطلح من المصطلحات الفلسفية والكلامية على السواء. ويعتبر قانون العلية أهم الركائز لإثبات أي حقيقة حتى إثبات وجود هذا الكون بكل ما فيه من موجودات مادية. العلة: هي القوة الفاعلة والمؤثرة في غيرها. المعلول: هو الأثر المترتب على تلك العلة والناتج عنها. مثلاً غليان الماء،سببه تعرض الماء إلى الحرارة. فالحرارة علة والغليان معلول. ووفقا لاستقلال العلة أو عدمه في التأثير تنقسم العلة إلى قسمين: - علة تامة و - علة ناقصة. الاولى مستقلة في التأثير, أي يلزم من وجودها وجود المعلول ومن عدمها عدمه. أما العلة الناقصة فهي غير مستقلة في التأثير،وإنما مشاركة لغيرها. أي وجودها لا يلزم وجود المعلول،ولكن عدمها يلزم عدم وجوده. مثال على العلتين: النور لا ينبثق عن المصباح إلا من خلال اتصاله بالطاقة الكهربائية. فهنا الطاقة الكهربائية هي علة تامة . أما السلك فوظيفته توصيل الطاقة إلى المصباح . وبما أن السلك غير مستقل في التأثير وإنما هو مشارك لغيره (الطاقة), فهو إذن علة ناقصة. وتنقسم العلة وفق لدورها في إيجاد المعلول،إلى أربعة أقسام (حسب التقسيم الأرسطي) : - العلة الفاعلية؛ وهي التي تفعل الفعل؛ - العلة المادية, وهي الأجزاء المادية التي يتكون منها المعلول؛ - العلة الصورية, وهي الجزء الذي يتكون منه شكل المعلول ؛ - العلة الغائية وهي الغاية المرادة من فعل الشيء. مثلا في حالة طاولة من خشب, فالنجار هوالعلة الفاعلية الذي قام بصنع لطاولة. والخشب هي العلة المادية . والشكل المستطيل للطاولة هي العلة الصورية. وأن نكتب عليها هي العلة الغائية. ويجدر الاشارة الى أن العلة الفاعلية تنقسم إلى قسمين:- الاولى هي العلة الفاعلة بالاختيار, التي تكون حرة مختارة،إن شاءت فعلت،وإن شاءت لم تفعل، فيمكنها الفعل كما يمكنها الترك. والثانية هي العلة الفاعلة بالاضطرار, التي يمكنها الفعل ولا يمكنها الترك. كالنار في إحراقها فهي إذا حرقت الشيء، لا يمكنها أن تتوقف عن حرقه.
  4. ^ [... الفعل قسمان إرادي كفعل الحيوان والإنسان وطبيعي كفعل الشمس في الإضاءة والنار في التسخين والماء في التبريد وإنما يلزم العلم في الفعل الإرادي (كما في الصناعات البشرية) ولا يلزم في الفعل الطبيعي. وإن الله فعل العالم بطريق اللزوم عن ذاته بالطبع والاضطرار لا بطريق الإرادة والاختيار, بل لزم الكل ذاته كما يلزم النور الشمس, وكما لا قدرة للشمس على كف النور ولا النار على كف التسخين فلا قدرة للأول على الكف عن أفعاله. وهذا النمط وإن تجوز بتسميته فعلا فلا يقتضي علما للفاعل أصلا. فإن قيل بين الأمرين فرق وهو أن صدور الكل عن ذاته بسبب علمه بالكل فتمثل النظام الكلي هو سبب فيضان الكل ولا مبدأ له سوى العلم بالكل والعلم بالكل عين ذاته فلو لم يكن له علم بالكل لما وجد منه الكل بخلاف النور. دَرْءُ تَعَارُضِ العَقْلِ وَالنَّقْلِ. شيخ الإسلام ابن تيمية. الجزء العاشر.
  5. ^ يقسم ابن سينا الحركة إلى نوعين: حركة قسريّة وحركة إراديّة وتصدر الحركة القسريّة عن محرّك خارجي يدفع المتحرّك إلى الحركة قسرا. وأمّا الحركة الإراديّة فإنّ منها ما يحدث على مقتضى الطّبيعة ومنها ما يحدث ضدّ مقتضى الطّبيعة. والنّوع الذي يحدث على مقتضى الطّبيعة هو كسقوط الحجر من أعلى إلى أسفل، أمّا النّوع الذي يحدث ضدّ مقتضى الطّبيعة فهو كتحليق الطّائر إلى الأعلى بدل أن يسقط إلى الأسفل فهذه الحركة المضادّة للطّبيعة إنّما تستلزم محرّكا خاصّا زائدا على عناصر الجسم المتحرّك، وهذا المحرّك هو النّفس. وكذلك تدلّنا أفعال الكائن الحيّ من تغذّ ونموّ وتوليد وإحساس وحركة بالإرادة، على أنّ هذه الأمور الطّبيعيّة لا يمكن أن تصدر عن الجسم وحده فلا بدّّ بأنّها تصدر عن مبدإ آخر غير الجسم وهذا المبدأ الذي تصدر عنه هذه الأفعال المختلفة هو النّفس.
  6. ^ العقل والفعل في الفلسفة الاسلامية. الدكتور سلمان البدور. 2006
  7. ^ المصدر السابق
  8. ^ المصدر السابق
  9. ^ المصدر السابق
  10. ^ المصدر السابق
  11. ^ المصدر السابق
  12. ^ المصدر السابق
  13. ^ المصدر السابق
  14. ^ المصدر السابق
  15. ^ المصدر السابق
  16. ^ المصدر السابق
  17. ^ المصدر السابق
  18. ^ المصدر السابق
  19. ^ المصدر السابق
  20. ^ المصدر السابق
  21. ^ المصدر السابق

معاني

  • الغَرَضُ : الهدف الذي يُرمَى إِليه. والغَرَضُ البُغية والحاجة. والغَرَضُ القصدُ : يقال: فهمتُ غَرَضَك: قَصْدَكَ. والجمع : أَغراض .
  • الداعي هو السبب ، واصطلاحا هو السبب المؤثر في الإتيان بالفعل.

مستخدم:Hasanisawi/تأثير المعتزلة على الكندي

مستخدم:Hasanisawi/تأثير المعتزلة على الكندي

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
أدى البحث اللاهوتي عند علماء الكلام المسلمين الى النظر في قضايا مثل:
  • العلاقة بين القديم والحادث, التي تبحث في العلاقة بين الموجود أللازماني (القديم) والموجود الزماني (الحادث)
  • العلاقة بين ألمشيئة الإلهية وإرادة الإنسان, التي تبحث في مسألة حرية الإنسان ومدى مسؤوليته عن فعله,
في كليهما تتبدى مسألة دور اللة في تاريخ الكون من جهة, وفي تاريخ الآنسان والمجتمع من جهة أخرى. بما يتعلق سواء بحقيقة العلة والمعلول او بالنظام والقانون. [1]

محتويات

     1 علم الكلام
    2 المعتزلة
        2.1 النتائج
    3 الكندي
        3.1 انواع الفعل عند الكنيدي
            3.1.1 شروط فعل الإبداع
        3.2 مصادفة او نظام صارم
        3.3 علة ومعلول حقيقية او قوانين مسبقة
        3.4 هل الانسان فاعل بالحقيقة ؟
    4 ما هو تأثير المعتزلة على الكندي ؟
        4.1 عوامل تأثير المعتزلة على الكندي
        4.2 محاولة المعتزلة في التوفيق بين الدين والفلسفة
            4.2.1 التوفيق بين الدين والفلسفة عند الكندي
        4.3 أدلة الكندي على وجود اللة
        4.4 صفات اللة
            4.4.1 علاقة العلة بالمعلول
            4.4.2 العلاقة بين ألمشيئة الإلهية وإرادة الإنسان
        4.5 هل العالم محدث ؟
            4.5.1 المعتزلة
            4.5.2 الكندي
    5 ماذا اخذ الكندي من المعتزلة وماذا ترك
    6 مصادر وحواشي
    7 وصلات خارجية

علم الكلام

علم الكلام كان يستند أساسا على النصوص الشرعية من قرآن وسنة وأساليب منطقية لغوية لبناء أسلوب احتجاجي يواجه به من يحاول الطعن في حقائق الإسلام، أما الفلاسفة المسلمين فقد تبنوا الفلسفة اليونانية وكان مرجعهم الأول التصور الأرسطي أو التصور الأفلوطيني باعتباره متوافق مع نصوص وروح الإسلام. حيث قاموا بمحاولات توفيقية بين المفهوم الإسلامي لله والمفهوم الفلسفي اليوناني للمبدأ الأول أو العقل الأول. أهداف علم الكلام هي في نقل المسلم من التقليد إلى اليقين في إثبات أصول الدين بالأدلة المفيدة. وعليه فإن منشأ علم الكلام كان هو الإيمان , وليس مثل الفلسفة التي لا تبدأ من الإيمان التسليمي، أو من الطبيعة، بل تحلل هذه المسلمات إلى مبادئها الأولية. المعتزلة والاشاعرة هما من اهم الفرق الكلامية التي ظهرت بعد وفاة الرسول محمد.
من اهم القضايا التي شغلت هذه الفرق تتعلق بالصفات الإلهية. حيث فكر المعتزلة وجد اهتماما في الفلسفة الإسلامية, بينما فكر الأشاعرة وجد حضورا في المذهب السني. [2]

المعتزلة

بما يتعلق بالصفات الالهية, المعتزلة ارادوا تحقيق ثلاثة اهداف وهي:
  1. اثبات التنزية, اي ان اللة لا يشارك صفاته مع مخلوقاته.
  2. تعدد الصفات الالهية لا يؤدي الى تكثر في الذات الالهية
  3. عدم الوقوع في الشرك
أي باثبات بأدلة عقلية ان صفات الله عين ذاتها. فهذا يعني:
  • انها ليست مستقلة عن الذات
  • تعدد الصفات لا يؤدي الى التكثر في الذات الالهية
  • احدية اللة وبالتالي عدم الوقوع بالشرك
وللقول بان صفات اللة عين ذاتها يلزمهم ان يكون اللة عالما بما هو مريد, ومريد بما هو عالم وقادر, وقادر بما هو عالم ومريد. وهذا يقوده الى تصور علاقة خاصة بين اللة والكون. وهذا التصور ينبني على الأمور التالية:
  1. بما ان اللة عالما بالكون ابدا , ومنذ كان عالما فانه بالضرورة مريد لما يعلم وبالضرورة ايضا قادرا لما يريد. فهذا يلزم انه منذ كان اللة كان الكون. وبالتالي فتقدم الذات الالهية على الكون ليس زماني بل تقدم بالشرف والفرق بينهما ان اللة خالق والكون مخلوق.
  2. عدم جواز تخلف المعلول عن علته التامة, وبهذا فان اللة علة الكون التامة وان وجود الكون ليس متأخرا عن وجود اللة. وهذا يعني التلازم بين العلة والمعلول. ويؤدي وجود العلة التامة الى حصول المعلول بالضرورة.
  3. ان ما يصدر عن اللة يصدر عن علم سابق قديم, وبالتالي الكون وما يجري فيه يصدر بحكم هذا العلم.
  4. ان ما يصدر عن اللة من افعال انما يجب على ذاته من حيث ان علمه وارادتة وقدرته هي عين ذاته. أي ان الكون معقول بكل ما فيه من أشياء تتغير
  • بالرغم من قول المعتزلة بان الكون مخلوق (معلول) واللة خالق (علة), فهم لم يحلوا مشكلة أبدية الكون, لأن الأبد لا قبل منه ولا بعده .
  • وبما ان اللة مريد بما هو يعلم فان فعله لا يمكن ان يكون فعل طبيعي. لان هذا يقود إلى انه ليس إراديا بل يصدر عنه على سبيل اللزوم. انما ما يصدر عن اللة يجب عن ذاته . وهذا ينفي ان يصدر الفعل عن اللة بغير رضا او بالاضطرار.
  • الكون وما يجري فيه يسير بموجب نظام وقوانين, اهمها العلة والمعلول. ولكن هذا النظام لا يمكن ان يكون ميكانيكيا. لأن هذا يمكن ان يحدث في حالتين: - الأولى مفروض من خارجه, والثانية ان يكون ذاتيا. وهذه الحالة الأخيرة مرفوضة لان المعتزلة يعتقدون بوجود خالق للكون ومدبر له. والحالة الاولى مرفوضة أيضا لعدم وجود غاية فيها.
  • وبما العلم والإرادة عين الذات الإلهية , فلا يمكن ان ينفصلان عن بعضهما, وبالتالي المعتزلة نفوا المصادفة. وطالما ان غاية الفعل الإلهي تحقيق الأصلح, فالكون لا بد ان يكون الأفضل ولا ينسجم مع أي نظام ميكانيكي او ترتيب تتداخل فيه المصادفة.

النتائج

  1. صورة الكون هي صورة العلم الالهي. أي كل لحظة تعكس شأنا من شؤون الله المتحققة بإرادته وبموجب علمه. وهذا يتنافى مع ما يعتقد المعتزلة بان الله لا يشارك صفاته مع مخلوقاته, اله لا زماني ولا جسماني.
  2. اذا كان الكون صورة العلم والارداة الالهية العين ذاته القديمة والأزلية, فان ما يجري بالكون يجري حسب تدبير مسبق. وبحسب تعبر الكندي ان كون الاشياء علة لكون بعضها هو حصيلة التدبير المسبق للحكمة الإلهية. لكن هذا يؤدي الى استغناء الكون عن الخالق بمجرد حصول الفعل الاول. لان الامور ستجري بعد ذلك حسب ما هو مقدر سلفا. أما اذا أسندت لله استمرارية فعاليته فيه, فهذا يؤدي إلى تصوره في الزمان والمكان. وبالتالي يخضعه الى تصورات الإنسان المتعددة وهذا يحيل مفهوم الله من موجود ثابت الى موجود متغير.
  3. اذا ما اخذنا نظرية المعتزلة في باب العدل وقارناها مع القول بان كل ما يجري بالكون يسير وفقا لنظام محكم صارم أساسه مفهوم العلة والمعلول, نجد ان هناك تناقض اذا ما تم تعميمه على كل من العالم الفيزيائي والعالم الأخلاقي للإنسان, لانه من جهة يؤدي الى الحتمية في مجال الطبيعة والجبرية في مجال الاخلاق . [3]
للتفصيل, يعتقد المعتزلة ان الانسان بما يتميز به من وعي وادراك فانه خالق لأفعاله ومسؤول عنها, وبالتالي ف"العقل هو مناط التكليف". وما ينتج عن حرية الانسان في اختيار أفعاله سيكون جزاءه الجنة أو النار. واذا ما أضفنا الى عملية الاختيار عوامل اخرى سواء ذاتية كالقصد والداعي والمزاج, او موضوعية كظروف العالم المحيطة به, فالامور تزداد تعقيدا وهذا ما يجعل فعل الإنسان متميزا عن الفعل الالهي.
ابن سينا قال ان فعل الإنسان من لوازم ما ساقت اليه الاحوال الماضية التي لا بد من وقوع ما يتبعها. والكندي قال ان الانسان فاعل بالمجاز. وكل هذا يناقض اعتقاد المعتزلة بان الانسان قادر ان ينفذ في الطبيعة من الأفعال ما تنسب إليه نسبة حقيقية. ولكن هذا الاعتقاد يؤدي الى توتر العلاقة بين اللة والانسان. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة الى بعض الجوانب المهمة, وهي:
  1. اذا كان اللة يعلم بعلم سابق ثابت لا يتغير ويريد كل شيء بما في ذلك فعل الانسان, فكيف يصح الادعاء بحرية الإنسان في فعله.
  2. لو اعتقدنا بفرضية المعتزلة ان الانسان حر مختار فهل يكون اختياره خارج عما اختاره الله له مسبقا ؟
  3. واذا اعتقدنا بمبدأ العدل عند المعتزلة بان الله لا يريد الشر ولا يفعله, وان الإنسان يمكنه أن يختار الشر ويفعله, فكيف يجيز الله ان يجري في ملكه ما لا يشاء.
  4. اذا كان اللة لا يريد الشر ولا يفعله, فهذا ينفي الشر ميتافيزيقيا, ولكن نفي الشر يعني نفي الخير وبهذا يخلو الكون من اي اعتبار قيمي. وهو ما يتنافى مع اعتقاد المعتزلة بالغائية التي تكمن بما هو اصلح أي الخير. وبالتالي اذا أصبح العالم كله خير, فمن أين أتى الشر ؟. يقول المعتزلة بان الشر داخل بالعرض. مثلا النار خيرة ولان تكون كذلك لا بد ان تحرق فإذا حرقت منزل ما, فإنما يكون من أصل القوة التي جعلت منها خيرا. وما حدث للمنزل كان يمكن تلافيه.
والانسان ايضا مفطور على الخير وذا ما نتج عنه الشر فانه ينتج نتيجة امور الكون واختلاطها ببعض. وهنا يقول المعتزلة بان اللطف الالهي هو في منحة العقل للإنسان للتمييز. ولكن بالرغم من هذا اللطف فان اختيار فعل دون اخر يعتمد على شبكة معقدة من الظروف: في أدناها مزاج الجسد وفي اسماها الحكمة. ومن أجل التمييز الإنسان بحاجة الى معرفة الحقيقة المطلقة التي لا يمكن للانسان الاحاطة بها لاستحالة معرفة توالي السلسلة من العلل والمعلولات اللامحدودة والتي الانسان جزءا منها (كما قال الكنيدي الانسان محدود في تفكيرة ؟).
  1. قدرة الانسان على خلق فعله كما يقول المعتزلة, يعني ان الانسان يشارك اللة في الخلق.
  2. اذا فعل اللة يصدر عن علم مسبق قديم يحكم الكون وما يجري فيه, فما هي العلاقة بين الموجود اللازماني (اللة) وما يجري في الزمان من سلسلة طويلة من الاحداث. المعتزلة وصفوا هذه العلاقة بحالات الصفات (أو الماهيات الثابتة كما يقول سقراط ؟) التي ليس لهل وجود عيني ولكنها ليست معدومة وهي تتوسط موجوديين عينيين وهما الذات القديمة والكون الحادث. مثلا ماهية العلم ليس له وجود متعين بحيز او بشكل او بمقدار ولكنه ليس بمعدوما. وبما ان العلم بالشيء يقتضي تمايزه غن بقية ما يعلم, وتمايز الشيء ليس عدما. لان العدم المحض لا تمايز فيه.
المعتزلة قالوا بثبوت الماهيات وهذا لا يلزم اثبات قدمها لان الثبوت غير موجود.
المعتزلة والاشاعرة يقرّان كليهما مسؤولية الانسان عن فعله من حيث النظام الاتم للكون لانهم تناولوا مفهوم اللطف الالهي. أما بما يتعلق باعطاء دور الانسان في التاريخ أي فاعليته في الساحات الثلاثة: النفسية والاجتماعية والطبيعية, فقد قالوا ان الانسان ليس محكوم بعبودية مطلقة اتجاة اللة. على الرغم ان الأشاعرة اعطوا أولوية للمعرفة النصية على المعرفة العقلية التي اعتقد المعتزلة انها مناط التكليف الا انهما مثلتا التوجة ضد انصياع الانسان لسلطة اللة المطلقة.
ولكن كل هذا لا يؤدي في المحصلة النهائية الى اختلاف جوهري في نظرة الفرقتين الى الكون وما يجري فيه. فيصبح تاريخ الكون بمثابة التحقيق الفعلي لعلم اللة. أي هو وحدة القادر على خلق الحدث. فعند المعتزلة الكون هو المتحقق المحسوس لعلم وإرادة اللة. أما عند الاشاعرة فهو المرجع المحسوس للإرادة الالهية.
هذه الرؤى تنكر دور الانسان والمجتمع في تغيير معطيات الواقع لانتاج حدث سياسي او اجتماعي. لان اي تغيير اما ان يكون معطى سلفا في العلم الالهي او منوط بمشيئة اللة.
ان اي نظرة لاهوتية للتاريخ تخلق توترا دائم في العلاقة بين اللازماني (القديم) والزماني (الحادث). وتجعل التاريخ الدنيوي يندرج ضمن المسار المستقيم لتاريخ النجاة الأخروي الذي يبدأ بالخلق الأول وينتهي يوم النشور. (محمد أركون)

الكندي

بسبب تأثره بالمعتزلة كان طرحه الفكري دينيا ومقتنعا بأن حكمة الرسول محمد النابعة من الوحي تطغى على إدراك وتحليل الإنسان الفيلسوف. لم يكن اهتمام الكندي منصبا على دين الإسلام فقط بل حاول الوصول إلى الحقيقة من جميع المصادر: دراسة الأديان والحضارات الأخرى . [4]
لم يختلف علماء الكلام والفلاسفة المسلمون على ان اللة هو العلة التامة للكون. ولكنهم اختلفوا في علاقة العلة بالمعلول. فالمعتزلة قالوا ان المعلول لا يمكن ان يتخلف عن علته, اما الكندي فقال ان اللة علة مبدعة. ومن هنا فهو صنف الافعال الى من فعله حقيقي ومن فعله بالمجاز.

انواع الفعل عند الكنيدي

  1. الفعل الحقي الاول او الابداع. حيث الفاعل ينجز فعلة دون ان ينفعل باي جنس من اجناس الـأثر.
  2. الفعل الحقي الثاني وهو اثر للفعل الاول أي فاعل بالمجاز. الذي يقوم بفعلة نتيجة انفعاله بفعل سابق عليه.
وبما ان كل من هو سوى اللة فاعل بالمجاز. فالمنفعل الاول ينفعل فينفعل عنه اخر وهكذا حتى المنعل الاخير. وبالتالي فان الابداع هو العلة الأولى. والعلاقة بين المُبدع والمبدَع هي في عدم استغناء الثاني (المعلول) عن الأول (العلة الأولى). فيكون اللة العلة الأولى الممسك بكل ما هو ابدع. وبما ان الكندي يتابع ويقول لا يخلو شيء من إمساكه الا عاد ودثر . فالسؤال هنا هو كيف يمكن ان يخلو شيء من مسكة اللة ؟. والعلل الطبيعية كما يسميها هي تدخل اللة في الكون في كل لحظة.

شروط فعل الإبداع

  1. الإمكان الميتافيزيقي, أي أن لا يشمل مفهوم المبدَع على تناقض. والإبداع هو إخراج ما هو موجود بالقوة إلى ما هو هو موجود بالفعل
  2. أن يكون المبدَع هو ألأصلح. وهذا الشرط يعود إلى فكر المعتزلة الذين قالوا بما ان اللة خير وفعله كامل, فيجب ان يعمل ما هو اصلح.
هاذين الشرطين يحددان ما يلي:
  1. معالم فعل اللة من جهة, لانه وفقا للشرط الاول فعل اللة معقول فلا يمكن ان يكون تحكميا ويوضح أيضا علاقته الوثيقة بالعلم الإلهي وبالتالي العلاقة الوثيقة بين الوجود والمعرفة.
  2. وعلاقتهما بالإرادة الإلهية من جهة أخرى. لانه وفقا للشرط الثاني فان اللة يمكنه خلق عدد لامتناهي من العوالم الممكنة ولكن إرادته تعلقت بما هو أصلح والخاضع لقوانين معقولية صارمة. وهذا ما يأخذه الكندي كدليل على وجود الخالق فيقول ان في نظم العالم وترتيبه وفعل بعضه في بعض, لأعظم دلالة على اتقن تدبير ومع كل تدبير مدبر.
ولكن هاذين الشرطان لا يمثلان قيدا على الإرادة الإلهية وبالتالي لا يحيلان هذه الإرادة من مطلقة إلى محدودة. ولأن العلة الفاعلة هي ايضا العلة الغائية فان حرية اللة في فعله لا تتلقي تأثيرا من غيره. فهو الموجود الوحيد الذي يفعل وفقا لضرورة لقوانين طبيعته. وبهذا العلم والإرادة ليستا صفتين منفكتين عن بعضهما فما يحصل عن ارادته يحصل بالضرورة عن علمه. فتكون بذلك إرادته معقولة وفعله ضروري. فاذا اللة كان ابدا فان فعله ملازم له ولا ينفك عنه. وهذا يعني انه يحصل عنه بالضرورة. ومن سمات الفعل الضروري انه لا ينفك عن فاعله. فاللة اذا علة موجدة ومبقية ايضا. فلا شيء ينفك من مسكته الا عاد واندثر. ولكن فعل اللة لا يكون فقط بالضرورة بل ايضا أخلاقي بالضرورة وهذا لا يعني ان القوانين الأخلاقية مستقلة عن ذاته. ولكن بما ان اللة الكمال بعينه, فإن قوانين ذاته أخلافية ايضا.

مصادفة او نظام صارم

  • ونتيجة الاعتقاد السابق يؤدي الى نفي المصادفة, ولكن ليس بما يتعلق بالانسان. بسبب محدودية قدرته على التنبوء ولكون المصادفة واحدة من عدد غير محدد من الإمكانات. وكما يقول ديمقراطيس " لقد اخترع الانسان المصادفة لتبرير جهله".
فإذا انتفت المصادفة فالبديل هو نظام صارم نتيجة تدبير إلهي مسبق. وكما يقول الكندي "ان كون الاشياء علة لكون بعضها هو حصيلة التدبير الكلي للحكمة السابقة الالهية".
فالسؤال هنا هو ما هي علاقة الاشياء ببعضها البعض , هل تتأثر ببعضها تأثيرا حقيقيا ؟. فيقول الكندي ان الفاعل بالحقيقة هو اللة (المُدع) العلة الفاعلة البعيدة لكون كل كائن وفاسد وكل محسوس ومعقول. فمن دونه, أي جميع مخلوقاتة فانها فاعلات بالمجاز, اولها ينفعل عن الباري وينفعل عنه اخر وهكذا حتى المنفعل الاخير. فإذا نسب الى هذه الفاعلات فعلا فلا يكون حقيقيا. انها فاعلات متوسطة كما يقول الكندي, واللة هو العلة الاولى لجميع المفعولات التي بتوسط او بغير توسط.
ولكن بهذه الطريقة يحدث خلل في العلاقة بين العلة والمعلول , واذا كانت ضرورة ؟. لان التاثير ولتاثر بهذه الطريقة تبدو فقط ظاهرية. او هل البديل هو التعاقب في الزمان او التجاور في المكان. والذي وصفة الأشاعرة بالوسائط المعدة لا الموجبة. وحتى في هذه الطريقة التجاور والتعاقب بحاجى ضامن لضمان استمرارية الوجود والمعرفة. وهذا الوظيفة يسندها الكندي الى العلة الحقيقية لجميع المفعولات سواء بتوسط او بغير توسط.

علة ومعلول حقيقية او قوانين مسبقة

مفهوم العلة عند الكندي هي القوة التي اودعت في أ لتجعله يفعل فعله في ب. ولكنهذا يناقض ما يقوله الكندي ان هناك سلسلة من المفعولات حيث المنفعل الالول ينفعل فينفعل عن اخر وهكذا. فيبدو هنا ان قوة انفعال ب تأتي من القوة التي أثثه من المنفعل الاول أ ولي كما يقول ان كل واحد من المفعولات يملك قوة اودعت به من العلة التامة.
في هذا الصدد يقول الكندي ان الحركة الدائمة للجرم الاقصى وهو المنفعل الاول, تُخرج ما هو بالقوة الى الفعل. وهنا الكندي يميز بين العلة البعيدة والعلة القريبة. ويابع ان هناك سلسلة من العلل والمعلولات التي اذا خضعت للكون والفساد فمن طبيعتها. فلذلك الطبيعة عندة هي علة اولية. وبهذا الطبيعة تبدو خلاقة واعتبرها كائن حي قادر على ايجاد التغيرات التي تحدث له وفيه. ولكن الكندي يرجع هذه العلة الى شيء خارج الاشياء ويقول ان العلاقة بين اطراف سلسلة العلل والمعلولات ضرورية. وهذا يعني ان هذا الكون محكوم بالضرورة ؟. يقول لو كان لدينا القدرة على الاحاطة بكل هذا العدد الامحدود من العلل والمعلولات لكان بامكاننا ان بتنبئ بادق التفاصيل. وهذا مستحيل وما يستطيع ان يفعلة الانسان هو معرفة جزء من هذه السلسلة الطويلة من المعلولات , ولكن حتى بهذه لطريقة فهو يخلعها من صورتها الحقيقية. وربما قلنا ان هذه الضرورة تأتي من القوة التي اودعت في الاشياء, والتي ينسجم مع فكر الكندي, او لان الضرورة أتية من قوة تحكم الكون تحكميا بلا هدف. ولكن هذه الفرضية لا يقبلها الكندي بقوله ان هناك مدبر وهناك ايضا غائية وهذا ما ينطبق على الفعل الالهي, لان اللة هو علة فاعلة وغائية معا.
وبهذه الطريقة ضرورة كهذه تحقق هدفين: الاول هو ان الطبيعة لا تفعل شيء بدون قصد, والثاني هو ابعاد النظام الميكانيكي لان هذا يبعد استمرارية فعل اللة في الكون. ولتلافي ذلك يؤكد الكندي ان العلة البعيدة هي الاولى لجميع المفعولات. وهنا يبدو ان الكندي بقي في اطار النظرة السائدة بين المسلمين الا وهي تأثير الوحي, وخلاصتها ان اللة هو المؤثر الوحيد في الكون. وقولة بالعلة القريبة ةالبعيدة فكان من تأثير الفلسفة اليونانية.

هل الانسان فاعل بالحقيقة ؟

ولكن يبفى السؤال الاخير والاهم, فيما اذا كان الفعل الالهي يشمل فعل الانسان. أو ان الانسان احدى العلل المتوسطة (او الفاعلات بالمجاز). او ان الانسان فاعل بالحقيقة ؟.
نظرية الكندي الانطولوجية لا تتيح مجال الى هذا العتقاد, والتي تنص ان هناك نظام صارم ذات غائية محددة قائمة على التبير المسبق للحكمة الالهية. وبالتالي فان الانسان فاعل بالمجاز وليس الا احدى العلل المتوسطة المنوطة بالمشيئة الالهية. وهذايقودنا الى التسليم بتحول الحتمية الطبيعية الى جبرية.
يجيب الكندي بان الانسان مكون من نفس وجسد (وهنا يبدو واضح تأثره بالمبادئ الافلاطونية), وان افاعيل الجسد تندرج صمن السلسلة من المفعولات, وافاعيل النفس في الجسد تتأثر بمزاجات الاشخاص العالية (الكواكب).
بالرغم من وجود تناقض واضح في اقوال الكندي, لكن من الممكن تجاوزة كما يقول الكندي اذا اخنا بالاعتبار نظريته في المعرفة.
كلما اتسعت ادراكات الانسان اصبح اقدر على فهم هذا النظام. والعلم بالاشياء ممكن لانها قائمة على اسس عقلية ولكن بمرجعية مطلقة. الانسان يبدأ المعرفة عن طريق الحس ولكن وبما ان العالم قائم على اسس عقلية. فلا بد ان تأتي المعرفة عن طريق العقل. الذي يحكم بناء على قانون العلة والمعلول وان لكا اثر مؤثر. مما يؤدي الى التصديق بوجودها وكذلك معرفتنا باللة.
ولكن كما يقول الكندي محدوية الانسان في الوصول الى الحقيقة المطلقة. أي ان الانسان غير قادر على الاحاطة بكامل السلسة من العلل والمعلولات التي تعبر عن سيرورة الارادة الإلهية في الكون. لان الاحاطة بها يعني الكشف عن الصورة التي ارادها اللة للكون. ولما كانت ارادته عين ذاته, فان الكون هو صورة ذاته. كما تقول الصوفية تجلي الحق في الخلق. فاذا كانت غاية الفيلسوف علم الحق والعمل بالحق, يجب علية اولا ان يعرف الحق ليعمل به. وذلك رأى الكندي ان ات الفضائل تكون لمن استطاعوا ات يتجردوا من الدنيا وتفردوا في البحث عن الحقائق. حتى انكشف لهم علم الغيب واطلعوا على سرائر الخلق. وهذه المرتبة يصل اليها فقط الفيلسوف والنبي . وبما النبوة اصطفاء لا يبقى الا ان نتحدث عن الفليسوف. الذي يصبح فاعل بالحقيقة, خارج جبرية التأثير والتأثر. لكن التمايز بين فعل الانسان والفعل الالهي يبقى قائما, ففي الفعل الالهي الضرورة الاخلاقية تكون ذاتية, اما في الانسان فتكون مستقلة عنه. بالاضافة الى ان اللة يفعل ولا ينفعل والانسان يفعل وبدينفعل وبالتالي ليس فاعلا محضا.

ما هو تأثير المعتزلة على الكندي ؟

لقد استفاد الكندي من التراث المعتزلي لان الروح العقلية للمعتزلة لا تناقض اصول الفلسفة. [5]
لمعرفة تأثير المعتزلة على الكندي يجب ان نعرف ما يلي:
  1. إلى أي مدى فكر الكندي كان معبر عن وجهة نظر المعتزلة
  2. هل كان فكر الكندي اصيلا, او كان مرجعه القرآن والسنة وهل المعتزلة لم يكن لها دور في إبرازه
  3. هل كان هناك تناقض بين الفلسفة والدين وإذا كان فكيف واجهه كل من المعتزلة والكندي
  4. هل العالم حادث او قديم, أي هل يعتمد العالم في وجوده على خالق, او كان موجود منذ القدم وليس بحاجة إلى خالق. واذا كان العالم حادثا فكيف يفسره كل من الكندي والمعتزلة. وما مدى تأثر الكندي بالمعتزلة في هذا الصدد, هل كان مباشر او غير مباشر
  5. كيف مهدت المعتزلة للكندي سبيل برهنة وجود اللة وما مدى استفادته منها
  6. هل تميزت المعتزلة بمسألة صفة الوحدانية وهل هذا اثر على الكندي.
  7. هل هناك ما يميز الكندي عن الفكر الاعتزالي, خاصة وان دراسات الكندي للمشكلات الألوهية تعد استمرارا لموقف المعتزلة
  • كان يعتقد أن الكندي متأثر بفكر المعتزلة، وذلك بسبب اهتمامه وإياهم بمسألة توحيد الله. فهل كانت مصادفة او انه يختلف معهم حول عدة موضوعات من عقائدهم. [6]

عوامل تأثير المعتزلة على الكندي

  • تأثير الفلسفة اليونانية على كل من الكندي والمعتزلة, ونقاط انطلاقهما من الدين والسنة , وكثرة الأفكار المتبادلة في عصرهما , وهدفهما في الدفاع عن الإسلام, جعل من اليقين بان الكندي تأثر بالمعتزلة.
كتاباته عن مذاهب المعتزلة مثل مسالة التوحيد والعدل لهي دلالة على ان الكندي تأثر بالمعتزلة وأخذ من بعض ارائهم الاجتهادية, بالرغم من انه لم يكن واحد منهم بل انه تجاوز مسائلهم الكلامية للوصول إلى المباحث الفلسفية المجردة.
تأثير الفلسفة اليونانية كان مباشر على فلسفة الكندي ولكنه لم يكن مردد لها بل كان يخالفها عندما لا تتفق مع الوحي القرآني. فكان يحاول دائما ايجاد ايجاد توافق بين هذه الآراء والعقيدة, للوصول الى نتيجة مختلفة تماما عما كانت عليه هذه الآراء في الاصل. بالرغم من الكنيدي كان ارسطو النزعة الا انه اختار نزعته الخاصة ومعتقده الديني. فمثلا لقد نفى قدم العالم الذي قال به ارسطو. كما انه فضل الأخذ برأي افلاطون بما يتعلق بتقسيم الانسان الى نفس وجسد. وبهذا يمكن اعتباره حلقة الوصل بين تعاليم المعتزلة ومذهب الفلاسفة. وإتباعا للأية التي تقول "فبشر عبادِ الذين يسمعون القول فيتبعون احسنه أولئك الذين هداهم اللة وأولئك هم أولوا الألباب, فالمعتزلة والكندي كانوا يأخذون من الفلسفة اليونانية ما يتفق مع تعاليمهم الدينية.

محاولة المعتزلة في التوفيق بين الدين والفلسفة

حاول المعتزلة حل واحدة من المشاكل الأصعب وهي مشكلة العلاقة بين الدين والفلسفة. التي كانت تتناول تساؤلات حول مدى صلاحية الاعتماد على الفلسفة في مسائل التشريع والعقائد. فمهمتهم في الدفاع عن الإسلام كانت من خلال إيحاد حجج عقلية تنناول مسائل اللة والإنسان, والتي جذبت لهم الكثير من المؤيدين. ومن اشهر أقوالهم في هذا الصدد أن "الشرع هو المخبر والعقل هو المثبت". بل انهم في هذا قدموا العقل على النص بقولهم ان كل دليل نقلي يجب ان يتحول الى دليل عقلي. أي حالوا تأويل العقائد الدينية بحيث توافق التعاليم الفلسفية, فاذا اقرها العقل قبلوها وخلافا لذلك رفضوها. ولكنهم بالرغم من هذا كانوا يقولون بان قضاياهم هي ثمرات الحجج القرآنية. وايضا الكندي كان يذهب في إعلاء سلطة العقل. فالسؤال هنا لماذا لم يكن المعتزلة فلاسفة عقليين مع انهم قدسوا العقل ؟. الجواب يكمن في معرفة هدفهم الذي كان في اقرار العقيدة الواردة في الشرع. أي في عملية تعقيل الدين ونصوصه وفي وجوب عملية التأويل لها. ومن هنا ارتبط التأويل بالفلسفة لأن المفكر يجب الا يتوقف على ظاهر الأيات. وكلما التزم المفكر بالتأويل كان اقرب الى العقل لأنهم أكدوا على تطابق العقل مع النقل. ولتأييد اقوالهم فقد قسموا الحجج الى قسمين: - الجج الدينية - والحجج العقلية.

التوفيق بين الدين والفلسفة عند الكندي

لو تأملنا نزعة الكندي العقلية والفلسفية في تفسير القرآن نجد أن هناك تأثير قوي للمعتزلة في هذا المجال. فالسؤال هنا ما هي الأسباب التي جعلت الكندي يهتم بهذا الموضوع:
  1. ان القرآن الكريم يحتوي على الكثير من المعلومات عن الخلق والخالق, ولذلك لا بد للإنسان ان يبحث في تفصيلاتها. لانها ترمي الى إيقاظ العقل الإنساني ليتأمل في الحقائق وفي محاولة تفسيرها. وللتأكيد نجد في القرآن أيات صريحة على ذلك, مثلا "فاعتقلوا يا أولي الألباب", وأيات اخرى كثيرة تحث العقل على التفكر في الخلق. وهذا ما دفع الكندي الاعتقاد بأن الفلسفة لا تتعارض مع الدين.
ولا جدال هنا بان القرآن قد أمد كلا من المعتزلة والكندي بكثير من الحقائق عن أسرار الخلق وما يجري فيه. بالإضافة إلى انهم وجدوا فيه دعوة صريحة إلى استخدام العقل للسعي نحو اكتشاف قوانين الخلق. فنجد المعتزلة قد اعطوا عقولهم الحرية لفهم النصوص وتأويلها. ولما كان الوحي والعقل من اللة فلا يمكن أن يتناقضان. وحالهم حال الكندي الذي وجد إجابات عن تساؤلات عدة يثيرها العقل عن نشأة العالم ونظامه وقوانينه. واستفاد الكندي من المعتزلة انه لا يمكن الاستغناء عن الوحي وحده او عن العقل وحده. وهذا ما يربط الدين بالفلسفة. ولا داعي ان يكون هناك توتر بينهما لانه عادة ما ينظر للفلسفة بنظرة ارتياب وشك. خصوصا في الفترة التي عاش فيها الكندي في عصر المتوكل الذي قوى نفوذ وسلطة اهل السنة. بالرغم من هذا فان عمليات بناء الفكر تأسست من قبل في عصر الخلفاء العباسيين : المأمون والمعتصم والواثق, والتي كانت قد أينعت بذورها في عصر الدولة الأموية وخصوصا في عهد المأمون الذي كان له ميول في الفلسفة والذي أمر بترجمة الكثير من منشورات الفلسفة اليونانية.
بمقارنة اقوال الكندي والمعتزلة حول مشكلة التوفيق بين الدين والفلسفة نجد تشابها كبيرا, خاصة ان المعتزلة من كبار الداعيين إلى استخدام العقل في النصوص الدينية. ونجد ألتشابهه أيضا في ان العقل لا يخالف الشرع في جوهره. فلما كانت الفلسفة علم الحق بالعقل وكان الدين علم الحق عن طريق الوحي فكان ما جاء به الوحي موافقا للعقل, فلماذا هذا التوتر بين الدين والفلسفة. وبما ان الفلسفة علم نافع يهدي الإنسان إلى الخير فهذا يمكن ان يبرر قول الكندي بتشابه الفلاسفة والأنبياء؟.

أدلة الكندي على وجود اللة

الكندي لا يخصص رسالة أو بحثاً محدداً ليعرض فيه أدلته على وجود الله، بل نراه يتناول هذه القضية في كثير من رسائله. مثلا " رسالته في وحدانية الله وتناهي جرم الكون "، ورسالته " الإبانة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد ". وهذه الأدلة عند الكندي هي التالية [7]:
  1. دليل العناية والغائية في الكون. الذي سموها علماء المعتزلة وأيضا الأشاعرة باللطف الإلهي عندما تعلق الأمر بإقرار مسؤولية الإنسان عن فعله.
  2. دليل المشابهة والتماثل بين النفس في البدن وبين الله والكون
  3. دليل الانسجام والوحدة.

صفات اللة

من اهم القضايا التي شغلت هذه الفرق تتعلق بالصفات الإلهية. حيث فكر المعتزلة وجد اهتماما في الفلسفة الإسلامية, بينما فكر الأشاعرة وجد حضورا في المذهب السني. أما صفات الله عند الكندي فهي عين ذاته ويفصلها بطريقة مشابهة للوصف المعتزلي: الذي يقول ان اللة عالم من حيث هو مريد, ومريد من حيث هو قادر, وقادر من حيث هو عالم ومريد. ففي هذا سواء المعتزلة او الكندي ان هذه الصفات ليست مستقلة عن الذات وليست منفكة عن بعضها البعض. بما يتعلق بالصفات الالهية المعتزلة ارادوا تحقيق 3 أهداف وهي: - إثبات التنزيه, أي ان اللة لا يشارك صفاته مخلوقاته؛ تجنب ان تعدد الصفات ئؤدي الى تكثر في الذات؛ عدم الوقوع في الشرك. ولتحقيق هذه الأهداف ولإثبات بأدلة عقلية ان صفات الله عين ذاته, تصوروا ان اللة يجب ان عالم وقادر, وقادر بما هو عالم ومريد. وهذا يقوده الى تصور علاقة خاصة بين اللة والكون. وهذا التصور يؤدي الى الأمور التالية:
  • منذ كان الله عالما ابد فهو بالضرورة هو مريدا ابدأ وبالتالي قادرا ابدا, فمنذ كان اللة كان الكون. وتقدم الذات الالهية على الكون ليس زماني بل تقدم بالشرف والفرق بينهما ان اللة خالق والكون مخلوق.

علاقة العلة بالمعلول

لم يختلف علماء الكلام والفلاسفة المسلمون على ان اللة هو العلة التامة للكون. ولكنهم اختلفوا في علاقة العلة بالمعلول.
  • فالمعتزلة قالوا في عدم جواز تخلف المعلول عن علته التامة, وأن اللة هو علة الكون التامة وان وجود الكون ليس متأخرا عن وجود اللة (منذ كان اللة كان الكون). وهذا يعني التلازم بين العلة والمعلول. ووجود العلة التامة يؤدي الى حصول المعلول بالضرورة.
  • أما الكندي فقد قسم الفعل الى نوعين: - الفعل الحقي الاول , حيث الفاعل ينجز فعلة دون ان ينفعل. - والفعل الحقي الثاني وهو اثر للفعل الاول أي فاعل بالمجاز. الذي يقوم فعلة نتيجة انفعاله بفعل سابق عليه.

العلاقة بين ألمشيئة الإلهية وإرادة الإنسان

هذه العلاقة تبحث في مسألة حرية الإنسان ومدى مسؤوليته عن فعله,
يعتقد المعتزلة ان الانسان بما يتميز به من وعي وادراك فانه خالق لأفعاله ومسؤول عنها, وبالتالي ف"العقل هو مناط التكليف". وما ينتج عن حرية الانسان في اختيار أفعاله سيكون جزاءه الجنة أو النار. ولكن إذا ما أضفنا إلى عملية الاختيار عوامل اخرى سواء ذاتية كالقصد والداعي والمزاج, او موضوعية كظروف العالم المحيطة به, فالامور تزداد تعقيدا وهذا ما يجعل فعل الإنسان متميزا عن الفعل الإلهي.
اما أذا اردنا ان نسأل من وجهة نظر الكندي فيما اذا كان الفعل الالهي يشمل فعل الانسان, أو انه احدى العلل المتوسطة (او الفاعلات بالمجاز), او هل يمكن اعتبار ؟.
الإجابة على هذا السؤال نجده في النظريه الانطولوجية للكندي . حيث لا تتيح مجال الى الاعتقاد بأن الانسان فاعل بالحقيقة. هذه النظرية تنص على ان هناك نظام صارم ذات غائية محددة قائمة على التدبير المسبق للحكمة الالهية. وبالتالي فان الإنسان فاعل بالمجاز وليس الا احدى العلل المتوسطة المنوطة بالمشيئة الالهية. وهذا يقودنا إلي التسليم بأن الحتمية الطبيعية هي ايضا جبرية بشرية.
ولكن الكندي يقول بان الانسان مكون من نفس وجسد (وهنا يبدو واضح تأثره بالمبادئ الافلاطونية), وان أفاعيل الجسد تندرج صمن السلسلة من المفعولات, وأفاعيل النفس في الجسد تتأثر بمزاحات الأشخاص العالية (الكواكب).
بالرغم من وجود تناقض واضح في اقوال الكندي, لكن من الممكن تجاوزه كما يقول الكندي اذا اخذنا بالاعتبار نظريته في المعرفة.
كلما اتسعت ادراكات الانسان اصبح اقدر على فهم هذا النظام. والعلم بالأشياء ممكن لأنها قائمة على اسس عقلية ولكن بمرجعية مطلقة. الإنسان يبدأ المعرفة عن طريق الحس ولكن وبما ان العالم قائم على اسس عقلية. فلا بد ان تأتي المعرفة عن طريق العقل. الذي يحكم بناء على قانون العلة والمعلول وان لكل اثر مؤثر. مما يؤدي إلي التصديق بوجودها وكذلك بمعرفتنا باللة.
ولكن كما يقول الكندي محدوية الانسان في الوصول الى الحقيقة المطلقة, تجعله غير قادر على الإحاطة بكامل السلسة من العلل والمعلولات وكيف تعبر عن سيرورة الإرادة الإلهية في الكون. لان الإحاطة بها يعني الكشف عن الصورة التي أرادها اللة للكون. ولما كانت إرادته عين ذاته, فان الكون هو صورة ذاته. كما تقول الصوفية تجلي الحق في الخلق. فاذا كانت غاية الفيلسوف علم الحق والعمل بالحق, يجب علية أولا ان يعرف الحق ليعمل به. وذلك رأى الكندي ان الفضائل تكون لمن استطاعوا ات يتجردوا من الدنيا وتفردوا في البحث عن الحقائق. حتى انكشف لهم علم الغيب واطلعوا على سرائر الخلق. وهذه المرتبة يصل إليها فقط الفيلسوف والنبي . وبما النبوة اصطفاء لا يبقى إلا أن نتحدث عن الفيلسوف. الذي يصبح فاعل بالحقيقة, خارج جبرية التأثير والتأثر. ولكن التمايز بين فعل الانسان والفعل الالهي يبقى قائما, لأن في الفعل الالهي توجد الضرورة الاخلاقية التي هي ذاتية, اما في الانسان فتكون مستقلة عنه. بالإضافة الى ان اللة يفعل ولا ينفعل والانسان يفعل وينفعل وبالتالي لا يعتبر فاعلا محضا.

هل العالم محدث ؟

تعتبر من بين المسائل العويصة التي دار حولها الخلاف بين مفكري الإسلام، وبالتحديد بين الفلاسفة والمتكلمين
  • فالفلاسفة قالوا ان العالم قديم قدم الله(مع وجود اختلاف بينهم في ماهية القدم)،
  • إلا أن المتكلمين مثل المعتزلة والأشاعرة قالوا بأن العالم محدث من قبل الله،
  • وانتهى الكندي من مناقشة هذه المسألة بالقول أن العالم محدث من قبل الله، وليس قديم . درس الكندي هذه المسألة في العديد من رسائله الفلسفية مثل: رسالته في حدود الأشياء ورسومها، ورسالته في وحدانية الله وتناهي الجرم، ورسالته في الفاعل الحق الأول التام، وغيرها من الرسائل. [8]
وبهذا الموقف الكندي:
  • اختلف مع الفلاسفة وابتعد عن أرسطو الذي أثبت قدم العالم لأن قال بأن الحركة قديمة وكذلك الزمان.
  • واتفق مع المتكلمين الذين يقولون بالحدوث.

المعتزلة

وللتفصيل المعتزلة بحثوا في العلاقة بين الموجود أللازماني (القديم) والموجود الزماني (الحادث). في قولهم بعدم جواز تخلف العلة عن المعلول, وبهذا فان اللة علة الكون التامة وان وجود الكون ليس متأخرا عن وجود اللة. وهذا يعني ان هناك تلازم بين العلة والمعلول. الذي يؤدي إلى أن وجود العلة التامة يعني حصول المعلول بالضرورة.
تصور هذه العلاقة خاصة بين اللة والكون. ينبني على الأمور التالية:
بما ان اللة عالما بالكون ابدا , ومنذ كان عالما فانه بالضرورة مريد لما يعلم وبالضرورة ايضا قادرا لما يريد. فهذا يلزم انه منذ كان اللة كان الكون. وبالتالي فتقدم الذات الالهية على الكون ليس زماني بل تقدم بالشرف والفرق بينهما ان اللة خالق والكون مخلوق. عدم جواز تخلف المعلول عن علته التامة, وبهذا فان اللة علة الكون التامة وان وجود الكون ليس متأخرا عن وجود اللة. وهذا يعني التلازم بين العلة والمعلول. ويؤدي وجود العلة التامة الى حصول المعلول بالضرورة. ان ما يصدر عن اللة يصدر عن علم سابق قديم, وبالتالي الكون وما يجري فيه يصدر بحكم هذا العلم. ان ما يصدر عن اللة من افعال انما يجب على ذاته من حيث ان علمه وارادتة وقدرته هي عين ذاته. أي ان الكون معقول بكل ما فيه من أشياء تتغير
بالرغم من قول المعتزلة بان الكون مخلوق (معلول) واللة خالق (علة), فهم لم يحلوا مشكلة أبدية الكون, لأن الأبد لا قبل منه ولا بعده .
وبما ان اللة مريد بما هو يعلم فان فعله لا يمكن ان يكون فعل طبيعي. لان هذا يقود إلى انه ليس إراديا بل يصدر عنه على سبيل اللزوم. انما ما يصدر عن اللة يجب عن ذاته . وهذا ينفي ان يصدر الفعل عن اللة بغير رضا او بالاضطرار.
الكون وما يجري فيه يسير بموجب نظام وقوانين, اهمها العلة والمعلول. ولكن هذا النظام لا يمكن ان يكون ميكانيكيا. لأن هذا يمكن ان يحدث في حالتين: - الأولى مفروض من خارجه, والثانية ان يكون ذاتيا. وهذه الحالة الأخيرة مرفوضة لان المعتزلة يعتقدون بوجود خالق للكون ومدبر له. والحالة الاولى مرفوضة أيضا لعدم وجود غاية فيها.
وبما العلم والإرادة عين الذات الإلهية , فلا يمكن ان ينفصلان عن بعضهما, وبالتالي المعتزلة نفوا المصادفة. وطالما ان غاية الفعل الإلهي تحقيق الأصلح, فالكون لا بد ان يكون الأفضل ولا ينسجم مع أي نظام ميكانيكي او ترتيب تتداخل فيه المصادفة.

الكندي

وبطريق مشابهة لما قالوا علماء المعتزلة ولكن بتفصيل أكثر وأدق يقول الكندي ان الحركة الدائمة للجرم الاقصى وهو المنفعل الاول, تُخرج ما هو بالقوة الى الفعل. وهنا الكندي يميز بين العلة البعيدة والعلة القريبة. ويتابع بان السلسلة من العلل والمعلولات التي خضعت للكون والفساد حدثت من طبيعتها. فلذلك الطبيعة عندة هي علة أولية. وبهذا الطبيعة تبدو خلاقة واعتبرها كائن حي قادر على ايجاد التغيرات التي تحدث له وفيه. ولكن الكندي يرجع هذه العلة الى شيء خارج الاشياء ويقول ان العلاقة بين اطراف سلسلة العلل والمعلولات ضرورية. وهذا يعني ان هذا الكون محكوم بالضرورة ؟. يقول لو كان لدينا القدرة على الاحاطة بكل هذا العدد الامحدود من العلل والمعلولات لكان بامكاننا ان بتنبئ بادق التفاصيل. وهذا مستحيل وما يستطيع ان يفعلة الانسان هو معرفة جزء من هذه السلسلة الطويلة من المعلولات , ولكن حتى بهذه لطريقة فهو يخلعها من صورتها الحقيقية. وربما قلنا ان هذه الضرورة تأتي من القوة التي اودعت في الاشياء, والتي ينسجم مع فكر الكندي, او لان الضرورة أتية من قوة تحكم الكون تحكميا بلا هدف. ولكن هذه الفرضية لا يقبلها الكندي بقوله ان هناك مدبر وهناك ايضا غائية وهذا ما ينطبق على الفعل الالهي, لان اللة هو علة فاعلة وغائية معا.
وبهذه الطريقة ضرورة كهذه تحقق هدفين: الاول هو ان الطبيعة لا تفعل شيء بدون قصد, والثاني هو ابعاد النظام الميكانيكي لان هذا يبعد استمرارية فعل اللة في الكون. ولتلافي ذلك يؤكد الكندي ان العلة البعيدة هي الاولى لجميع المفعولات. وهنا يبدو ان الكندي بقي في اطار النظرة السائدة بين المسلمين الا وهي تأثير الوحي, وخلاصتها ان اللة هو المؤثر الوحيد في الكون. وقولة بالعلة القريبة ةالبعيدة فكان من تأثير الفلسفة اليونانية.

ماذا اخذ الكندي من المعتزلة وماذا ترك

  • تفي المصادفة في الكون
  • نفي النظام الميكانيكي في الكون
  • الغائية
  • اللطف الالهي

مصادر وحواشي

  1. ^ كتاب: العقل والفعل في الفلسفة الإسلامية. تأليف الدكتور سلمان البدور. قسم الفلسفة الجامعة الأردنية. 2006. الفصل الأول: العلم والفعل عند المعتزلة والأشاعرة. ص11
  2. ^ كتاب: العقل والفعل في الفلسفة الإسلامية. تأليف الدكتور سلمان البدور. قسم الفلسفة الجامعة الأردنية. 2006. الفصل الأول: العلم والفعل عند المعتزلة والأشاعرة. ص11
  3. ^ المرج السابق. ص. 17
  4. ^ دور الكندي في الفلسفة. د.مراد يوسف. جامعة بابل
  5. ^ أثر المعتزلة في الفلسفة الالهية عند الكندي. تأليف هناء عبدة سليمان أحمد. مكتبة الثقافة الدينية. 2005
  6. ^ د.صبري محمد خليل خيري دراسات ومقالات http://drsabrikhalil.wordpress.com/2011/07/18/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%87-%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9/
  7. ^ أرشيف: المنتدى الإسلامي العام/ وجود الله ووحدانيته
  8. ^ جامعة بابــل. كلية الآداب. الأستاذ مهدي طه مكي السعيدي

وصلات خارجية

مستخدم:Hasanisawi/بؤس النزعة التاريخية عند كارل بوبر

مستخدم:Hasanisawi/بؤس النزعة التاريخية عند كارل بوبر

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

محتويات

    1 السياق التاريخي للكتاب
    2 2- ما هي النزعة التاريخية عند بوبر ؟
    3 3- انتقادات بوبر للخصائص الرئيسية للنزعة التاريخية
        3.1 3.1- الابستمولوجية المتفائلة وتلك المتشائمة
        3.2 2.3- شكلين مختلفين من الشمولية
        3.3 3.3- مخاطر هذا النوع من النزعة التاريخية
        3.4 3.3- شكلين متعارضين للهندسة الاجتماعية
        3.5 5.3 – هل للتاريخ معنى ؟
        3.6 6.3- نبوءة تتحق بذاتها
        3.7 3.7- الخلط بين الاتجاهات والقوانين
    4 مصادر وحواشي

السياق التاريخي للكتاب

النواة الأولى للنص تشكلت تقريبا عام 1919 , خلال الثورة البلشفية عام 1917 وأطروحة الماركسية (عنوان الكتاب يشير إلى جدلية مع نص لماركس "بؤس الفلسفة"). في هذا النص يبدو واضح نقد بوبر للماركسية باعتبارها واحدة من أشكال النزعة التاريخية. في الثلاثينات نضج المسار الإجمالي للكتاب ,حيث تحول اهتمامه نحو الفاشية والنازية في أوروبا. في تلك السنوات وبسبب الاضطهاد النازي، اضطر بوبر، الذي كان من أصل يهودي، الانتقال إلى نيوزيلندا. وقال بوبر نفسه ان الكتاب يناهض الاستبداد، ومكمل لجزء آخر كتبه في عام 45، بعنوان: "المجتمع المفتوح وأعداؤه". حيث دافع عن الديمقراطية ضد الاستبداد وأيديولوجيته.
وبالإضافة إلى ذلك، من الجدير الإشارة إلى أن مقدمة الترجمة الإيطالية للكتاب مخصصة إلى ضحايا الأنظمة الشمولية الفاشية والنازية والشيوعية السوفيتية.
في هذا النص، توسع بحث بوبر ليشمل الميدان الاجتماعي، ولكن في خصائصه الرئيسية برز المنهج العلمي والمعرفة العلمية على حد سواء. بالنسبة له الامر لا يتعلق بمجالات من المعرفة المنفصلة بينها. ويقول " إن اهتمامي ليس موجه لنظرية المعرفة العلمية فقط ، بل أيضا لنظرية المعرفة بشكل عام." [1]

2- ما هي النزعة التاريخية عند بوبر ؟

يشمل بوبر بهذا المصطلح جميع مفاهيم التاريخ التي تعتقد أنها قادرة على فهم بطريقة مقنعة موضوعية هدف العالم، أي قادرة على تحديد القوانين العالمية التي توجه تطور التاريخ البشري، وبالتالي القدرة على تقديم توقعات لمستقبل العالم. ويشير بوبر إلى الفلاسفة الرئيسين الذين بنوا نظم فكر من هذا النوع : أفلاطون، هيغل (الأكثر تأثيرا من الآباء المؤسسين للأفكار التاريخانية) وماركس. والذين كرس لهم مناقشة وتحليل مستفيض ونقد لاذع للغاية في كتابه "المجتمع المفتوح وأعداؤه." ما هي السمات العامة التي تميز النزعة التاريخية , ولماذا أسلوبهم لا يتوافق مع ما هو صالح ومفيد ؟.
  • تفاؤل معرفي ⇆ معصوميه الإنسان عن الفشل في معرفة الواقع الموضوعي ككل.
  • الحقيقة ≅الكشف و الواقع كمكملات فكرية واضحة تماما للإنسان.
  • المعرفة الإنسانية = الابسمتية episteme (معرفة أكيدة) ضد الرأي DOXA (او تخمين كما قد يقول بوبر)، أي قدرة الإنسان للوصول الى حقيقة الأشياء.
  • الادعاء في اعتبار مجمل الواقع (مثلا مسار التاريخ ككل), وفقا للمبدأ الهيغلي "الحقيقي هو الكامل", أي لا يمكن أن نفهم جزء واحد دون الكل (وهذا الكل يشمل الأصل ، والبعد الزمني).
بوبر يتحدث عن النظريات الشمولية (باليونانية Olos كل شيء, كامل). التي تعارض بشكل عام الطريقة الذرية" للعلم التجريبي، وتعتبره غير كافي لدراسة الواقع الاجتماعي والتاريخي. لأنه لا يمكن إجراء تجارب اجتماعية صالحة إلا بشكل كلي (التي صعب جدا تحقيقها، إن لم يكن مستحيلا). والفرضيات أو النظريات من هذا النوع ليست تجريبية، او علمية ولا حتى ذو خصائص ما قبل علمية.
  • تحديد القوانين التاريخية والعالمية للتنمية وبالتالي المتأصلة في مسار العالم. هذه القوانين لديها إمكانية تقديم تنبؤات عن المستقبل وتجعل حتى من الممكن معرفة الهدف النهائي من التاريخ. على سبيل المثال الماركسية تقول بعد نهاية الرأسمالية ودكتاتورية البروليتاريا، سيأتي المجتمع الاشتراكي دون الطبقات. وهذه القوانين تضع الضوء على مصير العالم، ومصير التاريخية حيث يخضع الجميع. وهذه القوانين تشرح معنى التاريخ (وهنا ندخل في مجال الماهيات).

3- انتقادات بوبر للخصائص الرئيسية للنزعة التاريخية

بالرغم من أن بوبر يعترف بوجود اختلافات بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية , فهو لا يفصل بينهما بطريقة صارمة. لهذا السبب يعتقد أن يجب تطبيق المنهج العلمي كما حدده على كلاهما. لأن هذا المنهج هو الوحيد القادر على ضمان معرفة صالحة وغير دوغمية (لامتحجرة فكريا) , ويبدد مخاطر مثل الايدولوجيا وتراكم السلطة والاستبداد. ويقول بوبر بأنه واجب أخلاقي حقيقي. و "هنا تظهر كل الابستمولجية البوبرية (أي نظرية المعرفة العلمية والغير علمية)، مثل مسألة الأسس، وبالتالي صلاحية الافتراضات العلمية , بالتالي مشكلة الأسلوب، لأن الأسلوب هو الذي يعطي أساسا صالحا للعلوم. وهنا وقبل كل شئء يأخذ بوبر في الاعتبار الطريقة التاريخانية ويخضعها للتحليل النقدي.

3.1- الابستمولوجية المتفائلة وتلك المتشائمة

على العكس يقترح بوبر نظرية معرفية متشائمة , الوحيدة القادرة على الحفاظ على نظرة نقدية نحو الافتراضات. "متشائمة بمعنى أنها لا تعتقد في إمكانية التوصل إلى الحقيقة المطلقة الموضوعية. التي عادة ما يجد فيها البحث غايته النهائيه ( كما هو عنوان كتابه: البحث بدون نهاية-" Unended Quest"). بوبر لا يؤمن ان المعرفة = الابسمتية (المعرفة الاكيدة)، بل على العكس يعتقد أن المعرفة هي دائما رأي (DOXA) , او تخمين قابل للفحص والنقد، يجب أن توضع على المحك. وهو معيار بوبر للانتقال من معيار قابلية التحقق الى معيار قابلية الخطأ (أي المعيار الفاصل بين العلم وغير العلم). المعرفة تمضي عن طريق التجربة والخطأ: الأخطاء هي محرك البحث (العلم تطور دائما من خلال نقد نظريات السابقة لم تعد قادرة على شرح ملاحظة لظاهرة جديدة). العالم نفسه الذي صاغ الفرضية يجب أن يسعى أولا لايجاد الظروف التي تدحض نظريته.
تفاؤل النزعة التاريخية - الجدل مع الوضعيون الجدد - ليس منهج مفيدة: من الممكن دائما، يقول بوبر، العثور على تأكيدات إذا كان هذا هو الذي ما يبحثون عنه > الانسان يبدأ دائما من الناحية النظرية أو من فرضية أو حتى مشكلة في عقله, ويميل إلى رؤية وتفسير الحقائق التجريبية وفقا لتوقعاته الاولية ، وبالتالي بطريقة جزئية > ومن هنا يقول بوبر لا للاستدلال الاستقرائي. العلوم التجريبية - يقول بوبر - لا يمكن ان تمضي قدما إلا بخطوات صغيرة، واختيار دائما قطاع محدود للتحقق أو عدد محدود من الخصائص التي تنتمي إلى نفس الظاهرة. هذا هو لأنه لا يمكن فهم "الكل" , نظرات الإنسان دائما انتقائية بالضرورة. وخصوصا التجربة لا يمكن ان تتم بشكل كلي، أخذين في الاعتبار جميع المتغيرات الموجودة، بما في ذلك عامل الوقت على نحو تاريخي.

2.3- شكلين مختلفين من الشمولية

بوبر يميز بين شكلين مختلفين من الشمولية التي تعني "الكل" بطريقتين مختلفتين:
  • أ- الكل باعتبارها جميع الأطراف وجميع العلاقات القائمة بينهما؛
  • ب- الكل كهيكل: تحديد بعض الجوانب التي تعطيه للشيء مظهر هيكل منظم وليس مزيج غير منضبط أو انصهار غير واضح المعالم , لمثال على ذلك هو علم النفس الغشتلتي[2]
هذا النموذج الأخير يسمح، على عكس الأولى، بالدراسة العلمية، لأنه ينطوي على اختيار موضوع واحد للتحقق

3.3- مخاطر هذا النوع من النزعة التاريخية

المبالغة في تقدير القدرة البشرية ("التفاؤل المعرفية") والموقف الشمولي، هي سمات النزعة التاريخية، وهي تحمل الكثير من المخاطر: على سبيل المثال، إعادة تشكيل المجتمع وهيكلتة بطريقة جذرية ، وفقا لقوانين التاريخ المزعومة (على سبيل المثال، تنبأت الماركسية بنهاية وشيكة للرأسمالية ومرحلة دكتاتورية للبروليتاريا قبل الوصول الى المجتمع الاشتراكي، دون الطبقات، كموعد نهائي للقصة. الأنظمة الشيوعية حاولت تنفيذ هذا النبوءة عمليا . و أكثر مأسوية هي حالة النازية، التي تعمل على إبادة ما وصفته عدوها العنصري, في ضوء انتصار الأقوى ولأفضل الجنس الآري المزعوم . بوبر يريد ان يقول أن التاريخانية (historicism) تصلح جيدا لان تستخدم أو ان يتم تحويلها إلى أيديولوجيات وأن تصبح فعلية في حالة وصولها الى للسلطة، حتى الحصول على الشمولية وبالتالي الى مجتمع غير ديمقراطي. نموذجية الأنظمة الاستبدادية والشمولية هي الإرادة لتشكيل "مجتمع جديد" وبناء "الإنسان الجديد"، استنادا إلى القوانين التاريخية المزعومة أو المصير التاريخي. النبوءة في هذه الحالة يصبح هدف سياسي لتحقيق بشكل نشط وبأي ثمن، لتوجيه القوى الجتماعية نحو التنمية الاجتماعية المتوقعة.

3.3- شكلين متعارضين للهندسة الاجتماعية

بوبر يعرف هذه النزعة بالميكانيكية التاريخانية او بالهندسة الاجتماعية، لأنها تسعى إلى بناء وتشييد مجتمع من خلال خطة تنظيمية شاملة.
كمعارضة لهذا النوع من الهندسة بوبر يقترح الهندسة الاجتماعية الجزئية: ففيها مهمة المهندس تصميم الآلة (النظم الاجتماعية)، و ومهمة الميكانيكي الاجتماعي (او عالم الاجتماع) تشغيلها, أي دراسة المجتمع ومؤسساته لغرض محدد لجعلها تعمل على النحو الأفضل, وصيانتها، وتصميم آليات جديدة. ولكن هذا يجب أن يتم لقطاعات محدودة، وبخطوات صغيرة وبشكل تدريجي ( كما يفعل المهندس في الواقع) . على عكس النظرة الكلية وموقفها واسع النطاق. هذا هو النهج العلمي: اختبار تجريبيا كل عنصر جديد، والتحقق من كل رد فعل لتدخلاتنا، وبالتالي السعى للسيطرة وتوقع النتائج المترتبة من المشاريع والإصلاحات الاجتماعية وتأثيرها على المجتمع. على عكس المهندس الاجتماعي الكلي، يفقد بسهولة السيطرة على الإصلاحات، والتغييرات أو ثورات.

5.3 – هل للتاريخ معنى ؟

تحديد القوانين التاريخية والعالمية، بالإضافة إلى رسم نوع من مصير العالم , حيث يخضع له الجميع بالضرورة ، وأيضا لإعطاء التاريخ معنى وبالتالي وضع نهاية يتجه اليها الجميع. هذا يعكس موقف بوبر الذي سماه المنهجية الماهيوية: مبدأ أخذه بوبر من أرسطو , ويعني البحث عن شيء يمكن أن يخترق جوهر الأشياء حتى يستطيع تفسيرها تفسيرا وافيا. الماهية هي التفسير النهائي للأشياء، الأكثر جوهرية والأكثر تميزا (الماهية ضد الاسمية) . في اللحظة التين نحدد فيها الماهية , لا يبقى لأي تفسير آخر أي ضرورة، أو بالأحرى لا يوجد لأن البحث انتهى. على سبيل المثال، في حين أن essentialists يتساءلوا: "ما هي المادة؟"، الantiessenzialisti كما هو بوبر يتساءلوا: "كيف يتصرف هذا الجزء المعين من المادة ؟" وهنا يقول بوبر في حين أن العلوم الطبيعية قد تجاوزت موقف المنهجية الماهيوية ، العلوم الاجتماعية، على العكس لا تزال في هذا الموقف.

6.3- نبوءة تتحق بذاتها

ذكرنا معيار قابلية التحقق, والسهولة التي من خلالها يمكن التأكد من قانون تاريخي معين من خلال البيانات التجريبية. وإذا تم دحضها من قبل بعض الأحداث الراهنة، المذهب التاريخاني بالرغم من ذلك لا يتجاهلها، ولكنه يميل إلى تأجيلها للوقت الذي يناسب تأكيدها: أي انها ستحقق بطريقة أو بأخرى عندما يحين وقتها. في علم الاجتماع، بما يتعلق بالنبوة التي تتحقق بذاتها, يقول ميرتون (R._K._Merton, 1910_2003) "إذا كان الشخص يعرف وضع ما كوضع حقيقي، هذا يصبح حقيقي فيما يترتب عليه. وبالاشارة الى مثال أدلى به ميرتون: إذا كان الناس يعتقدون دون أي سبب أن بنك معين سوف يفشل، سيقوم الجميع بسحب ودائعهم, ونتيجة ذلك سيفشل البنك. النبوءة بذاتها هي في الواقع تعريف خاطئ للحالة، ولكن هذا التعريف يؤدي إلى سلوك يجعل النبوءة تتحقق. إنه من الواضح أن هذه الآلية تشكل تأكيد كاذب للقانون او للنبؤة و يبرز بشكل واضح عدم استدامة معيار قابلية التحقق لاستكشاف نظرية معينة تجريبيا.

3.7- الخلط بين الاتجاهات والقوانين

بوبر يجلب حجة أخرى لنقد معيار قابلية التحقق والتاريخانية: التاريخانية تخلط بين الاتجاهات والقوانين، وبالتالي تعمل تعميمات غير مبررة: مثلا يكفي ملاحظة اطراد لأحداث في حالات محدودة وفي أوقات محددة، لأن يطبقون هذا الاطراد في أي زمان ومكان، ويحولونه الى قوانين عامة. بهذه الطريقة التاريخانية تبدل الخاص بالعام, ولا تأخذ في الاعتبار العديد من المتغيرات التي تحدث في الحالات المختلفة. بوبر يضرب مثل عن النظرية الكلاسيكية اليونانية لدورية الزمن. حيت يلاحظ ان هناك انتظام مفترض في تتابع أنواع الحكومات, والذي عمموه على كل التاريخ. وفي هذه الحالة سيكون من السهل العثور على أدلة متزايدة في اختيار تلك الوقائع التي تؤيد هذه النظرية.
بوبر في نقدة يعتمد على مقولة لهيوم : مهما تكرر نظام ما, حتى لو كان شروق الشمس كل صباح, لا يمكننا أبدا تحويله إلى قانون عالمي, أي صالح في كل مكان وزمان.

مصادر وحواشي

  1. ^ Sintesi di Miseria dello storicismo di Karl R. Popper. Erika Panaccione
  2. ^ نظرية الغَشتَلت وضعتها مدرسة برلين تشكل نظرية حول العقل والدماغ تفترض أن المبدأ العملي للدماغ كلاني، متوازي ومتماثل مع ميل للتنظيم الذاتي أو أن مجموع كل الأجزاء أقل من أداء الكل)