مستخدم:Hasanisawi/العلمنه والدين لمحمد اركون
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
أركون (1928 تاوريرت ميمون-
2010 باريس) كان مفكر وباحث أكاديمي ومؤرخ. اهتم بدراسة الاسلام في أكثر
من 30 عاما من البحوث المهنية، وكان ناقد ذكي للتوترات المتصلة بعمليات
تحديث العالم الإسلامي، فضلا عن تمتعه بشجاعة فكرية، تهدف إلى دعم
الإصلاحية والإنسانية الإسلامية. [1]
"العلمنة والدين" هو عنوان كتاب ألفه أركون عام 1996, ويتناول فيه المسلمين والعرب في صلتهم بذاتهم وبالغرب والمسيحية والأفكار العلمانية. ويعتبر هذا الكتاب مساهمة أخرى للتركيز على التعايش بين الحضارات والاديان, ويرى اركون أن العلمنة موقف للروح، وهي تناضل من أجل امتلاك الحقيقة. وينتقد الكتاب المسلمين المغممين بيقينهم الدوغمائي، كما وينتقد العلمانيين المتطرفين الذين يخلطون العلمنة مع الصراع ضد رجال الدين.
بالرغم من الكم الهائل من الأدبيات والبحوث والجدل حول مسألة العلمانية, فإن القليل من المفكرين استطاعوا الوصول الى حقيقتها العلمية. مثلا أركون فهم العلمانية وتعامل معها ضمن عمليات المعرفة بشكل عام، وليس فقط في عملية فصل الدين عن الدولة كما يعتقد الكثيرون. [2]
اذا نظرنا بشكل عام الى تاريخ الاديان, نرى ان كل حقبة من الزمن تتميز بطبقة من الرجال المتلفلفون والملتفون حول الدين ليستغلونه كأداة للسيطرة على الفرد والمجتمع والدولة. وتصبح هذه الطبقة عدوانية وفتاكة لكل من يشكك في شرعيتها او يحاول ان ينزع الغمامات عن العيون وبالتالي اضعاف الولاء لسلطتها. فنراها تهاجم وتكفر وتشوش كل من يحاول ممارسة الافكار الحداثية او حتى التفكير بها. وبما ان الكثير من الناس يعتقدون ان طاعتها لطبقة رجال الدين هي طاعة للاله, فعلى مدار التاريخ استغلت عاطفة الاتباع لاحراق العلماء والفلاسفة واسقاط السياسيون وتكفير وتعذيب ونفي المفكرون.
الوقوف على العلمنة يجب ان لا يبدأ من مواقف مسبقة لما هو شائع بين العامة, ولا حتى ردة الفعل المعاكسة ممن يدعي العلمانية, كما فعل اتاتورك مثلا في تركيا, حيث انجز عملية تغريب للدولة بدلا من علمنتها.
ان مفهوم العلمنة بحاجة الى إعادة صياغة , ولكن ليس من مفهوم أولئك الذين يكررون مفهوم العلمانية في فصل الدين عن الدولة خوفا من خسارة سلطتهم؛ ولا من قبل العلمانيين المتصارعين مع طبقة رجال الدين او (الاكليروس). بل في صياغة محددات مفهوم العلمانية بما يتناسب مع الحقوق والواجبات. ولأن مفهوم الدين الإسلامي لا يتعارض العلمانية لما ورد فيه من تشجيع للعلم والحقيقة العلمية
نحو إبستمولوجية أخرى (أي نحو نظرية أخرى للمعرفة). العلمنة بصفتها موقفاً أمام مشكلة المعرفة. تمهيد: ماينبغي علينا أن نعيد التفكير فيه اليوم. أولاً : ماهي العلمنة ؟
ويقول ان العلمنة كانفتاح فكري ظهرت ايضا في الحضارة الاسلامية, ولكن المكتسبات التي حققها الغرب من خلال صراعات عديدة لا تعني ان هناك تفوق لحضارة على اخرى, ولكن كان هناك اسباب اخرى تاريخية ثقافية سنراها لاحقا.
العلمنة هي موقف للروح وهي تناضل من اجل اكتساب المعرفة. وفي هذا النضال تواجه تحديات مثل:
مشكلةالعلمنة تظل مفتوحة سواء للعلمانيين الصراعيين الذين يخلطون بين العلمنة الصحيحة وبين الصراع مع طبقة رجال الدين. وايضا بالنسبة للمسلمين المغطبتون والمزهوون بيقنياتهم الدوغمائية. العلمانيون الصراعيون هم الذين يرفضون ان تدرس الاديان في المدارس الحكومية, ولا حتى من وجهة نظر تاريخية او ثقافية. ويقولون انه يكفي ان يكون المعلم حياديا لكي يطبق العلمنة, ولكن الامر ليس كذلك لأن مسالة المعرفة باسرها تكون موضع النقاش. [3]
ويقول اركون لا يوجد حتى الآن باحث قادر على تقديم مقاربة علمية مقنعة حول ماهية الظاهرة العلمية, أي لا يوجد اي طريقة قادرة على تحقيق الاجماع عقلي يتجاوز كل الايدولوجيات والصراعات التاويلية بين الاديان والمذاهب المختلفة.
الكتاب لا يعالج العلمنة والاسلام بل العلمنة بالنسبة للاديان ككل. هذا الموضوع غير متناول حتى في الحضارة الغربية المتطورة. فمثلا الاسلام في الجامعات الغربية ترك للمستشرقين, أما الاديان الاخرى مثل تلك الموجودة في أسيا وافريقيا , لا يعرف عنها الكثير حتى بين المثقفين . ولذلك فقد كانت من نتائج العلمنة الغربية انها استبعدت علميا قطاع كامل من المعرفة. بالرغم من انها ولدت مجتمعاتنا , وخصوصا الاسلام الذي تربطه علاقة ثقافية وعقلية مع الفكر الاوروبي.
ان المجتمعات البشرية بلا استثناء تهدف قبل اي شيء الى انكار الارضية الحقيقية لوجودها. بمعنى اخر تهدف الى تقنيع القوى التي تتحكم بمصيرها التاريخي عن طريق لغة ملائمة لعملية التمويه على الواقع الحقيقي. والحالة الجزائرية خير مثال, فهي متطابقة مع الخطاب السائد اليوم والخاضع للماضي.
خلال الحرب في وسط جبهة التحرير كان هناك صراعات بين تيارات مختلفة عروبية وسلفية وايضا جزائرية. حتى وان نظرنا للجزائر من منظور ابعد نرى انه كان هناك انفصال بين قبائل وعشائر وعائلات والتي الاستعمار ابقى عليها. بعد الاستقلال حاولت الدولة تأكيد انتمائها الحماسي للعروبة والى الايدولوجيات الاسلامية, ويمكن تفسير هذه المواقف كردة فعل ضد الاستعمار وليس كموقف بلد حر ومتزن ازاء النواحي الاجتماعية والثقافية. التطور الطبيعي لمجتمع يجب ان يتم ليس كردة فعل بل بمنأى ايضا عن الضغوطات الخارجية. اولها الايدولوجيا الاستعمارية الايدولوجيا الروبية المبالغ فيها واخيرا بمنأى عن اسلام يعتقد انه دعامة المقاوية ضد الامبريالية. وكل هذا يقودنا الى القول ان هذه الحالة نتاج قوى خارجية اكثر ما هي نتاج قوى المجتمع الجزائري بكل تعدديته الاجتماعية التاريخية التي تشكلت منذ دخول ظاهرة الاسلام. وظاهرة الاسلام تعني كل ما تتضمنه من تعقيدات ولا تساوي استخدام كلمة لوحدها لانه يبدو انه من السهل استخدامها بالرجوع الى النصوص الكلاسيكية الكبرى دون الاخذ في الاعتبار حقائق الواقع الاجتماعي والسياسي. وما ينطبق على الجزائر ينطبق ايضا على بلدان شمال افريقيا حتى اطراف القارة السوداء.
الخطاب السياسي يسعى في كل المجتمعات المتخلفة والمتقدمة الى تغطية الحقيقة بهدف امتلاك الساحة الاجتماعية والسيطرة عليها.
وقبل الانخراط في عوالق الدين والسياسة من الضروري استخدام التحليل الدقيق لمختلف الحقول.
الدين اوالاديان تمثل جذور مجتمع ما, ولا يهم ان كانت وثنية او وحيية, لأن العلمنة تذهب الى الجذور من اجل تشكيل رؤيا اكثر صحة وعدلا ودقة.
الاديان لم تقدم التوضيحات والتفسيرات فقط بل ايضا الاجوبة العملية القابلة للتطبيق المباشر بما يتعلق بعلاقتنا بالوجود وبالاخرين وبكل ما يدور حولنا في المحيط الفيزيائي, وحتى الكون كله وفيما وراءه من الاشياء الميتافيزيقية التي تتجاوز الحس والعيان.
وهذه الاجوبة ليست قابلة للنقاش ولا تصلح كمادة للملاحظة والتحليل العلمي, وبالتالي فنحن ندمجها في حساسيتنا الاكثر عمقا ليس فقط عن طريق اللغة بل ايضا عن طريق الشعائر والعبادات.
وهكذا فنحن عندما نجسد الحقائق تصبح مرتبطة بشبكة الادراك التي ستتحكم من الآن فصاعدا بكل وجودنا وسلوكنا. وعلى مثل هذا المستوى العميق الجذري ينبغي ان نفهم بنية الساحة الدينية وكيف تؤثر على المجتمعات المختلفة. ليس الا انماط لصياغة الشعائر والطقوس التي تساعد على دمج الحقائق الاساسية وصهرها في اجسادنا. فالمسلم يقوم بحركات معينة خلال الصلاة والمسيحي بحركات اخرى وكذلك البوذي.
ولو قارنا الساحة الدينية بالساحة الفكرية لرأينا ان هذه تأخذ تشكيلات حسب تنوع الثقافات وبحسب اللحظات التاريخية لنفس الثقافة. فمثلا اذا اراد الغربي ان يدرس الثقافة الاسلامية يجب عليه اولا ان يمتلك التشكيلة العقلية للثقافة الخاصة به.
يقول اركون ان ما ندعوه بالعقل لا يمارس فعله بشكل مستقل على عكس ما اوهمنا تاريخ طويل من الفلسفةواللاهوت. العقل يمارس دوره وهو على علاقة بالخيال والمتخيل. وفقط مؤخرا بدأ المؤرخون يدرسون المتخيل الاجتماعي الذي هو مهم في كل وجود اجتماعي.
من الصعوبة بمكان التوصل الى كلام المسيح الذي تحدث بالارامية وليس بالاغريقية, ومن الصعوبة ايضا التوصل الى اللحظة الاولى للخطاب القرآني, اي كما لفظ لاول مرة في مجتمع دون كتابة او لا يكتب الا القليل. او في مجمع يعتمد لة النقل الشفهي. وكل هذا من اجل التوصل الى فهمنمط المعرفة الذي كان سائدا في المجتمعات الذي نزل فيها مايدعي الوحي. وظاهرة الوحي التي نتحدثعنها تفلت ن ايدينا بسهولة. ومع ذلك فالانسان يلجأ لها في بعده الديني باحثا عن مكان يستمدمنه الحلول التي لا تقدمها ثقافتنا المعاصرة, فنجد انفسنا عزلا من كل سلاحامام ظاهرةالوحي والعالم والكون.
الساحة السياسية تلعب دورا هاما بالنسبة للساحة الفكرية ومن ثم بالنسبة للساحة الدينية.
نحن لا نمتلك اي وسيلة لاقامة مراتيبية هرمية بين مختلف الساحات. فكيف يمكن اننحدد فيما اذا كانت القوة السياسية هي التي فرضت تشكيلة ما للساحة الفكرية والساحة الدينية اوانالعكس هوالصحيح. وهنا نجد مشكلة العلائق بين الدين والسياسة ولا نستطيع ان نغلب احدهما على الاخر بسهولة, وانفعلنا ذلك فاننا نهجر ارضيةالتحليل ونسقط في مجال الخيال والمتخيل اوالايدولوجيا. وانا قلت كما يقول معظم المسلمين بانه لا يوجد سيادة سياسية بدونان تكون مرتبطة بالسيادة الالهية ومرتكزة عليها اكون قد وقعت في احضان المتخيل الواسع.
لأنه اذا فتح المرء عينية يلاحظ العكس, اي ان الانظمة السياسية المعتمدة على القوى المنظمة مثل البوليس والاعلام هي التي تمارس السلطة الطاغية عن طريق استخدام الدين. والاواقع ان الدين يهيمن في كل مكان ولكنه لا يحكم اي مكان ولا حتى في القرون الوسطى بالرغم من ان الخطاب الاجتماعي يقول ذلك. وهنا يحص التداخل بين ما هوخيالي وما هو عقلاني, وعندما نشير الى كلام الله, فنحن نشير الى نصوص تركت لتفاسير رجال الدين والفقهاء. فمن هم هؤلاء الفقهاء ؟.
اثناء الفترة الكلاسيكية للفكر الاسلامي راح اصحاب العلوم الدينية ينهضون في وجه اتباع العلوم العقلية(فلاسفة ومتكلمين), والصراع بينهما هو العقل الاسلامي, كما يحدده اركون.
وهذا يعيدنا الى سلطة اللغة والتأويل التي هي من صنع القوى الاجتماعية الموجودة والمتنافسة للسيطرة على الساحة السياسية ومن ثمعلى الساحةالفكرية.
فالقول ان هذه الحكومة مرتكزة على ارادة الله يعني نوع من الخيال اوالمتخيل. بالرغم من انه متخيل ضروري لسير المجمتع, ينبغي اظهار هذه الحقيقة عندما ندرس الروابط بين السياسة والدين.
ولمعرفة كيف انزرع الاسلام في مجتمعات متنوعة يجب ان ناخذ في الاعتبار العامل الاقتصادي اوالساحة الاقتصادية. وهنا يقول اركون انه ينظر بنوع من الاحترام الى الاسهام الذي قدمه ماركس في مجال الفكر, لأن الاقتصاد عامل مهم مع انه ليس مفتاح كل شيء.
وهنا ايضا ينبغي اعطاء اهمية للطبقة لبرجوازية التي زحزحت الحدود بين الساحة الدينية والساحة الفكرية والساحة السياسية في الغرب الاوروبي. ولكن التحليل يبقى ناقص ان لم ناخذ البرجوازية الاسلامية ايضا. التي كان لها من التماسك والوضح ما يجعلها ذو دور مهم فيتطور المجتمعات الاسلامية. وخصوصا في المدن الكبرى كطهران واصفهان وسيراز وبغداد والبصرة ودمشق. ولكن البرجوازية في الغرب التي بدأت في القرن السادس عشر شهدت استمرارية متواصلة على عكس ما حدث في دار الاسلام. منذ ذلك التاريخ شهدت اوروبا طبقة تجارية نشيطة ثم اصبحت رأسمالية وصناعية واستمر الحال الى يومنا هذا. وهكذا بدأت البرجوازية تتفتح وتشكل دائرة مستقلة للفاعلية الاقتصادية والتي بنى ماركس عليها نظريته. وفي الوقت نفسه اصبح من الممكن تدشين دائرة سياسية مستقلة ومنفصلة عن الدائرة الدينية. وفي موازاة ذلك راحت تتشكل الدائرة الثقافية وكل هذه الدوائر هو ما ندعوه الغرب (occidente) او كما يسميه بروديل الحضارة المادية للغرب. التي لم يعد بالامكان وصفها بالعالم المسيحي او المسيحية. وعلى اثر ذلك اضطرت الساحة الدينية ان تتشكل بطريقة اخرى لتتموضع بالنسبة للساحات الاخرى. التي حررتها البرجوازية. وخصوصا الساحة الاقتصادية والساحة الايدولوجية التي ترافقها.
ولكن مشروعا واسعا كهذا يضع الاسلاميات الكلاسيكية (او الاستشراق) موضع الشك. وينبغي معرفة ان الاسلاميات الكلاسيكية هي عبارة عن الخطاب الغربي عن الاسلام من اختصاصين باللغات الشرقية. الذين يكتبون من وجهة نظرهم ومن منطلق ثقافتهم. وبما انهملا ينتمون الى المجتمعات المسلمة فهم لا يبالون بمصير المسلمون, لانها ليست مشكلتهم , ويقع على عاتق المجتمعات المسلمة نفسها مهمة التجديد وزحزحة الحدود التقليدية لفكرهم ومعرفتهم.
والمستشرقون يدرجون الاسلام ضمن اشكالية ايدولوجية دينية وليس من ناحية علمية معرفية. وعندما تحصل المقارنية بين الاسلام والمسيحية فانها عادة ما تكون من النوع التقليدي, اي مقارنة نقاطالعقيدة منفصلة عن الظروف التي ولدتها وتبلورت فيها. وهنا يكمن الفرق بين تاريخ الافكار التقليدي وتاريخ انظمة الفكر.
وعندما بدأت الدول الغربية تستعمر المجتمعات العربية, بدأ الانتاج العلمي عن السحر والدين, عن المرابطين والاخوان عن جوانب الاسلام الناتج من تدهور سابق بطيء, وعندئذ تم فرض الصورة الفلكلورية عن عام الاسلام مقابل لايدولوجية الظافرة للمجتمعات الغربية. والحالة السائدة اليوم تزيدمن هلوسات وخيالات لغرب عن الاسلام. فكيف التخلص من ذلك ؟. وخصوصا بان الكتابات الايدولوجية في كل من الغرب والاسلام اكثر بكثير من الدراسات العلمية
وكما قلنا سابقا انبثقت في الاسلام نزعة انسية ذات طابع علماني في العصور الوسطى, ولكنها اجهضت لاسباب تاريخية وليس لأن القرآن قال بانه ..., كما يشاع القول بين البشر. فما يقوله القرآن او الانجيل اوسع واكثر انفتاحا مما يفسرونه البشر.
يقول اركون ان هناك فرق بين الحداثة الزمنية والحداثة المعرفية, وفي هذه الحالة الاخيرة الجاحظ (الذي مات عام 869) مثل افضل المحدثين لكل المواقف الفكرية التي ضجت الثقافة العربية في الفترة الرائعة من الإنسية العربية. الحاحظ شخص حديث يطرح على الاسلام اسئلة من نوع النقد التاريخي التي مسلمو اليوم لا يستطيعوا تلميح ضرورتها وجدواها.
الحداثة لا تعني ان نتصورها ضمن مفهوم خطي من التسلسل الزمني, أي من يعيش في عصرنا هو اكثر تقدما ممن عاش في القرن السابق. فإن فعلنا ذلك وقعنا في احبولة (مصيدة) الفكر الوضعي للقرن التاسع عشر, وانها من المكتسبات المعاصرة. صحيح اننا نسيطر عليها بشكل افضل واوسع من خلال التعليم والاعلام.
وحتى الشخصيات المتقدمة مثل الجاحظ كان يعيش في ظروف اكراهية بالنسبة للفكر. التي تنتعش مجددا في الدول العربية والاسلامية لما نراه من مراقبة وتعبئة ايدولوجية. ونشهد نوعا من التراجع في قطاعات من المجتمات العربية والاسلامية, فمثلا بما يتعلق بطباعة النصوص القديمة الكلاسيكية, نلاحظ انها اصبحت ندرة مما كانت عليه بين 1930 و .1950
يقول اركون يجب ان يكون لدينا الشجاعة للذهاب بعيدا وعدم التوقف على الموقف الارتيابي الشكوكي الشائع اليوم. موقف تولده طريقة في التعليم ليست علمانية حقيقية وانما زائفة. يجب ان نقبل الشرود والذهاب في كل المسالك والدروب, فلا نخشى الضياع, نشرد لطلب الحقيقة وفينا ثبات, فلا نخشى اي مغامرة فكرية للروح, ونناضل دون الادعاء ابدا بامتلاك الحقيقة.
يجب اعتماد الموقف الفكري هذا لدراسة الاسلام ضمن سياق الحداثة بدلا من الالتهاء بتفخيره وتمجيده فقط, ويجب تحليله نقديا لبيان اسباب نشاته ولماذا مارس دوره في المجتمعات التي سيطرت فيها ظاهرة الاسلام. واولمرحلة ينبغي انجازها هي مرحلة اعادة القراءة التفسيرية للقرآن اوتحديد شروط صلاحية هذه القراءة. وذلك لأن الاسلام انطلق من حدثينتدشينين لا يينفصلان ومتكاملان
النص المكتوب
الانتقال من الثقافة الشفهية الى الثقافة المكتوبة تعتبر لحظة حاسمة لأن المصحف اصبح المرجع لجميع المسلمين. وهي اول خطوة في اتجاه ما اصبح بالارثوذكسية, وهكذا دشنت مرحلة جديدة من الانتاج التاريخي للمجتمع. وهذا الصياغة فعلت فعلها لمدة 15 قرن حتى الآن. ولكن التراث الشفهي لم يختفي ابدا من المجال الاسلامي. والحرف المخطوط اصبح اداة للسلطة منذ الدولة الاموية.
ينبغي تشين قراءة جدلية للفضاء الاجتماعي التاريخي تتراوح بين القطاع التي سيطرت عليه الثقافة الشفهية وذلك للطاهرة الكتابة. ولكن يجب ان يؤخذ في الاعتبار ايضا ما يسمى بتجربة المدينة
نموذج جديد للدولة مستعار من اثينا اولا ومن الامبراطورية الرومانية بعد تشكل الخلافة. والداعملهذه الدولة كان البعد الديني. كما حدث في الامرطورية المسيحية في القرون الوسطة ولكن مع رأس مزدوج متمثل في الامراطور والبابا. ما في الاسلام فجتمع في رأس واحد وهو الخليفة.
ان مشكلة المدينة تنبثق منجديد مع كل تجربة حداثة, اي كيف الفصل بين البعد الديني والواقع السياسي.
التمييز بين محمد الرجل ومحمد النبي مهم, لانه ما اخذ يتجذر في وعي الناس سوف يصبح الرؤيا العقلية للاجيال الذين ينتجون المجتمعات. فالسؤال يصبح كيفاستطاع محمد ان يدشن تجربة تاريخية ارتباطا مع محمد النبي. وهذا هوالسؤال المهم وليس ذلك الذي يقولونه المستشرققين, فيما اذا كام محمد قد تلقى الرسالة من الله مباشرةام لا.
ان الاسلام كما يتحدث عنه المستشرقون موجود في النصوص وفي افواه المسلمون وفي الخطاب الاجتماعي. بوصفه الاسلام الوحيد الابدي. ولكن يقول اركون هناك اسلاميات ويرفض بكونه مسلم ان يكون منتسب الى اي منها. ويقول انا صوت من بين الاصوات يحاول ان يعبر عن نفسه من خلال مناقشة مفتوحة ديموقراطية بالمعنى الفكري والعقلي, ان الفهم الذي نحاول ان نشكله عن الظاهرة الدينية ليس جواهرانيا ولا ماهويا لأن ما ندعوه الاسلام متعلق بمستويات متنوعة من الوجود والتحليل , كعلم النفس والاقتصاد والسياسة والفكر, اي كل الساحات التي تشكل المجتمع. ان المقاربة التي يدعو اليها اركون هي مقاربة ايجابية منفتحة وواقعية ومحسوسة ترفض التحديد المسبق والعقلية الجواهرانية الماهوية التي اضرت بالغرب والاسلام على السواء. فنحن مضطرين لخوض معركة حقيقة على الارض وغير همية او تجريدية تجري بين المثقفين المتعلقين في ابراجهم العاجية.
استكمال الكتابة من التلخيص الموجود في دفتر وزارة الاوقاف والمقدسات الاسلامية
"العلمنة والدين" هو عنوان كتاب ألفه أركون عام 1996, ويتناول فيه المسلمين والعرب في صلتهم بذاتهم وبالغرب والمسيحية والأفكار العلمانية. ويعتبر هذا الكتاب مساهمة أخرى للتركيز على التعايش بين الحضارات والاديان, ويرى اركون أن العلمنة موقف للروح، وهي تناضل من أجل امتلاك الحقيقة. وينتقد الكتاب المسلمين المغممين بيقينهم الدوغمائي، كما وينتقد العلمانيين المتطرفين الذين يخلطون العلمنة مع الصراع ضد رجال الدين.
بالرغم من الكم الهائل من الأدبيات والبحوث والجدل حول مسألة العلمانية, فإن القليل من المفكرين استطاعوا الوصول الى حقيقتها العلمية. مثلا أركون فهم العلمانية وتعامل معها ضمن عمليات المعرفة بشكل عام، وليس فقط في عملية فصل الدين عن الدولة كما يعتقد الكثيرون. [2]
محتويات
مقدمة
عندما ضاق الفرنسيون ذرعا من سيطرة الكنيسة وتدخلها في حياة الفرد والمجتمع, وما ترتب عليها من استغلاد وفساد, كان لا بد من الحاجة الانسانية ان تتحرر من هذه السيطرة التي دامت طوال القرون المظلمة.اذا نظرنا بشكل عام الى تاريخ الاديان, نرى ان كل حقبة من الزمن تتميز بطبقة من الرجال المتلفلفون والملتفون حول الدين ليستغلونه كأداة للسيطرة على الفرد والمجتمع والدولة. وتصبح هذه الطبقة عدوانية وفتاكة لكل من يشكك في شرعيتها او يحاول ان ينزع الغمامات عن العيون وبالتالي اضعاف الولاء لسلطتها. فنراها تهاجم وتكفر وتشوش كل من يحاول ممارسة الافكار الحداثية او حتى التفكير بها. وبما ان الكثير من الناس يعتقدون ان طاعتها لطبقة رجال الدين هي طاعة للاله, فعلى مدار التاريخ استغلت عاطفة الاتباع لاحراق العلماء والفلاسفة واسقاط السياسيون وتكفير وتعذيب ونفي المفكرون.
الوقوف على العلمنة يجب ان لا يبدأ من مواقف مسبقة لما هو شائع بين العامة, ولا حتى ردة الفعل المعاكسة ممن يدعي العلمانية, كما فعل اتاتورك مثلا في تركيا, حيث انجز عملية تغريب للدولة بدلا من علمنتها.
ان مفهوم العلمنة بحاجة الى إعادة صياغة , ولكن ليس من مفهوم أولئك الذين يكررون مفهوم العلمانية في فصل الدين عن الدولة خوفا من خسارة سلطتهم؛ ولا من قبل العلمانيين المتصارعين مع طبقة رجال الدين او (الاكليروس). بل في صياغة محددات مفهوم العلمانية بما يتناسب مع الحقوق والواجبات. ولأن مفهوم الدين الإسلامي لا يتعارض العلمانية لما ورد فيه من تشجيع للعلم والحقيقة العلمية
نحو إبستمولوجية أخرى (أي نحو نظرية أخرى للمعرفة). العلمنة بصفتها موقفاً أمام مشكلة المعرفة. تمهيد: ماينبغي علينا أن نعيد التفكير فيه اليوم. أولاً : ماهي العلمنة ؟
اولا: ماهي العلمنة ؟
يقول اركون ممارستي للتعليم في فرنسا علمتني اشياء كثيرة ايجابية وسلبية, وأصلتني اخيرا الى الاقتناع بان "العلمنة هي اولا وقبل كل شيء احدى مكتسبات وفتوحات الروح البشرية". وهنا اركون اراد ان يربط العلمنة بالحرية, لان الانفتاح الفكري مشروط -في كلا الحالتين- بما تسمح به الظروف الاجتماعية والسياسية. فمثلا المواضيع التي ناقشها المعتزلة ايام المأمون لا يمكن حتى التفكير بطرحها الآن في اي بقعة من الاراضي الاسلامية.ويقول ان العلمنة كانفتاح فكري ظهرت ايضا في الحضارة الاسلامية, ولكن المكتسبات التي حققها الغرب من خلال صراعات عديدة لا تعني ان هناك تفوق لحضارة على اخرى, ولكن كان هناك اسباب اخرى تاريخية ثقافية سنراها لاحقا.
العلمنة هي موقف للروح وهي تناضل من اجل اكتساب المعرفة. وفي هذا النضال تواجه تحديات مثل:
- الباحث يجب ان يتجاوز خصوصيتة الثقافية والتاريخية والدينية. لأن العلمنة اكبر بكثير من ان تكون فقط عملية فصل بين الدين والدولة. فهي اولا وقبل اي شيء مسألة تخص المعرفة ومسؤولية الروح.
- لا يكفي اكتشاف الحقيقة وانتاج معرفة, ولكن يجب ايصالها الى الجمهور. قد يبقى بعض المفكرين هامشيين لانهم لا يعرفون كيف توصيل نتائج بحوثهم الى الجمهور العريض. وهذه هي مشكلة التعليم, مهمة يمارسها كل مدرس عندما يجد امامه عقولا طازجة شابة او حتى بالغة ولكنها عاجزة عن الدفاع عن نفسها. وهي اخطر من المسؤولية الاولى.
مشكلةالعلمنة تظل مفتوحة سواء للعلمانيين الصراعيين الذين يخلطون بين العلمنة الصحيحة وبين الصراع مع طبقة رجال الدين. وايضا بالنسبة للمسلمين المغطبتون والمزهوون بيقنياتهم الدوغمائية. العلمانيون الصراعيون هم الذين يرفضون ان تدرس الاديان في المدارس الحكومية, ولا حتى من وجهة نظر تاريخية او ثقافية. ويقولون انه يكفي ان يكون المعلم حياديا لكي يطبق العلمنة, ولكن الامر ليس كذلك لأن مسالة المعرفة باسرها تكون موضع النقاش. [3]
ويقول اركون لا يوجد حتى الآن باحث قادر على تقديم مقاربة علمية مقنعة حول ماهية الظاهرة العلمية, أي لا يوجد اي طريقة قادرة على تحقيق الاجماع عقلي يتجاوز كل الايدولوجيات والصراعات التاويلية بين الاديان والمذاهب المختلفة.
ثانيا: اخذ الظاهرة الدينية بعين الاعتبار
اذا العلمنة تعني تقدم الروح البشرية فنحن ليسوا معاصرين لبعضنا البعض بما يخص المعرفة وتوصيلها للاخرينوهذا ينطبق على المجتمع الفرنسي وعلى ثقافات اخرى مثل المجتمعات التي يسودها الاسلام.الكتاب لا يعالج العلمنة والاسلام بل العلمنة بالنسبة للاديان ككل. هذا الموضوع غير متناول حتى في الحضارة الغربية المتطورة. فمثلا الاسلام في الجامعات الغربية ترك للمستشرقين, أما الاديان الاخرى مثل تلك الموجودة في أسيا وافريقيا , لا يعرف عنها الكثير حتى بين المثقفين . ولذلك فقد كانت من نتائج العلمنة الغربية انها استبعدت علميا قطاع كامل من المعرفة. بالرغم من انها ولدت مجتمعاتنا , وخصوصا الاسلام الذي تربطه علاقة ثقافية وعقلية مع الفكر الاوروبي.
ثالثا: مثال توضيحي الحالة الجزائرية
العلمنة والدين مفهومان اكثر ما يكونا بعيدين عن البلورة والوضوح. وبالتالي غير فعالين, وما يقال عنهمالا يشكل خطابا علميا بل اجتماعيا. وحيث يفترض ان الاول يسيطر على الاخر.ان المجتمعات البشرية بلا استثناء تهدف قبل اي شيء الى انكار الارضية الحقيقية لوجودها. بمعنى اخر تهدف الى تقنيع القوى التي تتحكم بمصيرها التاريخي عن طريق لغة ملائمة لعملية التمويه على الواقع الحقيقي. والحالة الجزائرية خير مثال, فهي متطابقة مع الخطاب السائد اليوم والخاضع للماضي.
خلال الحرب في وسط جبهة التحرير كان هناك صراعات بين تيارات مختلفة عروبية وسلفية وايضا جزائرية. حتى وان نظرنا للجزائر من منظور ابعد نرى انه كان هناك انفصال بين قبائل وعشائر وعائلات والتي الاستعمار ابقى عليها. بعد الاستقلال حاولت الدولة تأكيد انتمائها الحماسي للعروبة والى الايدولوجيات الاسلامية, ويمكن تفسير هذه المواقف كردة فعل ضد الاستعمار وليس كموقف بلد حر ومتزن ازاء النواحي الاجتماعية والثقافية. التطور الطبيعي لمجتمع يجب ان يتم ليس كردة فعل بل بمنأى ايضا عن الضغوطات الخارجية. اولها الايدولوجيا الاستعمارية الايدولوجيا الروبية المبالغ فيها واخيرا بمنأى عن اسلام يعتقد انه دعامة المقاوية ضد الامبريالية. وكل هذا يقودنا الى القول ان هذه الحالة نتاج قوى خارجية اكثر ما هي نتاج قوى المجتمع الجزائري بكل تعدديته الاجتماعية التاريخية التي تشكلت منذ دخول ظاهرة الاسلام. وظاهرة الاسلام تعني كل ما تتضمنه من تعقيدات ولا تساوي استخدام كلمة لوحدها لانه يبدو انه من السهل استخدامها بالرجوع الى النصوص الكلاسيكية الكبرى دون الاخذ في الاعتبار حقائق الواقع الاجتماعي والسياسي. وما ينطبق على الجزائر ينطبق ايضا على بلدان شمال افريقيا حتى اطراف القارة السوداء.
الخطاب السياسي يسعى في كل المجتمعات المتخلفة والمتقدمة الى تغطية الحقيقة بهدف امتلاك الساحة الاجتماعية والسيطرة عليها.
وقبل الانخراط في عوالق الدين والسياسة من الضروري استخدام التحليل الدقيق لمختلف الحقول.
رابعا: الدين في الفضاء الاجتماعي التاريخي
هناك 5 حقول يجب وصفها ودراستها باكبر قدر ممكن من الدقة, وهي- الساحة الفكرية
- الساحة الدينية
- الساحة السياسية
- الساحة الاقتصادية
- الساحة الثقافية
الدين اوالاديان تمثل جذور مجتمع ما, ولا يهم ان كانت وثنية او وحيية, لأن العلمنة تذهب الى الجذور من اجل تشكيل رؤيا اكثر صحة وعدلا ودقة.
الاديان لم تقدم التوضيحات والتفسيرات فقط بل ايضا الاجوبة العملية القابلة للتطبيق المباشر بما يتعلق بعلاقتنا بالوجود وبالاخرين وبكل ما يدور حولنا في المحيط الفيزيائي, وحتى الكون كله وفيما وراءه من الاشياء الميتافيزيقية التي تتجاوز الحس والعيان.
وهذه الاجوبة ليست قابلة للنقاش ولا تصلح كمادة للملاحظة والتحليل العلمي, وبالتالي فنحن ندمجها في حساسيتنا الاكثر عمقا ليس فقط عن طريق اللغة بل ايضا عن طريق الشعائر والعبادات.
وهكذا فنحن عندما نجسد الحقائق تصبح مرتبطة بشبكة الادراك التي ستتحكم من الآن فصاعدا بكل وجودنا وسلوكنا. وعلى مثل هذا المستوى العميق الجذري ينبغي ان نفهم بنية الساحة الدينية وكيف تؤثر على المجتمعات المختلفة. ليس الا انماط لصياغة الشعائر والطقوس التي تساعد على دمج الحقائق الاساسية وصهرها في اجسادنا. فالمسلم يقوم بحركات معينة خلال الصلاة والمسيحي بحركات اخرى وكذلك البوذي.
ولو قارنا الساحة الدينية بالساحة الفكرية لرأينا ان هذه تأخذ تشكيلات حسب تنوع الثقافات وبحسب اللحظات التاريخية لنفس الثقافة. فمثلا اذا اراد الغربي ان يدرس الثقافة الاسلامية يجب عليه اولا ان يمتلك التشكيلة العقلية للثقافة الخاصة به.
يقول اركون ان ما ندعوه بالعقل لا يمارس فعله بشكل مستقل على عكس ما اوهمنا تاريخ طويل من الفلسفةواللاهوت. العقل يمارس دوره وهو على علاقة بالخيال والمتخيل. وفقط مؤخرا بدأ المؤرخون يدرسون المتخيل الاجتماعي الذي هو مهم في كل وجود اجتماعي.
من الصعوبة بمكان التوصل الى كلام المسيح الذي تحدث بالارامية وليس بالاغريقية, ومن الصعوبة ايضا التوصل الى اللحظة الاولى للخطاب القرآني, اي كما لفظ لاول مرة في مجتمع دون كتابة او لا يكتب الا القليل. او في مجمع يعتمد لة النقل الشفهي. وكل هذا من اجل التوصل الى فهمنمط المعرفة الذي كان سائدا في المجتمعات الذي نزل فيها مايدعي الوحي. وظاهرة الوحي التي نتحدثعنها تفلت ن ايدينا بسهولة. ومع ذلك فالانسان يلجأ لها في بعده الديني باحثا عن مكان يستمدمنه الحلول التي لا تقدمها ثقافتنا المعاصرة, فنجد انفسنا عزلا من كل سلاحامام ظاهرةالوحي والعالم والكون.
الساحة السياسية تلعب دورا هاما بالنسبة للساحة الفكرية ومن ثم بالنسبة للساحة الدينية.
نحن لا نمتلك اي وسيلة لاقامة مراتيبية هرمية بين مختلف الساحات. فكيف يمكن اننحدد فيما اذا كانت القوة السياسية هي التي فرضت تشكيلة ما للساحة الفكرية والساحة الدينية اوانالعكس هوالصحيح. وهنا نجد مشكلة العلائق بين الدين والسياسة ولا نستطيع ان نغلب احدهما على الاخر بسهولة, وانفعلنا ذلك فاننا نهجر ارضيةالتحليل ونسقط في مجال الخيال والمتخيل اوالايدولوجيا. وانا قلت كما يقول معظم المسلمين بانه لا يوجد سيادة سياسية بدونان تكون مرتبطة بالسيادة الالهية ومرتكزة عليها اكون قد وقعت في احضان المتخيل الواسع.
لأنه اذا فتح المرء عينية يلاحظ العكس, اي ان الانظمة السياسية المعتمدة على القوى المنظمة مثل البوليس والاعلام هي التي تمارس السلطة الطاغية عن طريق استخدام الدين. والاواقع ان الدين يهيمن في كل مكان ولكنه لا يحكم اي مكان ولا حتى في القرون الوسطى بالرغم من ان الخطاب الاجتماعي يقول ذلك. وهنا يحص التداخل بين ما هوخيالي وما هو عقلاني, وعندما نشير الى كلام الله, فنحن نشير الى نصوص تركت لتفاسير رجال الدين والفقهاء. فمن هم هؤلاء الفقهاء ؟.
اثناء الفترة الكلاسيكية للفكر الاسلامي راح اصحاب العلوم الدينية ينهضون في وجه اتباع العلوم العقلية(فلاسفة ومتكلمين), والصراع بينهما هو العقل الاسلامي, كما يحدده اركون.
وهذا يعيدنا الى سلطة اللغة والتأويل التي هي من صنع القوى الاجتماعية الموجودة والمتنافسة للسيطرة على الساحة السياسية ومن ثمعلى الساحةالفكرية.
فالقول ان هذه الحكومة مرتكزة على ارادة الله يعني نوع من الخيال اوالمتخيل. بالرغم من انه متخيل ضروري لسير المجمتع, ينبغي اظهار هذه الحقيقة عندما ندرس الروابط بين السياسة والدين.
ولمعرفة كيف انزرع الاسلام في مجتمعات متنوعة يجب ان ناخذ في الاعتبار العامل الاقتصادي اوالساحة الاقتصادية. وهنا يقول اركون انه ينظر بنوع من الاحترام الى الاسهام الذي قدمه ماركس في مجال الفكر, لأن الاقتصاد عامل مهم مع انه ليس مفتاح كل شيء.
وهنا ايضا ينبغي اعطاء اهمية للطبقة لبرجوازية التي زحزحت الحدود بين الساحة الدينية والساحة الفكرية والساحة السياسية في الغرب الاوروبي. ولكن التحليل يبقى ناقص ان لم ناخذ البرجوازية الاسلامية ايضا. التي كان لها من التماسك والوضح ما يجعلها ذو دور مهم فيتطور المجتمعات الاسلامية. وخصوصا في المدن الكبرى كطهران واصفهان وسيراز وبغداد والبصرة ودمشق. ولكن البرجوازية في الغرب التي بدأت في القرن السادس عشر شهدت استمرارية متواصلة على عكس ما حدث في دار الاسلام. منذ ذلك التاريخ شهدت اوروبا طبقة تجارية نشيطة ثم اصبحت رأسمالية وصناعية واستمر الحال الى يومنا هذا. وهكذا بدأت البرجوازية تتفتح وتشكل دائرة مستقلة للفاعلية الاقتصادية والتي بنى ماركس عليها نظريته. وفي الوقت نفسه اصبح من الممكن تدشين دائرة سياسية مستقلة ومنفصلة عن الدائرة الدينية. وفي موازاة ذلك راحت تتشكل الدائرة الثقافية وكل هذه الدوائر هو ما ندعوه الغرب (occidente) او كما يسميه بروديل الحضارة المادية للغرب. التي لم يعد بالامكان وصفها بالعالم المسيحي او المسيحية. وعلى اثر ذلك اضطرت الساحة الدينية ان تتشكل بطريقة اخرى لتتموضع بالنسبة للساحات الاخرى. التي حررتها البرجوازية. وخصوصا الساحة الاقتصادية والساحة الايدولوجية التي ترافقها.
خامسا من الاسلاميات الكلاسيكية الى مقاربة اخرى للاسلام
يقول اركون ان ما احاول ان اعمله هنا ليس فقط محاولة الاجتهاد والتأويل بالنسبة للاسلام ولكن وبما انه لا يوجد مصطلح اخر يحل محل العلمنة, فهي محاولة لتحديد موقف الانسان امام مشكلة المعرفة. وهذا الموقف الآن في طور التبلور والتشكل من خلال علوم الانسان والمجتمع والى هنا يقودني مساري الابستمولوجي بوصفي باحثا واستاذا جامعيا. وبهذا المعنى فان على الاسلام المعاصر ان يستعيد الاتصال بماضيه المبدع وتراثه الخلاق الذي ازدهر في القرنين الثلث والرابع للهجرة, الانسية العربية, ولتفادي سوء التفاهم ادعو الى اتباع استراتيجية معرفية اخرى باتباع المثال الاسلامي وتجاوزه معا. فالجهد المعرفي المطلوب لا يهم الاسلام وحده بل الجميع ومن كل الاديان.ولكن مشروعا واسعا كهذا يضع الاسلاميات الكلاسيكية (او الاستشراق) موضع الشك. وينبغي معرفة ان الاسلاميات الكلاسيكية هي عبارة عن الخطاب الغربي عن الاسلام من اختصاصين باللغات الشرقية. الذين يكتبون من وجهة نظرهم ومن منطلق ثقافتهم. وبما انهملا ينتمون الى المجتمعات المسلمة فهم لا يبالون بمصير المسلمون, لانها ليست مشكلتهم , ويقع على عاتق المجتمعات المسلمة نفسها مهمة التجديد وزحزحة الحدود التقليدية لفكرهم ومعرفتهم.
والمستشرقون يدرجون الاسلام ضمن اشكالية ايدولوجية دينية وليس من ناحية علمية معرفية. وعندما تحصل المقارنية بين الاسلام والمسيحية فانها عادة ما تكون من النوع التقليدي, اي مقارنة نقاطالعقيدة منفصلة عن الظروف التي ولدتها وتبلورت فيها. وهنا يكمن الفرق بين تاريخ الافكار التقليدي وتاريخ انظمة الفكر.
وعندما بدأت الدول الغربية تستعمر المجتمعات العربية, بدأ الانتاج العلمي عن السحر والدين, عن المرابطين والاخوان عن جوانب الاسلام الناتج من تدهور سابق بطيء, وعندئذ تم فرض الصورة الفلكلورية عن عام الاسلام مقابل لايدولوجية الظافرة للمجتمعات الغربية. والحالة السائدة اليوم تزيدمن هلوسات وخيالات لغرب عن الاسلام. فكيف التخلص من ذلك ؟. وخصوصا بان الكتابات الايدولوجية في كل من الغرب والاسلام اكثر بكثير من الدراسات العلمية
وكما قلنا سابقا انبثقت في الاسلام نزعة انسية ذات طابع علماني في العصور الوسطى, ولكنها اجهضت لاسباب تاريخية وليس لأن القرآن قال بانه ..., كما يشاع القول بين البشر. فما يقوله القرآن او الانجيل اوسع واكثر انفتاحا مما يفسرونه البشر.
يقول اركون ان هناك فرق بين الحداثة الزمنية والحداثة المعرفية, وفي هذه الحالة الاخيرة الجاحظ (الذي مات عام 869) مثل افضل المحدثين لكل المواقف الفكرية التي ضجت الثقافة العربية في الفترة الرائعة من الإنسية العربية. الحاحظ شخص حديث يطرح على الاسلام اسئلة من نوع النقد التاريخي التي مسلمو اليوم لا يستطيعوا تلميح ضرورتها وجدواها.
الحداثة لا تعني ان نتصورها ضمن مفهوم خطي من التسلسل الزمني, أي من يعيش في عصرنا هو اكثر تقدما ممن عاش في القرن السابق. فإن فعلنا ذلك وقعنا في احبولة (مصيدة) الفكر الوضعي للقرن التاسع عشر, وانها من المكتسبات المعاصرة. صحيح اننا نسيطر عليها بشكل افضل واوسع من خلال التعليم والاعلام.
وحتى الشخصيات المتقدمة مثل الجاحظ كان يعيش في ظروف اكراهية بالنسبة للفكر. التي تنتعش مجددا في الدول العربية والاسلامية لما نراه من مراقبة وتعبئة ايدولوجية. ونشهد نوعا من التراجع في قطاعات من المجتمات العربية والاسلامية, فمثلا بما يتعلق بطباعة النصوص القديمة الكلاسيكية, نلاحظ انها اصبحت ندرة مما كانت عليه بين 1930 و .1950
يقول اركون يجب ان يكون لدينا الشجاعة للذهاب بعيدا وعدم التوقف على الموقف الارتيابي الشكوكي الشائع اليوم. موقف تولده طريقة في التعليم ليست علمانية حقيقية وانما زائفة. يجب ان نقبل الشرود والذهاب في كل المسالك والدروب, فلا نخشى الضياع, نشرد لطلب الحقيقة وفينا ثبات, فلا نخشى اي مغامرة فكرية للروح, ونناضل دون الادعاء ابدا بامتلاك الحقيقة.
يجب اعتماد الموقف الفكري هذا لدراسة الاسلام ضمن سياق الحداثة بدلا من الالتهاء بتفخيره وتمجيده فقط, ويجب تحليله نقديا لبيان اسباب نشاته ولماذا مارس دوره في المجتمعات التي سيطرت فيها ظاهرة الاسلام. واولمرحلة ينبغي انجازها هي مرحلة اعادة القراءة التفسيرية للقرآن اوتحديد شروط صلاحية هذه القراءة. وذلك لأن الاسلام انطلق من حدثينتدشينين لا يينفصلان ومتكاملان
- الخطاب القرآني
- تجربة المدينة
الخطاب القرآني
الخطاب القرآني ومكانته المهمة على مستويين- التلفظ الشفهي
- النص المكتوب
النص المكتوب
الانتقال من الثقافة الشفهية الى الثقافة المكتوبة تعتبر لحظة حاسمة لأن المصحف اصبح المرجع لجميع المسلمين. وهي اول خطوة في اتجاه ما اصبح بالارثوذكسية, وهكذا دشنت مرحلة جديدة من الانتاج التاريخي للمجتمع. وهذا الصياغة فعلت فعلها لمدة 15 قرن حتى الآن. ولكن التراث الشفهي لم يختفي ابدا من المجال الاسلامي. والحرف المخطوط اصبح اداة للسلطة منذ الدولة الاموية.
ينبغي تشين قراءة جدلية للفضاء الاجتماعي التاريخي تتراوح بين القطاع التي سيطرت عليه الثقافة الشفهية وذلك للطاهرة الكتابة. ولكن يجب ان يؤخذ في الاعتبار ايضا ما يسمى بتجربة المدينة
تجربة المدينة
وهو حدث تاريخي بالكامل, ويميز فيها اركون بين الظاهرة القرآنية الشفهية والنصية وظاهرة الاسلام. وأصل هذه الاخيرة هي تجربة المدينة. التي اصبحت نموذجا يحتذى به من قبل كل اجيال المسلمين حتى يومنا هذا. تجربةرجل اسمه محمد مواطن من مكة, الذي نجح ابتدأ من عام 633 م باقامة مدينة او بالاحرة دولة المدينة. وهذا النموذج لم يدخل في المجمع العربي فقطبل ايضا في العالم المتوسطي ككل.نموذج جديد للدولة مستعار من اثينا اولا ومن الامبراطورية الرومانية بعد تشكل الخلافة. والداعملهذه الدولة كان البعد الديني. كما حدث في الامرطورية المسيحية في القرون الوسطة ولكن مع رأس مزدوج متمثل في الامراطور والبابا. ما في الاسلام فجتمع في رأس واحد وهو الخليفة.
ان مشكلة المدينة تنبثق منجديد مع كل تجربة حداثة, اي كيف الفصل بين البعد الديني والواقع السياسي.
التمييز بين محمد الرجل ومحمد النبي مهم, لانه ما اخذ يتجذر في وعي الناس سوف يصبح الرؤيا العقلية للاجيال الذين ينتجون المجتمعات. فالسؤال يصبح كيفاستطاع محمد ان يدشن تجربة تاريخية ارتباطا مع محمد النبي. وهذا هوالسؤال المهم وليس ذلك الذي يقولونه المستشرققين, فيما اذا كام محمد قد تلقى الرسالة من الله مباشرةام لا.
ان الاسلام كما يتحدث عنه المستشرقون موجود في النصوص وفي افواه المسلمون وفي الخطاب الاجتماعي. بوصفه الاسلام الوحيد الابدي. ولكن يقول اركون هناك اسلاميات ويرفض بكونه مسلم ان يكون منتسب الى اي منها. ويقول انا صوت من بين الاصوات يحاول ان يعبر عن نفسه من خلال مناقشة مفتوحة ديموقراطية بالمعنى الفكري والعقلي, ان الفهم الذي نحاول ان نشكله عن الظاهرة الدينية ليس جواهرانيا ولا ماهويا لأن ما ندعوه الاسلام متعلق بمستويات متنوعة من الوجود والتحليل , كعلم النفس والاقتصاد والسياسة والفكر, اي كل الساحات التي تشكل المجتمع. ان المقاربة التي يدعو اليها اركون هي مقاربة ايجابية منفتحة وواقعية ومحسوسة ترفض التحديد المسبق والعقلية الجواهرانية الماهوية التي اضرت بالغرب والاسلام على السواء. فنحن مضطرين لخوض معركة حقيقة على الارض وغير همية او تجريدية تجري بين المثقفين المتعلقين في ابراجهم العاجية.
==
ان الحداثة العقلية تحدث قطيعة مع اليقينيات الدوغمائية للايمان التقليدي والمسلمات المتشنجة للنظام المغلق. ونحن نتحدث اليوم عن البحث الحر الشارد عن الحقيقة كما كان الصوفي يعبر عن ولعته للاتصال بالمطلق رغم نقص امكانياته ولغته. وفي كلا الحالتين نعيش حالة تقشفية زهيدة مضنية مزودة بكل المصادر العقلية والعاطفية للروح البشرية.استكمال الكتابة من التلخيص الموجود في دفتر وزارة الاوقاف والمقدسات الاسلامية
حواشي ومصادر
- ^ ويكي الايطالية/Mohammed Arkoun
- ^ عبد السلام بلحسن/الحوار المتمدن-العدد: 2950 - 2010 المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
- ^ العلمنة والدين. الإسلام والمسيحية والغرب. أركون. تقديم وترجمة: هاشم صالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق