مستخدم:Hasanisawi/الفارابي حول العقل
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
الفارابي
(باللاتينية Alfarabius) ، فيلسوف مسلم وعالم رياضيات وطبيب, ولد في إقليم
فاراب، تركستان، عام 870 وتوفي في دمشق عام 950 م.
بالإضافة إلى ترجماته وتعليقاته على اعمال أرسطو، كتب أطروحة في العلوم (De ortu scientiarum) وواحدة في الفكر (De intellectu et intelligibili) والعديد من الأعمال في الرياضيات، والفلك، والطب، والكيمياء، والموسيقى، والأخلاق والسياسة.
فلسفة الفارابي تعتبر أول صيغة عضوية للفكر العربي، ومثلت البذرة التي انطلقت منها نظريات الفلاسفة العرب الذين تبعوه , مثل ابن سينا، وابن رشد، الخ.
اعترف الفارابي انه أرسطي المذهب ومشبع بقوة الأفلاطونية المحدثة. في كتابه "الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو", حاول التوفيق بين أطروحة أن العالم كان له بداية لأفلوطين, وبين ان العالم قديم لأرسطو. وحيث توصل الفارابي الى نتيجة أن العالم قد أتى من العدم، بفعل زماني واحد للخالق، ومن تأثير حركته يتوالى الزمان.
في مفهوم العقل، ارتبط الفارابي مع الكندي، بتصور الاعتماد المباشر على العقل الفعال (الصادر الإلهي الاخير) وعلى ثلاثة مراتب للعقول البشرية: العقل بالقوة، والعقل بالفعل, والعقل المستفاد. العقل بالقوة ينتقل بواسطة مساعدة العقل الفعال الى مرتبة العقل بالفعل, والعقل المستفاد يتعامل بشكل محض مع المفاهيم التجريدة التي توصل إليها العقل بالفعل. مع الجدير بالعلم أن أنشطة المعرفة البشرية مستمدة من العقل الفعال المبدع. [1]
تلامذة أرسطو الأوائل اكتفوا بتأويل فيزيائي للعقل، واعتبروا أن أرسطو لم يكن يعتقد في وجود نفس منفصلة وخالدة. أما رجال الدين، مسيحيين أكانوا أو مسلمين، فقد قدموا تأويلا روحانيا لنفس النص.
يعتبر الإسكندر الأفروديسي أول من أثار الانتباه إلى أهمية العقل. الذي اصبح مركز جدل دام قرونا. من فيلسوف إلى فيلسوف ومن ديانة إلى أخرى. بعضهم قبل تعاليم أرسطو كما هي، وبعضهم غيرها للتكييف مع محيطه الثقافي والديني. الاسكندر الأفروديسي قال أن الإنسان يولد ومعه عقل بدون صورة، عقل مادي، أو هيولاني. ومع التعلم يكتسب هذا العقل صورة فيصبح تفكيرا. يسمح هذا التحول للعقل البشري بالمرور من حالة انفعال إلى حالة فعل. وبين هاتين الحالتين يوجد العقل بالملكة، وهو في الواقع صورة العقل الهيولاني.
أما المفكرون المسلمون فقد اهتموا بفكرة العقل اهتماما كبيرا. فالكندي في كتاب رسالة في العقل ميز نوع من العقل سماه: "العقل البياني"، بالإضافة إلى تبنيه لتصنيف الاسكندر الأفروديسي للعقل. والعقل البياني هو العقل الذي بواسطته يمرر عقل ما تعقله إلى عقل آخر. أما الفارابي فقد برع في تقويم الحالات التطورية للعقل الهيولاني. وابن سينا برع في تحسين المصطلحات النيوسية (noés = pensée). ولا يختلف إلا قليلا عن الفارابي في تصنيفه لأشكال العقل. [2]
العقل هو الجوهر البسيط مدرك الأشياء على حقيقتها. الكندي يقول أنه الجوهر الغير مركب والغير قابل للفساد. الفارابي يقول خلافا لأرسطو أن القوة العاقلة تبقي حتى بعد فناء الجسد. وابن سينا يعرفه بالجوهر المتبرئ من المادة من كل جهة, والنفس الناطقة التي يشير إليها كل من يقول أنا.[3]
العقل قوة النفس التي نحصل بها على تصور المعاني وتأليف القضايا. ويتباين عن الحس بأنه ينزع او يجرد الصور عن المواد ولواحقها. ويدرك المعاني الكلية، كالجوهر والعرض والعلة والمعلول والخير والشر.
ويشرح الفارابي معنى العقل فيقول: أن اسم العقل يقال على أشياء كثيرة. الأول قول الجمهور عن الإنسان بأنه عاقل والثانية ما يردده المتكلمون حين يقولون، هذا ما يوحيه العقل أو ينفيه العقل. أما ما يعنيه الجمهور بالعاقل، فهو من فيه روية في استنباط ما ينبغي فعله من خير أو تجنب الشر.
أما العقل في كتاب البرهان لأرسطو، فهو قوة النفس، التي يحصل بها الإنسان على اليقين بالمقدمات الكلية الصادقة، الضرورية، لا عن قياس أو فكر، بل بالفطرة والطبع, وهذه المقدمات هي مبادئ العلوم النظرية.
وصف الإنسان بأنه كائن عاقل، لا يعني فقط إدراك العالم من حوله، من حواس وألوان وأصوات ... الخ، بل وراء هذه المحسوسات يجب ان يكون شيء اخر ينظمها، ويرتبها، ويربط بينها، لكي تصبح معرفة علمية معقولة. [4]
ولمعرفة دور العقل ينبغي أولا معرفة وظائف القوى الأخرى , مثل الحس المشترك وقوة الحفظ والمتخيلة, ومعرفة ان النفس تطمئن لهذه القوى, ومثال على ذلك القول الدارج: "هل تريد أن أصدقك وأكذب عيني". وهذا يعني ان ما يأتينا من الحواس هو الواقع والحقيقة. فهل العقليات أوهام مرسلة وتخيلات من صنع الخيال ؟.
يرى الفارابي ان النفس البشرية، تشتمل على أربع قوى:
دور المتخيلة هام في عملية الانتقال مما هو محسوس وملابس للمادة إلى ما هو معقول ومجرد من المادة. ولذلك فالمتخيلة تحتل دور الوسيط في هذه العملية. كما هو حال الشاكلة عند كانط.
وتشمل المتخيلة على قوة أخرى التي سماها الفارابي قوة التمييز, وظيفتها تكمن في تنقيح وتهذيب وتشذيب الصور من الغواشي قبل أن تؤدي بها إلى العقل.
ما يميز القوة العاقلة في النفس الناطقة عن غيرها في الحيوانات الغير ناطقة, هي انها تدرك غيرها وتدرك أيضا ذاتها. مثلا عندما نبصر شيئا فنحن لا نبصر بصرنا, او نكون غافلين عن آلة البصر التي تسمح لنا من أن نبصر. او عندما نسمع صوتا نكون غافلين عن آلة السمع التي تمكننا من أن نسمع.
الفارابي يميز بين الحس والعقل, حيث يقول ليس من شأن المحسوس ان يعقل وليس من شأن المعقول ان يُحس. لأن كل واحد منهما له مدركه الخاص به. مثلا الخروف كمفهوم معقول لا يمكن ان يحس لانه غير متحقق, وبالمثل مفهوم الإنسان فهو مفهوم كلي وليس متحققا مثل حسن وسلمان, أي انه ليس محسوسا.
ولكن الفارابي في نفس الوقت لا ينكر العلاقة بين المحسوس والمعقول. لأنه يقول ان معرفة الإنسان لا تأتي الا عن طريق الحواس. أي ان ادراك الانسان بالكليات يأتي عن طريق إحساسه بالجزئيات. على اعتبار ان الكلي يأتي عن طريق انتزاعه من مجموعة من الجزئيات. وكما يقول الفارابي ان الكلي يتم ادراكه من الكلي ومعه بفعل معرفي واحد. أي أنني لا أزي سلمان ومن ثم أدرك انه إنسان, بل بمجرد رؤيتي للجزئي (سلمان) أدرك الكلي (الإنسان) الذي فيه.
ويعتقد الفارابي ان التعقل هي القوة الأسمى في النفس الناطقة, لأنها القوة التي تسمى فوق الطبيعة لتصل الى ما بعد الطبيعة. أي أنها القوة التي تجسر الهوة بين ما هو فوق القمر وما هو تحته. ولذلك يعتبرها الفارابي ماهية النفس الناطقة. لأنها القوة التي تميز نفس الإنسان عن غيره من نفوس الحيوانات الأخرى, التي تشاركه بقوتي الحاسة والنزوعية.
وفي حينا اخر يرى ان القوى البدنية تعيق النفس من ان تخلو بذاتها وإدراكاتها. أي المادة هي الشيء الذي يعيق النفس ان تكون عاقلة. فإذا انشغلت النفس بالحواس, أي بالوسائط المادية, غفلت عن ذاتها.
وهذا يعني ان ليس هناك ضرورة للحواس اذا اردنا ان تكون النفس في حالة افضل. وفي هذا الصدد يقول الفارابي أنه عند مفارقة النفس للبدن تحصل لها المعقولات على نحو مباشر وبدون معونة الحواس. وهنا يمكن ملاحظة تأثير افلاطون على فلسفته.
أما بما يتعلق بالأوائل والمبادئ, فقد اعتبرها الفارابي أحيانا فطرية واحيانا اخرى غير فطرية. وفي هذه الحالة الأخيرة يقول انها تحصل للنفس عن غير قصد , ولكن دون اعطاء أي تبرير عن كيف ومتى تحصل هذه الأوائل.
الأوائل هي المعارف الضرورية مثل ان يكون الكل اكبر من الجزء أو ان الأشياء المتساوية لشيء تكون متساوية فيما بينها. ويقول الفارابي ان السبب في حصول هذه الاوائل هو استعداد النفس لها. وتحصل لها بدون قصد ومن حيث لا تشعر.
وتبعا لما سبق الفارابي يقر من جهة بحصول الأوائل العقلية بدون استعانة الحس, ومن جهة أخرى يتحدث عن افكار فطرية. مثال على هذه الحالة الخيرة الصفات الفطرية التي اشترط الفارابي أن تتوافر في رئيس المدينة الفاضلة. فهل هناك سوء ترتيب للامور عند الفارابي ؟.
يميز الفارابي بين نوعين من الادراك: - الحسي ويتعلق بالقوى الحاسة والمتخيلة, - والعقلية المتعلقة بالقوة الناطقة. حيث يقول النفس تدرك الأشياء بواسطة آلات, أما الكليات فتدركها بذات نفسها. [5] أي ان النفس من جهة تدرك الصور المعقولة بتوسط من قبل الصور المحسوسة. ويشبه الفارابي الصور المعقولة في العقل الهيولاني بالشمعة التي شكلها لا يختلف عن ذاتها فلا يمكن التميز فيما بينهما.
أما من جهة اخرى فيقول الفارابي ان النفس عالمة بالقوة , أي انها على استعداد لقبول المعارف الأوائل دون معونة الحس. [6]
وتبعا لما سبق فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف نحصل على الإدراك العقلي للكليات ؟.
يقول الفارابي أن للّنفس ثلاث قوى ادراكية:
وبالاطلاع على ما قاله الفاربي حول العلاقة بين الحس والعقل, نلاحظ انه لم يتطرق إلى عملية إدراك العقل للغيبيات, مثل الله والكون.
فهل هناك مرتبة أخرى من التجريد يميز فيها العقل بين الكليات والعقليات المجردة تماما. علما بأن الكليات كما يقول الفارابي تُدرك في الجزئي ومعه في فعل معرفي واحد. فهل هذه العقليات, مثل الله والكون, تأتي عن طريق الفيض ؟.
الفارابي يقسم العقل الى نوعين: العقل النظري والعقل العملي .
ولكي يحافظ الفارابي على مبدأ القوة والفعل يقول ان العقل بمعناه الاتم لم يعطى للانسان من اول امره. لأنه يُعرف القوة الناطقة في النفس , بأنها هيئات معدة لتقبل المعقولات . وسمى هذه القوة بالعقل الهيولاني او عقل بالقوة الذي بعد ان تحصل له المعقولات يصبح عقلا بالفغل. أي بواسطة عملية التعقل يصبح العقل بالقوة عقلا بالفعل.
وللعقل الانساني عن الفارابي ثلاثة مراتب:
العقل الهيولاني (او الهيولاني ) يحتل أدنى مرتبة بين العقول ولكنه يكون على استعداد لقبول الكليات الضرورية مثلا الكل اعظم من الجزء, وأن المقادير المساوية لشيء تكون متساوية فيما بينها؛ أما العقل المستفاد فيمكنه ان يصل الى مرتبة من التجريد توازي تلك للعقل الفعال. أي عندما يصبح العقل الإنساني شديد الاتصال بالعقل الفعال كأن يعرف كل شيء عن نفسه.
وكل هذا يذكرنا بقول أرسطو: إن العقل الفاعل هو الذي يجرد المعاني أو الصور الكلية من لواحقها الحسية الجزئية، بينما العقل المنفعل هو الذي تنطبع فيه هذه الصور.
وفوق كل مراتب العقل الإنساني يوجد العقل الفعال المفارق, الذي يفيض صور على عالم الكون والفساد، فتكون موجودة فيه من حيث هي فاعلة، أما في عالم الكون والفساد فتكون منفعلة.
ترتسم في الناطقة رسوم المعقولات التي تشمل:
على الرغم من الأشياء المادية ليست عقول بالقوة ولا بالفعل فانها يمكن ان تصبح معقولات بالفعل. وهذه الإمكانية لا تحدث من تلقاء ذاتها لان هذه الأشياء لا تملك في جوهرها ما يكفي لذلك. ولا حتى القوة الناطقة تملك هذه التلقائية لأن تصبح عقل بالفعل , فهي من اجل ذلك , كما قلنا سابقا, بحاجة إلى شيء اخر, وفقط عندئذ يمكن ان تحصل فيها المعقولات. التي تنتقل من القوة الى الفعل اذا حصلت في عقل بالفعل. وهذا الشيء الذي يعمل على انتقال العقل الهيولاني من القوة الى الفعل, هو العقل الفعال. [10]
بالرغم من ان المعرفة عند الفارابي تعتمد على عملية تجريد المعاني الكلية من الاشياء المحسوسة. ففي الحالات الخاصة مثل النبي والفيلسوف الحقائق القصوى- حتى وان كان مصدرها اللة, فهي تأتي بطريقتين مختلفتين. الفيلسوف يتلقى الحقائق من العقل الفعال وبالتالي تكون طبيعتها عقلية وليست حسية. أما النبي فيتلقى المعرفة بالمخيلة عن طريق الملك جبريل , ثم يتم تحويلها الى صور ومعاني تنقل للناس. وباختصار، المعرفة النبوية تعتمد أساسا على المخيلة كمنبع لها. [11]
بالإضافة إلى ترجماته وتعليقاته على اعمال أرسطو، كتب أطروحة في العلوم (De ortu scientiarum) وواحدة في الفكر (De intellectu et intelligibili) والعديد من الأعمال في الرياضيات، والفلك، والطب، والكيمياء، والموسيقى، والأخلاق والسياسة.
فلسفة الفارابي تعتبر أول صيغة عضوية للفكر العربي، ومثلت البذرة التي انطلقت منها نظريات الفلاسفة العرب الذين تبعوه , مثل ابن سينا، وابن رشد، الخ.
اعترف الفارابي انه أرسطي المذهب ومشبع بقوة الأفلاطونية المحدثة. في كتابه "الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو", حاول التوفيق بين أطروحة أن العالم كان له بداية لأفلوطين, وبين ان العالم قديم لأرسطو. وحيث توصل الفارابي الى نتيجة أن العالم قد أتى من العدم، بفعل زماني واحد للخالق، ومن تأثير حركته يتوالى الزمان.
في مفهوم العقل، ارتبط الفارابي مع الكندي، بتصور الاعتماد المباشر على العقل الفعال (الصادر الإلهي الاخير) وعلى ثلاثة مراتب للعقول البشرية: العقل بالقوة، والعقل بالفعل, والعقل المستفاد. العقل بالقوة ينتقل بواسطة مساعدة العقل الفعال الى مرتبة العقل بالفعل, والعقل المستفاد يتعامل بشكل محض مع المفاهيم التجريدة التي توصل إليها العقل بالفعل. مع الجدير بالعلم أن أنشطة المعرفة البشرية مستمدة من العقل الفعال المبدع. [1]
محتويات
1 تاريخ
2 دور العقل
2.1 دور المتخيلة
2.2 إرباكات فارابية او سوء ترتيب ؟
2.3 عملية الادراك عند الفارابي
2.4 العقل النظري والعقل العملي
2.5 مراتب العقل
2.6 خلاصة
3 مصادر وحواشي
2 دور العقل
2.1 دور المتخيلة
2.2 إرباكات فارابية او سوء ترتيب ؟
2.3 عملية الادراك عند الفارابي
2.4 العقل النظري والعقل العملي
2.5 مراتب العقل
2.6 خلاصة
3 مصادر وحواشي
تاريخ
أول من قال في قوى النفس هو الفيلسوف أفلاطون. حيث شبه الإنسان بعربة يقودها جوادان الأول : هو الكرامة ، و الثاني : هو الشهوة ، و القائد أو السائق : هو العقل . وأول من تناول مفهوم العقل تناولا فلسفيا هو ارسطو، في كتابه: في النفس (Péri Psukhês), واعتبره عنصرا أساسيا في الفعل المعرفي. وتأسيسًا على قوله بأن النفس صورة تتحقق في المادة وتمنحها الفعلية؛ جعل أرسطو للنفس الإنسانية قوى مختلفة, وهي: الحاسة وبها تدرك المحسوسات. والحس المشـترك وبه تدرك التشابه والتضاد بين الأشياء المحسوسة, فلا يمكن إدراك السواد إلا بإدراك نقيضه وهو البياض. والمخيلة: وهي القوة التي تنقل إلينا صور الأشياء بعد مرورها بالحس المشترك. والحافظة: وهي القوة التي تحصل بها صور الأشياء مع إدراك أنها صـور إحساس سابق. والذاكرة: وهي القوة التي تُستعاد بها صور الأشياء وتُستَحضر بعد غيابها ونسيانها. والقوة العاقلة: وهي التي تدرك المعاني الكلية لصور الأشياء جميعها؛ فموضـوعها الفكر والمعقولات، وتنقسم إلى: العقل القابل: الذي هو استعداد القوة لأن تعقل، وإلى العقل الفاعل: الذي هو عقلها بالفعل، ومجموع هذه القوى هي النفس الإنسانية. ويميز أرسطو بين نوعين من العقل: الأول منفعل والثاني فعال. ويعتبر هذا الأخير ذات طبيعة إلاهية وبفضله تصبح المعرفة البشرية ممكنة.تلامذة أرسطو الأوائل اكتفوا بتأويل فيزيائي للعقل، واعتبروا أن أرسطو لم يكن يعتقد في وجود نفس منفصلة وخالدة. أما رجال الدين، مسيحيين أكانوا أو مسلمين، فقد قدموا تأويلا روحانيا لنفس النص.
يعتبر الإسكندر الأفروديسي أول من أثار الانتباه إلى أهمية العقل. الذي اصبح مركز جدل دام قرونا. من فيلسوف إلى فيلسوف ومن ديانة إلى أخرى. بعضهم قبل تعاليم أرسطو كما هي، وبعضهم غيرها للتكييف مع محيطه الثقافي والديني. الاسكندر الأفروديسي قال أن الإنسان يولد ومعه عقل بدون صورة، عقل مادي، أو هيولاني. ومع التعلم يكتسب هذا العقل صورة فيصبح تفكيرا. يسمح هذا التحول للعقل البشري بالمرور من حالة انفعال إلى حالة فعل. وبين هاتين الحالتين يوجد العقل بالملكة، وهو في الواقع صورة العقل الهيولاني.
أما المفكرون المسلمون فقد اهتموا بفكرة العقل اهتماما كبيرا. فالكندي في كتاب رسالة في العقل ميز نوع من العقل سماه: "العقل البياني"، بالإضافة إلى تبنيه لتصنيف الاسكندر الأفروديسي للعقل. والعقل البياني هو العقل الذي بواسطته يمرر عقل ما تعقله إلى عقل آخر. أما الفارابي فقد برع في تقويم الحالات التطورية للعقل الهيولاني. وابن سينا برع في تحسين المصطلحات النيوسية (noés = pensée). ولا يختلف إلا قليلا عن الفارابي في تصنيفه لأشكال العقل. [2]
دور العقل
العقل ملكة وبه النفس تحصل على معرفة بالحقائق المطلقة, والذي نتلقاه من الخارج كالهواء الذي نتنفس. محدودية عقولنا بحاجة الى إلهام من عقل مفارق كلي غير متغير, والذي سماه الفارابي وابن سينا بالعقل الفعال (العقل الفاعل عن ارسطو).العقل هو الجوهر البسيط مدرك الأشياء على حقيقتها. الكندي يقول أنه الجوهر الغير مركب والغير قابل للفساد. الفارابي يقول خلافا لأرسطو أن القوة العاقلة تبقي حتى بعد فناء الجسد. وابن سينا يعرفه بالجوهر المتبرئ من المادة من كل جهة, والنفس الناطقة التي يشير إليها كل من يقول أنا.[3]
العقل قوة النفس التي نحصل بها على تصور المعاني وتأليف القضايا. ويتباين عن الحس بأنه ينزع او يجرد الصور عن المواد ولواحقها. ويدرك المعاني الكلية، كالجوهر والعرض والعلة والمعلول والخير والشر.
ويشرح الفارابي معنى العقل فيقول: أن اسم العقل يقال على أشياء كثيرة. الأول قول الجمهور عن الإنسان بأنه عاقل والثانية ما يردده المتكلمون حين يقولون، هذا ما يوحيه العقل أو ينفيه العقل. أما ما يعنيه الجمهور بالعاقل، فهو من فيه روية في استنباط ما ينبغي فعله من خير أو تجنب الشر.
أما العقل في كتاب البرهان لأرسطو، فهو قوة النفس، التي يحصل بها الإنسان على اليقين بالمقدمات الكلية الصادقة، الضرورية، لا عن قياس أو فكر، بل بالفطرة والطبع, وهذه المقدمات هي مبادئ العلوم النظرية.
وصف الإنسان بأنه كائن عاقل، لا يعني فقط إدراك العالم من حوله، من حواس وألوان وأصوات ... الخ، بل وراء هذه المحسوسات يجب ان يكون شيء اخر ينظمها، ويرتبها، ويربط بينها، لكي تصبح معرفة علمية معقولة. [4]
ولمعرفة دور العقل ينبغي أولا معرفة وظائف القوى الأخرى , مثل الحس المشترك وقوة الحفظ والمتخيلة, ومعرفة ان النفس تطمئن لهذه القوى, ومثال على ذلك القول الدارج: "هل تريد أن أصدقك وأكذب عيني". وهذا يعني ان ما يأتينا من الحواس هو الواقع والحقيقة. فهل العقليات أوهام مرسلة وتخيلات من صنع الخيال ؟.
يرى الفارابي ان النفس البشرية، تشتمل على أربع قوى:
- الناطقة، والنزوعية، والمتخيلة، والحساسة . فالقوة الناطقة هي التي بها يحوز الإنسان على العلوم والصناعة ويميز بها بين الجميل، والقبيح، من الأفعال، والأخلاق، وبها يدرك النافع، والضار... . والناطقة منها نظرية، وعملية.
- النزوعية أي شوق الإنسان للشيء أو نفوره منه.
- والمتخيلة تحفظ رسوم المحسوسات، وتفكك وتركب بعضها إلى بعض لتؤلف منها صور جديدة, التي يمكن ان تكون كاذبة او صادقة.
- أما القوة الحاسة فهي التي تدرك المحسوسات بالحواس الخمس،
دور المتخيلة
وظيفة القوى المتخيلة تكمن في تفكيك وتركيب الصور الأتية عن طريق الحس, وأيضا وخصوصا في تأليف صور جديدة, التي يمكن ان يكون بعضها صادق والأخر كاذب. وللمتخيلة عند الفارابي دور حاسم كمدخل لعملية المعرفة, .دور المتخيلة هام في عملية الانتقال مما هو محسوس وملابس للمادة إلى ما هو معقول ومجرد من المادة. ولذلك فالمتخيلة تحتل دور الوسيط في هذه العملية. كما هو حال الشاكلة عند كانط.
وتشمل المتخيلة على قوة أخرى التي سماها الفارابي قوة التمييز, وظيفتها تكمن في تنقيح وتهذيب وتشذيب الصور من الغواشي قبل أن تؤدي بها إلى العقل.
ما يميز القوة العاقلة في النفس الناطقة عن غيرها في الحيوانات الغير ناطقة, هي انها تدرك غيرها وتدرك أيضا ذاتها. مثلا عندما نبصر شيئا فنحن لا نبصر بصرنا, او نكون غافلين عن آلة البصر التي تسمح لنا من أن نبصر. او عندما نسمع صوتا نكون غافلين عن آلة السمع التي تمكننا من أن نسمع.
الفارابي يميز بين الحس والعقل, حيث يقول ليس من شأن المحسوس ان يعقل وليس من شأن المعقول ان يُحس. لأن كل واحد منهما له مدركه الخاص به. مثلا الخروف كمفهوم معقول لا يمكن ان يحس لانه غير متحقق, وبالمثل مفهوم الإنسان فهو مفهوم كلي وليس متحققا مثل حسن وسلمان, أي انه ليس محسوسا.
ولكن الفارابي في نفس الوقت لا ينكر العلاقة بين المحسوس والمعقول. لأنه يقول ان معرفة الإنسان لا تأتي الا عن طريق الحواس. أي ان ادراك الانسان بالكليات يأتي عن طريق إحساسه بالجزئيات. على اعتبار ان الكلي يأتي عن طريق انتزاعه من مجموعة من الجزئيات. وكما يقول الفارابي ان الكلي يتم ادراكه من الكلي ومعه بفعل معرفي واحد. أي أنني لا أزي سلمان ومن ثم أدرك انه إنسان, بل بمجرد رؤيتي للجزئي (سلمان) أدرك الكلي (الإنسان) الذي فيه.
ويعتقد الفارابي ان التعقل هي القوة الأسمى في النفس الناطقة, لأنها القوة التي تسمى فوق الطبيعة لتصل الى ما بعد الطبيعة. أي أنها القوة التي تجسر الهوة بين ما هو فوق القمر وما هو تحته. ولذلك يعتبرها الفارابي ماهية النفس الناطقة. لأنها القوة التي تميز نفس الإنسان عن غيره من نفوس الحيوانات الأخرى, التي تشاركه بقوتي الحاسة والنزوعية.
إرباكات فارابية او سوء ترتيب ؟
يرى الفارابي حينا ان العقل ليس الا تجارب حسية, وانه بزيادة هذه التجارب تكون النفس أتم. كما القول الدارج: "من هو أكبر منك بيوم يكون أحكم منك بسنة ". وهذا يعني ان القوة الحاسة تعطي العقل الصور المحسوسة الذي بدوره يجردها من عوالقها ليدركها كماهيات.وفي حينا اخر يرى ان القوى البدنية تعيق النفس من ان تخلو بذاتها وإدراكاتها. أي المادة هي الشيء الذي يعيق النفس ان تكون عاقلة. فإذا انشغلت النفس بالحواس, أي بالوسائط المادية, غفلت عن ذاتها.
وهذا يعني ان ليس هناك ضرورة للحواس اذا اردنا ان تكون النفس في حالة افضل. وفي هذا الصدد يقول الفارابي أنه عند مفارقة النفس للبدن تحصل لها المعقولات على نحو مباشر وبدون معونة الحواس. وهنا يمكن ملاحظة تأثير افلاطون على فلسفته.
أما بما يتعلق بالأوائل والمبادئ, فقد اعتبرها الفارابي أحيانا فطرية واحيانا اخرى غير فطرية. وفي هذه الحالة الأخيرة يقول انها تحصل للنفس عن غير قصد , ولكن دون اعطاء أي تبرير عن كيف ومتى تحصل هذه الأوائل.
الأوائل هي المعارف الضرورية مثل ان يكون الكل اكبر من الجزء أو ان الأشياء المتساوية لشيء تكون متساوية فيما بينها. ويقول الفارابي ان السبب في حصول هذه الاوائل هو استعداد النفس لها. وتحصل لها بدون قصد ومن حيث لا تشعر.
وتبعا لما سبق الفارابي يقر من جهة بحصول الأوائل العقلية بدون استعانة الحس, ومن جهة أخرى يتحدث عن افكار فطرية. مثال على هذه الحالة الخيرة الصفات الفطرية التي اشترط الفارابي أن تتوافر في رئيس المدينة الفاضلة. فهل هناك سوء ترتيب للامور عند الفارابي ؟.
عملية الادراك عند الفارابي
نظرية الادراك الفارابية نجدها في كتب عديدة, الرئيسية منها هي "رسالة في العقل", و "أراء المدينة الفاضلة"؛ و "السياسة المدنية" . وما يثير الانتباه في هذه النظرية هو انها تتم بواسطة تدخل خارجي. الذي يتعلق خصوصا بصور الكليات التي يفيض بها العقل الفعال على الادراك العقلي. ولما كانت مرتبة العقل الفعال هي الأخيرة بين العقول العشرة المفارقة, فوظيفته وجودية, لأنه واهب الصور كما يصفه الفارابي والمسؤول عن عالم ما تحت القمر. وهنا ربما تكمن محاولة الفارابي في ردم الفجوة بين ما هو مفارق وما هو مادي.يميز الفارابي بين نوعين من الادراك: - الحسي ويتعلق بالقوى الحاسة والمتخيلة, - والعقلية المتعلقة بالقوة الناطقة. حيث يقول النفس تدرك الأشياء بواسطة آلات, أما الكليات فتدركها بذات نفسها. [5] أي ان النفس من جهة تدرك الصور المعقولة بتوسط من قبل الصور المحسوسة. ويشبه الفارابي الصور المعقولة في العقل الهيولاني بالشمعة التي شكلها لا يختلف عن ذاتها فلا يمكن التميز فيما بينهما.
أما من جهة اخرى فيقول الفارابي ان النفس عالمة بالقوة , أي انها على استعداد لقبول المعارف الأوائل دون معونة الحس. [6]
وتبعا لما سبق فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف نحصل على الإدراك العقلي للكليات ؟.
يقول الفارابي أن للّنفس ثلاث قوى ادراكية:
- قوة الحس: وتنقسم الى الحواس الخمس المعروفة التي لا تدرك الا المحسوس. وبالتالي فموضوع الحس قائم في الأعيان خارج النفس، ومتشخص ومادي. كالنظر إلى شجرة موجودة أمامي
- قوة التخيل, تدرك ما ارتسم من المحسوس بعد غيابه حتى وان بقيت بعض لواحقه. وبالتالي فموضوع التخيل قائم في النفس وغير مادي ولكنه يبقي متعين من لواحق المادة. كأثر الخاتم في الشمع حتى بعد كف فعل الخاتم. أي أن الخيال هو الاثر الباقي من الحس بعد غيابه.
- قوة التعقل, تدرك ما هو خالص من شائبات الحس والتعيين وبريئة من المادة. [7]
العقل النظري والعقل العملي
يقول الفارابي ان عملية فيض العقل الفعال على العقل تنقله من حالة هو عليها بالقوة إلى حالة هو عليها بالفعل. وهنا يجب معرفة كيف ومتى تتم هذه العملية ؟.وبالاطلاع على ما قاله الفاربي حول العلاقة بين الحس والعقل, نلاحظ انه لم يتطرق إلى عملية إدراك العقل للغيبيات, مثل الله والكون.
فهل هناك مرتبة أخرى من التجريد يميز فيها العقل بين الكليات والعقليات المجردة تماما. علما بأن الكليات كما يقول الفارابي تُدرك في الجزئي ومعه في فعل معرفي واحد. فهل هذه العقليات, مثل الله والكون, تأتي عن طريق الفيض ؟.
الفارابي يقسم العقل الى نوعين: العقل النظري والعقل العملي .
- بالعقل النظري يحوز الإنسان بعلم ما ليس بشأن إنسان ان يفعله أصلا, مثل العلم بالله والملائكة والجنة والنار أو الميتافيزيقيا بشكل عام.
- بالعقل العملي يحوز الإنسان على علم يفعله بارداته, مثل الأفعال الحرة.
ولكي يحافظ الفارابي على مبدأ القوة والفعل يقول ان العقل بمعناه الاتم لم يعطى للانسان من اول امره. لأنه يُعرف القوة الناطقة في النفس , بأنها هيئات معدة لتقبل المعقولات . وسمى هذه القوة بالعقل الهيولاني او عقل بالقوة الذي بعد ان تحصل له المعقولات يصبح عقلا بالفغل. أي بواسطة عملية التعقل يصبح العقل بالقوة عقلا بالفعل.
مراتب العقل
يقول الفارابي أن الحقيقة الّتي تنشأ عن الصورة الخيالية بعد تجريدها بالكامل, تكون بالضّرورة خالصة من أي لاحق من لواحق المادة وعندئذ ليس لها محل الا العقل.وللعقل الانساني عن الفارابي ثلاثة مراتب:
- اول مرتبة العقل الهيولاني (او بالقوة)، وهو الاستعداد المحض لإدراك المعقولات, التي لا يمكن ان تكون لدى الطفل مثلا, ولكنه يكون مستعد لقبولها. وهذا ما يميزه عن الحيوان غير الناطق. ويقال هيولى نسبة الى الهيولي الأولى الخالية من الصور, كما هي الصفحة البيضاء. العقل بالقوة, له صله بالخيال, او المتخيلة التي تقوم بعمليات تفكيك وتركيب الصور الاتية عن طريق الحس ومن ثم تهذبها وتنقحها قبل ان تؤدي بها الى هذا العقل. ويقول الفارابي ان هذه الصور الناتجة من تلك العمليات والتي استحضرتها المتخيلة بعد غياب المحسوس, ليس لها علاقة مباشرة بالمحسوس. وهذه تمثل اول مراتب الانتزاع والتجريد ونصل اليها بدرجات تبدأ اولا بحصول الصور الملابسة للمادة ومن ثم استحضارها من قبل المتخيلة لتفك وتركب دون ان يقتضي استحضارها حضور المحسوس. وبالتالي المتخيلة تمثل مرحلة متوسطة بين ما هو محسوس وما هو مجرد.
- وثاني مرتبة العقل بالفعل، الذي يخزن ويستحضر النظريات بتكرار التجارب، ولكنه لا يشاهدها بالفعل. (تعريفات الشريف الجرجاني).
- وثالث مرتبة العقل المستفاد، حيث النظريات تكون حاضرة عند العقل ولا تغيب عنه".
العقل الهيولاني (او الهيولاني ) يحتل أدنى مرتبة بين العقول ولكنه يكون على استعداد لقبول الكليات الضرورية مثلا الكل اعظم من الجزء, وأن المقادير المساوية لشيء تكون متساوية فيما بينها؛ أما العقل المستفاد فيمكنه ان يصل الى مرتبة من التجريد توازي تلك للعقل الفعال. أي عندما يصبح العقل الإنساني شديد الاتصال بالعقل الفعال كأن يعرف كل شيء عن نفسه.
وكل هذا يذكرنا بقول أرسطو: إن العقل الفاعل هو الذي يجرد المعاني أو الصور الكلية من لواحقها الحسية الجزئية، بينما العقل المنفعل هو الذي تنطبع فيه هذه الصور.
وفوق كل مراتب العقل الإنساني يوجد العقل الفعال المفارق, الذي يفيض صور على عالم الكون والفساد، فتكون موجودة فيه من حيث هي فاعلة، أما في عالم الكون والفساد فتكون منفعلة.
ترتسم في الناطقة رسوم المعقولات التي تشمل:
- معقولات بالفعل, وهي التي في جواهرها تكون عقول ومعقولات بالفعل وهي بريئة من المادة؛
- معقولات ليست بالفعل وليست عقول بالقوة, مثل الحجار والنبات, أي الأشياء المادية (جسم ذو مادة او المادة نفسها او قوامه بها).
على الرغم من الأشياء المادية ليست عقول بالقوة ولا بالفعل فانها يمكن ان تصبح معقولات بالفعل. وهذه الإمكانية لا تحدث من تلقاء ذاتها لان هذه الأشياء لا تملك في جوهرها ما يكفي لذلك. ولا حتى القوة الناطقة تملك هذه التلقائية لأن تصبح عقل بالفعل , فهي من اجل ذلك , كما قلنا سابقا, بحاجة إلى شيء اخر, وفقط عندئذ يمكن ان تحصل فيها المعقولات. التي تنتقل من القوة الى الفعل اذا حصلت في عقل بالفعل. وهذا الشيء الذي يعمل على انتقال العقل الهيولاني من القوة الى الفعل, هو العقل الفعال. [10]
خلاصة
تبين ان مراتب التجريد عند الفارابي تبدأ اولا بالموضوع الحسي المتعيين والمتشخص الموجود خارج النفس, ومن ثم تصبح صورة خيالية مختلفة عن الموضوع الحسي بكونها الآن داخل النفس وبالتالي غير مادية. ومع ذلك، فهي لا تزال مرتبطة بالعوالق المادية مثل التعيين والتشخص. المرتبة الثانية من التجريد تحدث عندما تتحرر الصورة تماما من اللواحق المادية وتصبح فقط عقلية. التي سماها الفارابي المعقول الأول. ويترتب على هذا بالضرورة تجريد من نوع أخر حيث العقل يرتب المقولات الاولى للحصول على المعقولات الثواني.بالرغم من ان المعرفة عند الفارابي تعتمد على عملية تجريد المعاني الكلية من الاشياء المحسوسة. ففي الحالات الخاصة مثل النبي والفيلسوف الحقائق القصوى- حتى وان كان مصدرها اللة, فهي تأتي بطريقتين مختلفتين. الفيلسوف يتلقى الحقائق من العقل الفعال وبالتالي تكون طبيعتها عقلية وليست حسية. أما النبي فيتلقى المعرفة بالمخيلة عن طريق الملك جبريل , ثم يتم تحويلها الى صور ومعاني تنقل للناس. وباختصار، المعرفة النبوية تعتمد أساسا على المخيلة كمنبع لها. [11]
مصادر وحواشي
- ^ Al-Fārā´bī, Abū Naṣr Muḥammad (latinizz. Alfarabius, it. Alfarabi o Alfaràbio)
- ^ تنقل مفهوم "العقل" حتى القرن 13م / عبد السلام بن ميس
- ^ في تعريف العقل والعقلانية
- ^ -د/زكي نجيب محمود –من زاوية فلسفية/دار الشروق ط 1-1979 ص 97
- ^ عبد الحكيم يوسف الخليفي - 2003 كلية الشريعة.. جامعة قطر
- ^ المصدر السابق
- ^ مراتب التّجريد عند الفارابي / مقالة من تأليف لطفي خيرالله
- ^ ارثور سعدييف ود. توفيق سلوم، الفلسفة العربية الإسلامية، دار الفارابي، بيروت،2000م.
- ^ يعتبر هيدغر أن الميتافيزيقا تشكل التاريخ الخفي للغرب، انظر: كتابه عن نيتشة
- ^ الفارابي، آراء أهل المدينة الفاضلة، الفصل الثّاني والعشرون، القول في القوّة النّاطقة وكيف تعمل.
- ^ موسوعة علماء التركمان/ نظام الدين إبراهيم أوغلو . محاضر في جامعة هيتيت بتركيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق