مستخدم:Hasanisawi/الغزالي وابن رشد
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
فكر المعتزلة استمر في الفسلفة الاسلامية, اما فكر الاشاعرة فاستمر في مذهب السنة
في منتصف القرن الثالث الهجري ملوا المسلمين من قضية خلق القرآن , فتحولوا الى مبدأ الاشاعرة الذين ادعوا انهم اصحاب السنة.
في تلك الظروف كان هناك ثلاثة اشخاص : الغزالي ونظام الملك والخيام, اللذين التقوا في بغداد. أشتهر كل واحد منهم في مجال معين. نظام الملك كان رئيسا للوزراء, واهتم بالتربية والتعليم. اسس مدرستين واحدة في جندي شابور والاخرى في بغداد. وسميتا بالنظامية نسبة له.
الخيام انشغل بامور الكون والتصوف..., او بما يسمى اليوم بالوجودية. وألف رباعيات الخيام.
الغزالي درس على يد الجويني الذي كان رئيسا لنظامية جندي شابور, وتولى التدريس في نفس المدرسة. وعندما مات الجويني , ذهب الغزالي للتدريس في نظامية بغداد على عمر يناهز 38 سنة. في ذلك الوقت كان المسلمون يكفرون بعضهم, وكل فرقة تقول انها الفرقة الناجية. بالاضافة الى هذه الصراعات, كان هناك انتشار للباطنية. التي وصف ماركو بولو اصحابها بالمصطلح assassini. اي السفاحين, الذي أول بعد ذلك بالحشاشين . من مشاهيرهم حسن الصباح, الذي اسس الاسماعيلية النزارية. وعلى اية حال كل ما عرف عن الباطنية جاء عن طريق اعدائهم, مثل الغزالي.
في هذه الظروف الدولة الاسلامية التي كانت تمور بالافكار , وحيث كانت تتداول بين الناس كتب الكندي وابن سينا والفارابي. أي كل التراث الفلسفي الهام كان قد كتب قبل ان يولد الغزالي. وبالتالي فقد ولد الغزالي في عام مزدحم بالاحداث.
كيف نقد الغزالي اراء الفلاسفة او على الاقل شكك فيها ؟. حاول محاربة الفلسفة.
فصل المتكلمون عن البله بان المتكلمون معتقدون عارفون بينما العامة معتقدون فقط. الغزالي صنف طالبي الحقيقة باربعة فئات:
الصوفية انتشرت في جميع انحاء الدولة الاسلامية, حتى في الاندلس. مثلا في الكتاب تدبير الموحد لابن باجة, مشروح كيف يمكنك ان تعيش لوحدك, منفصل عن المجمتع.
يمكن النظر للتصوف على انه نوع من الاحتجاج على ما يجري في المجتمع, للبحث عن سعادة الذات.
يقول الغزالي اختلف الفلاسفة في مسالة قدم العالم: هل العالم قديم ام هو محدث ؟. والذي استقر عليه جماهيرهم المتقدمين والمتأخرين هو القول بقدم العالم. والفرق هو ان العالم هو المعلول وعلته هو الله. أي الفرق بين الخالق والمخلوق.
المشكلة التي كانت تواجه الفلاسفة الذين كانت لهم علاقة بالديانات السماوية, هي ان الله هو الموجود الوحيد القديم , وإن اعتقدت بوجود شيء اخر قديم, فان ذلك يؤدي بك الى الشك. لأن صفة القدم هي فقط لله.
بشكل عام تقدم العلة على المعلول اما ان يكون تقدما زمانيا, كتقدم الوالد عن الولد؛ او تقدما بالشرف, اي ان يكون واحدا اسمى من الاخر؛ او ان يكون تقدما بالذات, مثل تقدم حركة اليد على المفتاح, بالرغم من انهما مساوقان لبعضهما, فان حركة اليد هي العلة وحركة المفتاح هي المعلول. مساوقة المعلول للعلة كمساوقة النور للشمس. تقدم الباري على الكون هو تقدم العلة على المعلول, تقدم بالذات والرتبة وليس بالزمان.
جالينوس توقف في هذه المسألة بسبب استعصائها على العقول, وليس بسبب قصور فيه. ولكن هذا نشاز في مذهب الفلاسفة, كما يقول الغزالي, لأن جميعهم قال بقدم الكون. وأنه لا يمكن ان يصدر حادث عن قديم بدون واسطة اصلا. ويقول الغزالي ان أدلتهم على ذلك كثيرة, ويحذف منها ما هو مبني بطريقة تحكمية, او على اساس من التخيل الضعيف الذي يهون على كل ناظر حله. ويقتصر من أدلتهم ما يشكك به فحول النظار. ومن هذه الادلة ثلاثة. ولكن قبل ذلك يجب الاخذ في الاعتبار ان الغزالي ينقل قول الفلاسفة مدخلا عليه ما في رؤيته, ليساعده فيما بعد على نقض رؤيتهم.
قلنا ان رؤية المعتزلة وجدت استمرارية في افكار الفلاسفة, وان اول قضية واجهها المعتزلة هي قضية الصفات, وقالوا انها عين الذات الالهية, وفعل الخلق يحدث وفقا لثلاثة منها: العلم والقدرة والارادة. فإن كان علمه عين ذاته وكذلك قدرته وارادته, فالفعل الحاصل عنها جميعا هو فعل له. ومنذ كان الله عالما وقادرا ومريدا, كان الله كان خالقا. وهذا يعني منذ كان الله كان الكون.
وهذه الرؤيا للمعتزلة اخذها الفلاسفة المسلمين. الذين قالوا ان واجب الوجود (او الواجب), صفاته هي ذاته, وكما يقول ابن سينا والفارابي ان الله علمه كله, وارادته كله وبصره كله, ... , صفاته هي هو.
ولكن ما اخذوا عن المعتزلة اكثر واهم, هو انه اذا وجدت العلة بكامل شروطها فان المعلول لا يتخلف عن علته التامة. بمجرد وجود العلة التامة فلا بد من حصول المعلول. وصفات الله من علم وقدرة وارادة هي العلة التامة للكون. وبالتالي منذ كان الله كان الكون. الذي لا يتخلف عن علته التامة.
ولكن الفلاسفة طوروا وجهة نظر اخرى اخذوها عن الافلاطونية المحدثة, وهي نظرية الفيض (او الصدور) theory of emanation.
الموجودات هي مادة وفكر, كما نحن جسم وعقل , العقل يتعامل مع المجردات والجسم مع الماديات. الحواس تزود العقل بالمعلومات التي تدور حولنا. وكما يقول علم النفس الحديث اذا ولد شخص بدون حواس فلن يكون له علم بشيء.
كل شيء سوى الله مستكملا, وبقول الفارابي ان غاية الفيلسوف في علمه العلم بالحق وفي عمله العمل بالحق. وبالتالي الفيلسوف يتشبه بالله. نحن موجودات ناقصة وهذا الوجود الناقص نريد ان نستكمله. نحاول ان نصل الى اقصى درجة من الكمال. معرفة الحقيقة والعمل بموجبها.
الواجب كامل وأزلي ولا يتغير. والمعلول لا يتخلف عن علته التامة. اذا وجدت العلة بكامل شروطها فلا بد من وجود المعلول. يقول ابن سينا وجود المعلول متعلق بوجود العلة. وبالتالي منوط بوجود علته من حيث هي على الحال التي تكون به علة. لأ. ن يمكن ان تكون العلة على حال لا تكون فيها علة لأي شيء. وبالتالي يجب ان تكون العلة بكامل شروطها, سواء كانت طبيعة او ارادة و غير ذلك. عدم وجود المعلول متعلق بان العلة لم تكن بكامل شروطها. لم تكن على الحال التي عليه بالفعل.
اذا كان الفاعل بذاته موجود ولكن ليس لذاته عله, توقف وجود الحالة المذكورة. اما اذا وجدت العلة على الحالة التي تكون فيها ارادة او طبيعة وجب وجود المعلول. وأيهما فرض ابدا (ازلي) سواء العلة او المعلول كان ما بإزاءه ابدا. ما كان لا متناهيا ازليا , سواء علة او معلول, كان ما بإزاءه ازليا مثله. ما كان مؤقت كان ما بإزاءه مؤقت. اذا كان شيء متشابه الحال في كل شيء وكان له معلول, لم يبعد ان ينتج عنه سرمدا. اذا العلة لا يطرأ عليها تغير ولها معلول فان هذا المعلول يجب عنه منذ الازل. الله كامل كمالا مطلقا والكامل كمالا مطلقا لا يتغير وبالتالي فهو متشابه الحال لا تتغير احواله ابدا, فان كان له معلول فهذا يجب عنه ابدا.
قلنا أن كل ما هو سوى الله مخلوق, لا بد ان يكون ممكنا. المنطق يقول ما ليس وجوده منه فهو ممكن. الامكان الصرف هو ما يسمى في الفلسفة الحديثة الامكان الميتافيزقي. وهو كل ما لا يشتمل مفهومه على تناقض. وما يحعله محالا هو ان يشمل مفهومه على تناقض.
الممكن بحاجة الى علة ترجح وجوده. هذه الغلة هي التي توجب وجوده. أما الواجب فهو واجب بذاته, اي ذاته تقتضي وجوده.
الممكن المحدث فهو دائما بحاجة الى علة. الممكنات التي تضافرت عللها فاوجبتها وجدت. خلافا بقيت في حالة الامكان, فلم توجد بعد.
الممكن له اربعة علل: مادية وصورية وفاعلة وغائية. الخشب يكتسب صورة الطاولة على يد النجار ليحقق غاية المسند للكتابة.
وعندما لا تتضافر هذه العلل , فان الممكن لا يوجد. باستثناء العالم. لأن هذه العلل تصبح بمثابة العلة التامة. الله بالنسبة للكون يمثل العلة التامة. وبالتالي الكون الحادث عن الله القديم يكون قديم. حسب ما يقوله الغزالي على لسان الفلاسفة.
قلنا ان الموجودات مكونة من عقل ومادة, ولكن وبما ان الله بالفعل من كل وجه, فليس فيه مادة, لأن المادة بحاجة الى استكمال. وبالتالي فالله عقل ويفيض عنه خير وجود , أي عقل مثله.
نظرية الفيض الافلاطونية لها قاعدتين
يقول الفلاسفة انه لا يمكن ان يصدر حادث عن قديم مطلقا, وصوغوا هذه المقولة بثلاثة ادلة, وهي:
ولا يمكن القول انه لم يكن قبله غرض ثم تجدد غرضه, ولا يمكن أن يحال الى فقدان آلة ثم وجودها, بل أقرب أن يقال: لم يرد وجوده قبل ذلك. وحصل وجوده لأنه صار مريداً لوجوده بعد أن لم يكن مريداً فيكون قد حدثت الإرادة. ولكنه ليس محل للحوادث .
الإشكال قائم في أصل حدوثه, من أين حدث, ولم حدث الآن ولم يحدث من قبل, أحدث الآن من جهة اخرى, فإن جاز حادث من غير محدث فليكن العالم حادثاً لا صانع له وإلا فأي فرق بين حادث وحادث وإن حدث بإحداث الله فلم حدث الآن ولم يحدث من قبل ألعدم آلة أو قدرة أو غرض أو طبيعة فلما أن تبدل ذلك بالوجود وحدث عاد الإشكال بعينه. أو لعدم الإرادة فتفتقر الإرادة إلى إرادة وكذى الإرادة الأولى ويتسلسل إلى غير نهاية.
فإذن قد تحقق بالقول المطلق أن صدور الحادث من القديم من غير تغير أمر من قدرة أو آلة أو وقت أو غرض أو طبع محال وتغير حال القديم محال لأن الكلام في ذلك التغير الحادث كالكلام في غيره والكل محال ومهما كان العالم موجوداً واستحال حدوثه ثبت قدمه لا محالة.
وهذا هو أقوى أدلة الفلاسفة على قدم العالم كما رواه الغزالي. او كما يقول فذها اخيل ادلتهم, أي اكثر ما لديهم من خيال. وبالجملة كلامهم في سائر المسائل أرك من كلامهم في هذه المسألة.
واعتبر الغزالي قول الفلاسفة في الدليل الاول قولا تحكميا, أي بدون اي مبرر او برهان. ويقول لهم لماذا تنكرون على من يقول هذا القول وما المانع من الاعتقاد به. وهل هناك ما يجعله مستحيلا ؟.
ويقول ابن رشد ان برهان الغزالي يقوم على مقدمة عامة, والبرهان الصحيح هو الذي يبدأ من الصفر او من المسلمات الاولية, من البديهيات من الضروريات. الامور التي هي نفسها ليست بحاجة الى برهان.
مثلا واحدة من المسائل التي طرحها الغزالي هي قضية الممكن. الذي وضعها في تصنيف الصرف فقط, بينما الممكن يمكن ان يكون:
ومن ثم قضية الامكان فمنه ما هو في الفاعل : أي امكان الفعل, ومنه ما هو في المنفعل: أي امكان القبول. ويقول ان الامكان بينهما مختلف حتى لو كان هناك القدرة في الفاعل, وعدم القبول في المنفعل, فالفعل لا يحدث. مثلا الحدادا الذي لديه القدرة على عمل الفاس ولكن ليس لديه الا القطن - الذي ليس له قابلية على ان يصبح فاس- لا يحدث الفعل.
ثم مرجح الامور الطبيعية منها وفيها. لأن اكثرها مبدأ تغيرها منها. أي ان المتحرك هو نفسه المحرك. وهذه ليست من الامور البديهية وبالتالي بحاجة الى برهان.
أي ما يريد ان يقوله ابن رشد للغزالي هو انه ينبغي توضيح المسائل الاخرى قبل طرح مسألة قدم العالم. كما فعلوا الفلاسفة القدماء, بحثوا في الكثير من المسائل قبل ان يتوغلوا في موضوع قدم العالم.
ويتابع, أما الامكان الذي في الفاعل فهو لا يحتاج الى مرجح. فمثلا المهندس ينتقل من ان لا يهندس بدون الحاجة الى شيء خارجي.
ومن ثم قضية التغير الذي بحاجة الى مرجح ليست دقيقة, لأن التغير منه ما في الجوهر او الكيف, او الكم, او في الاين. أي نوع من انواع التغير يقصد الغزالي ؟.
ومن يتحدث عن القديم, ولكن القديم عند الناس انواع, فمنه ما هو قديم بذاته, ومنه ما هو قديم بغيره.
ومن ثم التغيرات, فمنها ما يجوز على القديم عند بعض القوم (مثل قول الكرامية).
وجواز كون الارادة الجادثة عند القديم؛ وجواز الكون والفساد على المادة الاولى عند القدماء وهي قديمة. وكذلك المعقولات على العقل بالقوة, فهو قديم عند اكثرهم.
وكذلك الفاعل, فهناك فاعل بارادة وفاعل بطبيعة. وليس امر صدور الفعل عنهما واحدا.
فهذه كله مسائل مبيرة وعظيمة وتحتاج الى فحص, ودراسة ما قاله القدماء عنها. وأخذ المسالة الواحدة بدل المسائل الكثيرة هو موضع مشهور من مواضع السفسطائين السبعة. والغلط في واحدة من هذه المبادئ , يؤدي الى انهيار كل البناء.
اي ان الطريقة التي رواها الغزالي هي طريقة جدلية وليست برهانا ومقدماته عامة.
فإن قيل: القديم صفاته عين ذاته, وقبل وجود العالم كان المريد موجوداً والارادة موجودة ونسبتها الى المراد موجودة ولم يتجدد لا مريد ولا ارادة ولا نسبة, فلا بد بالضرورة من حصول المعلول. او بالاحرى كيف يحصل العالم ؟ و لماذا لم يتجدد شي من هذه من قبل, اي المرجح. فان لم يحدث اي تغير لا في المريد و لا في الارادة ولا في النسبة ولا في اي حال من الاحوال فهذا قول متناقض . اي بقيت حال القديم هي هي قبل و بعد. ويعني ان عدم وجود تمايز بين حال الترك و حال الشروع امر محال.
الغزالي كان يعتقد بمبدا تخلف المعلول عن علته التامة, اي مبدا التراخي الذي هو اصل من اصول الاشاعرة. وهذا المبدأ ينص على انه ليس هناك علاقة ضرورية بين العلة و المعلول. ولكن الغزالي ادخل مواضيع على لسان الفلاسفة لم يقولوها ليضعف اقوالهم و اثارة الشك فيها (أسافينُ[2]), اي انه ادخل امور وضعية (وهي الامور المتعارف عليها من قانون او شرع او تقليد ...الخ) [3].
و يقول "وهذا ليس استحالة الجنس في الموجب والموجب له بل في العرفي والوضعي ايضا" . اي إذا وجدت العلة فلابد من حصول المعلول بالضرورة.
وينطبق هذا مثلا على ان الرجل عندما يطلق زوجته فان البينونة تحصل فورا لان لفظ الطلاق هو علة الحكم وصفا و اصطلاحا و شرعا , و بالتالي لا يُعقل ان يتاخر الطلاق (المعلول ) عن اللفظ ( العلة ) . و هذا هو واحد من الاسافين التي ادخلها الغزالي على لسان الفلاسفة ليشوش ويضعف اقوالهم امام حشد المعجبين بهم.
ويتابع الغزالي بالقول انه "اذا علق الزوج الطلاق بمجئ الغد او بدخول الدار كما القول " اذا خرجت من هذا المنزل فانت طالق , فان الطلاق فلا يقع في الحال لانه علقه على امر منتظر .
و هذا هو المثال الشرعي, و اما في العرف و العادة فهناك نوعين من الفعل :
في العرف و العادة ما قد لا يحصل عن القصد بوجود المقصود سببه وجود مانع. اي لا يتاخر حصول المقصود عن وجود القصد الا بمانع, لان القصد موجب للفعل بينما العزم غير كافي لوجود الفعل مالم يحصل باعث في النفس يجدد حال في الفعل .و اذا كانت الارادة قديمة فلا يتصور تاخر المقصود الا لغاية . و هذا في مجال قياس الغائب على الشاهد , و هذا ما نقضه ابن رشد: لا يجوز قياس ارادة القديم الى ارادتنا.
و يتابع الغزالي " ثم لا يمكن تصور تاخر القصد زمنيا عن المقصود الا اذا كان هناك العزم بدلا من القصد , اي اذا كانت الارادة قديمة في حكم العزم فلا تكون كافية لحصول المعزوم عليه لان العزم بحاجة الى انبعاث يجدد حال الفعل . و هذا لا يمكن ان يحصل للقديم لانه يعني تغير في احواله .
فمهما سميت الامور قصدا او ارادة فالسؤال يبقى هو هو ,, لماذا حدث الان و لم يحصل من قبل ؟؟؟
خلاصة : اذا وجود الموجب بتمام شروطه و لم يكن قد حصل عنه شئ ثم انقلب بغتة من غير امر تجدد او شرط تحقق فان هذا قول محال متناقض بنفسه, اي يستحيل ان يحصل شي بعد ان لم يكن وإن لم يتغير شئ ما بالفعل .
لقد قلنا انه منذ كان الله كان عالما و قادرا و مريدا و بالتالي فاعلا ولكن عندما رائ الغزالي انه لا يجوز تراخي المفعول عن فعل الفاعل اي تراخيه عن ارادته و هذا لكي لا ينفي على الله ان يكون فاعلا ابدا . اي اذا كان المفعول يتاخر عن فعل الفاعل فهذا يعني ان الله لم يكن فاعلا ابدا .
يقول ابن رشد ان الفلاسفة اعتقدوا بامرين : فعل الفاعل بحاجة الى تغير وان كل تغير لابد له من مغير, ولكن القديم لا يتغير. وهذه من اصعب الامور برهانا كما يقول ابن رشد. اي ان الفلاسفة لا يستطيعوا برهنة ان الله لا يتغير و ان فعل الفاعل يلزمه تغير و ان كل تغير بحاجة لمغير وان القديم لا يتغير .
ابن رشد لا يكتفي ويضيف بأن كلام الغزالي سسفسطة [4] بل يريد ان يرشده الى الطريق الصحيح و هو بان ينزل فاعلا اولا او ينزل فعل له اول. ويقول ابن رشد ان هناك خلل في اعتراض الغزالي على دليل الفلاسفة في قدم العالم لأنه لا يمكن مقارنة الارادة الازلية ( الغائب ) على الارادة الحادثة ( الشاهد) اي ان الاشتراك الاسمي في كلمة ارادة لا يعطيه الحق لعمل مقارنة بينهما.
والاشتراك المعنوي بين الارادة الازلية و الحادثة غير ممكن لان الارادة الازلية مختلفة تماما عن الارادة الحادثة و يشتركان فقط بالاسم , لا بل وبينهما تضاد أيضا.
الارادة في الشاهد هي الحادثة و كما يقول ابن رشد "هي قوة فيها امكان فعل احد المتقابلين على السواء" . اما ان تفعل او ان لا تفعل , اما ان تسرق او ان لا تسرق . و فيها امكان الفعل و القبول على السواء, فيها شوق الفاعل الى فعله واذا فعله حصل المراد وكف الشوق.
و يقول ابن رشد ان ارادة الفاعل يمكن ان تكون لا ارادية و لا طبيعية , مثل قولنا عن القديم انه خارج العالم و داخل العالم. [5]
اذا كان حال التجدد لم يتميز عن الاحوال السابقة او اللاحقة فكيف يحدث اي شئ ؟. اذا كان المريد موجود و الارادة موجودة و نسبة الارادة الى المراد موجودة فما الذي تغير ؟ فلا بد ان يكون هناك شئ قد تغير و هذا غاية الاحالة لان القديم لا يتغير , و ليس استحالة هذا الجنس (التضاد, التغير ...) بالعلاقة بين العلة و المعلول , الموجب و الموجب الضروري الذاتي , فهل يصح في العرف و الوضع لان الرجل لو تلفظ بطلاق زوجته ولم تحدث البينونة في الحال , لم يكن ليتصور انها ستحدث !!!. اي اذا قال الرجل : طالق و لم تحدث البينونة في الحال فهذا يعني انها لن تحدث بعد ذلك, لانه جعل اللفظ علة الحكم في الوضع و الاصطلاح , فلا يعقل تاخر المعلول (الطلاق) الا اذا عُلق بمجئ الغد او دخول الدار, أي علقه بشيء منتظر. فان لم يكن حاضرا بالوقت توقف حصول الموجب على حضور ما ليس بحاضرا فلا يحصل الموجب الا وقد تجدد امر ما, مثل مجئ الغد او دخول الدار.
فان لم يقبل هذا في الامور الوضعية فكيف نقبله بين الامور الضرورية (العلاقة بين الموجب و الموجب الذاتي الضروري ). او ان هناك اشياء تُحدث تغييرات و لا يحدث فيها تغيير ؟.
و يقول ابن رشد ان خصوم الغزالي و هم الفلاسفة قالوا ان فعل الفاعل يلزمه تغير و ان كل تغير له مغير و الاصل الثاني ان القديم لا يتغير و ان هذا كله عسير البيان على الفلاسفة . وما يجب ان يفعله الاشاعرة هو انزال الفاعل اولا او انزال فعل له اول. ويشرحها ببساطة بانه لا يمكنهم ان يضعوا ان حالة الفاعل في المفعول المحدث تكون في وقت الفعل هي نفسها في حالة عدم الفعل .!!! فاذا اوجبنا لكل حالة متجددة فاعلا فلا بد ان يكون الفاعل لها فاعلا اخر , اي انه حال الترك هي نفسها حال الشروع و هذا ما لا يعقل و لا يمكن قبوله , فلا بد من حالة متجددة او نسبة لم تكن اما في الفاعل او المفعول او في كليهما و ان كانت كذلك اما ان يكون الفاعل هو فاعلا اخر غير القديم لانه ليس الفاعل الاول و لا يكون مكتفي بفعله بنفسه بل لأن غيره الزمه على الفعل او ان تكون الحال التي هي في فعله هي نفسه, فلا يكون ذلك الفعل الذي فرض صادرا اولا عنه هو الاول بل يكون الفعل الاول لتلك الحال التي هي شرط حصول الفعل منه .
للتوضيح اذا سالتني ماذا غير رأيك ؟ فاما : ان يكون التغيير غير حاصل عني, و انما حصل من تاثير خارجي. وهذا يعني انني لست الفاعل الاول او انني غيرت رايي لانها تغيرت حالة ما كشرط لكي افعل و عندما حصلت هذه الحالة فعلت . و هذا يعني ان الفعل الاول هو تغير الحال .
الغزالي يريد ان يوضح لنا ان اقوال الفلاسفة المتعلقة بالارادة القديمة هي من قبيل التحكم, اي انها وجه نظر تحكمية. فكيف تعرفتم على ان استحالة الارادة القديمة باحداث اي شئ , عن طريق ضرورة العقل (اي البديهيات) او بالنظر العقلي (بالقياس) ؟. الذي هو بحاجة لحد اوسط [6].
و هذا لا يجوز قياس ما له علاقة بالله مع ما له علاقة بالانسان. أما الاستبعاد فهو بحاجة لبرهان لانكم استبعدتم ان تكون الارادة الالهية قد تعقلت باحداث اي شئ .
فاذا ادلتكم ليست مبنية على القياس او على الضرورة العقلية فما هو الفصل بينكم و بين خصومكم الذين يدعون بان الارادة القديمة تعلقت باحداث الكون ؟.
فيقول الغزالي انتم مثلكم مثل غيركم الذين يقولون ان هذا مستحيل بان يكون العلم و العالم و المعلوم امرا واحدا !! فلا بد ان يكون هنالك تمايز , كيف يمكن ان يكون هناك ذات واحدة تعرف كل الكليات والجزئيات بدون ان يكون فيها كثرة . لان تعدد العلم يؤدي الى تعدد المعلوم و بالتالي فصفات الله زائدة عن الذات الالهية و ليست عين للذات الالهية كما تقولون يا فلاسفة . اي انكم تقولون ان الله عالم بعلم هو عين ذاته مريد بارادة هي عين ذاته قادرة بقدرة هي عين ذاته . و مع انها صفات كثيرة الا انها لا تؤدي الى تكثر في الذات الالهية.
و عندما تناول الفلاسفة قصة العلم قالوا ان هناك معلومات كثيرة فكيف يمكن ان يعلمها جميعا دون ان يكون هناك تكثر في الذات الالهية. وقالوا ان الاشياء في الكون اما ان تكون من مادة او من غير مادة, أي العقل . و وبما ان الله لا يمكن ان يكون من مادة فهو بالتالي عقل, والعقل يعقل ذاته فتكون معقولة له .
و هنا ارادوا المحافظة على احادية الذات الالهية وان ليس فيها تكثر.
وعندما اتى ابن سينا قال ان هناك جزئيات كثيرة و ان الله لا يعلمها و يعلم فقط الكليات. كما رؤية افلاطون الذي يقول ان هناك هرمية للاشياء تنتهي الى شيء واحد و هو راس الهرم. فجميع الحيوانات بمفهوم الحيوان و النباتات بمفهوم النبات و كل هذا بمفهوم الكائن الحي. كما تترتب هرمية المُثل الافلاطونية التي تنتهي الى مثال المثل و هو الله. اي ان الله يدرك الكليات الانسان و الحيوان و النبات على نحو الاجمال و لا يعلم الجزئيات. و هذا ما اخذوه على ابن سينا بالرغم من انه وجد مخرجا عن كيف ان الله يعلم الكليات و الجزئيات .
يقول الغزالي للفلاسفة لا يمكن ان يكون هناك ذات واحدة تعرف الكليات و الجزئيات من غير ان يكون فيها تكثر , اي يقول للفلاسفة لا فصل بينكم و بين خصومكم الذين يقولون ان الارادة القديمة تعلقت بحدوث لعالم , وكلا الفرضيتين مصاغتين بطريقة تحكمية . لانهما لا يعتمدان على قياس او ضرورة عقلية .
الفلاسفة قالوا بانه لا يجوز قياس الاول القديم على الحادث لان علمنا متكثر يتعدد بتعدد المعلوم. و هذا ما اجبر الفلاسفة, كما يقول الغزالي, على القول بان الله عقل و عاقل و معقول. ولكن بهذه الطريقة فهو لا يعلم الا نفسه. ولذلك كان هدف الفلاسفة هو المحافظة على احادية الذات الالهية.
يرد الغزالي: ان اتحاد العقل والعاقل والمعقول يؤدي بالضرورة الى ان الله لا يعلم صنعته, وهذا محال. فكيف يمكن ان يكون الصانع لا يعرف صنعته, وهذا هو قول الزائغين عن الحق.
فكما انتم تقولون ان الارادة القديمة لا يمكن ان تتعلق باحداث اي شيء, فنحن ايضا نقول وبنفس الطريقة التحكمية, ان العلم لا يمكن ان يكون واحد بتعدد المعلوم. ولذلك فصفات الله زائدة عن الذات الالهية.
جميع الفلاسفة قالوا بتعدد العلم بتعدد المعلوم, وبالتالي قالوا ان هناك اتحاد بين العالم المعلوم, للمحافظة على احادة الذات الالهية. فهل عندهم برهان على ذلك ؟.
ويقول ابن رشد ان ليس لدى الاشاعرة ايضا البرهان على تخلف المعلول عن علته التامة.
يقول الفلاسفة انه منذ كان الله كان الكون, نشمل ايضا العقول والافلاك. ولما كانت الافلاك مستكملة بحركة عشقية, أي الحركة الدورية التي هي اكمل الحركات, فهي تتحرك بدورات لا متناهية. لأن القديم لا يمكن ان يكون متناهي.
رد الغزالي: يلزم عن قولكم هذا ان للافلاك دورات لا متناهية, ولكنه كالعادة يريد ان يضع الاسافين في اقوالهم ليشوش عليها ويضعفها امام الناس االمعجبين بها. فيقول يلزم ان قدم العالم يؤدي الى دورات للفلك لا نهاية لاعدادها ولا حصر لاحادها. وبما انه ادخل قضية الاعداد والاحاد, فانه يريد ان يجعل هذه الدورات متناهية.
ويدخل الغزالي ايضا نسب دورات الافلاك بين بعضها البعض, بالنسبة للارض, التي كانت تعتبر مركز الكون انذاك. فيقول: وبما ان دورة زحل تستغرق 30 سنة: اي ثلث عشر دورة الشمس, فكيف تكون حركة الشمس لا متناهية ونحن نقسمها الى مرات بتوالي الليل والنهار. وكذلك حركة الفلك المحيط, الذي كل دورة تستغرق 36 الف سنة. قالب:بحاجة الى مصدر فكيف تكون هذه الدورات لا متناهية وفيها عشر وسدس ؟.
ويقول الغزالي ان هذه الافلاك اما ان تكون وتر او شفع (pari o dispari), او وتر وشفع (pari e dispari), او لا وتر ولا شفع (ne pari ne dispari). وبما ان العدد اما ان يكون وتر او شفع, فلا يجوز في هاتين الحالتين الاخرتين. أي العدد اما ان يكون زوجي او فردي, لأن المتضادان لا يجتمعان ولا يرتفعان. فان قلتم انها شفع, الشفع يصبح وترا بواحد, وإن قلتم وتر فهذا يصبح شفعا بواحد, فيلزمكم القول ان هذه الدورات لا شفع ولا وتر وهذا باطل بالضرورة.
فان قال الغزالي أن الوتر بحاجة الى واحد لكي يصبح شفعا. يقول الفلاسفة: ما يوصف بالشفع والوتر هو المتناهي, اما الامتناهي فلا يوصف بذلك. فيرد عليهم: كيف تكون جملة مركبة من احاد ولها سدس وعشر ولا توصف بشفع او بوتر ؟, وهذا معلوم بطلانه بالضرورة.
فيقولوا: الخطأ الذي ارتكبتموه يا غزالي ويا اشاعرة, هو انكم وصفتوا هذه الدورات بانها جملة مركبة من احاد, ولكن الدورات التي تنشأ عن الافلاك تكون معدومة. لأن الماضي انقرض والمستقبل لم يوجد بعد, ولأن ما هو متناهي موجود بالقوة, والحركة اللامتناهية لا يقال فيها لا شفع ولا وتر. ولفظ الجملة لا يجوز هنا لانه يشير الى ما هو متناهي.
فيرد الغزالي: العدد اما ان يكون شفعا او وترا, سواء كان معدوما او موجود. لأننا لو فرضنا عدد من الافراس فإما ان يكون شفعا او وترا, سواء كانت موجودة او غير موجودة, حتى وإن كانت موجودة ثم اعدمت فلن يغير من الامر شيئا.
ويرى الغزالي الزاما اخر على الفلاسفة بانهم قالوا ان الأفلاك موجودة بالقوة(مثلها مثل الزمان الذي هو غير متناهي, وما هو متناهي هي الفترة الزمنية من ... الى ...؛ كذلك المكان فهو لا متناهي وما هو متناهي هو الحيز, كذلك القطة المستقيمة (segment) بالنسبة للخط المستقيم) . فيقول الغزالي ان هناك اشياء لا متناهية وتوصف بالشفع والوتر, كما هي الانفس البشرية التي هي متغايرة بالوصف ولا نهاية لها. وإن لجأ الفلاسفة الى قول افلاطون ان النفوس تنقسم في الابدان< وبعد مفارقتها لها تعود لتصبح مجددا نفس واحدة كلية, فهذا قول اقبح واشنع. لأنه محال ان تكون نفس زيد هي عينها نفس عمر فكل واحد يشعر بنفسه ويعلم انه ليس نفس غيره, ول كان هو عينه نفس غيره لتساويا في العلوم التي هي صفات ذاتية للنفوس. وإن قلتم انه غيره ولكن انقسم بالتعلق بالابدان, قلنا محال انقسام الواحد الذي لا عظم له (جسم) ولا مقدار (عدد). فكيف الواحد يصير اثنين ومن ثم الفا ثم يعود ليصبح واحدا, بل هذا يعقل فيما له عظم كماء البحر ينقسم في الجداول والانهار ثم يعود الى البحر, أما ما لا كمية له فكيف ينقسم ؟.
والمقصود من هذا كله ليس اثبات اي شيء ولكن يريد ان يظهر الغزالي ان الفلاسفة لم يعجزوا خصومهم في الاعتقاد في تعلق الارادة القدية في احداث اي شيء.
الخلاصة هي ان الفلاسفة لا يختلفون عن خصومهم في ان ادلة اقوالهم تحكمية. ماذا يلزم اذا قال الفلاسفة بقدم العالم, وبما تنكرون على خصومكم اذا قالوا ان قدم العالم محال ؟. فكلا القولين تحكميان.
يقول الغزالي: المدة والزمان مخلوقان, وسنين ذلك في الدليل الثاني.
أما بما يتعلق بالالزامات التي قالها الغزالي والتي تترتب عليها مسألة قدم العالم, فانه من باب المعارضة السفسطائية. وخلاصتها ان حال الفلاسفة وحال الغزالي والاشاعرة واحدة. فكما ان الفلاسفة عجزوا عن نقد دليل الاشاعرة بان العالم محدث بارادة قديمة , فايضا هو حال الاشاعرة والغزالي لم يستطيعوا نقض قول الفلاسفة بان المعلول لا يتأخر عن علته التامة.
غاية الغزالي كما يقول ابن رشد, هو اثبات الشك وتقريره في اقوال الخصم, وليس اثبات قضية او تفنيدها.
أي انه لا يمن عمل نسبة بين حركتي الشمس وزحل لانهما بالقوة لا متناهيتان, ولكن يمكن عمل نسبة بين اجزائهما التي هي بالفعل. خلافا لذلك تصبح الحركات متناهية وهذا ما هدف له الغزالي. لأن كل ما يقول بالحركة اللامتناهية يقول بقدم العالم. نسبة الكل الى الكل يعني مقارنة بين لا متناهيين, اي كما القول ان لامتناهي اكبر من لا متناهي اخر, وهذا محال.لأنه في اللاتناهي لا يوجد تعدد, وهذا الحل الذي كان يجب ان يتبعه الغزالي. وبالتالي فالعالم قديم كما يقول ابن رشد. فحركات الافلاك في المستقبل لا نهائية وبالتالي حركاتها في الماضي لا نهائية, من لا اخر له ليس له بداية. ومن ليس له اول لا ينقضي.
يقول ابن رشد ان الالزامات التي اتي بها الغزالي في هذه المسألة اجنبية عن الموضوع وغريبة عن النسق. لأنه عندما يقول بما تنكرون على خصومكم ما يعتقدون به, فهذه هي معارضة سفسطائية.
وحاصلها هو ان الفلاسفة عاجزون على نقض دليل الاشاعرة ان العالم محدث, لأنه لو كان غير محدث لكانت دورات الافلاك لا شفع ولا وتر. وكذلك يعجز الاشاعرة على نقد قول الفلاسفة بانه اذا كان الفاعل مستوفي شروط الفعل فانه لا يتاخر عنه مفعوله.
في منتصف القرن الثالث الهجري ملوا المسلمين من قضية خلق القرآن , فتحولوا الى مبدأ الاشاعرة الذين ادعوا انهم اصحاب السنة.
في تلك الظروف كان هناك ثلاثة اشخاص : الغزالي ونظام الملك والخيام, اللذين التقوا في بغداد. أشتهر كل واحد منهم في مجال معين. نظام الملك كان رئيسا للوزراء, واهتم بالتربية والتعليم. اسس مدرستين واحدة في جندي شابور والاخرى في بغداد. وسميتا بالنظامية نسبة له.
الخيام انشغل بامور الكون والتصوف..., او بما يسمى اليوم بالوجودية. وألف رباعيات الخيام.
الغزالي درس على يد الجويني الذي كان رئيسا لنظامية جندي شابور, وتولى التدريس في نفس المدرسة. وعندما مات الجويني , ذهب الغزالي للتدريس في نظامية بغداد على عمر يناهز 38 سنة. في ذلك الوقت كان المسلمون يكفرون بعضهم, وكل فرقة تقول انها الفرقة الناجية. بالاضافة الى هذه الصراعات, كان هناك انتشار للباطنية. التي وصف ماركو بولو اصحابها بالمصطلح assassini. اي السفاحين, الذي أول بعد ذلك بالحشاشين . من مشاهيرهم حسن الصباح, الذي اسس الاسماعيلية النزارية. وعلى اية حال كل ما عرف عن الباطنية جاء عن طريق اعدائهم, مثل الغزالي.
في هذه الظروف الدولة الاسلامية التي كانت تمور بالافكار , وحيث كانت تتداول بين الناس كتب الكندي وابن سينا والفارابي. أي كل التراث الفلسفي الهام كان قد كتب قبل ان يولد الغزالي. وبالتالي فقد ولد الغزالي في عام مزدحم بالاحداث.
محتويات
1 مراحل الغزالي الثلاثة
2 مسألة قِدم العالم
2.1 الدليل الاول
2.1.1 القوة والفعل
2.1.2 الامكان الصرف
2.2 نظرية الفيض
3 موجز لما سبق
4 دليل الفلاسفة على قدم العالم
4.1 اعتراض الغزالي
4.2 رد ابن رشد
4.3 أسافينُ الغزالي
5 ماذا يقول ابن رشد ؟
6 بالضرورة العقلية (البديهيات) او بالنظر العقلي (القياس) ؟
7 تعدد العلم يؤدي الى تعدد المعلوم ؟
7.1 ابن رشد ومسالة المعروف بنفسه (او الضرورة العقلية)
8 هل دورات الافلاك لا متناهية ؟
8.1 هل مدة الترك متناهية ؟
9 ابن رشد
9.1 مسألة تعدد العلم بتعدد المعلوم
9.2 مسألة لا تناهي دورات الافلاك
10 مصادر وحواشي
11 وصلات خارجية
2 مسألة قِدم العالم
2.1 الدليل الاول
2.1.1 القوة والفعل
2.1.2 الامكان الصرف
2.2 نظرية الفيض
3 موجز لما سبق
4 دليل الفلاسفة على قدم العالم
4.1 اعتراض الغزالي
4.2 رد ابن رشد
4.3 أسافينُ الغزالي
5 ماذا يقول ابن رشد ؟
6 بالضرورة العقلية (البديهيات) او بالنظر العقلي (القياس) ؟
7 تعدد العلم يؤدي الى تعدد المعلوم ؟
7.1 ابن رشد ومسالة المعروف بنفسه (او الضرورة العقلية)
8 هل دورات الافلاك لا متناهية ؟
8.1 هل مدة الترك متناهية ؟
9 ابن رشد
9.1 مسألة تعدد العلم بتعدد المعلوم
9.2 مسألة لا تناهي دورات الافلاك
10 مصادر وحواشي
11 وصلات خارجية
مراحل الغزالي الثلاثة
- مرحلة ما قبل الشك, اي مرحلة الدراسة على يد الجويني الذي كان من فقهاء السنة.
- مرحلة الشك, اي المرحلة التي وضع فيها كل الافكار السابقة موضع الشك. وهي لا تصل بالنسان الى مرتبة اليقين. وضع الحواس موضع الشك والتي معظم اراء الناس تعتمد عليها. والتي يبدو ان ديكارت اخذها من كتابات الغزالي التي ترجمت للغرب.
كيف نقد الغزالي اراء الفلاسفة او على الاقل شكك فيها ؟. حاول محاربة الفلسفة.
- مرحلة اليقين, مرحلة التصوف
فصل المتكلمون عن البله بان المتكلمون معتقدون عارفون بينما العامة معتقدون فقط. الغزالي صنف طالبي الحقيقة باربعة فئات:
- المتكلمون , يدعون انهم اهل النظر, ويقول ان مهمتهم هي حفظ العقيدة على اسنان نشأ مسلم بالاعتماد على الكتاب والسنة. وليس مهمتهم الترويج للاسلام. ولكنه يقول ان علم الكلام ليس لداء كنت اشكيه شاكيا. وعندما ذهب الى الفلاسفة وجد ان اسلوب العقل الذي اعتمدوه في تفهم المسائل الرياضية لا ينفع في المسائل الالهية.
- الباطنية, اصحاب التعليم
- الفلاسفة, يزعمون انهم اهل المنطق والبرهان, بعكس ما يقول الغزالي ان اقوالهم لا تصل الى البرهان
- الصوفية, يدعون انهم خواص الحضرة , وهم من خصهم الله بمعرفة من لدنه. اهل المكاشفة والمشاهدة, تنكشف الحقيقة لهم بدون واسطة الحس والعقل. كان الغزالي يمدحها. الفرقة التي كانت تدعي الاتصال بالملكوت والاخذ عنه بلا واسطة. اي المعرفة المباشرة. مثلا ادراك وجودي لا يحتاج ان اتهمس نفسي. واستعمل الغزالي مصطلحات لوصف الصوفية مثل اللوح المحفوظ, والاطلاع على العلم الالهي, وهذا يتم كما قالوا بواسطة العلم والعمل: الرياضة الجسدية والرياضة الروحية.
الصوفية انتشرت في جميع انحاء الدولة الاسلامية, حتى في الاندلس. مثلا في الكتاب تدبير الموحد لابن باجة, مشروح كيف يمكنك ان تعيش لوحدك, منفصل عن المجمتع.
يمكن النظر للتصوف على انه نوع من الاحتجاج على ما يجري في المجتمع, للبحث عن سعادة الذات.
مسألة قِدم العالم
يقول أبن رشد على أن تقدم الله على العالم إنما هو تقدم الوجود اللامتغير واللازماني، على الوجود المتغير الزماني، وهو تقدم من نوع مختلف. بمعنى أن الله اللازماني الخالق لكل شيء موجود, لا ينطبق عليه ما ينطبق على خلقه. بينما العالم الزماني المادي تنطبق عليه الحركة. التي تقاس بالزمن وبالتالي تابعة للعالم.يقول الغزالي اختلف الفلاسفة في مسالة قدم العالم: هل العالم قديم ام هو محدث ؟. والذي استقر عليه جماهيرهم المتقدمين والمتأخرين هو القول بقدم العالم. والفرق هو ان العالم هو المعلول وعلته هو الله. أي الفرق بين الخالق والمخلوق.
المشكلة التي كانت تواجه الفلاسفة الذين كانت لهم علاقة بالديانات السماوية, هي ان الله هو الموجود الوحيد القديم , وإن اعتقدت بوجود شيء اخر قديم, فان ذلك يؤدي بك الى الشك. لأن صفة القدم هي فقط لله.
بشكل عام تقدم العلة على المعلول اما ان يكون تقدما زمانيا, كتقدم الوالد عن الولد؛ او تقدما بالشرف, اي ان يكون واحدا اسمى من الاخر؛ او ان يكون تقدما بالذات, مثل تقدم حركة اليد على المفتاح, بالرغم من انهما مساوقان لبعضهما, فان حركة اليد هي العلة وحركة المفتاح هي المعلول. مساوقة المعلول للعلة كمساوقة النور للشمس. تقدم الباري على الكون هو تقدم العلة على المعلول, تقدم بالذات والرتبة وليس بالزمان.
جالينوس توقف في هذه المسألة بسبب استعصائها على العقول, وليس بسبب قصور فيه. ولكن هذا نشاز في مذهب الفلاسفة, كما يقول الغزالي, لأن جميعهم قال بقدم الكون. وأنه لا يمكن ان يصدر حادث عن قديم بدون واسطة اصلا. ويقول الغزالي ان أدلتهم على ذلك كثيرة, ويحذف منها ما هو مبني بطريقة تحكمية, او على اساس من التخيل الضعيف الذي يهون على كل ناظر حله. ويقتصر من أدلتهم ما يشكك به فحول النظار. ومن هذه الادلة ثلاثة. ولكن قبل ذلك يجب الاخذ في الاعتبار ان الغزالي ينقل قول الفلاسفة مدخلا عليه ما في رؤيته, ليساعده فيما بعد على نقض رؤيتهم.
الدليل الاول
قولهم انه من المستحيل ان يصدر حادث من قديم مطلقا.قلنا ان رؤية المعتزلة وجدت استمرارية في افكار الفلاسفة, وان اول قضية واجهها المعتزلة هي قضية الصفات, وقالوا انها عين الذات الالهية, وفعل الخلق يحدث وفقا لثلاثة منها: العلم والقدرة والارادة. فإن كان علمه عين ذاته وكذلك قدرته وارادته, فالفعل الحاصل عنها جميعا هو فعل له. ومنذ كان الله عالما وقادرا ومريدا, كان الله كان خالقا. وهذا يعني منذ كان الله كان الكون.
وهذه الرؤيا للمعتزلة اخذها الفلاسفة المسلمين. الذين قالوا ان واجب الوجود (او الواجب), صفاته هي ذاته, وكما يقول ابن سينا والفارابي ان الله علمه كله, وارادته كله وبصره كله, ... , صفاته هي هو.
ولكن ما اخذوا عن المعتزلة اكثر واهم, هو انه اذا وجدت العلة بكامل شروطها فان المعلول لا يتخلف عن علته التامة. بمجرد وجود العلة التامة فلا بد من حصول المعلول. وصفات الله من علم وقدرة وارادة هي العلة التامة للكون. وبالتالي منذ كان الله كان الكون. الذي لا يتخلف عن علته التامة.
ولكن الفلاسفة طوروا وجهة نظر اخرى اخذوها عن الافلاطونية المحدثة, وهي نظرية الفيض (او الصدور) theory of emanation.
الموجودات هي مادة وفكر, كما نحن جسم وعقل , العقل يتعامل مع المجردات والجسم مع الماديات. الحواس تزود العقل بالمعلومات التي تدور حولنا. وكما يقول علم النفس الحديث اذا ولد شخص بدون حواس فلن يكون له علم بشيء.
القوة والفعل
كل ما في الله بالفعل, ليس في وجوده اي شيء بالقوة. لأنه الكامل الذي لا يتغير وبالتالي ليس بحاجة الى ان يستكمل اي جهة فيه. وبتذكر ما قاله هيدجر لماذا كان هناك وجود ولم يكن بالاولى عدم, فلماذا خلق الله الكون ؟. وهذا السؤال يؤدي بنا الى معرفة ان هناك علاقة بين الله والكون. الله كامل فما هو السبب الذي حعله يخلق الكون ؟.كل شيء سوى الله مستكملا, وبقول الفارابي ان غاية الفيلسوف في علمه العلم بالحق وفي عمله العمل بالحق. وبالتالي الفيلسوف يتشبه بالله. نحن موجودات ناقصة وهذا الوجود الناقص نريد ان نستكمله. نحاول ان نصل الى اقصى درجة من الكمال. معرفة الحقيقة والعمل بموجبها.
الواجب كامل وأزلي ولا يتغير. والمعلول لا يتخلف عن علته التامة. اذا وجدت العلة بكامل شروطها فلا بد من وجود المعلول. يقول ابن سينا وجود المعلول متعلق بوجود العلة. وبالتالي منوط بوجود علته من حيث هي على الحال التي تكون به علة. لأ. ن يمكن ان تكون العلة على حال لا تكون فيها علة لأي شيء. وبالتالي يجب ان تكون العلة بكامل شروطها, سواء كانت طبيعة او ارادة و غير ذلك. عدم وجود المعلول متعلق بان العلة لم تكن بكامل شروطها. لم تكن على الحال التي عليه بالفعل.
اذا كان الفاعل بذاته موجود ولكن ليس لذاته عله, توقف وجود الحالة المذكورة. اما اذا وجدت العلة على الحالة التي تكون فيها ارادة او طبيعة وجب وجود المعلول. وأيهما فرض ابدا (ازلي) سواء العلة او المعلول كان ما بإزاءه ابدا. ما كان لا متناهيا ازليا , سواء علة او معلول, كان ما بإزاءه ازليا مثله. ما كان مؤقت كان ما بإزاءه مؤقت. اذا كان شيء متشابه الحال في كل شيء وكان له معلول, لم يبعد ان ينتج عنه سرمدا. اذا العلة لا يطرأ عليها تغير ولها معلول فان هذا المعلول يجب عنه منذ الازل. الله كامل كمالا مطلقا والكامل كمالا مطلقا لا يتغير وبالتالي فهو متشابه الحال لا تتغير احواله ابدا, فان كان له معلول فهذا يجب عنه ابدا.
الامكان الصرف
هناك مفهومين مصدرهما ليس العقل وهما الوجود والضرورة. بمقارنتهما مع بعض, نقول:- ضروري الوجود (واجب)
- ضروري العدم (الممتنع او المحال)
- لا ضروري الوجود ولا ضروري العدم
قلنا أن كل ما هو سوى الله مخلوق, لا بد ان يكون ممكنا. المنطق يقول ما ليس وجوده منه فهو ممكن. الامكان الصرف هو ما يسمى في الفلسفة الحديثة الامكان الميتافيزقي. وهو كل ما لا يشتمل مفهومه على تناقض. وما يحعله محالا هو ان يشمل مفهومه على تناقض.
الممكن بحاجة الى علة ترجح وجوده. هذه الغلة هي التي توجب وجوده. أما الواجب فهو واجب بذاته, اي ذاته تقتضي وجوده.
الممكن المحدث فهو دائما بحاجة الى علة. الممكنات التي تضافرت عللها فاوجبتها وجدت. خلافا بقيت في حالة الامكان, فلم توجد بعد.
الممكن له اربعة علل: مادية وصورية وفاعلة وغائية. الخشب يكتسب صورة الطاولة على يد النجار ليحقق غاية المسند للكتابة.
وعندما لا تتضافر هذه العلل , فان الممكن لا يوجد. باستثناء العالم. لأن هذه العلل تصبح بمثابة العلة التامة. الله بالنسبة للكون يمثل العلة التامة. وبالتالي الكون الحادث عن الله القديم يكون قديم. حسب ما يقوله الغزالي على لسان الفلاسفة.
نظرية الفيض
القضية هي علاقة الله الغير مادي مع الكون المادي. والتي ربطها الفارابي بنظرية الفيض. حيث يقول ان تعطيل الله عن افاضة الخير والجود. الله كامل وبالتالي فهو موجود خير وجواد , وفيضه خير وجود.قلنا ان الموجودات مكونة من عقل ومادة, ولكن وبما ان الله بالفعل من كل وجه, فليس فيه مادة, لأن المادة بحاجة الى استكمال. وبالتالي فالله عقل ويفيض عنه خير وجود , أي عقل مثله.
نظرية الفيض الافلاطونية لها قاعدتين
- لا تعدد في المطلق. الواحد لا يصدر عنه الا واحد, لأنه لو صدر عنه اثنان للزم ذلك ان يكون فيه جهتين.
- الصادر عنه من شكله على سانخته, وبالتالي ان كان الله عقلا فالصادر عنه لا بد ان يكون عقلا
موجز لما سبق
تحدثنا سابقا عن مفهومين:- 1- لفظ القديم وهو التعبير الفلسفي عن الله, او بالاحرى واجب الوجود (او الواجب). وقلنا انه كامل كمالا مطلقا وانه بالفعل من كل وجه. فما كان كذلك لا يتغير, لأن الذي يتغير يكون مستكمل. مثلا الطفل متغير من حيث هو شاب بالقوة, والشاب متغير من حيث هو كهل بالقوة.
- 2- الممكن, لتعريف الممكن يجب معرفة مفهومي الضرورة والوجود. اللتي بمقارنتهما ببعض, نحصل على ما يلي:
- ضروري الوجود, اي الواجب, اذا فرض غير موجود لزم عنه محال
- ضروري العدم, وهو الممتنع الذي اذا فرض موجودا لزم عنه محال. أي ان كل ما يشتمل مفهومه على تناقض فهو ممتنع. كالدائرة المربعة.
- لا ضروري الوجود ولا ضروري العدم, أي الممكن, وهو كل ما لا يشتمل مفهومه على تناقض. ويسمى الممكن الميتافيزيقي, او الممكن الصرف.
- مبدأ الهوية, لا يمكن ان يكون الشيء نفسه وفي نفس الوقت شيء اخر
- مبدأ عدم التناقض, لا يمكن ان يتصف الشيء بصفتين مختلفتين في آن واجد.
- مبدأ التضاد, لا يمكن ان يتصف الشيء بمتضادين في آن واحد ولكن لا بد ان يتصف باحدهما. فالعدد اما ان يكون زوجا او فردا.
- مبدأ العلية, لا يمكن ان يحدث شيء بدون سبب
دليل الفلاسفة على قدم العالم
الغزالي كان يأتي باراء الفلاسفة ومن ثم يشكك بها. وكما قال في مقدمة كتابه, غايتي هي اقناع اولئك الذين غرر بهم بأن اقوال الفلاسفة الكبير ليس دقيق. وقال الغزالي انه يكفر الفلاسفة في ثلاثة من المسائل العشرون.[1]يقول الفلاسفة انه لا يمكن ان يصدر حادث عن قديم مطلقا, وصوغوا هذه المقولة بثلاثة ادلة, وهي:
- 1- لأننا إذا فرضنا القديم ولم يصدر عنه العالم, فهل السبب عدم وجود مرجح ؟, وعندما حدث, فهل لأنه تجدد مرجح ؟, وإن تجدد فمن أحدثه, ولم حدث الآن ولم يحدث من قبل. وبما أن أحوال القديم متشابهة ولا يتغير وكامل كمالا مطلقا, فإما أن لا يوجد عنه شيء قط وإما أن يوجد على الدوام. أما أن لا يتميز حال الترك عن حال الشروع فهذا محال.
ولا يمكن القول انه لم يكن قبله غرض ثم تجدد غرضه, ولا يمكن أن يحال الى فقدان آلة ثم وجودها, بل أقرب أن يقال: لم يرد وجوده قبل ذلك. وحصل وجوده لأنه صار مريداً لوجوده بعد أن لم يكن مريداً فيكون قد حدثت الإرادة. ولكنه ليس محل للحوادث .
الإشكال قائم في أصل حدوثه, من أين حدث, ولم حدث الآن ولم يحدث من قبل, أحدث الآن من جهة اخرى, فإن جاز حادث من غير محدث فليكن العالم حادثاً لا صانع له وإلا فأي فرق بين حادث وحادث وإن حدث بإحداث الله فلم حدث الآن ولم يحدث من قبل ألعدم آلة أو قدرة أو غرض أو طبيعة فلما أن تبدل ذلك بالوجود وحدث عاد الإشكال بعينه. أو لعدم الإرادة فتفتقر الإرادة إلى إرادة وكذى الإرادة الأولى ويتسلسل إلى غير نهاية.
فإذن قد تحقق بالقول المطلق أن صدور الحادث من القديم من غير تغير أمر من قدرة أو آلة أو وقت أو غرض أو طبع محال وتغير حال القديم محال لأن الكلام في ذلك التغير الحادث كالكلام في غيره والكل محال ومهما كان العالم موجوداً واستحال حدوثه ثبت قدمه لا محالة.
وهذا هو أقوى أدلة الفلاسفة على قدم العالم كما رواه الغزالي. او كما يقول فذها اخيل ادلتهم, أي اكثر ما لديهم من خيال. وبالجملة كلامهم في سائر المسائل أرك من كلامهم في هذه المسألة.
اعتراض الغزالي
ويعترض الغزالي على دليل الفلاسفة على قدم العالم, من وجهين:- قام الغزالي بربط قدم العالم بارادة الله القديمة, لأن الله قديم ودائما مريد فارادته قديمة. لأن القديم لا يتصف الا بصفة قديمة.
واعتبر الغزالي قول الفلاسفة في الدليل الاول قولا تحكميا, أي بدون اي مبرر او برهان. ويقول لهم لماذا تنكرون على من يقول هذا القول وما المانع من الاعتقاد به. وهل هناك ما يجعله مستحيلا ؟.
رد ابن رشد
يقول ابن رشد ان ما اورده الغزالي على لسان الفلاسفة لا يرقى الى ان يكون برهانا. وان كان هذا ما يقوله الفلاسفة, فهم ايضا لم يقدموا اي برهان عن قدم العالم. وأن طريقة عرض الغزالي لهذا البرهان, الذي لا قيمة له , هي من قبيل الجدل ووجه من وجوه السفسطة. لأن ما قدمه يشتمل على العديد من القضايا الفكرية التي هي نفسها بحلجة الى بحث وتحليل وبرهان. أي انه اخذ المسالة الواحدة بدلا من المسائل الكثيرة وتغاضى عن عدة قضايا فكرية. وطرح مسألة واحدة بدلا من بناء المسائل تدريجيا حتى الوصول الى البرهان المزعوم.ويقول ابن رشد ان برهان الغزالي يقوم على مقدمة عامة, والبرهان الصحيح هو الذي يبدأ من الصفر او من المسلمات الاولية, من البديهيات من الضروريات. الامور التي هي نفسها ليست بحاجة الى برهان.
مثلا واحدة من المسائل التي طرحها الغزالي هي قضية الممكن. الذي وضعها في تصنيف الصرف فقط, بينما الممكن يمكن ان يكون:
- ممكن أكثري
- او ممكن اقلي
- او ممكن بالتساوي
ومن ثم قضية الامكان فمنه ما هو في الفاعل : أي امكان الفعل, ومنه ما هو في المنفعل: أي امكان القبول. ويقول ان الامكان بينهما مختلف حتى لو كان هناك القدرة في الفاعل, وعدم القبول في المنفعل, فالفعل لا يحدث. مثلا الحدادا الذي لديه القدرة على عمل الفاس ولكن ليس لديه الا القطن - الذي ليس له قابلية على ان يصبح فاس- لا يحدث الفعل.
ثم مرجح الامور الطبيعية منها وفيها. لأن اكثرها مبدأ تغيرها منها. أي ان المتحرك هو نفسه المحرك. وهذه ليست من الامور البديهية وبالتالي بحاجة الى برهان.
أي ما يريد ان يقوله ابن رشد للغزالي هو انه ينبغي توضيح المسائل الاخرى قبل طرح مسألة قدم العالم. كما فعلوا الفلاسفة القدماء, بحثوا في الكثير من المسائل قبل ان يتوغلوا في موضوع قدم العالم.
ويتابع, أما الامكان الذي في الفاعل فهو لا يحتاج الى مرجح. فمثلا المهندس ينتقل من ان لا يهندس بدون الحاجة الى شيء خارجي.
ومن ثم قضية التغير الذي بحاجة الى مرجح ليست دقيقة, لأن التغير منه ما في الجوهر او الكيف, او الكم, او في الاين. أي نوع من انواع التغير يقصد الغزالي ؟.
ومن يتحدث عن القديم, ولكن القديم عند الناس انواع, فمنه ما هو قديم بذاته, ومنه ما هو قديم بغيره.
ومن ثم التغيرات, فمنها ما يجوز على القديم عند بعض القوم (مثل قول الكرامية).
وجواز كون الارادة الجادثة عند القديم؛ وجواز الكون والفساد على المادة الاولى عند القدماء وهي قديمة. وكذلك المعقولات على العقل بالقوة, فهو قديم عند اكثرهم.
وكذلك الفاعل, فهناك فاعل بارادة وفاعل بطبيعة. وليس امر صدور الفعل عنهما واحدا.
فهذه كله مسائل مبيرة وعظيمة وتحتاج الى فحص, ودراسة ما قاله القدماء عنها. وأخذ المسالة الواحدة بدل المسائل الكثيرة هو موضع مشهور من مواضع السفسطائين السبعة. والغلط في واحدة من هذه المبادئ , يؤدي الى انهيار كل البناء.
اي ان الطريقة التي رواها الغزالي هي طريقة جدلية وليست برهانا ومقدماته عامة.
أسافينُ الغزالي
أما الاعتراض السابق للغزالي حيث يقول لماذا تنكرون على خصومكم الاعتقاد بالارداة القديمة وما المحيل له, أي الاعتقاد بمبدأ التراخي: كان الله ولم يكن معه شيء, ثم تعلقت ارادته القديمة بخلق الكون في وقت دون وقت غيره. أي ان ليس هناك علاقة ضرورية بين العلة والمعلول, وحيث تكون العلة موجودة والمعلول غير موجود. وهذا يتنافى مع ما يعتقد به الفلاسفة: وهو التلازم الضروري بين العلة والمعلول. أي انهم يعتقدون بانه اذا وجد الموجُب (العلة) بتمام شروطه (العلة التامة), فلا يجوز ان يتأخر الموجَب (المعلول). أو بالاحرى يرى الفلاسفة ان وجود المَوجب عند تحقق المُوجب بتمام شروطه ضروري وتأخره محال.فإن قيل: القديم صفاته عين ذاته, وقبل وجود العالم كان المريد موجوداً والارادة موجودة ونسبتها الى المراد موجودة ولم يتجدد لا مريد ولا ارادة ولا نسبة, فلا بد بالضرورة من حصول المعلول. او بالاحرى كيف يحصل العالم ؟ و لماذا لم يتجدد شي من هذه من قبل, اي المرجح. فان لم يحدث اي تغير لا في المريد و لا في الارادة ولا في النسبة ولا في اي حال من الاحوال فهذا قول متناقض . اي بقيت حال القديم هي هي قبل و بعد. ويعني ان عدم وجود تمايز بين حال الترك و حال الشروع امر محال.
الغزالي كان يعتقد بمبدا تخلف المعلول عن علته التامة, اي مبدا التراخي الذي هو اصل من اصول الاشاعرة. وهذا المبدأ ينص على انه ليس هناك علاقة ضرورية بين العلة و المعلول. ولكن الغزالي ادخل مواضيع على لسان الفلاسفة لم يقولوها ليضعف اقوالهم و اثارة الشك فيها (أسافينُ[2]), اي انه ادخل امور وضعية (وهي الامور المتعارف عليها من قانون او شرع او تقليد ...الخ) [3].
و يقول "وهذا ليس استحالة الجنس في الموجب والموجب له بل في العرفي والوضعي ايضا" . اي إذا وجدت العلة فلابد من حصول المعلول بالضرورة.
وينطبق هذا مثلا على ان الرجل عندما يطلق زوجته فان البينونة تحصل فورا لان لفظ الطلاق هو علة الحكم وصفا و اصطلاحا و شرعا , و بالتالي لا يُعقل ان يتاخر الطلاق (المعلول ) عن اللفظ ( العلة ) . و هذا هو واحد من الاسافين التي ادخلها الغزالي على لسان الفلاسفة ليشوش ويضعف اقوالهم امام حشد المعجبين بهم.
ويتابع الغزالي بالقول انه "اذا علق الزوج الطلاق بمجئ الغد او بدخول الدار كما القول " اذا خرجت من هذا المنزل فانت طالق , فان الطلاق فلا يقع في الحال لانه علقه على امر منتظر .
و هذا هو المثال الشرعي, و اما في العرف و العادة فهناك نوعين من الفعل :
- الاول هو القصد على الفعل
- والثاني هو على الفعل العزم
في العرف و العادة ما قد لا يحصل عن القصد بوجود المقصود سببه وجود مانع. اي لا يتاخر حصول المقصود عن وجود القصد الا بمانع, لان القصد موجب للفعل بينما العزم غير كافي لوجود الفعل مالم يحصل باعث في النفس يجدد حال في الفعل .و اذا كانت الارادة قديمة فلا يتصور تاخر المقصود الا لغاية . و هذا في مجال قياس الغائب على الشاهد , و هذا ما نقضه ابن رشد: لا يجوز قياس ارادة القديم الى ارادتنا.
و يتابع الغزالي " ثم لا يمكن تصور تاخر القصد زمنيا عن المقصود الا اذا كان هناك العزم بدلا من القصد , اي اذا كانت الارادة قديمة في حكم العزم فلا تكون كافية لحصول المعزوم عليه لان العزم بحاجة الى انبعاث يجدد حال الفعل . و هذا لا يمكن ان يحصل للقديم لانه يعني تغير في احواله .
فمهما سميت الامور قصدا او ارادة فالسؤال يبقى هو هو ,, لماذا حدث الان و لم يحصل من قبل ؟؟؟
خلاصة : اذا وجود الموجب بتمام شروطه و لم يكن قد حصل عنه شئ ثم انقلب بغتة من غير امر تجدد او شرط تحقق فان هذا قول محال متناقض بنفسه, اي يستحيل ان يحصل شي بعد ان لم يكن وإن لم يتغير شئ ما بالفعل .
ماذا يقول ابن رشد ؟
عندما رائ الغزالي عدم جواز القول بمبدا التراخي ( تراخي المفعول عن فعل الفاعل ) قال بجواز تراخيه عن ارادته .لقد قلنا انه منذ كان الله كان عالما و قادرا و مريدا و بالتالي فاعلا ولكن عندما رائ الغزالي انه لا يجوز تراخي المفعول عن فعل الفاعل اي تراخيه عن ارادته و هذا لكي لا ينفي على الله ان يكون فاعلا ابدا . اي اذا كان المفعول يتاخر عن فعل الفاعل فهذا يعني ان الله لم يكن فاعلا ابدا .
يقول ابن رشد ان الفلاسفة اعتقدوا بامرين : فعل الفاعل بحاجة الى تغير وان كل تغير لابد له من مغير, ولكن القديم لا يتغير. وهذه من اصعب الامور برهانا كما يقول ابن رشد. اي ان الفلاسفة لا يستطيعوا برهنة ان الله لا يتغير و ان فعل الفاعل يلزمه تغير و ان كل تغير بحاجة لمغير وان القديم لا يتغير .
ابن رشد لا يكتفي ويضيف بأن كلام الغزالي سسفسطة [4] بل يريد ان يرشده الى الطريق الصحيح و هو بان ينزل فاعلا اولا او ينزل فعل له اول. ويقول ابن رشد ان هناك خلل في اعتراض الغزالي على دليل الفلاسفة في قدم العالم لأنه لا يمكن مقارنة الارادة الازلية ( الغائب ) على الارادة الحادثة ( الشاهد) اي ان الاشتراك الاسمي في كلمة ارادة لا يعطيه الحق لعمل مقارنة بينهما.
والاشتراك المعنوي بين الارادة الازلية و الحادثة غير ممكن لان الارادة الازلية مختلفة تماما عن الارادة الحادثة و يشتركان فقط بالاسم , لا بل وبينهما تضاد أيضا.
الارادة في الشاهد هي الحادثة و كما يقول ابن رشد "هي قوة فيها امكان فعل احد المتقابلين على السواء" . اما ان تفعل او ان لا تفعل , اما ان تسرق او ان لا تسرق . و فيها امكان الفعل و القبول على السواء, فيها شوق الفاعل الى فعله واذا فعله حصل المراد وكف الشوق.
و يقول ابن رشد ان ارادة الفاعل يمكن ان تكون لا ارادية و لا طبيعية , مثل قولنا عن القديم انه خارج العالم و داخل العالم. [5]
اذا كان حال التجدد لم يتميز عن الاحوال السابقة او اللاحقة فكيف يحدث اي شئ ؟. اذا كان المريد موجود و الارادة موجودة و نسبة الارادة الى المراد موجودة فما الذي تغير ؟ فلا بد ان يكون هناك شئ قد تغير و هذا غاية الاحالة لان القديم لا يتغير , و ليس استحالة هذا الجنس (التضاد, التغير ...) بالعلاقة بين العلة و المعلول , الموجب و الموجب الضروري الذاتي , فهل يصح في العرف و الوضع لان الرجل لو تلفظ بطلاق زوجته ولم تحدث البينونة في الحال , لم يكن ليتصور انها ستحدث !!!. اي اذا قال الرجل : طالق و لم تحدث البينونة في الحال فهذا يعني انها لن تحدث بعد ذلك, لانه جعل اللفظ علة الحكم في الوضع و الاصطلاح , فلا يعقل تاخر المعلول (الطلاق) الا اذا عُلق بمجئ الغد او دخول الدار, أي علقه بشيء منتظر. فان لم يكن حاضرا بالوقت توقف حصول الموجب على حضور ما ليس بحاضرا فلا يحصل الموجب الا وقد تجدد امر ما, مثل مجئ الغد او دخول الدار.
فان لم يقبل هذا في الامور الوضعية فكيف نقبله بين الامور الضرورية (العلاقة بين الموجب و الموجب الذاتي الضروري ). او ان هناك اشياء تُحدث تغييرات و لا يحدث فيها تغيير ؟.
و يقول ابن رشد ان خصوم الغزالي و هم الفلاسفة قالوا ان فعل الفاعل يلزمه تغير و ان كل تغير له مغير و الاصل الثاني ان القديم لا يتغير و ان هذا كله عسير البيان على الفلاسفة . وما يجب ان يفعله الاشاعرة هو انزال الفاعل اولا او انزال فعل له اول. ويشرحها ببساطة بانه لا يمكنهم ان يضعوا ان حالة الفاعل في المفعول المحدث تكون في وقت الفعل هي نفسها في حالة عدم الفعل .!!! فاذا اوجبنا لكل حالة متجددة فاعلا فلا بد ان يكون الفاعل لها فاعلا اخر , اي انه حال الترك هي نفسها حال الشروع و هذا ما لا يعقل و لا يمكن قبوله , فلا بد من حالة متجددة او نسبة لم تكن اما في الفاعل او المفعول او في كليهما و ان كانت كذلك اما ان يكون الفاعل هو فاعلا اخر غير القديم لانه ليس الفاعل الاول و لا يكون مكتفي بفعله بنفسه بل لأن غيره الزمه على الفعل او ان تكون الحال التي هي في فعله هي نفسه, فلا يكون ذلك الفعل الذي فرض صادرا اولا عنه هو الاول بل يكون الفعل الاول لتلك الحال التي هي شرط حصول الفعل منه .
للتوضيح اذا سالتني ماذا غير رأيك ؟ فاما : ان يكون التغيير غير حاصل عني, و انما حصل من تاثير خارجي. وهذا يعني انني لست الفاعل الاول او انني غيرت رايي لانها تغيرت حالة ما كشرط لكي افعل و عندما حصلت هذه الحالة فعلت . و هذا يعني ان الفعل الاول هو تغير الحال .
بالضرورة العقلية (البديهيات) او بالنظر العقلي (القياس) ؟
يقول الغزالي على لسان الفلاسفة اذا وجد الموجب بكامل شروطه و لم يكن قد حصل عنه شيئا ثم انقلب بغتة من غير امر تجدد او شرط تحقق فانه محال بنفسه اي انه متناقض .الغزالي يريد ان يوضح لنا ان اقوال الفلاسفة المتعلقة بالارادة القديمة هي من قبيل التحكم, اي انها وجه نظر تحكمية. فكيف تعرفتم على ان استحالة الارادة القديمة باحداث اي شئ , عن طريق ضرورة العقل (اي البديهيات) او بالنظر العقلي (بالقياس) ؟. الذي هو بحاجة لحد اوسط [6].
- فاذا عرفتموه بطريقة العقل عليكم ان تاتوا بالبرهان
- او اذا عرفتموه بضرورة العقل فيجب ان يعترف به كل الناس . و بما ان هناك الكثير من الناس يعتقدون خلافا لما تعتقدون به فهذا يستثني انكم استخدمتم الضرورة العقلية.
و هذا لا يجوز قياس ما له علاقة بالله مع ما له علاقة بالانسان. أما الاستبعاد فهو بحاجة لبرهان لانكم استبعدتم ان تكون الارادة الالهية قد تعقلت باحداث اي شئ .
فاذا ادلتكم ليست مبنية على القياس او على الضرورة العقلية فما هو الفصل بينكم و بين خصومكم الذين يدعون بان الارادة القديمة تعلقت باحداث الكون ؟.
تعدد العلم يؤدي الى تعدد المعلوم ؟
الفارابي و ابن سينا قالوا بان الله عقل و عاقل و معقول , و هو عقل يعقل ذاته و ذاته معقولة له من غير تكثر .فيقول الغزالي انتم مثلكم مثل غيركم الذين يقولون ان هذا مستحيل بان يكون العلم و العالم و المعلوم امرا واحدا !! فلا بد ان يكون هنالك تمايز , كيف يمكن ان يكون هناك ذات واحدة تعرف كل الكليات والجزئيات بدون ان يكون فيها كثرة . لان تعدد العلم يؤدي الى تعدد المعلوم و بالتالي فصفات الله زائدة عن الذات الالهية و ليست عين للذات الالهية كما تقولون يا فلاسفة . اي انكم تقولون ان الله عالم بعلم هو عين ذاته مريد بارادة هي عين ذاته قادرة بقدرة هي عين ذاته . و مع انها صفات كثيرة الا انها لا تؤدي الى تكثر في الذات الالهية.
و عندما تناول الفلاسفة قصة العلم قالوا ان هناك معلومات كثيرة فكيف يمكن ان يعلمها جميعا دون ان يكون هناك تكثر في الذات الالهية. وقالوا ان الاشياء في الكون اما ان تكون من مادة او من غير مادة, أي العقل . و وبما ان الله لا يمكن ان يكون من مادة فهو بالتالي عقل, والعقل يعقل ذاته فتكون معقولة له .
و هنا ارادوا المحافظة على احادية الذات الالهية وان ليس فيها تكثر.
وعندما اتى ابن سينا قال ان هناك جزئيات كثيرة و ان الله لا يعلمها و يعلم فقط الكليات. كما رؤية افلاطون الذي يقول ان هناك هرمية للاشياء تنتهي الى شيء واحد و هو راس الهرم. فجميع الحيوانات بمفهوم الحيوان و النباتات بمفهوم النبات و كل هذا بمفهوم الكائن الحي. كما تترتب هرمية المُثل الافلاطونية التي تنتهي الى مثال المثل و هو الله. اي ان الله يدرك الكليات الانسان و الحيوان و النبات على نحو الاجمال و لا يعلم الجزئيات. و هذا ما اخذوه على ابن سينا بالرغم من انه وجد مخرجا عن كيف ان الله يعلم الكليات و الجزئيات .
يقول الغزالي للفلاسفة لا يمكن ان يكون هناك ذات واحدة تعرف الكليات و الجزئيات من غير ان يكون فيها تكثر , اي يقول للفلاسفة لا فصل بينكم و بين خصومكم الذين يقولون ان الارادة القديمة تعلقت بحدوث لعالم , وكلا الفرضيتين مصاغتين بطريقة تحكمية . لانهما لا يعتمدان على قياس او ضرورة عقلية .
الفلاسفة قالوا بانه لا يجوز قياس الاول القديم على الحادث لان علمنا متكثر يتعدد بتعدد المعلوم. و هذا ما اجبر الفلاسفة, كما يقول الغزالي, على القول بان الله عقل و عاقل و معقول. ولكن بهذه الطريقة فهو لا يعلم الا نفسه. ولذلك كان هدف الفلاسفة هو المحافظة على احادية الذات الالهية.
يرد الغزالي: ان اتحاد العقل والعاقل والمعقول يؤدي بالضرورة الى ان الله لا يعلم صنعته, وهذا محال. فكيف يمكن ان يكون الصانع لا يعرف صنعته, وهذا هو قول الزائغين عن الحق.
فكما انتم تقولون ان الارادة القديمة لا يمكن ان تتعلق باحداث اي شيء, فنحن ايضا نقول وبنفس الطريقة التحكمية, ان العلم لا يمكن ان يكون واحد بتعدد المعلوم. ولذلك فصفات الله زائدة عن الذات الالهية.
ابن رشد ومسالة المعروف بنفسه (او الضرورة العقلية)
يصف ابن رشد اقوال الغزالي بانها ركيكة الاقناع. كما عندما طلب الغزالي من الفلاسفة برهنة مقولتهم بان المفعول لا يتأخر عن الفاعل الموجود بكامل شروطه, بواسطة قياس الحد الاوسط او ان يكون من المعارف الاولية, أي يجب ان يعترف به كل الناس. ولكن الامر ليس كذلك, يقول ابن رشد, لانه ليس من شرط المعروف بنفسه ان يعترف به كل الناس, بل على الاغلب يكون مشهورا.جميع الفلاسفة قالوا بتعدد العلم بتعدد المعلوم, وبالتالي قالوا ان هناك اتحاد بين العالم المعلوم, للمحافظة على احادة الذات الالهية. فهل عندهم برهان على ذلك ؟.
ويقول ابن رشد ان ليس لدى الاشاعرة ايضا البرهان على تخلف المعلول عن علته التامة.
هل دورات الافلاك لا متناهية ؟
وفقا لنظرية الفيض الفارابية, تأثير نسب حركات الافلاك فيما بينها وبين الارض, تحدث المادة الهيولانية, وبعد ذلك تحدت بالتوالي العناصر الاربعة, فالمعادن, فالنبات, ومن ثم الحيوان غير الناطق واخيرا الحيوان الناطق كأسمى مرتبة يمكن ان تصل اليها الموجودات تحت فلك القمر.يقول الفلاسفة انه منذ كان الله كان الكون, نشمل ايضا العقول والافلاك. ولما كانت الافلاك مستكملة بحركة عشقية, أي الحركة الدورية التي هي اكمل الحركات, فهي تتحرك بدورات لا متناهية. لأن القديم لا يمكن ان يكون متناهي.
رد الغزالي: يلزم عن قولكم هذا ان للافلاك دورات لا متناهية, ولكنه كالعادة يريد ان يضع الاسافين في اقوالهم ليشوش عليها ويضعفها امام الناس االمعجبين بها. فيقول يلزم ان قدم العالم يؤدي الى دورات للفلك لا نهاية لاعدادها ولا حصر لاحادها. وبما انه ادخل قضية الاعداد والاحاد, فانه يريد ان يجعل هذه الدورات متناهية.
ويدخل الغزالي ايضا نسب دورات الافلاك بين بعضها البعض, بالنسبة للارض, التي كانت تعتبر مركز الكون انذاك. فيقول: وبما ان دورة زحل تستغرق 30 سنة: اي ثلث عشر دورة الشمس, فكيف تكون حركة الشمس لا متناهية ونحن نقسمها الى مرات بتوالي الليل والنهار. وكذلك حركة الفلك المحيط, الذي كل دورة تستغرق 36 الف سنة. قالب:بحاجة الى مصدر فكيف تكون هذه الدورات لا متناهية وفيها عشر وسدس ؟.
ويقول الغزالي ان هذه الافلاك اما ان تكون وتر او شفع (pari o dispari), او وتر وشفع (pari e dispari), او لا وتر ولا شفع (ne pari ne dispari). وبما ان العدد اما ان يكون وتر او شفع, فلا يجوز في هاتين الحالتين الاخرتين. أي العدد اما ان يكون زوجي او فردي, لأن المتضادان لا يجتمعان ولا يرتفعان. فان قلتم انها شفع, الشفع يصبح وترا بواحد, وإن قلتم وتر فهذا يصبح شفعا بواحد, فيلزمكم القول ان هذه الدورات لا شفع ولا وتر وهذا باطل بالضرورة.
فان قال الغزالي أن الوتر بحاجة الى واحد لكي يصبح شفعا. يقول الفلاسفة: ما يوصف بالشفع والوتر هو المتناهي, اما الامتناهي فلا يوصف بذلك. فيرد عليهم: كيف تكون جملة مركبة من احاد ولها سدس وعشر ولا توصف بشفع او بوتر ؟, وهذا معلوم بطلانه بالضرورة.
فيقولوا: الخطأ الذي ارتكبتموه يا غزالي ويا اشاعرة, هو انكم وصفتوا هذه الدورات بانها جملة مركبة من احاد, ولكن الدورات التي تنشأ عن الافلاك تكون معدومة. لأن الماضي انقرض والمستقبل لم يوجد بعد, ولأن ما هو متناهي موجود بالقوة, والحركة اللامتناهية لا يقال فيها لا شفع ولا وتر. ولفظ الجملة لا يجوز هنا لانه يشير الى ما هو متناهي.
فيرد الغزالي: العدد اما ان يكون شفعا او وترا, سواء كان معدوما او موجود. لأننا لو فرضنا عدد من الافراس فإما ان يكون شفعا او وترا, سواء كانت موجودة او غير موجودة, حتى وإن كانت موجودة ثم اعدمت فلن يغير من الامر شيئا.
ويرى الغزالي الزاما اخر على الفلاسفة بانهم قالوا ان الأفلاك موجودة بالقوة(مثلها مثل الزمان الذي هو غير متناهي, وما هو متناهي هي الفترة الزمنية من ... الى ...؛ كذلك المكان فهو لا متناهي وما هو متناهي هو الحيز, كذلك القطة المستقيمة (segment) بالنسبة للخط المستقيم) . فيقول الغزالي ان هناك اشياء لا متناهية وتوصف بالشفع والوتر, كما هي الانفس البشرية التي هي متغايرة بالوصف ولا نهاية لها. وإن لجأ الفلاسفة الى قول افلاطون ان النفوس تنقسم في الابدان< وبعد مفارقتها لها تعود لتصبح مجددا نفس واحدة كلية, فهذا قول اقبح واشنع. لأنه محال ان تكون نفس زيد هي عينها نفس عمر فكل واحد يشعر بنفسه ويعلم انه ليس نفس غيره, ول كان هو عينه نفس غيره لتساويا في العلوم التي هي صفات ذاتية للنفوس. وإن قلتم انه غيره ولكن انقسم بالتعلق بالابدان, قلنا محال انقسام الواحد الذي لا عظم له (جسم) ولا مقدار (عدد). فكيف الواحد يصير اثنين ومن ثم الفا ثم يعود ليصبح واحدا, بل هذا يعقل فيما له عظم كماء البحر ينقسم في الجداول والانهار ثم يعود الى البحر, أما ما لا كمية له فكيف ينقسم ؟.
والمقصود من هذا كله ليس اثبات اي شيء ولكن يريد ان يظهر الغزالي ان الفلاسفة لم يعجزوا خصومهم في الاعتقاد في تعلق الارادة القدية في احداث اي شيء.
الخلاصة هي ان الفلاسفة لا يختلفون عن خصومهم في ان ادلة اقوالهم تحكمية. ماذا يلزم اذا قال الفلاسفة بقدم العالم, وبما تنكرون على خصومكم اذا قالوا ان قدم العالم محال ؟. فكلا القولين تحكميان.
هل مدة الترك متناهية ؟
فإن قيل هذا ينقلب عليكم, فإن قيل: هذا ينقلب عليكم في أن الله قبل خلق العالم كان قادراً على الخلق بقدر سنة أو سنتين - ولا نهاية لقدرته - وكانه صبر ولم يخلق ثم خلق, فهذه الفترة التي هي مدة الترك, هل هي متناهية, او غير متناهية ؟. فإن قلتم يا اشاعرة انها متناهية, صار وجود الباري متناهي؛ وان قلتم انها لا متناهية, فقد انقضى مدة في كل وقت فيها امكانات لا نهاية لها للخلق.يقول الغزالي: المدة والزمان مخلوقان, وسنين ذلك في الدليل الثاني.
ابن رشد
مسألة تعدد العلم بتعدد المعلوم
يقول ابن رشد بما يتعلق بمقولة الفلاسفة بان الله عقل وعاقل ومعقول, ورد الغزالي عليهم, ان كليهما لا يعتمدان على اي برهان ويمكن ارجاع الخلاف في هذه الحالة الى الفطرة, كما عندما يختلف اثنان على بيت من الشعر, هل هو موزون او غير ذلك ؟. فهذا يمكن رده الى الفطرة.أما بما يتعلق بالالزامات التي قالها الغزالي والتي تترتب عليها مسألة قدم العالم, فانه من باب المعارضة السفسطائية. وخلاصتها ان حال الفلاسفة وحال الغزالي والاشاعرة واحدة. فكما ان الفلاسفة عجزوا عن نقد دليل الاشاعرة بان العالم محدث بارادة قديمة , فايضا هو حال الاشاعرة والغزالي لم يستطيعوا نقض قول الفلاسفة بان المعلول لا يتأخر عن علته التامة.
غاية الغزالي كما يقول ابن رشد, هو اثبات الشك وتقريره في اقوال الخصم, وليس اثبات قضية او تفنيدها.
مسألة لا تناهي دورات الافلاك
وبما يتعلق بموضوع حركة الكواكب بين بعضها البعض, يقول ابن رشد ان الخطأ هو في تخيل حركتين في ظرف زمان واحد, ثم تخيل جزء محصور في زمان واحد, فيكون الخطاء في تصور ان علاقة الجزء بالجزء هي نفسها علاقة الكل بالكل. فمثلا عندما تقول ان حركة زحل هي ثلث عشر حركة الشمس, فقد اخذت جزء من حركة زحل وقارنته باجزاء من حركة الشمس. أي اذا تخيلت جزء من حركتين دوريتين ضمن زمان واحد وطبقت ذلك على الحركة الكلية لكليهما, فقد أخطأت في الاعتقاد ان نسبة الجزء الى الجزء هي نفسها نسبة الكل الى الكل.أي انه لا يمن عمل نسبة بين حركتي الشمس وزحل لانهما بالقوة لا متناهيتان, ولكن يمكن عمل نسبة بين اجزائهما التي هي بالفعل. خلافا لذلك تصبح الحركات متناهية وهذا ما هدف له الغزالي. لأن كل ما يقول بالحركة اللامتناهية يقول بقدم العالم. نسبة الكل الى الكل يعني مقارنة بين لا متناهيين, اي كما القول ان لامتناهي اكبر من لا متناهي اخر, وهذا محال.لأنه في اللاتناهي لا يوجد تعدد, وهذا الحل الذي كان يجب ان يتبعه الغزالي. وبالتالي فالعالم قديم كما يقول ابن رشد. فحركات الافلاك في المستقبل لا نهائية وبالتالي حركاتها في الماضي لا نهائية, من لا اخر له ليس له بداية. ومن ليس له اول لا ينقضي.
يقول ابن رشد ان الالزامات التي اتي بها الغزالي في هذه المسألة اجنبية عن الموضوع وغريبة عن النسق. لأنه عندما يقول بما تنكرون على خصومكم ما يعتقدون به, فهذه هي معارضة سفسطائية.
وحاصلها هو ان الفلاسفة عاجزون على نقض دليل الاشاعرة ان العالم محدث, لأنه لو كان غير محدث لكانت دورات الافلاك لا شفع ولا وتر. وكذلك يعجز الاشاعرة على نقد قول الفلاسفة بانه اذا كان الفاعل مستوفي شروط الفعل فانه لا يتاخر عنه مفعوله.
مصادر وحواشي
- ^ - - في إبطال قولهم بقدم العالم.2- في إبطال قولهم في أبدية العالم و الزمان و المكان. 3- في بيان تلبيسهم بقولهم إن الله فاعل العالم و صانعه و إن العالم صنعه و فعله، و بيان أن ذلك مجاز عندهم و ليس بحقيقة. 4-في بيان عجزهم عن الإستدلال علي وجود الصانع للعالم. 5-في بيان عجزهم عن إقامة الدليل علي أن الله واحد. 6-في إبطال مذهبهم في نفي الصفات. 7- في إبطال قولهم إن الأوّل لا يجوز أن يشارك غيره في جنس و يفارقه بفصل و أنه لا يتطرّق إليه انقسام في حق العقل بالجنس و الفصل. 8- في إبطال قولهم إن وجود الأوّل بسيط، أي هو موجود محض و لا ماهية و لا حقيقة يضاف الوجود إليها بل الوجود الواجب له كالماهية لغيره. 9- في تعجيزهم عن إقامة الدليل علي أن الأوّل ليس بجسم. 10-في تعجيزهم عن إقامة الدليل علي أن للعالم صانعاً و علة. 11- في تعجيز من يري منهم أن الأوّل يعلم غيره و يعلم الأنواع و الأجناس بعلم كلي. 12- في تعجيزهم عن إقامة الدليل علي أنه يعرف ذاته أيضاً. 13-في إبطال قولهم إن الله تعالي عن قولهم لا يعلم الجزئيات المنقسمة بانقسام الزمان إلي الكائن و ما كان و ما يكون. 14- في تعجيزهم عن إقامة الدليل علي أن حركة السماء إرادية دورية فهي حيوان. 15- تعجيزهم في دليلهم علي كون الحركة الدورية الإرادية للسماوات هي بفرض التقرب و الطاعة لله. 16- في إبطال قولهم بأن نفوس السموات (الملائكة السماوية) مطلعة علي جميع الجزئيات الحادثة في هذا العالم. 17- في إبطال قولهم بأن قانون السببية أو العلية لايخرق. 18- في تعجيزهم عن إقامة البرهان العقلي علي أن النفس الإنسانية جوهر روحاني قائم بنفسه لا يتخيّر و ليس بجسم و لا منطبع في جسم و لا هو متصل بالبدن و لا هو منفصل عنه. 19- في إبطال قولهم إن النفوس الإنسانية يستحيل عليها العدم بعد وجودها و سرمدية لا يتصوّر فناؤها. 20- في إبطال انكارهم لبعث الأجساد وردّ الأرواح إلي الأبدان، و وجود النار الجسمانية، و وجود الجنة و الحور العين، و سائر ما وعد به الناس.
- ^ معنى إسفين في قاموس المعاني
- ^ امور وضعية اصطلاحية بمنزلة الالفاظ التي يصطلح عليها الناس للتعبير عما في انفسهم وبمنزلة ما يعتاده الناس في بعض الافعال لكونهم رأوا ذلك اولى بهم من غيره وإن كان غيره اولى منه ليست حقائق ثابتة في انفسها
- ^ اتجاه فكريّ نشأ في اليونان قبل الميلاد بخمسة قرون نتيجة العجز الذي أصاب الفلسفة والدين والسياسة ، وكانت تعني في ابتداء الأمر تعلم قواعد البلاغة ودراسة التاريخ وفنون الطبيعة ومعرفة الحقوق والواجبات ، ثم اقتصرت على فن الجدل والحرص على الغلبة دون التزام بالحق والفضيلة ، وأصبحت مرادفة لكلمتي الخداع والتضليل .
- ^ وبتذكر ما قاله علي بن ابي طالب " انه داخل العالم لا الى درجة الاتحاد معه و خارج العالم لا لدرجة الانفصال عنه " و هذا ما يسمى DILEMA اي مقولة ذات حدين لانه اذا قلت انه خارج العالم فهو لا يفعل بالعالم شئ و ذا قلنا انه داخل العالم فهو كمثلنا يطرا عليه التغيير .
- ^ كل قياس ينبنى على قضيتين يكون بينهما حد اوسط و النتيجة تكون مبنية عليه , مثلا كل انسان ميت , سقراط انسان, اذن سقراط ميت , و كلمة انسان هي الحد الاوسط المشترك بينهما .
- من تلخيص الدفتر Arab bank
- الغزالي_-_تهافت_الفلاسفة/المسألة_الأولى:_مسألة_في_إبطال_قولهم_بقدم_العالم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق