مستخدم:Hasanisawi/ المنهج البنيوي
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
سعت
فلسفات التنوير لانزال الفلسفة من السماء الى الارض, تاركة الالة في نزعه
الاخير وأكدت ان الانسان هو المثل الاعلى لكل المنظومات (- على غرار ما
قاله بروتاغوراس أن الانسان مقياس جميع الاشياء) . وبينما كان تهيء لترسيخ
هذه المبادئ, قفزت البنوية من الركام الهائل من الافكار والايدولوجيات
والعقائد, لتحتل في النصف الثاني من القرن العشرين مكان الصدارة بين مفاهيم
الفكر الحديث والمعاصر, معلنة قطيعتها التاريخية والمعرفية مع كل
الاتجاهات السابقة, ومؤكدة موت الانسان ليلتحق بالإله الذي شيعة نيتشة. [1]
البنوية (Structuralism) في الفلسفة تشير إلى تلك الحركة الفلسفية والعلمية والأدبية الناقدة الذي نشأت في فرنسا في الستينات، وامتدت لتشمل الأنثروبولوجيا (علم الانسان)، النقد الأدبي، والتحليل النفسي، ونظرية المعرفة والماركسية ونظريات البنيوية اللغوية.
في النقد الفني والأدبي (طالع دراسات جيرار جينيت [2]) تم تطبيق النظرية البنيوية التي تعتبر العمل قيد الدراسة (نص أدبي، فلم ...) كمجموعة عضوية يمكن تقسيمها إلى عناصر ووحدات, والتي يتم تحديد قيمتها الوظيفية من خلال مجموعة العلاقات التي تربط كل مستوى من العمل مع جميع المستويات الأخرى. [3]
البنوية مشتقة من كلمة بنية, وتشير إلى أن أي ظاهرة إنسانية كانت أم أدبية تشكل بنية. والتي يمكن دراستها من خلال تحليلها الى العناصر المكونة لها بدون الأخذ في الاعتبار عوامل خارجية عنها مثل حياة ومشاعر الكاتب. [4]
البنيوية لا تأخذ في الاعتبار, أو بالأحرى ترفض, مفهوم الحرية والخيار الإنساني, وتركز بدلا من ذلك على الطريقة التي تحدد التجربة والسلوك الإنساني. أول عمل مهم في هذا المجال يعود إلى كلود ليفي ستروس, الذي استخدم التحليل البنوي في الانثروبولوجيا لدراسة اختلافات التشكل الاجتماعي [5]
البنوية مثلت رغبة الإنسان المفكر في الإمساك بوحدة الواقع وضبط أنواعه المختلفة. واعتبرت الوسيلة الوحيدة لتحقيق حلم العقل في معرفة النومينون [6]معرفيا وانطولوجيا. وبالتالي يجب حذف الكوجيتو وبالتالي حذف كل تواصل بين الأنا المعيوشة والموضوع الواقعي. وتلك الفلسفات السابقة التي كانت تتواطأ مع الذات وأوهامها الزائفة.
وقد ظهر مصطلح "البنيوية" في أعمال عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي كلود ليفي ستروس. هذا أدى إلى ظهور الحركة البنيوية في فرنسا، وذلك بفضل لويس ألتوسير وجاك لاكان. معظم أعضاء هذه الحركة . لا يعتبروا نفسهم جزء من هذه الحركة المعينة. [7]
في مجال علم الاجتماع كلود ليفي شتراوس ولوي التوسير قالا: إن جميع الأبحاث المتعلقة بالمجتمع، مهما اختلفت، تؤدي إلى بنيويات؛ وذلك أن المجموعات الاجتماعية تفرض نفسها من حيث أنها مجموعة وهي منضبطة ذاتياً، وذلك للضوابط المفروضة من قبل الجماعة.
في مجال علم النفس برز كل من ميشيل فوكو وجاك لا كان اللذين وقفا ضد الاتجاه الفردي Test is Contest في مجال الإحساس والإدراك وإن كانت نظرية الصيغة (أو الجشتلت) التي ولدت سنة 1912م تعد الشكل المعبر للبنيوية النفسية.
حرص البنيويين على التحرر من أوهام الأيديولوجية وعلى التزام حدود المنهج العلمي ونواظمه وضوابطه هو الذي يكمن وراء إقرارهم بأن البنيوية ليست بمذهب أو دوغما أو فلسفة بأي حال من الأحوال, وحسب تعبير جان لاكروا" هي حالة ذهنية مشتركة بصفة عامة, ومنهجاً بصفة خاصة, بين مفكرين متباينين يعيشون عصر انتهاء الأيديولوجيات, وربما عصر انتهاء النزعة الإنسانية. إن الانفصال عن النزعة الإنسانية وعن التاريخانية وعن كل شوائب الأيديولوجية وأفكار التنوير وفلسفة التاريخ وفلسفات القرن التاسع عشر, أحد أبرز سمات الاتجاه الفكري البنيوي. كما رفض البنيويون النظر إلى الإنسان بوصفه مقياس كل الأشياء - حسب قول بروتاغوراس. بالإضافة إلى ما سبق اجتازت البنيوية المفاهيم القديمة كمفهوم القلق, والحرية, والذاتية, مستبدلة إياها بمفاهيم غير ذاتية كالدلالة, والنموذج, والبنية والنسق…الخ.
حرص البنويين على التحرر من الايدولوجيات والافكار السابقة المتعلقة بالذات وأهامها الزائفة. وركزوا على اهمية النهج العلمي وضوابطه ونظمه الصارمة. بالرغم من أن البنوية أثارت مسألة عميقة حول المعرفة والعلم, فهي ليست فلسفة بالمعنى الكلاسيكي للكلمة خلافا للوجودية والماركسية. وبحسب تعبير لاكروا فانها "حالة ذهنية مشتركة بشكل عام ومنهج بشكل خاص بين مفكريين متباينين يعيشون في عصر انتهاء الإيديولوجيات وربما النزعة الإنسانية. وفي هذا المعنى فإن أهم سمات الاتجاه الفكري البنيويان تكمن في الانفصال التاريخانية وفلسفات القرن التاسع عشر وفلسفات التاريخ وأفكار التنوير ورفضهم النظر الى الإنسان باعتباره مقياس جميع الاشياء. بالاضافة إلى انهم استبدلوا المفاهيم الذاتية القديمة مثل القلق والحرية بمفاهيم غير ذاتية مثل النسق والدلالة والنموذج والبنية ... الخ. إذن البنوية هي أسلوب في التفكير ينصب على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في شروك الثورة التكنولوجية الحديثة.
إن المبدأ الرئيس الذي يؤسس عليه فوكو منهجه الأركيولوجي يتمثل في رفضه لفكرة الاستمرارية في التاريخ, ويتضح ذلك من خلال نفيه لمفاهيم التراث والتأثير المتبادل, والتطور, وروح العصر,…الخ.
أول قضية يطرحها تتعلق بعلمية التاريخ متبنيا في ذلك نظرية فوكو التي أحدثت ثورة في الكتابة التاريخية. كتابات فوكو تركز على تحديث المجتمعات التقليدية من خلال ربط المعرفة العلمية بالتنظيم الاجتماعي وبالسلطة. قيمة هذا الكتاب كما هو الحال عند فوكو تكمن في فهمه النقدي للأسس التاريخية التي قام عليها الغرب الحديث.
يرفض فوكو ان يكون خطاب العلوم الإنسانية وبالتالي التاريخ على نمط العلوم الطبيعية (كيمياء وفيزياء). لأنه خطاب يصور سهولة فهم وترشيد العالم الاجتماعي التاريخي من خلال القوانين السياسية.
المؤلف يرفض التاريخ باستخدام أل التعريف. لأن هناك تواريخ مختلفة وليس هو التاريخ الكلي للبشرية. التاريخ العربي كان وما زال فكر دولة. شبية بتفكير التاريخيون (كما الماركسيون) الذين أرادوا السيطرة على حرية الفعل والقول.
يقدم هذا الكتاب نقد للاتجاه التجريبي الذين ينتقلون من الوقائع إلى التعميم. لأن وقائع التاريخ لا تشمل كل وقائع الماضي. وبما ان الوقائع لا تتكلم بنفسها فمن المؤكد ان اختيار التحدث عن واقعة بدلا من اخرى لهو أمر مقصود وفقا لحبكة معينة. وبالتالي يصح القول بان التاريخ هو أحجية (Puzzle) ضاعت معظم قطعها, وما وصلنا فهي صورة مبتورة استكملتها حنكة معينة بقطع منتقاة ومعدة سلفا.
ويقول فوكو ان الواقع مفتت تعددي غير متجانس, وبالتالي لا يمكن للتخصص التاريخي ان يصوره كواقع موضوعي واحد. ويضيف بان الذات الفردية خليط من الرغبات والدوافع المتنافرة التي لا تمتلك مبادرة تاريخية.
يقول نيتشة ان التاريخ متأثر بإرادة القوة. لأن الصراعات السياسية والعسكرية والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثورات الاخلاقية ما هي إلا سلسة متعاقبة من أشكال السيطرة. حتى العقلانية العلمية ليست الا صيغة ناجحة للسيطرة على الطبيعة.
الفصل الأخير من هذا الكتاب يوضح العلاقة بين أشكال الخطاب والممارسات الاجتماعية التي تدعم او تناهض سيطرة معينة. يقول فوكو أن التاريخ له شكل علاقات قوة وليس علاقات معنى او لغة كما هو الحال في البنيوية. فلا توجد علاقة قوة دون تأسيس معرفة, وفي نفس الوقت لا توجد معرفة دون افتراض تشكيل علاقة قوة. وبالتالي الحقيقة ليست الا شكلا من إرادة القوة.
ادوارد كارل يقول ان التاريخ ليس موكبا والمؤرخ ليس نسرا يتأمله عن بعد, فهو أحد افراد الموكب ويتغير بتغير الموكب. فالمؤرخ جزء من التاريخ ولن نفهم عمله إلا اذا فهمنا موقعه ووجهة نظره. وبما ان موقعه ليس نقطة ثابتة , فمن الصعب الحصول على موضوعية في العلوم الاجتماعية وفي التاريخ. ولا يكفي تماثل الوقائع الأساسية عند جميع المؤرخين, فهي ليست إلا مواد خام وبعدها تبدأ مشكلة الموضوعية. [10]. وهذا الكتاب يكشف عن وعورة التاريخ ومشاكله الحية.
وتبدأ مقدمة الكتاب بعدة اسئلة مفهمها, ان التاريخ ليس علما ولا يمكن ان التنبؤ بقوانين لمعرفة اتجاهه. وينتقد المؤرخين الذين يعتقدون انهم يسردون قصص واقعية من فعل الإنسان.
وكإجابة على السؤال بأن مهمة التاريخ الحاضر تنحصر في الكشف عن تفسير, يقول بول فين ان التاريخ لا يفسر شيئا, وما يتعلق بما يسمى نظريات التاريخ فينبغي إمعان النظر فيها. ويتابع بان التاريخ ليس له منهج نوعي. ويعتبر الجدال حول علمية التاريخ عقيما.
لأنه لا يكفي ان نكرر بان التاريخ يتحدث عما لا يرى أحد مرتين, وان التاريخ فيض من الصبغة الذاتية واختلاف المنظور, وبأننا نسقط عليه أسئلتنا من وجهة نظر قيمنا الحالية. ولأن الوقائع التاريخية ليست ملموسة, ولأن الإنسان يتفهم نفسه ولكنه لا يجد لنفسه تفسيرا. وبإيجاز المسالة لا تدور حول الخلط بين الوجود والمعرفة. أي بالرغم من ان التاريخ يملك إمكانات للتجدد لا حدود لها, فهو ليس الفيزياء العلمية ولن يكونها ابدا.
وبما ان التاريخ ليس علما ولا يقوم على التفسير وليس لديه منهج, فالسؤال يبقى دائما نفسه: ما هو التاريخ ؟, وما هو عمل المؤرخين ؟.
المؤرخين يروون أحداثا وقعت حقيقة, وفاعلها هو الانسان. ولكن هذه الإجابة بالنسبة لبول فين لا تبدو أنها تجيب على أي شيء.
الحادثة تعتبر كذلك بوصفها جديرة للاهتمام في تفردها. أما إذا استدعت الاهتمام بسبب قابليتها للتكرار فحسب, فهي ليست إلا ذريعة لاكتشاف قانون ما.
التاريخ من حيث الجوهر يستخدم الوثائق, ولكنها لا تكفي في حد ذاتها ان تكون الحدث. فالوثيقة كما يقول جيرار جينيت (G._Gennette) ليست محاكاة mimses بل حكاية diegesis. أي أن التاريخ رواية على لسان المؤلف وليس على لسان الشخصيات اثناء فعل الحدث.
الحدث يتسم بالتغاير والتمايز. ويتصف بالتفرد أي ما لا نراه مرتين. وبالتالي لا يمكن تصنيف الأحداث في أنماط كما في العلوم الطبيعة. أي لا يمكن ان يكون تمايز الثورات والحضارات كما هو الحال في وصف نمط من الحشرات.
وتفرد الحدث ليس فقط تميزها واختلافها من حيث التفاصيل بل حقيقة اللحظة التي تحصل بها.
لان التاريخ لا يعيد نفسه واليوم ليس البارحة. [11]
ويقول بول فين ان التاريخ ليس متماسك , لأنه لا يوجد تسلسل بين الحقب التاريخية المختلفة. فبعضها يمكن ان يكون مليء بالأحداث وأخرى يحدث فيها القليل أو لا شيء (ليس لمن يعيشوها).
ويحدث ان الأحداث العظمى مثل اختراع الآلة البخارية تطغى على الأحداث الصغرى مثل السير الشخصية والأقاصيص. وهكذا لا يبقي للمؤرخ الى خيار التنبؤ بالكثير وتفسير القليل او العكس, أي خيار التنبؤ بالقليل وتفسير الكثير.
وعندما يقال ان بعض الشعوب, البدائية مثلا, بدون تاريخ, فمعنى ذلك ان تاريخها تعرض للتجاهل. وبالتالي كل كتاب في التاريخ هو نسيج من عدم التماسك وحافل بالفجوات. وهذا يشمل ثغرات جزئية مثل ثغرة ان لا نعرف شيء عن التاريخ الاقتصادي للامبراطورية الرومانية.
ويقول بول فين ان التاريخ بلا أحداث, وهذا لأن المؤرخون منحوا لأنفسهم الحق في حرية تمزيق التاريخ الى أحداث سياسية واقتصادية, وعلم اجتماعي , وتاريخ طبيعي ... الخ. وبالتالي فأجزاء التاريخ لا ترتبط فيما بينها بطريقة طبيعية.
وللوقائع حجم مطلق, لأن كل مؤرخ يختار معايير معينة لإعطاء أهمية لواقعة دون أخرى.
ويقول أن للتاريخ حد نهائي, والعناوين الشمولية مثل "مقال في التاريخ العالمي" او "دروس في فلسفة التاريخ" ... , ما هي إلا دراسة في تاريخ لا وجود له.
فلا وجود إلا للتاريخ الجزئي. ولن يكون لأي حدث معنى إلا ضمن سلسلة ما, كما ان عدد السلاسل لامتناه. والأحداث لا تشكل ترتيب هرمي تهيمن فيه المستويات العليا على الدنيا. إن فكرة التاريخ لا يمكن الوصول إليها, وفلسفات التاريخ ليست إلا هراء دون معنى ما لم فلسفة خاصة بمجال جزئي محدد بين مجالات أخرى تشكل تاريخ قومي. [12]
وبسبب تقاطع السلاسل المختلفة في التاريخ فيصبح من الاختلاط والتعقيد بحيث لا يمكن معرفة إلى أي اتجاه يميل, أو إخضاعه لقانون أو غاية تطورية. وإن وجد مثل هذا القانون لن يكون مفتاح كلي. فاكتشاف ان قطارا يتجه نحو مدينة ما, لا يعني تفسير كل ما يحدث للمسافرين داخل القطار.
وللإجابة على السؤال هل التاريخ مقصور على أحداث معينة دون أخرى ؟. يقول بوبر أن التاريخ يمكن ان يفسر كصراع بين الطبقات او بين الجناس بسبب السيادة, أو كتاريخ للتقدم العلمي والصناعي. وكل وجهات النظر هذه جديرة الاهتمام ولا مأخذ عليها بوصفها كذلك. ولكن أنصار المذاهب التاريخي لا يعتبروها وجهات نظر ولا كثرة من التفسيرات, بل مذاهب ونظريات تذهب إلى ان كل التاريخ هو تاريخ للصراع الطبقي ... الخ.
كيف تكون إحدى الوقائع أكثر أهمية من الأخرى ؟. الإجابة على هذا السؤال هي مزدوجة, أولا التاريخ لا يهتم بتفرد كل حدث بقدر اهتمامه بنوعية الأحداث. والوقائع لا توجد بمعزل عن بعضها البعض, ولكن بينها صلات موضوعية. إن اختيار موضوع معين من التاريخ هو اختيار حر ولكن في هذا الموضوع توجد الوقائع الذي لا يمكن تغيرها. فالحقيقة التاريخية ليست نسبية, كما أنها ليست مستحيلة المنال.
الحبكة في التاريخ هي نسيج من الوقائع المتصفة بطابع إنساني شديد البروز والقليل من الطابع العلمي, كما وتختلط فيها الأسباب المادية والغايات والمصادفات. بعبارة موجزة هي شريحة من الحياة يقتطعها المؤرخ حسب اختياره.
ومن المستحيل وصف كلية ما لأن أي وصف هو بطبيعته وصف انتقائي. فالمؤرخ لا يغادر أبدا أحداثة التفصيلية.
الاحداث ليست كليات, فكل منها نواة من العلاقات, أمل الكليات الوحيدة فهي الألفاظ (مثل حرب), وهي أصل الاوهام الثلاثة: - وهم عمق التاريخ؛ - ووهم التاريخ العام؛ - ووهم تجديد موضوع التاريخ. وبما أن حقيقة العالم الدنيوي معقدة, فيمكن الوصول إلي حقائق جزئية. التاريخ العام يمكن ان ينتمي على الأكثر إلى تصنيف الموسوعات.
التفسير يمكن ان يكون يؤخذ بالمعنى القوي: يعني ارجاع الواقعة الى مبدئها او نظرية الى نظرية أعم. أو تؤخذ بالمعنى الضعيف المألوف مثل قولي دعني اشرح لك ما حدث وستفهم. وبما انه لا يوجد تفسير علمي للتاريخ, فالتفسيرات بالمعنى الثاني المألوف هي الشكل الوحيد للتفسير التاريخي.
فالكل منا يعرف ان أنه عندما يقرأ كتاب في التاريخ يحاول ان يفهمه كرواية . وبعبارة الاخرى المؤرخ يجب ان يبسط الحبكة ويجعلها مفهومة وهذا هو التفسير التاريخي (أو التفهم), لانه ينتمي الى هذا الواقع الدنيوي المختلط المتغير وليس علميا على الاطلاق.
البنوية (Structuralism) في الفلسفة تشير إلى تلك الحركة الفلسفية والعلمية والأدبية الناقدة الذي نشأت في فرنسا في الستينات، وامتدت لتشمل الأنثروبولوجيا (علم الانسان)، النقد الأدبي، والتحليل النفسي، ونظرية المعرفة والماركسية ونظريات البنيوية اللغوية.
في النقد الفني والأدبي (طالع دراسات جيرار جينيت [2]) تم تطبيق النظرية البنيوية التي تعتبر العمل قيد الدراسة (نص أدبي، فلم ...) كمجموعة عضوية يمكن تقسيمها إلى عناصر ووحدات, والتي يتم تحديد قيمتها الوظيفية من خلال مجموعة العلاقات التي تربط كل مستوى من العمل مع جميع المستويات الأخرى. [3]
البنوية مشتقة من كلمة بنية, وتشير إلى أن أي ظاهرة إنسانية كانت أم أدبية تشكل بنية. والتي يمكن دراستها من خلال تحليلها الى العناصر المكونة لها بدون الأخذ في الاعتبار عوامل خارجية عنها مثل حياة ومشاعر الكاتب. [4]
البنيوية لا تأخذ في الاعتبار, أو بالأحرى ترفض, مفهوم الحرية والخيار الإنساني, وتركز بدلا من ذلك على الطريقة التي تحدد التجربة والسلوك الإنساني. أول عمل مهم في هذا المجال يعود إلى كلود ليفي ستروس, الذي استخدم التحليل البنوي في الانثروبولوجيا لدراسة اختلافات التشكل الاجتماعي [5]
البنوية مثلت رغبة الإنسان المفكر في الإمساك بوحدة الواقع وضبط أنواعه المختلفة. واعتبرت الوسيلة الوحيدة لتحقيق حلم العقل في معرفة النومينون [6]معرفيا وانطولوجيا. وبالتالي يجب حذف الكوجيتو وبالتالي حذف كل تواصل بين الأنا المعيوشة والموضوع الواقعي. وتلك الفلسفات السابقة التي كانت تتواطأ مع الذات وأوهامها الزائفة.
محتويات
1 التاريخ
2 أبرز الشخصيات
3 الأفكار والمعتقدات
3.1 أركيولوجيا فوكو
3.2 إنكار العلوم الإنسانية
3.3 القطيعة الأبستمولوجية
4 مبادىء عامة
5 الجذور الفكرية والعقائدية
6 خلاصة
7 أزمة المعرفة التاريخية, فوكو وثورة في المنهج - بول فيين
8 مصادر وحواشي
9 وصلات خارجية
2 أبرز الشخصيات
3 الأفكار والمعتقدات
3.1 أركيولوجيا فوكو
3.2 إنكار العلوم الإنسانية
3.3 القطيعة الأبستمولوجية
4 مبادىء عامة
5 الجذور الفكرية والعقائدية
6 خلاصة
7 أزمة المعرفة التاريخية, فوكو وثورة في المنهج - بول فيين
8 مصادر وحواشي
9 وصلات خارجية
التاريخ
ويمكن إرجاع أصول البنيوية إلى أعمال فرديناند دي سوسير في علم اللغة. حتى ذلك الحين، كانت الوجودية حركة فكرية مهيمنة في أوروبا. ظهرت البنيوية في فرنسا وانتشرت في جميع أنحاء العالم.وقد ظهر مصطلح "البنيوية" في أعمال عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي كلود ليفي ستروس. هذا أدى إلى ظهور الحركة البنيوية في فرنسا، وذلك بفضل لويس ألتوسير وجاك لاكان. معظم أعضاء هذه الحركة . لا يعتبروا نفسهم جزء من هذه الحركة المعينة. [7]
أبرز الشخصيات
ومن بين المفكرين الأكثر أهمية المرتبطين بالبنيوية تجدر الإشارة الى اللغوي رومان ياكوبسون (Roman Jakobson)، والأنثروبولوجي كلود ليفي ستروس (Claude Lévi-Strauss)، والمحلل النفسي جاك لاكان (Jacques Lacan)، والفيلسوف والمؤرخ ميشيل فوكو (Michel Foucault)، والفيلسوف الماركسي لويس ألتوسير (Louis Althusser) والناقد الأدبي رولان بارت (Roland Barthes).في مجال علم الاجتماع كلود ليفي شتراوس ولوي التوسير قالا: إن جميع الأبحاث المتعلقة بالمجتمع، مهما اختلفت، تؤدي إلى بنيويات؛ وذلك أن المجموعات الاجتماعية تفرض نفسها من حيث أنها مجموعة وهي منضبطة ذاتياً، وذلك للضوابط المفروضة من قبل الجماعة.
في مجال علم النفس برز كل من ميشيل فوكو وجاك لا كان اللذين وقفا ضد الاتجاه الفردي Test is Contest في مجال الإحساس والإدراك وإن كانت نظرية الصيغة (أو الجشتلت) التي ولدت سنة 1912م تعد الشكل المعبر للبنيوية النفسية.
الأفكار والمعتقدات
أن دراسة أي ظاهرة بنوية يعني تحليلها الى عناصر ووحدات, والاخذ في الاعتبار انها وحدة في حد ذاتها وأن ادراكها لا يتطلب عناصر غريبة عن طبيعتها, مثل حياة الكاتب. وكما يقول البنويين نقطة الارتكاز هو النص the Text is the context.حرص البنيويين على التحرر من أوهام الأيديولوجية وعلى التزام حدود المنهج العلمي ونواظمه وضوابطه هو الذي يكمن وراء إقرارهم بأن البنيوية ليست بمذهب أو دوغما أو فلسفة بأي حال من الأحوال, وحسب تعبير جان لاكروا" هي حالة ذهنية مشتركة بصفة عامة, ومنهجاً بصفة خاصة, بين مفكرين متباينين يعيشون عصر انتهاء الأيديولوجيات, وربما عصر انتهاء النزعة الإنسانية. إن الانفصال عن النزعة الإنسانية وعن التاريخانية وعن كل شوائب الأيديولوجية وأفكار التنوير وفلسفة التاريخ وفلسفات القرن التاسع عشر, أحد أبرز سمات الاتجاه الفكري البنيوي. كما رفض البنيويون النظر إلى الإنسان بوصفه مقياس كل الأشياء - حسب قول بروتاغوراس. بالإضافة إلى ما سبق اجتازت البنيوية المفاهيم القديمة كمفهوم القلق, والحرية, والذاتية, مستبدلة إياها بمفاهيم غير ذاتية كالدلالة, والنموذج, والبنية والنسق…الخ.
حرص البنويين على التحرر من الايدولوجيات والافكار السابقة المتعلقة بالذات وأهامها الزائفة. وركزوا على اهمية النهج العلمي وضوابطه ونظمه الصارمة. بالرغم من أن البنوية أثارت مسألة عميقة حول المعرفة والعلم, فهي ليست فلسفة بالمعنى الكلاسيكي للكلمة خلافا للوجودية والماركسية. وبحسب تعبير لاكروا فانها "حالة ذهنية مشتركة بشكل عام ومنهج بشكل خاص بين مفكريين متباينين يعيشون في عصر انتهاء الإيديولوجيات وربما النزعة الإنسانية. وفي هذا المعنى فإن أهم سمات الاتجاه الفكري البنيويان تكمن في الانفصال التاريخانية وفلسفات القرن التاسع عشر وفلسفات التاريخ وأفكار التنوير ورفضهم النظر الى الإنسان باعتباره مقياس جميع الاشياء. بالاضافة إلى انهم استبدلوا المفاهيم الذاتية القديمة مثل القلق والحرية بمفاهيم غير ذاتية مثل النسق والدلالة والنموذج والبنية ... الخ. إذن البنوية هي أسلوب في التفكير ينصب على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في شروك الثورة التكنولوجية الحديثة.
أركيولوجيا فوكو
لقد استخدم «فوكو» مصطلح الأركيولوجيا بمعنى مجازي، ويقصد به سبر الأعماق من أجل الكشف عن وقائع خفية في ميدان معين؛ لإعادة بناء حقيقة ما. [8] الأركيولوجيا في المحصلة هي عبارة عن دراسة لتاريخ القبليات أو الأوليات اللاذاتية الخاصة بكل عصر. وبغرض تحقيق هذه المهمة جهد فوكو في عزل ووصف النظم المعرفية التي ارتكزت عليها ثلاثة حقب كبرى في تاريخ الفكر الغربي, واتفق على تسميتها بالتتابع: عصر النهضة والعصر الكلاسيكي والحداثة. وبفضل هذا التحليل أعطى فوكو لهذه العصور تحديدات وتعاريف جديدة. لقد رمى من وراء ذلك إلى دراسة أرشيف كل عصر من خلال كشف الحقل الأبستمولوجي الذي كمن وراء تجاربه ومعارفه ومناهجه ومقولاته الرئيسة, إذ أراد أن يستنطق كل عصر بلغته.إنكار العلوم الإنسانية
وطبقاً لفوكو, فإن التحديد الأركيولوجي لعملية ظهور هذه العلوم المزعومة يظهر أنها تستند على عمليات تحول لنماذج مستعارة من العلوم الطبيعية. ويشير فوكو, بهذا الخصوص, الى تنظيم ثلاثي يصور فيه جميع العلوم على شكل هرم رمزي, بعده الأول العلوم الرياضية والفيزيائية, وبعده الثاني علم الأحياء وعلم الاقتصاد, وعلم اللغة, (حسب فوكو هذه العلوم ليست علوماً إنسانية) . بينما البعد الثالث فهو الفكر الفلسفي. ولما كانت العلوم الإنسانية لا تندرج تحت أي بعد من هذه الأبعاد, فإن فوكو لا يعتبرها علوماً على الإطلاق. وبناء على ذلك فقد أنكر فوكو جميع العلوم الإنسانية, بما فيها علم النفس وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا, ولهذا السبب نفسه رفض الخوض في المسائل المنهجية الخاصة بهذه العلوم.القطيعة الأبستمولوجية
السمة الأساسية التي تطبع بطابعها العام بنيوية فوكو وآخرين, تتمثل برفضهم للتاريخ التطوري المتصل والمستمر. حيث فوكو يؤكد على مفاهيم " القطع" و " الفصل" بين المراحل الثابتة, دون الاشارة إلى الفواصل الانتقالية. وكما يقول سارتر, مجموعة من اللقطات أو المشاهد الثابتة عن التاريخ. من هنا فإن التقسيمات أو الحقب الثلاث (عصر النهضة والعصر الكلاسيكي والحداثة) تمثل في نظره الإيقاعات الكبرى في المنظومات الثقافية الأوروبية. ويوضح لنا ذلك بقوله: إن القطيعة لا تعني شيئاً آخر سوى إنه قد يحدث أحياناً أن تكف ثقافة ما عن التفكير, لكي تشرع في التفكير في شيء آخر, وهكذا ينشأ من جديد مجال أبستمولوجي جديد. يعبر عنه فوكو بعبارات " انقلاب حاسم" أو " تغيير جذري".إن المبدأ الرئيس الذي يؤسس عليه فوكو منهجه الأركيولوجي يتمثل في رفضه لفكرة الاستمرارية في التاريخ, ويتضح ذلك من خلال نفيه لمفاهيم التراث والتأثير المتبادل, والتطور, وروح العصر,…الخ.
مبادىء عامة
تتلاقى المواقف البنيوية عند مبادىء عامة مشتركة لدى المفكرين الغربيين، وفي شتى التطبيقات العملية التي قاموا بها، وهي تكاد تندرج في المحصلات التالية:- السعي لحل معضلة التنوع والتشتت بالتوصل إلى ثوابت في كل مؤسسة بشرية.
- القول بأن فكرة الكلية أو المجموع المنتظم هي أساس البنيوية، والمردُّ التي تؤول إليه هو في نتيجتها الأخيرة.
- سارت البنيوية في خط متصاعد منذ نشوئها، وبذل العلماء جهداً كبيراً لاعتمادها أسلوباً في قضايا اللغة، والعلوم الإنسانية والفنون، للوصول إلى المنهج الصحيح المؤدي إلى حقائق ثابتة.
- في مجال النقد الأدبي، فإن النقد البنيوي له اتجاه خاص في دراسة الأثر الأدبي يتخلص: في أن الانفعال والأحكام الوجدانية عاجزة تماماً عن تحقيق ما تنجزه دراسة العناصر الأساسية المكونة لهذا الأثر، لذا يجب أن تفحصه في ذاته، من أجل مضمونه، وسياقه، وترابطه العضوي، فهذا أمرٌ ضروري لا بد من اكتشاف ما فيه من ملامح فنية مستقلة في وجودها عن كل ما يحيط بها من عوامل خارجية.
- إن البنيوية لم تلتزم حدودها، وآنست في نفسها القدرة على حل جميع المعضلات وتحليل كل الظواهر، حسب منهجها، وكان يخيل للبنيويين أن النص لا يحتاج إلا إلى تحليل بنيوي كي تنفتح للناقد كل معانيه المبهمة والمتوارية. في حين أن التحليل البنيوي ليس إلا تحليلاً لمستوى واحد من مستويات تحليل أي بنية رمزية، نصيّة كانت أم غير نصيّة. والأسس الفكرية والعقائدية التي قامت عليها، كلها تعد علوماً مساعدة في تحليل البنية أو الظاهرة الإنسانية.
- لم تهتم البنيوية بالأسس العَقَديَّة والفكرية لأي ظاهرة إنسانية أو أخلاقية أو اجتماعية، ومن هنا يمكن تصنيفها ضمن المناهج الوضعية في البحث
الجذور الفكرية والعقائدية
تعد الفلسفة(*) الوضعية لدى كونت، التي لا تؤمن إلا بالظواهر الحسية – التي تقوم على الوقائع التجريبية. – الأساس الفكري عند البنيوية: فهي تعتقد أن الظاهرة هي بنية منعزلة عن أسبابها وعللها، وعما يحيط بها. وتسعى دائما لتحليلها وتفكيكها إلى عناصرها الأولية، بهدف الفهم والإدراك. ومن هنا كانت أحكامها شكلية كما يقول نقادوها.خلاصة
البنيوية هي منهج فكري نقدي يذهب للقول بأن كل ظاهرة إنسانية أم أدبية تشكل بنية، لا يمكن دراستها إلا بعد تحليلها إلى عناصرها المؤلفة منها، ويتم ذلك دون تدخل فكر المحلل أو عقيدته الخاصة ونقطة الارتكاز في هذا المنهج هي الوثيقة، فالبنية، لا الإطار، هي محل الدراسة، والبنية تكفي بذاتها ولا يتطلب إدراكها اللجوء إلى أي عنصر من العناصر الغريبة عنها، وفي مجال النقد الأدبي، فإن الانفعال أو الأحكام الوجدانية عاجزة عن تحقيق ما تنجزه دراسة العناصر الأساسية المكونة لهذا الأثر، ولذا يجب فحصه في ذاته من أجل مضمونه وسياقه وترابطه العضوي. وبهذا البنيوية تجد أساسها في الفلسفة الوضعية لدى كونت، وهي فلسفة لا تؤمن إلا بالظواهر الحسية.أزمة المعرفة التاريخية, فوكو وثورة في المنهج - بول فيين
هذا الكتاب [9] يعرض لنا إشكاليات عن المعرفة التاريخية من خلال إجابات ذات نزعة وضعية.أول قضية يطرحها تتعلق بعلمية التاريخ متبنيا في ذلك نظرية فوكو التي أحدثت ثورة في الكتابة التاريخية. كتابات فوكو تركز على تحديث المجتمعات التقليدية من خلال ربط المعرفة العلمية بالتنظيم الاجتماعي وبالسلطة. قيمة هذا الكتاب كما هو الحال عند فوكو تكمن في فهمه النقدي للأسس التاريخية التي قام عليها الغرب الحديث.
يرفض فوكو ان يكون خطاب العلوم الإنسانية وبالتالي التاريخ على نمط العلوم الطبيعية (كيمياء وفيزياء). لأنه خطاب يصور سهولة فهم وترشيد العالم الاجتماعي التاريخي من خلال القوانين السياسية.
المؤلف يرفض التاريخ باستخدام أل التعريف. لأن هناك تواريخ مختلفة وليس هو التاريخ الكلي للبشرية. التاريخ العربي كان وما زال فكر دولة. شبية بتفكير التاريخيون (كما الماركسيون) الذين أرادوا السيطرة على حرية الفعل والقول.
يقدم هذا الكتاب نقد للاتجاه التجريبي الذين ينتقلون من الوقائع إلى التعميم. لأن وقائع التاريخ لا تشمل كل وقائع الماضي. وبما ان الوقائع لا تتكلم بنفسها فمن المؤكد ان اختيار التحدث عن واقعة بدلا من اخرى لهو أمر مقصود وفقا لحبكة معينة. وبالتالي يصح القول بان التاريخ هو أحجية (Puzzle) ضاعت معظم قطعها, وما وصلنا فهي صورة مبتورة استكملتها حنكة معينة بقطع منتقاة ومعدة سلفا.
ويقول فوكو ان الواقع مفتت تعددي غير متجانس, وبالتالي لا يمكن للتخصص التاريخي ان يصوره كواقع موضوعي واحد. ويضيف بان الذات الفردية خليط من الرغبات والدوافع المتنافرة التي لا تمتلك مبادرة تاريخية.
يقول نيتشة ان التاريخ متأثر بإرادة القوة. لأن الصراعات السياسية والعسكرية والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثورات الاخلاقية ما هي إلا سلسة متعاقبة من أشكال السيطرة. حتى العقلانية العلمية ليست الا صيغة ناجحة للسيطرة على الطبيعة.
الفصل الأخير من هذا الكتاب يوضح العلاقة بين أشكال الخطاب والممارسات الاجتماعية التي تدعم او تناهض سيطرة معينة. يقول فوكو أن التاريخ له شكل علاقات قوة وليس علاقات معنى او لغة كما هو الحال في البنيوية. فلا توجد علاقة قوة دون تأسيس معرفة, وفي نفس الوقت لا توجد معرفة دون افتراض تشكيل علاقة قوة. وبالتالي الحقيقة ليست الا شكلا من إرادة القوة.
ادوارد كارل يقول ان التاريخ ليس موكبا والمؤرخ ليس نسرا يتأمله عن بعد, فهو أحد افراد الموكب ويتغير بتغير الموكب. فالمؤرخ جزء من التاريخ ولن نفهم عمله إلا اذا فهمنا موقعه ووجهة نظره. وبما ان موقعه ليس نقطة ثابتة , فمن الصعب الحصول على موضوعية في العلوم الاجتماعية وفي التاريخ. ولا يكفي تماثل الوقائع الأساسية عند جميع المؤرخين, فهي ليست إلا مواد خام وبعدها تبدأ مشكلة الموضوعية. [10]. وهذا الكتاب يكشف عن وعورة التاريخ ومشاكله الحية.
وتبدأ مقدمة الكتاب بعدة اسئلة مفهمها, ان التاريخ ليس علما ولا يمكن ان التنبؤ بقوانين لمعرفة اتجاهه. وينتقد المؤرخين الذين يعتقدون انهم يسردون قصص واقعية من فعل الإنسان.
وكإجابة على السؤال بأن مهمة التاريخ الحاضر تنحصر في الكشف عن تفسير, يقول بول فين ان التاريخ لا يفسر شيئا, وما يتعلق بما يسمى نظريات التاريخ فينبغي إمعان النظر فيها. ويتابع بان التاريخ ليس له منهج نوعي. ويعتبر الجدال حول علمية التاريخ عقيما.
لأنه لا يكفي ان نكرر بان التاريخ يتحدث عما لا يرى أحد مرتين, وان التاريخ فيض من الصبغة الذاتية واختلاف المنظور, وبأننا نسقط عليه أسئلتنا من وجهة نظر قيمنا الحالية. ولأن الوقائع التاريخية ليست ملموسة, ولأن الإنسان يتفهم نفسه ولكنه لا يجد لنفسه تفسيرا. وبإيجاز المسالة لا تدور حول الخلط بين الوجود والمعرفة. أي بالرغم من ان التاريخ يملك إمكانات للتجدد لا حدود لها, فهو ليس الفيزياء العلمية ولن يكونها ابدا.
وبما ان التاريخ ليس علما ولا يقوم على التفسير وليس لديه منهج, فالسؤال يبقى دائما نفسه: ما هو التاريخ ؟, وما هو عمل المؤرخين ؟.
المؤرخين يروون أحداثا وقعت حقيقة, وفاعلها هو الانسان. ولكن هذه الإجابة بالنسبة لبول فين لا تبدو أنها تجيب على أي شيء.
الحادثة تعتبر كذلك بوصفها جديرة للاهتمام في تفردها. أما إذا استدعت الاهتمام بسبب قابليتها للتكرار فحسب, فهي ليست إلا ذريعة لاكتشاف قانون ما.
التاريخ من حيث الجوهر يستخدم الوثائق, ولكنها لا تكفي في حد ذاتها ان تكون الحدث. فالوثيقة كما يقول جيرار جينيت (G._Gennette) ليست محاكاة mimses بل حكاية diegesis. أي أن التاريخ رواية على لسان المؤلف وليس على لسان الشخصيات اثناء فعل الحدث.
الحدث يتسم بالتغاير والتمايز. ويتصف بالتفرد أي ما لا نراه مرتين. وبالتالي لا يمكن تصنيف الأحداث في أنماط كما في العلوم الطبيعة. أي لا يمكن ان يكون تمايز الثورات والحضارات كما هو الحال في وصف نمط من الحشرات.
وتفرد الحدث ليس فقط تميزها واختلافها من حيث التفاصيل بل حقيقة اللحظة التي تحصل بها.
لان التاريخ لا يعيد نفسه واليوم ليس البارحة. [11]
ويقول بول فين ان التاريخ ليس متماسك , لأنه لا يوجد تسلسل بين الحقب التاريخية المختلفة. فبعضها يمكن ان يكون مليء بالأحداث وأخرى يحدث فيها القليل أو لا شيء (ليس لمن يعيشوها).
ويحدث ان الأحداث العظمى مثل اختراع الآلة البخارية تطغى على الأحداث الصغرى مثل السير الشخصية والأقاصيص. وهكذا لا يبقي للمؤرخ الى خيار التنبؤ بالكثير وتفسير القليل او العكس, أي خيار التنبؤ بالقليل وتفسير الكثير.
وعندما يقال ان بعض الشعوب, البدائية مثلا, بدون تاريخ, فمعنى ذلك ان تاريخها تعرض للتجاهل. وبالتالي كل كتاب في التاريخ هو نسيج من عدم التماسك وحافل بالفجوات. وهذا يشمل ثغرات جزئية مثل ثغرة ان لا نعرف شيء عن التاريخ الاقتصادي للامبراطورية الرومانية.
ويقول بول فين ان التاريخ بلا أحداث, وهذا لأن المؤرخون منحوا لأنفسهم الحق في حرية تمزيق التاريخ الى أحداث سياسية واقتصادية, وعلم اجتماعي , وتاريخ طبيعي ... الخ. وبالتالي فأجزاء التاريخ لا ترتبط فيما بينها بطريقة طبيعية.
وللوقائع حجم مطلق, لأن كل مؤرخ يختار معايير معينة لإعطاء أهمية لواقعة دون أخرى.
ويقول أن للتاريخ حد نهائي, والعناوين الشمولية مثل "مقال في التاريخ العالمي" او "دروس في فلسفة التاريخ" ... , ما هي إلا دراسة في تاريخ لا وجود له.
فلا وجود إلا للتاريخ الجزئي. ولن يكون لأي حدث معنى إلا ضمن سلسلة ما, كما ان عدد السلاسل لامتناه. والأحداث لا تشكل ترتيب هرمي تهيمن فيه المستويات العليا على الدنيا. إن فكرة التاريخ لا يمكن الوصول إليها, وفلسفات التاريخ ليست إلا هراء دون معنى ما لم فلسفة خاصة بمجال جزئي محدد بين مجالات أخرى تشكل تاريخ قومي. [12]
وبسبب تقاطع السلاسل المختلفة في التاريخ فيصبح من الاختلاط والتعقيد بحيث لا يمكن معرفة إلى أي اتجاه يميل, أو إخضاعه لقانون أو غاية تطورية. وإن وجد مثل هذا القانون لن يكون مفتاح كلي. فاكتشاف ان قطارا يتجه نحو مدينة ما, لا يعني تفسير كل ما يحدث للمسافرين داخل القطار.
وللإجابة على السؤال هل التاريخ مقصور على أحداث معينة دون أخرى ؟. يقول بوبر أن التاريخ يمكن ان يفسر كصراع بين الطبقات او بين الجناس بسبب السيادة, أو كتاريخ للتقدم العلمي والصناعي. وكل وجهات النظر هذه جديرة الاهتمام ولا مأخذ عليها بوصفها كذلك. ولكن أنصار المذاهب التاريخي لا يعتبروها وجهات نظر ولا كثرة من التفسيرات, بل مذاهب ونظريات تذهب إلى ان كل التاريخ هو تاريخ للصراع الطبقي ... الخ.
كيف تكون إحدى الوقائع أكثر أهمية من الأخرى ؟. الإجابة على هذا السؤال هي مزدوجة, أولا التاريخ لا يهتم بتفرد كل حدث بقدر اهتمامه بنوعية الأحداث. والوقائع لا توجد بمعزل عن بعضها البعض, ولكن بينها صلات موضوعية. إن اختيار موضوع معين من التاريخ هو اختيار حر ولكن في هذا الموضوع توجد الوقائع الذي لا يمكن تغيرها. فالحقيقة التاريخية ليست نسبية, كما أنها ليست مستحيلة المنال.
الحبكة في التاريخ هي نسيج من الوقائع المتصفة بطابع إنساني شديد البروز والقليل من الطابع العلمي, كما وتختلط فيها الأسباب المادية والغايات والمصادفات. بعبارة موجزة هي شريحة من الحياة يقتطعها المؤرخ حسب اختياره.
ومن المستحيل وصف كلية ما لأن أي وصف هو بطبيعته وصف انتقائي. فالمؤرخ لا يغادر أبدا أحداثة التفصيلية.
الاحداث ليست كليات, فكل منها نواة من العلاقات, أمل الكليات الوحيدة فهي الألفاظ (مثل حرب), وهي أصل الاوهام الثلاثة: - وهم عمق التاريخ؛ - ووهم التاريخ العام؛ - ووهم تجديد موضوع التاريخ. وبما أن حقيقة العالم الدنيوي معقدة, فيمكن الوصول إلي حقائق جزئية. التاريخ العام يمكن ان ينتمي على الأكثر إلى تصنيف الموسوعات.
التفسير يمكن ان يكون يؤخذ بالمعنى القوي: يعني ارجاع الواقعة الى مبدئها او نظرية الى نظرية أعم. أو تؤخذ بالمعنى الضعيف المألوف مثل قولي دعني اشرح لك ما حدث وستفهم. وبما انه لا يوجد تفسير علمي للتاريخ, فالتفسيرات بالمعنى الثاني المألوف هي الشكل الوحيد للتفسير التاريخي.
فالكل منا يعرف ان أنه عندما يقرأ كتاب في التاريخ يحاول ان يفهمه كرواية . وبعبارة الاخرى المؤرخ يجب ان يبسط الحبكة ويجعلها مفهومة وهذا هو التفسير التاريخي (أو التفهم), لانه ينتمي الى هذا الواقع الدنيوي المختلط المتغير وليس علميا على الاطلاق.
مصادر وحواشي
- ^ البنية والبنيوية د. سربست نبي
- ^ فهو ناقد أدبي فرنسي كبير تخصص في دراسات السرد، ومن أهم كتبه المترجمة إلى العربية:خطاب الحكاية؛ العودة إلى خطاب الحكاية؛ مدخل إلى النص الجامع
- ^ من ويكيبيديا الايطالية
- ^ البنيويــة. إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
- ^ من ويكيبيديا الايطالية
- ^ في الاستخدام الفلسفي، النومينون noumenon هو الشيء بذاته (بالإنكليزية : thing in itself) وهو ما يمثل الحقيقة الأساسية للشيء الذي يكمن وراء الظواهر العارضة.
- ^ Strutturalismo (filosofia). Da Wikipedia, l'enciclopedia libera.
- ^ ميشيل فوكو وتأسيس سوسيولوجيا الجسد/ حسني إبراهيم عبد العظيم
- ^ أزمة المعرفة التاريخية - فوكو وثورة في المنهج. تأليف: بول فيين تاريخ النشر: 01/01/1993. ترجمة: ابراهيم فتحي. الناشر: دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع
- ^ المرجع السابق ص 16
- ^ المصدر السابق ص. 33
- ^ المصدر السابق ص. 51
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق