مستخدم:Hasanisawi/فلسفة الفهم الممكن/هابرماس

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
يورغن هابرماس ، فيلسوف وعالم اجتماع ألماني ويعتبر من الجيل الثاني لمدرسة فرانكفورت (المدرسة الفلسفية الماركسية التي ينتمي إليها أدورنو ، هوركهايمر و ماركوز) وهو مؤسس "نظرية الفعل التواصلي". حاول هابرماس تطوير نظرية شاملة للفعل الاجتماعي ، في جوانبه البينذاتية والهيكلية والتطورية. بالإضافة إلى مراجع عديدة فلسفية وسوسيولوجية ونفسية. فالمراجع السوسيولوجية الاكثر تأثيرا في تفكير هابرماس هي "نظرية الفعل الاجتماعي" ل ماكس فيبر(Weber)، و"نظرية التفاعل الرمزي" ل ميد (Mead)، و"علم الاجتماع الظواهري" ل شوتس (Schütz)، و"الوظيفية و الاثنوميتودلوجيا" ل جارفينكل(Garfinkel). الفعل عند هابرماس يأتي من حيث التفاعل الذي يقوم على التواصل اللغوي؛ ومن هنا الاهتمام بالأنماط العالمية للفعل التي تؤسس التواصل اللغوي بوصفه مجموعة من القول والفعل ( المسلمات الواقعية) [1]. تجدر الإشارة ، مع ذلك ، الى الطابع المزدوج للتواصل. إذا تم توجيه التواصل إلى إنتاج معتقدات تهدف إلى تحقيق توافق للآراء ضد السلطة، فاستيعاب الأشكال الأيديولوجية المشفرة يؤدي بالشخص الى اشكال من التواصل مشوهة . ومع ذلك ، في إطار العلاقة التواصلية التي فيها يجب ان تكون الافتراضات العامة ضمنية بالحقيقة التي, إذا كانت صريحة ، تسمح بالتمييز بين ما هو اصيل وما هو مشوهة من التواصل. وبالتالي إمكانية الفعل التواصلي تكون موجهة للفهم، بدلا من الفعل الموجه نحو النجاح وتحقيق المصالح. [2]
في اطار تشخيصه للنظام الرأسمالي, وجد هابرماس انه يقوم على مجموعة من العلاقات بين كيانات اجتماعية كالاسرة والدولة, ولكي تضمن هذه الاخيرة استمراريتها تسعى لجلب الموارد من خلال فرض الضرائب على افراد المجتمع. ولكن تأثير النظام الصناعي يحول العمال الى بروليتاريا . وهذا ما نبه اليه ماركس في اطار مفهوم الاستلاب. وبما ان هذا المفهوم يؤدي الى انفصام بين النظام والعالم المعيش, وما يتبعه من تشيء لاشكال الحياة, فالماركسية طرحت حلا ثوريا يتجاوز النظام لاعادة السيرورة الاقتصادية والاجتماعية. أما هابرماس فيقول انه يجب انشاء علاقة تبادلية بين النظام-المجسد في الدولة بوصفها تابعة لسيادة الشعب- وبين الواقع المعيش-اي الثقافة والافكار والتراث. ومن اجل ذلك لا بد من تجاوز الرقابة التي يمارسها النظام من خلال تحقيق التواصل والتفاهم بين النظام والواقع المعيش في اطار ما يسميه هابرماس "الفضاء العام".
هابرماس مقتنع بضرورة حل ازمة الشرعية في المجتمعات الغربية الحالية -التي تسيطر عليها الرأسمالية المتقدمة- من خلال الفعل التواصلي. الذي يمثل اداة مفيدة للفاعلين الاجتماعيين ليصلوا فيما بينهم الى اتفاق حول الاجراءات والقواعد التي يعترفون بانها ملزمة لحياتهم.
التواصل اصبح علما بفضل هابرماس, الذي استفاد من نتائج العلوم الاجتماعية السابقة التي ركزت على الفردية. السؤال الرئيسي الذي شغل تفكير هابرماس هو كيف يمكن الوصول الى تحقيق الاندماج الاجتماعي, او كيف يكون الاندماج الاجتماعي ممكنا ؟. هابرماس لم يتناول التواصل كموضوع فلسفي محض, بل كموضوع سوسيولوجي بوصفه فعلا اجتماعيا ليس له صلة كلية بالوعي. وفي هذا الصدد يقول هابرماس: الانتقال من الفعل الغائي الى الفعل التواصلي بدأ مع جيل المؤسسين لسوشولوجيا الحديثة مثل ماكس فيبر.
خلال الثمانينات، بدءا من الإمكانات التي يوفرها المفهوم اللغوي والتواصلي من نوع معين من العمل الاجتماعي, هابرماس بنظريته الاجتماعية المعقدة، يضمن احتمالية الاندماج (او التكامل الاجتماعي ) بين جميع الأطراف الفاعلة من حيث انه يمكنها أن تقترح، وتجادل وترى قيمها ومعاييرها الاجتماعية معترف بها.
الفعل التواصلي ، هو العمل الاجتماعي الذي يجعل من الممكن نموذج الديمقراطية التشاورية ، لأنه يتميز ويتجاوز نموذج ماكس فيبر لأنه يجعل الاتفاق البينذاتي ممكن. من المفترض انه في اللحظة التي يحصل فيها التواصل اللغوي, الفاعلين يتوجهوا الى الاتفاق على الاقل في الفهم المتبادل بما قالوا؛ ولذلك يتوفر الهيكل الادنى من العقلانية. وباستخدام هذا الهيكل, الجهات الفاعلة يمكنها ان تجادل وتشرح وتقترح وتقاسم المعتقدات المشتركة. امكانية فهم ما يقصده كل طرف بفعله و / أو خطة عمله, تكون مضمونة من خلال الشروح والتأكيدات المقدمة من كل طرف ، والتي يجب أن تكون قابلة للتحقق ، وبالتالي يكون هناك علاقة ثقة بين مختلف الجهات الفاعلة. وكما أكد الفيلسوف نفسه في نظريته التواصلية: مفهوم الفعل التواصلي يتباين في جانبين:
  • الجانب الغائي في تحقيق الاهداف (او في تنفيذ خطة عمل)
  • الجانب التواصلي في تفسير الحالة والوصول الى اتفاق
في الفعل التواصلي المشاركين يتابعون خططتهم المشتركة على أساس وجود تعريف مشترك للحالة. اذا تعريف مشترك للحالة يجب ان يكون متفق عليه اولا , او اذا فشلت المحاولات في اطار هذا التعريف, فتحصيل التوافق , الذي يمثل عادة شرط الوصول الى تحقيق الهدف, يمكن ان يصبح هو نفسه الهدف. نجاح المحقق من خلال الفعل الغائي والتوافق الناتج خلال التفاهم يمثلان في كل حالة معايير نجاح أو فشل السيطرة على الحالات. الحالة تمثل جزء من عالم حيوي محدودة بموضوع. نشوء موضوع ما يكون في اتصال مع مصالح و أهداف عمل واحد على الأقل من المشاركين ؛ الذي يحدد نطاق أهمية مكونات الحالة المرجحة للموضعة ومن ثم يركز عليها من خلال الخطط التي المشاركين يدركونها على اساس تعريفاتهم للحالة وحيث يحققون أهدافهم. تأسيس الفعل الموجه للاتفاق، هو الشرط الذي من خلاله المشاركين ينفذون خطط اتفاقهم المتبادل في حالة من الإجراءات وحيث يحاولون تجنب خطرين :
  • خطر فشل الاتفاق، ثم الخلاف أو سوء الفهم،
  • ومخاطر فشل خطة العمل. تجنب أول شرط ضروري لتفادي الأخير. لا يمكن المشاركين تحقيق أهدافهم إذا لم يكونوا قادرين على تغطية حاجة التفاهم اللازمة ل إمكانية العمل في الحالة.
"ان نشاط التفاهم المتبادل يخضع لشرط اساس به يحقق المعنيون مشروعا لا تفاقهم المشترك...فهم يسعون لتفادي خطرين : يتمثل اولهما في فشل التفاهم المتبادل و سوء الفهم؛ بينما يتمثل الثاني في فشل مشروع الفعل و الاخفاق التام. فتنحية الخطر الاول شرط لابد منه لتلافي الثاني.[3]

محتويات

     1 العناصر الاساسية لفكر هابرماس
    2 ما هو الفعل التواصلي عند هابرماس ؟
    3 ما هو دور الفلسفة عند هابرماس ؟
        3.1 مهام الفلسفة عند هابرماس
            3.1.1 مهام التداوليةعند هابرماس
        3.2 قواعد النظرية الحجاجية
    4 مصادر

العناصر الاساسية لفكر هابرماس

  • ربط النظرية بالممارسة.
  • النظرية النقدية
هابرماس تبنى النظرية النقدية الفرانكفورتية واغاد بنائها. مدرسة فرامكفورت نقدت الفلسفة الوضعية والعلموية وتأثيرهما السلبي على ما يسمى بالعقل الانواري, وتبريرهما الايدولوجي لسيطرة العقلانية الرأسمالية وبالتالي زيادة مردودية رأس المال.
  • مفهوم الفضاء العمومي, دائرة التوسط بين المجتمع المدني والدولة. أي الفضاء المفتوح الذي يجمع المواطنين لصياغة راء مشتركة حول قيم وغايات المجتمع. وبالتالي فهو مفتاح الممارسة الديمقراطية عند هابرمس. والجدير بالذكر ان كانط هو من اخترع مفهوم الفراغ العام. [4]
اذا كان ماكس هوركهايمر من ابرز مفكري الاربعينيات ففي الخمسينيات والستينيات ظهر أدورنو (1903_1969) الى الواجهة. حتى تلك الحقبة قام نقد المجتمع على اعتبار ان تقدم العقل سيتحقق في الاشتراكية، التي ارتبطت بطبقة اجتماعية لتجسد حلم البشرية في التحرر وتغيير النظام القائم. كتاب هوركهيمر وأدرنو «جدلية التنوير» مثل نقطة تحول بارزة في حياة مدرسة فرانفكورت.
فلسفة كانط الاخلاقية كانت تقول بأن شعور الانسان بواجبه صادر من اخلاقية فطرية، أما هابرماس فحاول ايجاد بديل لذلك قائلا أن معيارية القوانين لاتستند إلى وازع أخلاقي، وانما يجب أن تكون عقلنة للإرادة الانسانية في عالم يلفها بالتعقيد وسيطرة الأنساق ، وفقط بفضل العقلنة اللغوية في تعابيرنا وسيادة العقل النقدي يمكن ان نطمح الى الكونية على اساس تداولي قابل للتعميم.
اراد هابرماس البحث عن حل عقلاني للتقنية التي اطبقت على العالم المعيش واستفردت به من جميع الجهات، فهو يقر بأننا نعيش في عصر الرأسمالية المتقدمة والقائمة على التقنية، لا بل ان شرعيتها مستمدة منها. ويقول هابرماس ان ماركس هو أكبر داعية للتقنية، لكن إذا كان ماركس قد ناصر التقنية كوسيلة لتحرير الانسان من الامراض وجبروت الطبيعة ... الخ، فإنه قد أشار إلى الأخطار التي تحدق بالطبيعة من جراء الاستغلال المفرط لمواردها.
يفهم هابرماس العمل ك « نشاط عقلاني موجه لهدف وغاية « وهو ينقسم بدوره إلى نوعين :
  • فعل أداتي خاضع لقواعد تقانية
  • واختيار عقلاني ينتظم وفقاً لستراتيجيات قائمة على معرفة تحليلية.
ويشخص هابرماس الحداثة الاوروبية في ضوء ماكس فيبر بأنها عقلانية أداتية، ولخصها تحت مفهوم العقلنة والعقلانية التي تجلت في البحث عن الربح والسيطرة المنظمة على كل جوانب الحياة الانسانية على أساس قواعد قللت من الاعتماد على القيم التقليدية المتوارثة. هابرماس قدم رؤية لفهم العالم المعاصر من خلال التعريف الجديد الذي يراه منشطراً إلى عالمين:
  • الاول يخص العالم المعيش الذي تقوم بنياته على اللغة والتواصل ،
  • والثاني يخص عالم الانساق الذي يخضع بالاساس للعقلنة الحسابية التي تتميز بالوظيفة والأداتية والفعالية. وهذه الفجوة تقسمه إلى شطرين:
    • عالم الأنساق
    • والعالم المعيشي فاللغة تلعب دور التواصل في العالم المعيشي, والنسق مجال العقلنة الحسابية والأداتية المحيطة به .
اللغة كالأرض تشخيص لمأوى الوجود وعلى الرغم من أنها كانت دائما وسيطا رمزيا بامتياز لا يمكنها التنسيق بين جميع الافعال الانسانية لذلك حلت محلها الانساق في العديد من مناحي الحياة.
ويرى هابرماس ان هذه الانساق تمتاز بديناميكية انغلاق على نفسها لكل منها عالمها الخاص : فالسلطة تحدد شروط ممارستها والنقود تحدد قسم العملة بطريقة محض ذاتية.
ويضيف هابرماس أن معيارية الانساق مغلقة وغالباً ماتستعمل رموزاً مزدوجة ومصطلحات تُحددُ بها من ينتمي إلى النسق ومن لاينتمي إليه . فنسقية القانون مثلاً تمر عبر رمز مزدوج : قانوني/ غير قانوني ( وماعدا ذلك فهو خارج عن النسق وغير معترف به).. هابرماس يعبر عن نفسه بمقتضى مبدأ خطابي يقوم على البرهنة ولا يضفي الشرعية على المعايير التي تثير قبول وتوافق جميع المعنيين بها .. فهابرماس يتصور اجراءات تكوين الإرادة العامة كشبكة من البراهين والحجج المتمايزة التي تتبارى فيما بينها حول الاخلاق والسياسة والاقتصاد. غير انها تتضمن ايضا إجراءات منصفة للتفاوض حول تسوية. ان دور فلسفة التواصل النقدي يكمن وصفها الاندماج الحي بين التفكير الفلسفي وعلم الاجتماع في نقد الديمقراطية التمثيلية ومحاولة تحرير مجال الاتصال الانساني من قبضة العقل الأداتي والتشيؤ والاغتراب والسلعية بالعودة إلى الحداثة ذاتها ، وتحريره من الذاتية والنزعة العلموية. [5]

ما هو الفعل التواصلي عند هابرماس ؟

يعرف هابرماس الافعال التواصلية بتلك الافعال التي فاعليها لا يبتغون منها مصالح سياسية بل التفاهم.[6]. ولا تفاهم بدون لغة, التي هي عامل مهم لفهم علاقات التواصل داخل المجتمع. الفعل التواصلي يتميز عن غيره بانه يتم من خلال البحث عن طريقة للتفاهم بين الفاعلين بدون قصر او اكراه. وخلافا لذلك يفشل التواصل, اي اذا طرف منهما اثر على الاخر . التفاهم يتبع الاتفاق والتأثير بالاكراه يتبع الهيمنة. ويطلق على الاتفاق مصطلح الاجماع. الذي بدونه يفشل الفعل التواصلي. ولذلك فهناك شروط للمجادلة هدفها الوصول الى تفاهم كامل.

ما هو دور الفلسفة عند هابرماس ؟

ما دور الفلسفة بعد انهيار الايدولوجيات والفلسفات الكبرى, وسيطرة الرأسمالية المتقدمة على الارض والعقل ؟.
انتقد هابرماس الميتافيزيقيا التي سادت في الفلسفة الالمانية لعدة عقود. وفي المقابل تعلم من استاذه ادورنو انه على الفلسفة ان تمتنع من التامل في معرفة المطلق. ومن المفروض ان تصبح بمثابة ابحاث جماعية.
انتقد العقلانية المطلقة التي تدعي انها وحدها تسعى الى امتلاك الحقيقة , واراد بدلا منها عقلانية نقدية تواصلية مندمجة في العالم المعيش. ولتوسيع هذه العقلانية الجديدة انتقد الاتجاهات الوضعية المعجبة بالعلم الى حد تقديسه, وما تبعها من تسيس للعلم والتقنية وعلمنة السياسة والاقتصاد, وتهميش الفضاء العمومي لصالح قرارات الخبراء والتكنوقراط.[7] وبما انه من الضروري ان تنقد الفلسفة ايدولوجية العلم وتحرر الفضاء العام. فإن مستقبلها -كما يرى هابرماس خلافا ل غادمير- يصبح مرهونا بالممارسة السياسية. [8] ويؤكد هابرماس ان العلوم الانسانية ليست علوم دقيقة كما يريدها الوضعيون, بل خصوصيتها تبعدها عن تطرف العلوم الوضعية. فعلى الفلسفة التصدي لكل هيمنة لعلم وتقنية تعمل على تشيء الانسان وتحيله الى سلعة.
نظرية التواصل عند هابرماس بنيت على مواقف جديدة لا ترى فيها الفلسفة مهيمنة العلوم الاخرى, بل انها تلعب دورا نقديا بناء ضمن العلوم الانسانية. ولذلك فقد ابتعد هابرماس عن فلسفة الوعي الكانطية والهيجلية. [9]
تخلي الفلسفة المعاصرة عن إدعاءات : الشمولية (هيجل)، والتأسيسية (كانط)، وتغيير العالم (ماركس)، والقدرية (هيدجر) والقدرة على إدراك الحقيقة لوحدها، اعطاها الوعي بذاتها لتعرف وتتعرف على حجمها في الفضاء العمومي الحديث. الفلسفة , كما العلم, لم تتوقف عن الانشغال بقضايا الحقيقة, ولكن ما يميزها عن العلم، هو أنها تحافظ على علاقة داخلية مع الحق، والأخلاق، والفن وتدرس المسائل المعيارية والتقويمية من وجهة نظر خاصة بها. فبدخولها أيضا في منطق قضايا العدالة والذوق واحترامها للمعنى الخاص بالأحاسيس الأخلاقية والتجارب الجمالية، تحتفظ بهذه القدرة الوحيدة للانتقال من خطاب لآخر وتجري ترجمات من لغة لأخرى ". [10]

مهام الفلسفة عند هابرماس

يقول هابرماس ان الفلسفة مطالبة بالقيام بالمهام التالية :
  • 1- النضال من داخل العلوم من اجل تطوير استراتيجية نظرية اكثر صلابة لمواجهة التجريبية والاستقرائية
  • 2- مقاومة كل اشكال التطرف سواء الفلسفات المطلقة او النزعات الموضوعية. وبشكل عام مقاومة كل استقلالية ايدولوجية وهمية.
  • 3- الكشف الفكر الشمولية الذي يهدف الى معرف الموضوعية
مثلا معرفة المبادئ التي تحكم الممارسة العقلية للحياة, التي هي غير قابلة للشرعنة بل قابلة للتبرير فقط.
يميز هابرماس بين الشرعنة legittimazione التي تسري في المنظومات الايدولوجية, وبين التبرير الذي يأتي من المبادئ الاخلاقية المستنبطة من الثوابت الانتروبولوجية.
هابرماس يهتم بالمعايير الاخلاقية في المجتمع وكيفية تاسيسيها على الحوار والمناقشة. وبالتالي الكشف عن المساهمة التي يمكن أن تقدمها اللغة في عقلنة المجتمع. لأن اللغة من أهم مكونات الحياة الاجتماعية ولها ارتباط بالفعل الانساني.
من خلال الوظائف النقدية للفلسفة فانها تساهم بجانب العلم الى تطوير المجتمع. فالفلسفة ليست وعي زائف بل بحكم خاصيتها النقدية ترفض كل اشكال الدوغمائية, بما في ذلك تلك الماركسية. وهذا ما ابعده عن جيل مدرسة فرانكفورت وخصوصا العلاقة بمنطلقات الماركسية.
ولكن النظرية التواصلية التي يطورها هابرماس هي جزء من النظرية النقدية للمجتمع. فالفلسفة في رؤيتها النقدية، تساهم إلى جانب العلم والمعارف الأخرى في إعادة بناء العلاقات الاجتماعية. [11]
لم يعد للفلسفة التي تدعي الشمولية والتأسيس, بل يجب ان تتحرر من عقالها الميتافيزيقي وتطلق الى الفضاء العام, لتندمج في المسائل الاجتماعية: كالديموقراطية واخلاقيات الحوار وحقوق الانسان ونبذ العنف. وفي المقابل في كتابه "ما بعد ماركس", اراد اعادة البناء النقدي للمادية التاريخية: كما التراث النقدي لمدرسة فرانكفورت ومراجعه الماركسية, وعصر الانوار... . وفي هذا الصدد تساءل هابرماس كيف يكون الفعل الاجتماعي ممكنا ؟. وهنا يقول ان منطق العقلانيةالاجتماعية يتجلى في اللغة اليومية التي هي عماد كل تفاعل اجتماعي. ولذلك فقد اهتم هابرماس بمبحث التداول واللغة التي تجلت واضحة في كتابه المعرفة والمصلحة. وبالتزامن انتقل هابرماس من فلسفة المعرفة الكلاسيكية الى فلسفة التواصل. وبماان هذه مبنية على مبدأ البينذاتية-حيث اللغة من اهم مكوناتها- فعملية الانتقال تتم بتجاوز فلسفة الذات والوعي. فالمذهب الذي يقترحه هابرماس هو عقلاني نواصلي يقوم على اخضاع العلاقة البينذاتية: اجتماعية واقتصادية وسياسية, من خلال ضبط اخلاقيات الحوار والنقاش بوصفها مدخلا لكل تعاقد اجتماعي يحتكم اليه الجميع. لذا وبعيدا عن استحضار العقل الخالص, فكل عقل هو عقل بينذاتي: حصيلة التفاعل بين الذوات.
بسبب الدور الذي لعبته الاتجاهات التحليلية في الفلسفة, وبسبب ما اتت به النظرية التداولية -طالع مساهمات اوستين- التي اهتمت بالشروط خارج لغوية المتعلقة بالسياق ومقاصد المتكلمين ..., فهابرماس مدين لهذا المبحث في تحوله الى فلسفة التواصل.

مهام التداوليةعند هابرماس

وبما ان مشروع هابرماس يرمي الى بناء عقلانية تواصلية, فالشروط التي تضمن التفاهم تصبح ذات اهمية اساسية. فمهام التداولية عند هابرماس, هي:
  • وصف الاشياء بواسطة اللغة (عفوا, ولكن ما هوالخيارات الاخرى ؟)
  • التعبير عن مقاصد المتكلم (؟)
  • تأسيس علاقات بيذاتية بين المتحاورين
وفي كتابه منطق العلوم الاجتماعي يقول هابرماس ان العملية الخوارية يجب ان تقوم بدون ضغط او اكراه. "يتعين على كل متكلم ان يختار تعبيرا مفهوما واضحا لكي يتمكن المستمع من فهمه، اذ يجب على المتكلم ان يكون لديه قصد في تبليغ مضمون حقيقي لكي يتمكن المستمع من مشاطرته معرفته، كما عليه ايضا ان يفصح عن مقاصده لكي يتمكن المستمع من تصديق اقواله. و أخيرا يتعين على المتكلم اختيار عبارات صحيحة تلتزم حدود المعايير و المقاييس الجارية لكي يتمكن المستمع من قبول تلك العبارات ، بكيفية تجعل المتكلم والمستمع في وضعية تؤهلهما للاتفاق"
ويقول هابرماس انه ما دام الفعل التواصلي موجها نحو التفاهم، فان الفعل الكلامي ينبغي الحكم عليه باعتباره حكما مقبولا في حالة التفاهم. [12]

قواعد النظرية الحجاجية

معايير اخلاقيات النقاش هي ما تضمن التوازن الدولي وتدعم تنمية المجتمعات. وهذه المعايير القواعد يجب ان تكون مشروطة باجماع الكل ويلتزم بها المتحاورون. والقواعد التي اقترحها هابرماس هي التالية:
  • لكل من هو قادر على الكلام والفعل نصيب كامل في النقاش
  • لكل الحق في اثارة اي اعتراض والحق في الاعتقاد بأي رأي والتعبير عنها
  • لا يحق منع اي من المتحاورين من النقاش او استعمال اسلوب الاكراه عليهم
اخلاقيات النقاش عند هابرماس مرتبطة بمعايير لفعل التواصلي . وهذا لا يتم الا من خلال الدولة الدستورية. حيث المواطنين من خلالا سياسة تشاورية يصلوا الى تأسيس معايير ترضي الجميع. فالمعاييرليست قرارات شخصية بل تعتمد على امكانية تبريرها تبريا عقليا اعتمادا على عملية حوارية حجاجية. [13] فخلافا للتمييز بين العقل النظري والعقل العمليو هابرماس يعمد الى دمجهما. لأن صلاحية المعايير الاخلاقية يحكمها تصور عملي متعلق بممارسة النقاش والحجاج.
وما يهم هابرماس هو سن معايير كونية لحل المشكلات وتعميق ثقافةالسلام. فأخلاقيات النقاش هي اخلاقيات المسؤولية لحل مشكلات البشرية : كالبيئة والتلوث والانحباس الحراري ... .

مصادر

  1. ^ يصر هابرماس على احترام المتلفظين لـمبادئ يسميها مسلمات في كل علاقة تواصلية، وهي أربعة :-المعقولية: إنتاج خطاب تتوافر فيه الصحة التركيبية وتحترم فيه المعايير اللسانية.- الحقيقة: أي في المقال سيكون القول عن وقائع حقيقية غير مستوحاة من الخيال. -المصداقية: باعتبارها وظيفة لإقامة علاقة مستقيمة ما بين الأشخاص، ويتكفل هذا الادعاء بموضع تطابق الفعل اللغوي مع مقتضيات مخطط معياري سابق معترف به من طرف المجتمع/ حسن مصدق، النظرية النقدية التواصلية. ص:146
  2. ^ sapere.it/La teoria dell'agire comunicativo
  3. ^ مقالة: فلسفة التواصل عند هابرماس/د. سالم يفوت/جامعة محمد الخامس
  4. ^ كتاب النظرية النقدية التواصلية تأليف: حسن مصدق 2005/الناشر: المركز الثقافي العربي/
  5. ^ مقالة: النظرية النقدية التواصلية.. يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت/ مازن لطيف علي
  6. ^ Teoria dell'agire comunicativo 2. Critica della ragione funzionalistica / [trad. di Paola Rinaudo] Autore: Jürgen Habermas/ 1997
  7. ^ Profili politico-filosofici/ Jurgen Habermas/Ceppa Leonardo/2000/Editore:Guerini e associati
  8. ^ مقالة:د. Mohamed Lachhab/دور الفلسفة في براديغم التواصل لدى هابرماس/
  9. ^ مقالة: فلسفة التواصل عند هابرماس/د. سالم يفوت/جامعة محمد الخامس
  10. ^ مقالة:د. Mohamed Lachhab/دور الفلسفة في براديغم التواصل لدى هابرماس/
  11. ^ مقالة:د. Mohamed Lachhab/دور الفلسفة في براديغم التواصل لدى هابرماس/
  12. ^ Gabriele Bonazzi, Logica delle scienze sociali, Il Mulino, Bologna 1970. Enzo Melandri, 1980
  13. ^ Jürgen Habermas /Verità e giustificazione Saggi filosofici trad. di /M. Carpitella Edizione2001