مستخدم:Hasanisawi/المراقبة والمعاقبة

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
«اتوقف هنا في هذا الكتاب الذي يجب أن يكون بمثابة خلفية تاريخية لمختلف الدراسات عن سلطة التطبيع وتشكيل المعرفة في المجتمع الحديث» –  ميشيل فوكو، المراقبة والمعاقبة
لا افهم كيف ان الكثيرون رأوا ويرون اشياء العالم محكومة من الصدفة او من القدر, ولا يستطيعوا بحكمتهم ان يصححوا او يأتوا بأي حل. صحيح ان الحظ يحكم نصف افعالنا ولكن على الاقل الحكمة تحكم النصف الاخر. ميكيافيلي [1]
من خلال قراءة كتاب المراقبة والمعاقبة [2] يظهر ان الفلسفة هي اقدر العلوم على تقديم المعرفة , لانها تتجاوز مجرد وصف الوقائع الى دمج الوقائع التاريخية في سياق من واقعية الفكر او فكر الواقعية دون اي احتواء ايدولوجي ولا تأطير مشغول بتماسكه الخاص عن تماسك الموضوع وقراءته.
يتفحص فوكو آليات النظرية والاجتماعية الكامنة وراء التغيرات الهائلة التي حدثت في نظم العدالة الجنائية في الحضارة الغربية في العصر الحديث. ويركز بشكل رئيسي على الوثائق التاريخية في فرنسا، ولكن الحجج المنزوعة منها تجعلها ذات أهمية كبرى لجميع المجتمعات. [3]
ربما اليوم نخجل من سجوننا , اما القرن 19 فكان فخورا بها, يبنيها على حدود المدن وفي قلبها, يتغنى بهذه اللطافة الجديدة التي حلت محل منصات المشانق, ويتباهى بعدم معاقبة الاجساد, وبالطريقه الجديدة في اصلاح النفوس. انها جدران وقفول التقدم الاجتماعي. فمن يسرق كان يسجن وكذلك من يغتصب ومن يقتل كان يسجن. فمن اين اتى هذا المشروع العجيب, هل هو مشروع الحبس من اجل التقويم ؟, او بالاحرى تكنولوجيا جديدة: انجاز كامل بالإجراءات التي هدفها تطويق ومراقبة وتقويم الافراد وجعلهم طيعين ومفيدين. الاجراءات الرقابية المختلفة والمتعددة من اجل اخضاع الاجساد, من اجل تطويع البشر والتحكم بقواها. كل هذا تطور عبر العصور الكلاسيكية في المستشفى والمدرسة والسجن. لقد اخترع القرن الثامن عشر الحريات , ولكنه اعطاها ارصيه قوية: المجتمع الانضباطي الذي هو مجتمعنا.
فوكو يقوض الفكرة المقبولة على نطاق واسع، أن السجن أصبح شكلا رئيسيا من أشكال العقاب نتيجة للقضايا الإنسانية التي ينادي بها الاصلاحيون، رغم ذلك، فهو لم يدعم حتى الرأي المعاكس. ويصل فوكو الى هذه النتائج السلبية من خلال التعقب الدقيق للتغييرات الثقافية التي أدت إلى هيمنة السجن، وركز الاهتمام على الجسد وحاجات السلطة. السجن هو الشكل المستخدم من قبل "الانضباط"، من سلطة تكنولوجية جديدة، منتشرة حتى في المدارس، والمستشفيات، والثكنات ... الخ. ويمكن تصنيف الأفكار الرئيسية للمراقبة والمعاقبة في أربعة أجزاء التي يتشكل منها الكتاب:
  • التعذيب
  • والعقاب
  • والانضباط
  • والسجن.

محتويات

     1 -
    2 فصول الكتاب
    3 التعذيب
    4 العقاب
        4.1 "لغة" جديدة للمعاقبة
    5 انضباط
    6 السجن
    7 مؤسسة الانسان الانضباطي
        7.1 لماذا فشلت مؤسسة السجن ؟
    8 مصادر وحواشي
    9 طالع ايضا
    10 جمل مفتاحية

-

ولكن بعد منتصف القرن 19 اصبحت اشكال تطبيق العقوبات محتشمة, فقد منع المساس بالجسد. وحتى وان قيل بعد ذلك ان اشكال العقاب الحديثة هي مساس بالجسد مثل الافامة الجبرية والإبعاد والسجن ... . ولكن هذه العلاقة بين القصاص والجسد لم تعد مباشرة كما كانت عليه في الماضي, بل اصبح فيها الجسد بمثابة وسيط. وبما ان هدف العقاب اصبح اكثر علوا بما كان عليه في الماضي, فقد حل محل الجلاد جيش من التقنين والمراقبون والاطباء والنفسانيون التربويون ... ,
وما يستحق التفكير هنا هو ان يكون هناك طبيب يسهر على راحة المحكوم عليه بالإعدام, ويتولى مهمة رعايته ومن ثم عند لحظة التنفيذ يضربه ابرة مهدئة قبل ان يحرموه من الحياة, ويحرموه من كل شيء, وبالرغم من ذلك المهم عدم تعريضه للالم.[4]

فصول الكتاب

الجزء الأول: العذاب
  • أولا: جسم المدان
  • ثانيا: روعة التعذيب
الجزء الثاني العقوبة
  • أولا: العقاب المعمم
  • ثانيا: حلاوة الألم
الجزء الثالث الانضباط
  • اولا: الاجسام المنصاعة
    • فن التقسيمات الفرعية
    • مراقبة النشاطات
    • تنظيم نشأة
    • تكوين القوات
  • ثانيا: وسائل التدريب الجيد
    • المراقبة الهرمية
    • الجزاء للتطبيع
    • الفحص
  • ثالثا: بانوبتيكون
الجزء الرابع: السجن
  • اولا" مؤسسات كاملة وصارمة
  • ثانيا:المخالفات والانحراف
  • ثالثا: السجن

التعذيب

فوكو يبدأ الكتاب من خلال اظهار التناقض بين شكلين من أشكال العقاب:
  • التعذيب العلني، عنيف وفوضوي، ويأخذ كمثال تعذيب روبرت فرانسوا Damiens، الذي حكم عليه بالسجن لمحاولة قتل الملك في نهاية القرن الثامن عشر.
  • البرمجة اليومية للسجناء في بداية القرن التاسع عشر.
هذه الأمثلة تصور بوضوح التغييرات الكبيرة التي حدثت في أقل من قرن من الزمان في النظم العقابية الغربية. والمؤلف يحث القارئ على ان يتساءل عن الاسباب التي أدت الى مثل هذا التحول الجذري.
الإجابة تم العثور عليها في محاولة تعذيب علني في نفس العام. ويقول إن هذا النوع من العرض كان يمثل نوعا من الساحة المسرحية, التي كان لها وظائف وتأثيرات مختلفة (مرغوبة او غير مرغوبة) للمجتمع.
وهذه الوظائف هي:
  • تعكس أعمال عنف الجريمة الاصلية على جسم المدان،
  • بمثابة تحذير للجميع؛
  • تنفيذ انتقام السيادة - التي تأثرت من الجريمة (حتى لو كان ضمنيا فقط، باستثناء محاولة قتل الملك) - على جسد الجاني.
حجة فوكو هي انه كان ينظر إلى القانون على انه امتدادا لجسد الملك، لذلك كان من المنطقي أن الانتقام يتجسد تماما في الانتهاك الجسدي للجاني.
وكان هناك بعض "الآثار الغير مرغوبة بها, وهي:
  • توفير لجسد المحكوم عليه مسرح لتلقي التعاطف والإعجاب.
  • تحويل جسم المدان الى موقع للصراع بين الجماهير والسيادة. ويشير المؤلف في هذا الصدد أن عمليات الإعدام غالبا ما تؤدي إلى أعمال شغب دعما للمحكوم عليه.
لذا، يخلص فوكو، الى ان الجزاء العلني في نهاية المطاف يأتي بنتائج عكسية وغير اقتصادي. وعلاوة على ذلك كان يتم تطبيقه بشكل غير متساو، وغير منطقي وتقريبا عشوائي. ويترتب على ذلك ان تكلفته السياسية كانت مرتفعة. وفي الواقع كان ضد مصالح الدولة الحديثة: النظام والتعميم.

العقاب

التحول إلى السجن لم يكن فوري. بل تدريجي. بل ما سبق السجن تاريخيا هو العرض العلني للمحكومين المقيدون بالسلاسل وهم يقومون بالاعمال الشاقة. العقوبة أصبحت "لطيفة"، ولكن ليس لأسباب إنسانية، حسب رأي فوكو. الذي يقول أن الإصلاحيين كانوا غير راضين عن عنف السيادة الغير متكافئ والغير عادل بالنسبة لجسد المدان, ويجب استخدام عقلانية للاستفادة من كل هذا في "عملية الإنتاج". فهذا كان مصدر قلق كبير الإصلاحيين اكثر مما هي نزعة إنسانية.
خارج التوجه نحو العقاب المعمم، تم انتاج الكثير من مسارح" العقوبة المصغرة حيث يتم عرض اجساد المدانين في امكنة مراقبة. وحيث يتم اجبار السجناء على القيام باعمال شاقة تعكس جرائمهم، وبالتالي تعويض المجتمع عما اقترفوه من انحراف. وهذه الطريقة تسمح للجمهور بمشاهدة معاقبة اجساد السجناء، ولكن هذه التجارب دامت أقل من عشرين عاما.
يقول فوكو أن هذا النوع من العقاب هو اول مرحلة للابتعاد عن القوة السيادية المفرطة، والاتجاه نحو آليات للعقاب أكثر عمومية وسيطرة. ومع ذلك، يشير إلى أن التغيير التالي نحو السجن كان نتيجة "تقنية" جديدة وأنطولوجيا هادفة للجسد. والتي يتم تطويرها في القرن الثامن عشر: تكنولوجيا الانضباط وأنطولوجيا الانسان كآلة ".
على مستوى اجتماعي وسياسي, ويبدو أن المؤلف يشير علنا الى الرأي القائل بأن إصلاح العدالة الجنائية (المعاصر تقريبا للثورة الفرنسية) يخدم مصالح الطبقة البرجوازية التي - وليس بالصدفة- تؤكد وعلى نحو متزايد دورها المهيمن في ذلك الوقت. هل هناك طريقة مختلفة لقمع بقوة المخالفات الغير شرعية تجاه الممتلكات, (وخاصة في الطبقات المهمشة مثل والسرقة والسطو والقتل), بالنسبة لنوع من التسامح تجاه المخالفات الحقوقية (وخاصة في الطبقة البرجوازية، مثل والفساد والغش والاحتيال وما شابه ذلك):
"يجب علينا تصور نظام العدالة جنائية كآلية لإدارة المخالفات بطرق مختلفة وليست طريقة لقمعها كلها". [5]

"لغة" جديدة للمعاقبة

في الصفحات من 102 الى 110، يقول المؤلف "الوصايا العشر" ("تقنية-سيميائية" أو "تقنية العلامات العقابية" التي من خلالها الإصلاحيون يحاولون التأثير بطريقة شاملة على السلوكيات الاجتماعية) للسياسة الجنائية، والمثيرة للاهتمام بسبب أهميتها الواضحة حتى في السياق المعاصر:
  • قاعدة كمية الحد الأدنى. وبما ان العقاب يجب أن يكون لها أثر وقائي، فمن المناسب أن يكون العقاب مضر سلبا بالجاني بمقدار اكبر بقليل بالنسبة للفائدة التي قد تعود على الجاني في حاله تنفيذه للجريمة.
  • قاعدة التمجيد الكافي. وفقا للأفكار جديدة، لم يعد مناسبا الاصرار على طريقة التعذيب، لأنه من الأفضل عرض فكرة الالم (كصورة ذهنية)، بدلا من تجسيدها ماديا على جسم المدان.
  • قاعدة الآثار الجانبية. نتيجة العقوبة هي "الوقاية العامة" وخصوصا بالنسبة لأولئك الذين لم يرتكبوا الجريمة (المفارقة هي في ان نقول - اذا كنا على يقين من أن الجاني لن يقع مرة اخرى في سلوكه السلبي - سيكون كافيا لاقناع الآخرون أنه قد عوقب بالفعل، وأن العقوبة الفعلية لم تعد ضرورية).
  • قاعدة اليقين الكامل. هذا ما يسميه المحامون "يقين العقاب": من يخطئ، يجب أن يعرف مقدما أنه سوف يعاقب بالتأكيد، ولهذا الغرض يجب ألغاء احتمالية العفو السيادي التقليدي.
  • قاعدة الحقيقة العامة. التخلي عن الأدلة الجنائية، ورفض التعذيب، وباختصار، هناك الحاجة إلى برهان منطقي على وجود خطأ مشابه هيكليا لمنهجية البرهان الرياضي.
  • قاعدة المواصفات المثلى. "ضرورة وجود قانون وافي وصريح، لتحديد الجريمة، وتحديد العقوبة."

انضباط

وفقا لفوكو، ظهور وثبات السجن كشكل من أشكال العقاب المعمم لأي نوع من انواع الجريمة هو ثمرة تطور الانضباط التي حدث في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ويهدف المؤلف الى تحليل تلك الأشكال المتطورة من الانضباط، والمتعلقة بالجوانب الأكثر دقة وتفصبل بالنسبة لجسم كل شخص. فإنه يشير أيضا إلى فكرة أن الانضباط خلق اقتصاد جديد وسياسة جديدة للجسد. المؤسسات الحديثة طلبت بفردنة الاجساد وفقا لأغراضها، وأيضا للتدريب والمراقبة والتحكم. لذا، كما يقول، لقد خلق الانضباط شكلا جديدا من الفردانية للاجساد، والذي يسمح لها بأداء الواجب بأشكاله الحديثة المختلفة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
هذا لانضباط الفرداني يبني للاجساد أربع خصائص تعكس الفردانية , وهي:
  • خلوية - تحدد التوزيع المكاني من للاجساد؛
  • عضوية - من خلال ترميز الأنشطة في تعليمات مفصلة لمتابعتها، وكلها مرتبطة ببعضها البعض.
  • وراثية - يتحكم بالتطور الزمني للاجساد؛
  • اندماجي - يعمل على ان تكون القوة المندجمة من عدة اجساد, قوة جماهيرية.
يقترح فوكو أن هذا التفرد يمكن أن يكون متكامل في نظم مساواة رسمية، ولكنهم يستخدمون الانضباط , لبناء علاقات قوة غير متكافئة: "تاريخيا، العملية المقنعة التي جعلت البرجوازية أثناء القرن الثامن عشر تصبح طبقة مسيطرة سياسيا تأتي من خلال إنشاء إطار قانوني صريح ، ومشفر ورسميا مساواتي، والذي سمح به النظام التمثيلي البرلماني. ولكن تطوير وتعميم آليات الانضباط تشكل الجانب الآخر - المظلم- لهذه العمليات. الشكل القانوني العام الذي يكفل نظام من الحقوق والمساواة من حيث المبدأ كان مدعوما من هذه الآليات المادية اليومية الصغيرة،،، ومن قبل جميع أنظمة السلطات الصغرى - التي في الأساس لم تكن متساوية وغير متكافئة - التي نسميها التخصصات. [6]
وفقا للمؤلف، الانضباط يخلق "اجساد سهلة الانقياد"، مثالية لمتطلبات العصر الحديث من حيث الاقتصاد والسياسة والحرب - اجساد وظيفية في المصنع، في الجيش , في الصفوف الدراسية. ولكن، لبناء الاجساد سهلة الانقياد, يجب على المؤسسات التي تعزز الانضباط ان تعمل ما يلي:
  • ملاحظة وتسجيل الاجساد المراقبة.
  • ضمان استيعاب الاجساد المراقبة للفردانية التأديبية.
وهذا يعني ان على الانضباط مراعاة قواعد عدم استخدام العنف باللجوء الى عمليات الرصد دقيق، التي بفضلها تتشكل الاجساد بالشكل الصحيح. ويترتب على ذلك الحاجة الى شكل مميز من أشكال المؤسسة، التي - وفقا ل- فوكو تتمثل جيدا في ال بانوبتيكون الذي صممه جيرمي بنثام .
كان ال بانوبتيكون يمثل التجسيد الكلي لمؤسسة الانضباط الحديثة. والذي سمح بعملية مراقبة مستمرة تتميز في طريقة تصميم المبنى , حيث السجين لا يستطيع معرفة ما اذا كان مراقب او لا. هذه الطريقة، تؤدي الى استيعاب الفردانية التأديبية، والجسد المنصاع المطلوب للسجناء. هذا يعني أن هناك إغراءات اقل لتجاوز القوانين والقواعد إذا كنت تعتقد أنك مراقب، حتى وإن لم يكن في تلك اللحظة أي مراقب. ولذلك، فإن السجن، وخاصة إذا اتبع نموذج ال بانوبتيكون، يقدم صورة مثالية عن العقاب الحديث. وفقا لفوكو، وهذا هو السبب في أن العقاب المعمم، "لطيف"، وجنازير الاعمال الشاقة افسحت له المجال. السجن هو التحديث المثالي للعقاب، وبالتالي كان من الطبيعي أن يسود على المدى الطويل.
قدم فوكو البرهان المنطقي لانتصار السجن على الأشكال الأخرى من العقاب، ويكرس بقية الكتاب لدراسة دقيقة لوظيفة السجن في المجتمع الغربي، ليعري أسباب استمرار اللجوء إليه، ولتحليل الآثار المفترضة من هذا الاستخدام.

السجن

في دراسة بناء السجن كوسيلة مركزية للعقوبة الجنائية، فوكو يخلق نوعا من الإطار لفكرة أن السجن أصبحت جزءا من نظام اوسع للسجون"، اي انه أصبح مؤسسة سيادية - مهيمنة - في المجتمع الحديث. السجن هو جزء من شبكة واسعة، تشمل المدارس، والمؤسسات العسكرية، والمستشفيات والمصانع، والتي تمثل المجتمع البانوبتيكوي لأعضائها. النظام ينشئ "مهن انضباطية" [7] لمن يوافق على ان يبقى في السكة الصحيحة التي خصصوها له.
تشغيل مثل هذا النظام يتطلب رضى السلطة العلمية في الطب وعلم النفس وعلم الجريمة. ومهم أيضا المبدأ الأساسي في أن النظام "لا يمكن أن يستغني عن إنتاج المنحرفين" [8]. يتم انتاج الجريمة، عندما يحدث ان الجريمة الاجتماعية الصغرى (مثل سرقة الأخشاب من بيت الامين العام) لم يعد ممكن السكوت عليها، فتقوم السلطة بخلق فئة من "المجرمين المتخصصين " ليتصرفون كوكلاء للشرطة لمراقبة المجتمع.

مؤسسة الانسان الانضباطي

كيف يمكن للفكر ان يكتشف ترميز الواقع ويفككه بطريقة يصبح فيها هذا الترميز هو الواقع يجب على جميع السياقات المعرفية التي تتدارس حقيقة الاجرام- مثل سوسيولوجيا الاجرام وسيكولوجيا الاجرام والسياسة والاقتصاد – ان تعيد فهمها لفهمها الخاص. وربما هذه هي مهمة الابستمولوجيا التي قصرت مساحاتها على دراسة العلوم الطبيعية فقط. ويجعل فوكو الابستمولوجيا علما دلاليا وليس تقيميا. الفلسفة عند فوكو تتخلى عن مواقعها التقليدية وتنزل الى الشارع والمستشفيات والسجون والى وثائق المحاكم والبلديات ومهجورات المكتبات العامة والخاصة, لأن الموضوع ليس بعثا للتاريخ الرسمي ولكن في جعل التاريخ يفشي اسراره. ولمعرفة مواقعية السلطة والمعرفة لا يكفي التأمل النظري بل يجب التوغل في واقع الصفر والهامشية. ولعمل ذلك يجب اهمال المنهجيات السابقة التصنيفية, ورفض توزيع الادوار والولوج الى صميم الحادثة. فنحن ليسوا بصدد تعريف المجرم او خطاب المحاكم او مراحل تطور العقوبة, بقدر الاجابة على السؤال الجوهري: ماذا تعني المراقبة والمعاقبة ؟. ربط هاذين الملفوظين هو الذي يؤدي الى ضبطهما معا عبر الممارسات الفعلية. وعندئذ تبدأ دلالات الخطابات عن القانون والجريمة ..., تأخذ مواقعيتها بالنسبة للسلطة والمعرفة. فوكو لا يشرح طريقته في التفكيك بل يجعل القارئ يتورط في هذه العملية. مثلا ليس من السهل القول ان المجتمع الحديث هو اقل نزعة رقابية وعقابية من عصر التنوير. لأنه ليس هناك خط تطوري صاعد. وهل الانسان الغربي استطاع ان يحدث تغيرات نوعية في شبكيات السلطة-المعرفة. فقد تستطيع الملاحظة العلمية تقديم معارف ولكن التعاطي مع الممارسات اليومية يصطدم بما هو جاهز او مقلوب, دائري او متعرج. فالتفكيك عند فوكو لا يمكن تعريفه بسهولة من خلال وصفات ابستمولوجية معهودة لأن المفهمة (الصياغة المفاهيمية) الابستمولوجية مندمجة مع العرض الادبي.
مدخل الكتاب يعرض لوحة التعذيب ليس بهدف استعراض العضلات في الوصف, بل يجسد منهجية فوكو الجينالوجية, وهي لا تكمن في القبض على افكار مجسدة, بل في رسم وتصوير الافكار وهي تشتغل. وشغلها ليس ترميز لما هو مخفي ورائها بل هو حيزها بالذات. فحين نبحث عن شغل الفكرة ينبغي الالتقاء بأشيائها وإحداثياتها الهندسية. واهم شيء يدب على الارض هو جسد الانسان , ودراسة ما يقع عليه من ممارسات هو موضوع الفلسفة في هذا العصر. وها هو فوكو يكتب تاريخ عن الجسد وعن الاقتصاد السياسي للجسد. واكتشاف هذا التاريخ يحدد الحداثة الحقيقة (اوالحداثة البعدية). والاهم هو اكتشاف الجسد الاخر المنزاح الى المعزل , الى المصح العقلي, الى العيادة, الى السجن. فأحيانا لكي يمكن الاستدلال على كلام الكيان العقلي القائم, لا بد من استنطاق مضاداته.
جسد الانسان هو المكان الوحيد التي تتقاطع فيه ومن حوله العلوم والممارسات كلها. تاريخ الجسد يمكنان يع بين ايدينا اركيولجيا المنشأة المزدوجة والمتلازمة للسلطة والمعرفة. فمن مرحلة الجسد باعتباره قوة انتاج الى الجسد المسيس والمنضبط اقتصادي واجتماعيا, يبرز على هامشه الجسد المعذب والمريض والمجنون والمسجون. انها نماذج مضادة. وهذه هي التي تكشف عن تمفصلية مؤسسة الجسد المنضبط. جسد داميان سيبقى الدليل على الجسد الاخر الانضباطي, حتى عندما انتقل من التعذيب المباشر العلني الى التعذيب الناعم, الموجهة الى روح الجسد. ولكن في هذه الحالة يتم اخفاءه خلف جدران السجن. فالجسد الفالت سيظل دليل على مؤسسات الجسد المنضبط. من التعذيب المعلن بكل الادوات الى التعذيب المستجد الناعم, الذي تتعاون فيه المجتمعات الانضباطية المعقلنة. فإحلال الجسد المنضبط محل جسد داميان في مرحلة الاصلاحات الدستورية والقانونية بعد الثورةالفرنسية, اعلن دخول المجتمع بكامله الى شبكة الانضباط بكل مؤسساته ونشاطاته. وهي ما وصفها فوكو المستوى الميكروفيزيائي لانتشار الانضباط في كافة الفعاليات. الانضباط يعني السيطرة على فعالية الجسد الانفرادي والاجتماعي وفقا لعلم تشريح سياسي لتوزيع القوى وعلاقاتها بين الافراد والجماعات, وفي تنظيم الزمن وفي استعياب الاخطاء الاخلاقية والانحرافية والجرائم ودمجها في وظيفة التأهيل العام. فلا يمكن فهم جاهزية السلطة الشاملة الا بتشفيف هيكليات السلطات الصغرى. الجسد الانبضاطي هو ميزة الجسد الكلياني , والمجتمع الانضباطي مرادف للجتمع الحدثاوي. وهذا ليس تفريغ لشبكات سلطة واحدة بل يقوم على تنويع السلطات. مثلا الشرطة تمثل جهاز الرفابة المباشر للدولة , ولكنها تمارس سلطة خاصة. والسجن ايا له مؤسسته المستقلة. ولذلك فالسلطة موضعية ولكنها في نفس الوقت منتشرة. فليس هناك هرمية واحدة للدولة بل هرميات سلطوية كثيرة لدى كل منها شغلها الخاص المتميز. وحتى نفهم موضعة السجن بالنسبة للقانون, يستخدم فوكو تحليل سيميولوجي: القانون يظل ذات دلالة نصية, اما دلالية السجن فهي بصرية, ويتمتع بخاصية يسميها فوكو بانوبتيكية, التي تأتي من شكل السجن الذي صممه بنتام. حيث يوجد برج مركزي للمراقبة وزنزنات من حوله, ولا يمكن للمساجين معرفة ما اذا كانوا مراقبين او لا. أي ان السجن نظام بصري قبل ان يكون صورة حجرية. بينما القانون نظام لغوي وهذا هو الفرق بينهما. الجنالوجية لا تعطي الاولية لاي منهما, وتحرص على تجاورهما. ولكن المواقعية لا تبقى في الاشياء والمؤسسات بل تدخل النص ايضا. اي ان امكنة المؤسسات الانبضاطية, مثل المستشفى والمدرسة والسجن والثكنة, ليست ابنية حيادية, بل انها مشغولة بالمرئي والملفوظ معا. كلها مراكز تدريب وتأهيل وتنميط الجسد وتستخدم احدث العلوم الطبية والنفسية والقانونية والاجتماعية والتربوية, ولكن تبقى مستقلة في كيفية انتاج الجسد المنمط حسب كل نوع من هذه الابنية. فالهندسة ليست علما ريايا خالصا ولا فنا مجردا, ولكنها معارف موظفة في خدمة مفاهيم الانبضاط, وحسب الضفاء المسموح به لكل فرد, في ظل حداثة القرنين الماضيين وعقليتها الكليانية, فقد ترجمت العقلانية كممارسة انضباطية, وانصبت على الجسد باعتباره الوحدة المادية للبنيان الاجتماعي الذي يجب تشغيله كآلة للانتاج. فالمدرسة يجب ان تنتج الجسد المنضبط سلوكيا وعقليا لاعداده لوظائف المستقبل.وكذلك الثكنة لانتاج العسكري القوي والانضباطي. فليس صدفة ان تنمو الامكنة الانضباطية في الوقت الذي يتحول فيه مفهوم العقاب من الانتقام الى الاصلاح. ولكن مؤسسة السجن من عزل واصلاح ظلت تنمو بنفس وتيرة المجتمع الصناعي, لا بل انها تجاوزته نحو مرحلة الجريمة المنظمة التي تخترق العالم المعصر كله. ص.37 وفي حين بنتام كان يدعو بعدم الاغلاق على مؤسسات انضباطية محددة: كالثكنة والمدرسة والسجن ... ,وجعلها تنتقل في كل مكان لخلق المجتمع الانباطي, الا ان هذا تحقق تلقائيا, عندما امتدت شبكيات الانضباط لتشمل كل شيء. واصبح هاجس التنظيم هو التبرير لكل اساليب الاخضاع والاشراف والاصلاح التأهيل. وكلها كلمات تنتمي الى سيميولوجيا تلطيفة, ولكن مدلولاتها تصب حول ممارسة معالجة سلوكيات الافراد والجماعات ابتدأ من عمليات تنميط الجسد وتأهيله في سلسلة من المؤسسات. ويسلط الكتاب الضوء على شبكة من علاقات القوى بين الافراد, حيث كل فرد يصبح رقيب على ذاته وعلى الاخرين. فالاخلاق اندمجت في الآلة الانضباطية لكبرى, وهذا افاد بعض القوى للانقضاض على منافسيها, في نوع من حرب غير معلنة بين الجميع. وفيها يتم تهميش الكثير من الافراد

لماذا فشلت مؤسسة السجن ؟

ميز فوكو منذ البداية بين القانون والمؤسسة العقابية. ففي حينان القانون ينظر الى المجرم باعتباره منحرفا مريا او خاطئا- اي بدلا منعقابع يجب اصلاحه وتأهيله- بقي السجن على حاله منذ قرن ونصف, أي اداة لانتاج الجريمة . فالمنحرف العابر يخرج من السجن خبيرا بارتكاب الجرائم. ولهذا فالمؤسسة العقابية اصبحت مؤسسة لادراة الجريمة وليست لمكافحتها. وخلال القرن 19 اتسعت معارة القانون العام الى حد مطالبة تغيير القوانين وقلب الحكومات. وهذا ادى الى زيادة الالتباس بين المعارض السياسي والمجرم الجنائي. ولكن كالعادة السلطة استفادت من هذا الالتباس لسن قوانين كثيرة ذات طابع جنائي تقصد المعارضات السياسية. وعندما ازدادت القوانين, زادت اشكال الرعاية بنشوء النقابات. ولكن فوكو لا ينشغل بتطورهذه المؤسسات لأن سؤاله الاساسي يدور حول دور المعتقل والعزل. فهل حال السجن هو افضل من حال تقطيع اوصال داميان ؟. ويأخذ فوكو سجن ميتراي كنموذج للمؤسسات الانضباطية. الذي يم سجنا ومعهدا وثكنة وديرا. اي نموذج المؤسسة لتي يتم فيها تشكيل الجسد الانضباطي. اهمية السجن اصبحت كذلك عندما اقتنع المجتمع باهمية الاصلاح والردع والتوجيه, من خلال وسائل التوعية م نمؤلفات حقوقية وندوات سياسية وتعليقات صحفية . ولكن بالرغم من هذا السجن لم يحقق اهدافه, وبقيت الدعوي اقرب الى الطوبائية. يقول فوكوالقانون يشمل كل شيء في المجتمع, حتى المنحرف قانونيا. السجن لا يقع في هامشية المجتمع بل في مركزيته, كما لو كان برج المراقبة البانوبتيكي للمجتمع بأكمله. ويقول فوكو ان السجن هوالوجه المركزي والصارم لكل انظمة الانضباط,وهوطريقة جديدةللتأثير في الجسد, بالرغم منانه صادر عن افق مختلف عن القانون الجنائي. الذي يظل نظاما لغويا يصنف الجرائم ويحسب عقوبتها. اي انه يمثل الملفوظات التي تشكل عتبة الدخول الى السجن. وهذه الازدواجية بين الملفوظي والمرئي يقوم عليها فكر اركيولوجيا فوكو. فمثلا كتاب اركيولوجيا المعرفة لم يكن خطاب عن المعرفة, لأن الاركيولوجيا تمثل الفأس الذي يحفر الطبقات الغير ملفوظة. زلا شك ان التجاور بين النظامين قائم, فالقانون لا يكف عن اعادة المنحرف الى السجن, وهذا لا يكف عن انتاج مجرمين. وكما يقول فوكو, نظام الانتقال يم تحت وجه واحد خطابات وهندسات. وبالمثل في سياق السلطة والمعرفة يجب البحث عن اهرامات كثيرة التي تؤدي الى الهرم السلطوي الاكبر المكون من الدولة وقاعدتها الاجتماعية. المؤسسة الانضباطية لها جاهزيتها الخاصة التي سبقت جاهزية العلم والصناعة, وسبب تسميتها تكنولجيا الممارسة الانضباطية قد يعود الى الحاجة الى قولبة الانسان حسب الانتاج والتسويق الحديث. ولا يختلف فوكو مع فيبر حول نشأة المعجزة التكنولوجية, التي سهلتها جاهزية الانباط الفردي والاجتماعي. العقلنة في اعمال فوكو ليست انظمة التجريد ولا انساق اللفظي فقط ولكنها انساق المرئي ايضا , والتمفصل بينهما هو سر اركيولوجيا فوكو. أما جاهزيات لانضباط فهي الثمن الباهظ للحداثة نفسها. المصنع والمستشفى والسجن ... , كلها مؤسسات بانوبتيكية تمفصل المرئي والملفوظ معا. فالانبضاط لا يبقى بين جدران السجن بل يمتد الى جميع مفاصل المجتمع

مصادر وحواشي

  1. ^ Macchiavelli
  2. ^ لمراقبة والمعاقبة هو كتاب للفيلسوف والباحث الاجتماعي الفرنسي ميشيل فوكو. نشر في فرنسا عام 1975
  3. ^ Sorvegliare_e_punire/ويكي الايطالية
  4. ^ فوكو / المراقبة والمعاقبة/ص.53
  5. ^ Surveiller et punir: Naissance de la prison.ص. 79
  6. ^ ص.222
  7. ^ (صفحة 300)
  8. ^ (صفحة 266)

طالع ايضا

جمل مفتاحية

  • فوكو يرى بأن السلطة هي لعبة إستراتيجيات معقدة، وذات معاني متعددة ومتشابكة.
  • الاستراتيجية، عند فوكو هي "مجموع الطرق المستخدمة لحرمان الخصم من وسائل المعركة، وإجباره على التخلي عن الصراع.