مستخدم:Hasanisawi/حول قوة الشهود وقوة الفهم لتحصيل المعرفة الانسانية عند كانط

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

 

محتويات


     1 المعرفة الحسية الخارجية والداخلية
        1.1 المكان
            1.1.1 المعنى الترانسندنتالي للمكان
    2 الاحكام التأليفية القبلية
        2.1 الزمان
            2.1.1 الزمان الترنسندنتالي
        2.2 النتيجة
    3 النتائج
    4 موجز
    5 المعرفة كتعاون بين قوتين في بنية العقل
    6 قوة الفهم
        6.1 المفتاح الترانسندنتالي
            6.1.1 موجز
        6.2 صور الاحكام (او الانواع المنطقية للاحكام)
    7 المتخيلة
    8 فكرة اللة
        8.1 ثلاثة براهين ميتافيزيقية لاثبات وجود اللة
            8.1.1 البرهان الانطولوجي
            8.1.2 البرهان الكوسمولوجي
            8.1.3 البرهان في العالم الفيزيائي ( الغائية)- Teleological argument
        8.2 نظام العقل المحض
        8.3 الخلاصة
    9 اقتباسات
        9.1 نظرية المعرفة
        9.2 أسئلة الفلسفة
    10 مصادر

المعرفة الحسية الخارجية والداخلية

هناك نوعين من المعرفة: الحسية , وهي مباشرة immediate knowledge, و discursive knowledge, مثل العلوم وهي امور بعدية تأتي بالاستناط والاستنتاج.
الظاهر في الشهود الحسية يكون معطى لنا على شكل بعدي ولكن الصورة التي تنتظم فيها هذه المعطيات الحسية تكون منتظمة على شكل بعدي. الشروط الضرورية لحصول اي شهود حسية بالعنى الترنسندتالي هي شروط قبلية (pure intuition) في الذات العارفة. وترنسندتالي عند كانط يعني خارج التجربة ولكن ليس خارج المعرفة.
المعرفة الحسية, كما يقول كانط, مؤلفة من شهود تجريبية (بعدية) وشهود محض , التي تكون حاضرة جاهزة عند حصول الحس.

المكان

هناك شرطان قبليان ضروريان لحصول الشهود الحسية, وهما المكان والزمان. وبالتالي يجب افتراض المكان قبل ان تحصل لنا الشهود الحسية. أو يجب أن تكون هذه الشهود في مكان. الذي ليس معطى حسيا, بل موجود في بنية العقل حاضر جاهز عند حصول الإحساسات. المعرفة الحسية = شهود حسية + شهود محض الشهود التجريبية تحصل عن طريقة تأثير الأشياء في حواسنا ولكن لكي تصبح موضوع, يجب أن تنتظم في صورة المكان. أي أن حواسنا الخمس لا يمكن أن تتأثر أن لم تكن هذه المؤثرات في مكان. انه الشرط الذاتي objective condition لإمكانية حصول أي تجربة حسية. وبدون هذا الشرط لا يوجد حس. أي انه يجعل الشهود الخارجية ممكنة. مثلا لأن الروح ليست في مكان لا يؤثر في حواسنا.
  • ويقول كاط المكان ليس استنتاج لمفهوم خارج عن عدة أمكنة, أو متعلق بالعلاقة المكانية لعدة أشياء, ولا يمكن تصور إلا في مكان واحد, حتى وإن تحدثنا عن عن أمكنة مختلفة لا يمكن أن نتصورها إلا فيه. ولأنه شهود محض لا يمكن اعتباره مفهوم.
  • أجزاء المكان ليست سابقة على المكان ليتشكل منها, أي انه لا يتبع القاعدة التي تقول أن الأجزاء سابقة على الكل. بل لا يمكن تصورها إلا فيه.
  • المكان معطى على نحو لامتناهي, لأن أجزاءه غير متناهية , أي انه يمكن إضافة دائما جزء أخر إلى ما لانهاية, كما هو الحال في السلسة العددية حيث يمكن إضافة دائما عدد جديد.

المعنى الترانسندنتالي للمكان

لقد قلنا سابقا ان المكان ليس مفهوم, اي ليس له ما صدق, مثلا ان يصدق على عدد من الأشياء التي لها نفس الصفات, مثل مفهوم الإنسان الذي يصدق على الأشخاص, وهذا لأن كانط يعتبره شهود محض, وشرط ضروري قبلي لحصول اي نجربة. وبالتالي لفهم المكان يجب ان نجرده من أية شهود حسية. وهذا بهدف معرفة إذا كان من الممكن تحصيل معرفة قبلية.
مصطلع الترانسندنتالي عند كانط يعني آلية المعرفة "الشكلية"، بغض النظر عن محتواها. كانط في الواقع لا يريد أن يشرح ماذا تعرف، ولكن كيف تحصل المعرفة، أي تحديد الافتراضات النظرية التي تجعل المعرفة ممكنة. يقول كانط « "أدعو متعالي كل معرفة لا تهتم بالأشياء ولكن بطريقة معرفتنا بها، من حيث هي ممكنة قبليا. » [1] وهذا يعني ان الترنسندنتالي مجرد من الحس وبالتالي من التجربة ولكنه داخل في المعرفة. بالرغم من هذا فهو لا يولد معرفة لأنه خالي من أي شيء. وفي هذا الصدد يقول كانط انه من الصعوبة الفصل بين الشهود الحسية والشهود المحض (او بين المادة والصورة). فمثلا حتى وإن كان المكان لا يتيح معرفة فلا يوجد أي معرفة بدونه, لأنه مبدأها.

الاحكام التأليفية القبلية

"كيف يمكن أن تكون القضايا التأليفية القبلية ؟". سعى كانط إلى تأسيس الأحكام التي لا تبنى على التجربة, وبالتالي غير تحليلية. فالحكم التحليلي لا يوسع الحامل, بل هو يطرحه فقط. مثلا "الدائرة المستديرة" يعتبر حكم تحليلي, لأن الاستدارة موجودة ضمنا في الدائرة. أما الحكم 4+1 = 12 هو حكم تأليفي: لأن 5 هو حكم غير متضمن في ال (4) ولا في ال (1). [2]
اي ان الاحكام التحليلية لا تضيف شيئا جديديا, فحمل مفهوم على مفهوم يعتبر كاشف ولي إضافة. أما في الاحكام التأليفية هناك اضافة على المعرفة , بحمل محمول على موضوع نوسع مدى معرفتنا بالموضوع وهي على نوعين:
  • احكام تأليفية قبلية
  • احكام تأليفية بعدية, وهذه لا تثير اي نقاش لأن كل العلوم تعتمد عليها
إذن, أين نعثر على الاحكام التأليفية القبلية ؟. يمكن العثور عليها في الهندسة لأن لها علاقة وثيقة بالمكان . أي ان المكان يجعل المعرفة الهندسية ممكنة باعتبارها مجموعة من الأحكام التأليفية القبلية. مثلا الخطان المتوازيان لا يكونان شكلا هندسيا مهما طال امتدادهما. وبالتالي وبما انها ضرورة وقبلية للواقع التجريبي يجب أن يكون الواقع مطابق لها. أي بدلا من ان يكون عقلنا مطابق للاشياء يجب ان تكون الاشياء مطابقة لكل حكم كلي وضروري في عقلنا.
المكان هو الصورة الخارجية للتأثيرات الخارجية على حواسنا . فهو الشرط الضروري القبلي لحصول الاحساس بأي شيء. وبالتالي المكان هو شهود محض متعلق بالذات العارفة. طالما المكان صورة الظاهر (phenomenon) فانه ليس خاصية متعلقة بالاشياء في حد ذاتها (thing in themselfs) التي تبقى مخفية عننا. وبما ان الاشياء في علاقة مكانية بينها , فهذه تكون علاقة بين الظواهر , وبالتالي لا تعبر عن الاشياء في حد ذاتها. أي انها غير معطاة حسيا. وما يؤثر فينا هي ظواهر الاشياء وليس الاشياء في حد ذاتها. أي ان المكان ليس صورة لما هو خارج عن الشهود الحسية. أي ان المكان محمول على الاشياء كما تبدو لنا, باعتبارها موضوعات الحس. فيكون الحكم على الاشياء المتجاورة مثلا , حكما صحيحا, بشرط ان تكون موضوعات شهودنا الحسية.
وبما ان جميع شهودنا الحسية معطاة بطريقة تجريبية , ولأنها ايضا الوسيلة الوحيدة, التي نضيف عليها من عندياتنا صورة المكان, فالمعرفة التي تتشكل منهما هو الظاهر , أما الاشياء في حد ذاتها فلا سبيل لمعرفتها. ما نطلق عليه اسم موضوعات (Objects), ليس الا تصوراتنا الحسية التي يشكل المكان صورة لها. مثلا وردة في الصحراء نمت وزهرت وعطرت ثم بعد ذلك ذبلت وماتت. هل كان لها رائحة, ولأزهارها لون ؟. من أجاب بنعم فهو من اصحاب المذهب الواقعي, الذي يقول ان احساساتنا مطابقة للاشياء التي هي هي, سواء ادركناها او لم ندركها. ومن اجاب لا, فهو من اصحاب المذهب المثالي, الذي يقول ان الاشياء من حولي كما اتصورها أنا . وبما أن الاشياء التي تؤثر في حواسي, هي تصوراتي أنا. فالتجربة الحسية عند كانط تصبح أمرا مثاليا (Idealization).

الزمان

وبما ان جميع مدركاتنا الخارجية تكون معطاة لنا حسيا في صورة المكان, فماذا عن حالاتنا الداخلية (كره غضب) والعلاقات بينها ؟. الحس الداخلي هو الذي يزودنا بصورة الزمان, الذي مثله مثل المكان ليس مفهوما تجريبيا. ولكنه يمكننا من ادراك تعاقب وتوالي هذه الحالات. وبالتالي الزمان يكون شرط قبلي لامكانية اي تجربة داخلية.
  • الزمان كما المكان لا تنبع منه معرفة ولكنه مبدأ ضروري لحصولها. فالزمان شرط ضروري لامكانية حصول المعرفة فينا.
  • الزمان ليس فقط شرط ضروري لمعطيات حسنا الداخلي, بل يشمل ايضا ادراكنا الخارجي.
  • لا يمكن تصور الاشياء موجودة معا, متعاقبة او متوالية الى من خلال الزمان, فهو شرط ضروري لجميع الشهود الحسية وواقعيتها الظاهرية الحاصلة في المكان.
  • وبما ان كل الظواهر هي مدركاتي , مثلا انا احس ان الجو باردا, هي تجربتي. فالزمان يكون شرط ضروري لكل ما هو داخلي او خارجي.
  • لا يمكن ان تكون أزمنة مختلفة في نفس الآن ولكن يمكن ان تكون أمكنة مختلفة في نفس المكان. مثلا اشخاص جالسين في اماكن مختلفة في نفس الزمان. ويختلف الزمان عن المكان بأنه خط مستقيم.
طالما الزمان والمكان ليسا مستمدان من التجربة فانهما شهود محض معطيتان على نحو قبلي من قبل المدرك, وشرطان لحصول اية تجربة سواء خارجية او داخلية. المكان للشهود الحسية والزمان لكلا من ما هو خارجي وداخلي.

الزمان الترنسندنتالي

هو شهود محض وبالتالي خالي من التجربة, ومبدأ وأصلا يقوم عليه امكانية حصول أي معرفة تأليفية قبلية في المكان. لأن هذه المعرفة تعتمد على صورة الزمان والمكان.
كل معطيات الحس في حركة وبالتالي في تغير, وهذه يعني ان هناك شيئا ما يتغير, شيئا ما يتحقق, ولكن المكان نفسه لا يتغير. شيئا ما يتحرك في المكان وليس المكان نفسه. وكما ان هناك تعاقب وتوالي فإن هناك تغير يحصل في الزمان. وبالتالي فالمكان والزمان شرطان ضروريان لحصول اية تجربة. باعتبار ان الاشياء في المكان , هي تعينات لادراكنا لها, وأن الزمان هو صورة لتعيناتنا الداخلية. وبذلك تصبح إدراكاتنا الخارجية تعينات بذواتنا, والزمان يكون صورة لها جميعا. أي انه صورة لحلاتنا.
الزمان هو الشرط الذي يجتمع فيه النقيضين, اي ان الشي في حركة مستمرة وبالتالي يكون في اماكن متعددة, هو وليس هو.
كل ما قلناه حتى الآن يتعلق بمعرفتنا الحسية سواء داخلية او خارجية. فما هي مكونات هذه المعرفة, وما هي حدودها, وما هي شرعية صدقها (validity intention)
  • الشهود هي تصورات للظاهر, واما الاشياء في ذاتها, ولأنها غير معطاة حسيا ولأن الاعلاقات بين الاشياء ذاتها غير مدركة, فالاشياء هي كما تظهر وليس وليس كما هي عليه.
  • شرعية هذه المعرفة, كما يقول كانط, تصلح لنا كبشر وليس بالضرورة يشاركنا فيها مخلوق اخر. حيث الاحساس مادتها والمكان والزمان صورتها.
  • عندما تكون الاشياء مجموعة تصوراتنا عما هو ظاهر, فهذه الاشياء تصبح صيغة مثالية. لأن هذه الظواهر هي مجموعة الشهود الحسية والشهود المحض والتي تشكل الموضوع. وهذا يعني الانتقال مما هو تجريبي الى ما هو مثالي.
  • المعرفة تكون على مستويات: المعرفة الحسية تتعامل مع ظاهر الشيء (أعراض), أما الشيء في ذاته (جوهر) فنحن لا نعرفه, وهذه هي حدود معرفتنا.
ثلاثة مستويات للمعرفة عند كانط:
  • الحسيات
  • الفهم
  • reasoning التعقل

النتيجة

يقول كانط سواء كانت الشهود خارجية او داخلية في اطار صورتي الزمان والمكان وبالرغم من انها طواهر الأشياء, فهذا لا يعني ان موضوعاتها وهمية, لأنه في الظواهر ينظر إلى الأشياء بانها معطاة واقعيا. فمجموعة إحساساتي عن الطاولة مثلا, هي معطاة بشكل واقعي. وهذا يعني ان الأشياء في ذاتها معطاة لنا واقعيا في طواهرها. لأنه لو كانت الطاولة وهما, لكان باستطاعتي المرور من خلالها. ولكن بالرغم من ذلك يصر كانط على التمييز بين ظاهر الشيء والشيء في ذاته.
وبما ان المعرفة الحقيقية ضرورية وكلية, يقول كانط مهما بلغت المعرفة الحسية من الكلية والضرورة, فانها تبقى حالة إحساس. أي ضمن إطار ما هو محسوس. وبالتالي فهي مستمدة من ظاهر الأشياء , أي مشتقة وليست أصلية deductive and not original- (أصلية بالمعنى العقلي).

النتائج

  • القول بأن صورة الزمان والمكان شرطان ضروريان قبليان تنتظم فيهما معطيات الحس, لا يعني اننا نعيها اولا ومن ثم نخضعها لتلك الصورة.
معطيات الحس لا تأتينا مبعثرة بل منتظمة في صورتي الزمان والمكان. وبما ان المادة والصورة يأتيان معا, فمن الصعب الفصل بينهما. التجربة تأتي منتظمة فيهما, وهذا الانتظام هو شرط وعينا بهذه التجربة. فالتمييز بين المادة والصورة هو تمييز منطقي بحت. معطيات الحس بدون صورتي الزمان والمكان , يعني عدم وجود object . وبالعكس, أي لا يوجد موضوع اذا صورتي الزمان والمكان كانت بدون حس.
  • القول بأن الزمان والمكان شرطان ذاتيان -subjective conditions- متعلقان فقط بالمدرك, لا يعني انهمل ليسا واقعتين. لأن كانط رأى انه لا يمكن ان يكون هناك واقع تجريبي بمعزل عن صورتي الزمان والمكان, لأنهما داخلتان في بنية الواق التجريبي.
  • ان الاحكام المبنية على الشهود الحسية لا يمكننا من الوصول الى ما هو فوق_حسي - supersensitive. [3]

موجز

تؤثر الاشياء في حواسنا فتحصل لنا شهود تجريبية , نضيف عليها من عندياتنا شهود محض (الزمان والمكان) فيحصل عنها موضوع Object, عن ظاهر الاشياء وليس عن الاشياء في ذاتها.
وبالرغم من ان الزمان والمكان شرطان قبليات ذاتيان (وجهة نظر مثالية), إلا انهما في بنية الواقع التجريبي, لأن الشهودالحسية تأتي منتظمة فيهما. وبالتالي لا يوجد واقع بدون صورتي المكان والزمان.

المعرفة كتعاون بين قوتين في بنية العقل

لدينا القدرة على قبول التصورات الحسية التي هي تأثيرات الأشياء فينا. هذه التصورات تثير فينا القدرة على التفكر. وهذا يعني ان الفينومينون لوحده لا يكفي لتشكيل المعرفة, بل يجب التفكير فيه للحصول عليها. أي ان هناك الحاجة الى القدرة على التفكير في الظواهر. وبالتالي المعرفة تحصل عن تعاون بين قوتين في بنية العقل:
  • القدرة على قبول التصورات, التي من خلالها يعطى لنا الموضوع (الظاهر) من خلال الحواس
  • القدرة على التفكير, التي تستخدم مفاهيم قبلية للتفكير بالشهود. وهذه القدرة سماها كانط قوة الفهم
الشهود التجريبية intuitions تنتج الموضوع, القوة الفاهمة understanding تفكر فيه, والنتيجة هي المعرفة بالموضوع. ويقول كانط الشهود بدون المفاهيم عمياء والمفاهيم بدون محتوى خوياء. أي بدون الشهود التجريبية لا يوجد موضوع , وبدون الفاهمة لا يمكن التفكير بالموضوع. قوتي الشهود والفهم متميزتين عن بعضعهما, لا يمكن ان تتبادلا الوظائف. وفقط بالتعاون بينهما يمكن ان تحصل المعرفة. لكل واحدة من هاتين القوتين قوانينها الخاصة بها.
فيما سبق تحدثنا عن القوة الشهودية, الآن سنتكلم عن قوانين قوة الفهم

قوة الفهم

آلية قوة الفهم يسميها كانط logical of thinking. المنطق الصوري الأرسطي organon, بقي صالحا حتى القرون الوسطى, الي يعنى بصور التفكير ويتنزع من الموضوعات ما يجب التفكر فيه. :انط كان معنيا بنوع أخر من المنطق الترانسندنتالي logica transcendental, الذي لم يعتبره بديلا للمنطق الصوري ولكن اضافة وعلما جديدا. ويعنى بالمفاهيم القبلية a priori concepts (ربما يمكن تشبيهها بالمعراف والاوائل عند الفارابي), وامكانية انطباقها على الموضوعات بشكل عام وليس على موضوع معين. يعتبر كانط هذه المفاهيم شرطا للتفكير في الموضوعات. كما هو الحال في الشهود التجريبية , حيث الشهود المحض كانت شرطا اساسيا لحصول الموضوعات. حتى نستطيع ان نؤلف بين الموضوعات ومعرفتها, لا بد من اصول ومفاهيم القوة الفاهمة. هذه الاصول والمفاهيم موجودة فقط في القوة الفاهمة, كما الزمان والمكان في القوة الشهودية. وهذه الاصول تكون صالحة فقط للموضوعات الآتية عن طريق الشهود. خلافا تكون معرفتنا بلا موضوعات وبالتالي تبقى هذه المفاهيم فارغة.
الجزء من المنطق الترانسندنتالي الذي يعنى باصول المعرفة القبلية في الفاهمة والتي بدونها لا يمكن التفكير باي موضوع, سماه كانط التحليل الاستعلائي. وببساطة هذه المفاهيم يمكن تشبيهها بالقوالب, من حيث ان اي شكل من اشكال المعرفة لا بد ان يدخل في واحد من هذه القوالب, وإلا فقدت محتواها. وبناءا على ذلك, هل معرفة اللة والنفس والعالم (ميتافيزيقيا) تدخل في هذه القوالب ؟.
وفي هذا الصدد يقول كانط ان في الانسان ميل طبيعي للتفكير في المواضيع الميتافيزيقة. هناك ميل للاستفادة من هذه الاصول والمفاهيم القبلية خارج نطاق المعرفة. ويقول كان اذا تم تجاوز التجربة فإن الفاهمة ستنقاد للوقوع في مخاطرة الافادة من مفاهيمها المحض والصورية لتمرير احكام على موضوعات غير متمايزة وغير معطاة حسيا ولا يمكن ان تكون كذلك. ويصف هذه الفادة بالاستعراض العقلي. الذي تكلم عنعه في الفصل المسمى الوهم الديالكتيكي dialectical illusion. ولكن كانط يقول عن هذا الميل الطبيعي للانسان في التفكير في مواضيع ميتافيزيقية, انك لا تستغني عن التفكير فيه, كما التنفس حتى لو كان الهواء فاسدا.
الاستعمال التجريبي للاصول القبلية للفاهمة ينتج عنه احكام , وفي هذا التحليل الاستعلائي لكانط هو دراسة نقدية معمقة لكل المعرفة القبلية في الفاهمة للوصول الى تلك العناصر التي توجدها قوة الفهم ذاتيا وتلقائيا. الامور التي نتجيت هي التالية:
  • ان تكون هذه المفاهيم محضة وليست تجريبية
  • ان تكون اساسية وغير مشتقة او مركبة
  • ان يكون لدينا جدول كامل بهذه المفاهيم بحيث يغطي كافة فعاليات القوة الفاهمة the field of understanding
وفي هذا يقول كانط مهما طال الزمان وزاد الجهد لن نستطيع ان نصل الى احصاء هذه المفاهيم بدقة وبحيث تغطي كل فعاليات الفاهمة, إلا من خلال "فكرة الوحدة المتكاملة للمعرفة القبلية للفاهمة". the ideal of total a priori concepts of the undestanding , اي فكرة واحدة لكل المفاهيم القبلية للمعرفة القبلية لقوة الفهم.
هدف المنطق الارسطي organon, هو تحصين الانسان طالب الحقيقة من الوقوع في الخطأ. هم الفلاسفة هو المعرفة والوصول الى الحقيقة, فكيف ذلك ؟, ما هو القانون والقواعد الذي يجب اتباعها لتفادي الخطأ.
ففكرة الوحدة المتكاملة للمعرفة القبلية للفاهمة" تزودنا بالتصنيف الدقيق the actual classfication للمفاهيم وتوضح الروابط فيما بينها ضمن نظام. فكيف ترتبط هذه المفاهيم بين بعضها البعض , ليس من خلال نظام فلسفي, بل من خلال تحليل القوة الفاهمة نفسها, من اجل التوصل الى المفاهيم القبلية فيها (اي بتحليل المنبع نفسه وليس المفاهيم الفائضة عنه), ومن ثم تحليل الاستعمال المحض لهذة المفاهيم من قبل قوة الفهم. فكيف ذلك ؟

المفتاح الترانسندنتالي

طالما ليس لدينا القدرة على جمع كل المفاهيم حتى لو استخدمنا كل الزمان والدقة اللازمة, أي بالطريقة الميكانيكية, وطالما اقصى ما يمكن ان نفعله, هو ترتيب المفاهيم تبعا لازدواجية تشابهها واختلافها (اسود ابض, فوق تحت ... الخ) أي ضمن اطار المتضادات والمتناقضات او بشكل تسلسلي من الابسط الى الاعقد. أما الفلسفة الترنسندنتالية تبحث عن أصل واحد, وحدة مطلقة, لكل المفاهيم المحضة. وهذه الوحدة هي التي تمثل الأنا عند كانط. وحدة تزودنا بقاعدة لموضعة المفهوم في مكانه الصحيح في الفاهمة. كما وضع شكل هندسي في قالبه, حيث لا يمكن وضع الدائرة في قالب المربع.
يقول كانط كل ما قلناه عن القوة الفاهمة كان سلبي, كما القول ان اللة ليس جسما ولا عرضا وليس ... فمثلا الفاهمة ليست حسية.
في مرحلة الشهود, يقول كانط, الذات العارفة تكون في مرحلة قبول perceiving, اي منفعلة بتأثيرات الاشياء. أما في مرحلة الفهم فتكون فعالة functional.
فعالة قوة الفهم هو جمع عدد من التصورات تحت تصور واحد. علما بأن التصورات التي لدينا ليست لها علاقة مباشرة بالموضوع الظاهر إلا من خلال التصور الشهودي. وهكذا المفاهيم ليست لها علاقة بالموضوع بل بتصوراتنا عنه. وبالتالي فعالية القوة الفاهمة هي الحكم على الموضوع من خلال تصوراتنا عنه. وهذه يعني اننا انتقلنا من مرحلة الشهود الى مرحلة التصورات عن الموضوع, وهنا يتم الجمع بين اكثر من تصور في حكم واحد, ليس له علاقة مباشرة بالموضوع. وهذه المرحلة يسميها كانط عرفة غير مباشرة-discursive knowledge- او Immediate knowledge-.
وبما اننا لا نملك القدرة على جرد جميع المفاهيم التي تستخدمها الفاهمة, للتمييز فيها بين ما هو قبلي وما هو بعدي, لذلك يجب العثور على منهج, اي علينا ان نبحث عن مفتاح ترانسندنتالي يمكننا من الكشف عن المفاهيم القبلية للفاهمة.
هذا الحكم وجده كانط في ملكة الحكم Faculty of judgment. وهذا لان فعالية الفاهمة تكمن في اصدار احكام, وكما يقول كانط أن تحكم معناه ان تفكر, ونتيجة التفكير هو الحكم. أي التأليف بين التصورات بواسطة مفاهيم قبلية في قوة الفهم.
ولكن وبما أن الاحكام الجزئية لا حصر لها, فيجب ايجاد حكم كلي, من خلال تحديد الطرق الممكنة لصياغة أي حكم. أي تحديد عدد الاحكام المنطقية التي بها يمكن ان نكشف عن فعالية القوة الفاهمة وبالتالي عن مفاهيمها القبلية.
في وحدة الافكار سنجد المفتاح الترنسندنتالي, لأن صورة أي حكم تعين بواسطة مفهوم قبلي في الفاهمة.

موجز

ـاثيرات مختلفة + زمان مكان > موضوع؛ شهود تجريبية او مادة وصورة > موضوع. لا يوجد مادة بلا صورة ولا صورة بدون مادة. علما بأن صورة الزمان والمكان تحصل عند حصول التجربة
القوة الاخرى هي قوة الفهم التي تحصل على المعرفة من خلال التفكير بالموضوع بواسطة الاحكام التي تسمح لنا الجمع بين التصورات. مثلا عندما أعرف شخص من خلال صفاته المتعددة: الطول, الرائحة ... الخ, ولكني لا اعرف الشخص في حد ذاته. يعني انني توصلت من خلال الجمع بين تصوراتي الى الحكم بانه ذلك الشخص وليس شخص اخر.
قوة الفهم حالها حال الشهود من حيث وجود شروط قبلية (الزمان والمكان). فأيضا قوة الفهم يوجد فيها مفاهيم قبلية وتصورات بعدية. كانط اراد ان الفصل بينهما, ولكن وبما ان الفاهيم كثيرة جدا, فهناك الحاجة الى مفتاح او منهج يمكننا من الوصل لذلك بكريقة كلية. وهذا المفتاح وجده كانط في الاحكام. لأن الحكم يعني الجمع بين تصورين او اكثر تحت تصور واحد. مثلا موجود حي يمشي على اثنتين, تنطبق علينا وعلى غيرنا. وبالتالي يجب تجاوز كثرة الاحكام لجزئية من خلال معرفة الطرق التي تؤدي الى صياغة أي حكم. التي سماها كانط الانواع المنطقية logical typs. وبها نكشف عن فاعلية الفاهمة. من خلال الكشف عن وحدة الاحكام في الفاهمة, والوصول الى المفتاح الترنسندنتالي, الذي بواسطته تتعين صورة أي حكم. أي اذا استطعنا ان نكشف عن صورة الحكام المنطقية فاننا سوف نصل الى معرفة البنية القبلية للقوة الفاهمة. لأن الهدف الرئيسي يكمن في الإجابة على السؤال التالي: هل هناك معرفة قبلية خارج التجربة.

صور الاحكام (او الانواع المنطقية للاحكام)

على غرار ارسطو اطلق عليها كانط الاسم categories, المقولات, حيث يتم تصنيف الأنواع المنطقية. ما يهمنا هنا هي صورة الحكم ولكن مضمونه. صور الأحكام هي التي تبين البنية القبيلة للفاهمة, أي المفاهيم. بدون هذه المفاهيم التي تشكل البنية القبلية للفاهمية لا يمكن ان تحصل معرفة بالموضوعات. بدون الصورة المنطقية لا يمكن ان يكون هناك حكم. فأي حكم يجب ان يدخل ضمن هذه الانواع. لأن كل فاعلية القوة الفاهمة هي احكام. التي تصدر وفقا للمقولات. وهي الشرط القبلي للتفكير في أي موضوع. قوة الفهم ليس لها علاقة بالموضوع بل بالتصورات والمفاهيم, وهنا تكمن مثالية كانط. فلكي تحصل معرفة لا بد من عمليات (الشهود, التصور, التأليف) والشيء الذي لا يأتي عن طريق التجربة لا يمكن ان يعرف. ويجب ان يكون هناك أحكام كلية, وما يهمنا هنا هي صور الاحكام وليس مضمونها. من اجل الوصول الى وحدة الاحكام (وحدة الفاهمة المطلقة) التي بدونها لا يحصل أي حكم.
المقولات هي الشرط القبلي لأي موضوع, فإن لم يدخل فيها فليس موضوع للمعرفة. كانط أخذ المقولات الاساسية, وليس تلك المشتقة. أي انه أضاف بند ثالث لكل نوع منطقي.
الانواع المنطقية (الصور) والمقولات: * الكم , والكيف, والنسبة, والجهة.
كل الاحكام المنطقية الت تنطوي تحت الكم تتمثل في 3 صور
  • 1 صورة كلية (قضية كلية او حكم كلي). مثلا كل الناس يموتون
  • 2 صورة جزئية, مثلا بعض الناس شعراء
  • 3 الصورة الخاصة او الشخصية, مثلا سقراط فيلسوف.
في المطق الارسطي يتعامل المناطقة مع الاحكام الشخصية باعتبارها احكام كلية, لان المحمول ينطبق على كل موضوع. أي عندما نقول سقراط فيلسوف نعني ان سقراط كله فيلسوف وليس جزء منه فقط. وهذا يختلف في المنطق الترانسندنتالي عند كانط
الكيف
  • 1 صورة الايجاب (اثبات), مثلا الانسان يموت
  • 2 صورة السلب (نفي), مثلا النفس لا تموت
  • 3 الحصر اللامتناهي, النفس خالدة. أي نقلها الى اللامحدود
النسبة
  • 1 الصورة الحملية , اللة عادل
  • 2 الصورة الشرطية المتصلة, اذا امطرت فالارض مبلولة
  • 3 الصورة الشرطية المنفصلة , أما ان تكون الارض مركز الكون او الشمس. مكونة من حكمين احدهما يعتمد على الاخر. اذا كان هناك عدلة كاملة فالشرير سيعاقب.
الجهة(MODALITY)
  • 1 الصورة الاحتمالية, يحتمل وجود حياة على المريخ. يمكن ان تكون ايجابية او سلبية, اي هناك احتمال ان يكون او لا يكون حياة على المريخ , وكلاهما متوازنان.
  • 2 التأكيدية , الارض كروية. سلب او ايجاب حقيقي: الارض كروية او الارض غير كروية.
  • 3 الضرورية, اللة يجب ان يكون عادل, بالضرورة اللة عادل. مكونة من مفهومين: اللة وعادل
من خلال الأحكام تحصل علاقة بين المفاهيم او بين التصورات او بين الأحكام نفسها. فكيف تترتب ؟.
  • المحمول بالموضوع
  • الاساس بالنتيجة, كما في الاحكام الشرطية
  • العلاقات بين المفاهيم في حكم واحد, المفاهيم القابلة للقسمة تشكل صورة حكم واحد, طويل, قصير.
  • الجوهر وأعراضه
  • فرضية (قضية) ان كانت صادقة فالنتيجة صادقة, اذا امطرت فالارض مبلولة او العكس.
  • مفاهيم قابلة للقسمة, اللة قادر عادل مريد ... الخ. نجمعها في كلمة اللة
المقولات تعتبر في القوة الفاهمة, الشروط القبلية الضرورية لأي معرفة. الكثرة المعطاة عن طريق الشهود التجريبية لكي تصبح معرفة, تقتضي فاعلية تلقائية ذاتية للقوة الفاهمة. التي تؤلف بين الكثرة لتصبح معرفة. أي تؤلف بين تصورات ومفاهيم وأحكام لأدراك ما هو واحد في الكثرة, مجموعة الظواهر والتصورات تشكل موضوع واحد. خصائص كثيرة (الطول , الرائحة, ...) نجمعها لإدراك شخص واحد. قوة التأليف قبلية وتلقائية وبواسطتها ندرك الواحد داخل الكثرة. وهو اول بزوغ للمعرفة , التي يحتمل ان تكون خام ومشوشة ولذلك بحاجة إلى تأليف وتحليل . التأليف يجمع بين المكونات الأساسية والتصورات بواسطة المفاهيم لإعطاء محتوى لموضوع. ولهذا فقوة التأليف لها دور مهم للوصول إلى مصدر المعرفة الأول.

المتخيلة

هناك قوة تؤدي دور اساسي في معرفتنا, وهي المتخيلة, حيث نجمع التصورات. التأليف هو النتيجة الخالصة لقوة التخيل. الذي يعتبرها كانط قوة عمياء , اي لا تحصل عنها معرفة. ولكن لا يمكن الاستغناء عنها ولا يمكن ان تحصل بدونها. بفاعلية الفهم نحصل لأول مرة على المعرفة بالمعنى الحقيقي. التأليف بمعناه الأعم هي فعالية القوة الفاهمة. ويعتبر قاعدة الوحدة التأليفية القبلية. المعطى القبلي للفاهمة تكمن في هذه الوحدة المطلقة. مثلا افلاطون قال حواسنا ليست معبئة فينا كما لو كانت في حصان خشبي. اي يجب ان يكون هناك شيء يجمع بين تعددية التاثيرات الحسية, وسماها النفس. أما عند كانط فهي الوحدة التأليفية القبلية للفاهمة.
شهود حسية + شهود محض > موضوعات > التأليف في المتخيلة. وحتى هذه المرحلة لا يوجد معرفة بالمعنى الحقيقي, أما باستخدام المفاهيم المحض للتوحيد بين هذه التصورات تتشكل المعرفة الحقيقة, التي تعتمد جميعها على تصور الوحدة التأليفية للفاهمة. وهذه المعرفة ليست مباشرة بل بواسطة. الجمع بين التصورات في حكم هي فعالية القوة الفاهمة, والتي تطبقها تلقائيا على الموضوعات من خلال مفاهيم ذاتية محض قبلية.

فكرة اللة

"يحتاج العقل البشري لفكرة الكمال التام التي يستخدمها كسلم يرجع إليه من أجل أن يتمكن من تحديد نفسه "[4]. تحدث كاط عن الترنسندنتالية , عن علم النفس التأملي, speculative psychology , وعن فكرة العالم التي أوصلتنا إلى المتضادات الأربعة. الآن سنتحدث عن فكرة الله The transcendental Idea, وهي الفكرة الترنسندنتالية الثالثة للعقل المحض. يعتبر كانط هذه الفكرة نهاية السير الصعودي لجميع المحمولات -التي قد يستثني بعضها بعضا- لكل ما هو مشروط (وجوده يتعلق بوجود بشيء آخر) في فكرة اللامشروط المطلق. أي صعوديا من كل ما هو مشروط من محمولات بكل تشكيلاتها حتى نصل في نهاية المطاف الى وحدة واحدة لكل هذه المحمولات (لكل الموجودات الطبيعية) وكل ما هو مشروط في اللامشروط المطلق. باعتباره جامعا لكل الكمالات التجريبية كمرجع لكل المحمولات المتعلقة بالنفس وبالعالم. ففكرة اللة عند كانط تمثل الكمال الذي يشكل كل انواع الكمالات المشروطة. ويعتبره كانط الموجود الاكثر واقعية من بين الموجودات الواقعية, لأنه يمثل الكمال. أي ان فكرة اكثر شيء كمالا هي نفسها تمثل فكرة اكثر شيء واقعية,the Idea of the most perfect being is also the" idea of the most real being ". مثلا انا وانت نمثل واقع محدود مشروط, ولكن عندما نتحدث عن الكمال اللامشروط, الكمال المطلق, فسيكون بالضرورة اكثر شيء واقعية. عندما نقول بهذا الذي يجتمع فيه كل اللامشروط, فهو الاكثر كمالا. طالما هو الاكثر كمالا اذا قارنته بواقعيتي وواقعيتك وواقعية الطاولة والعالم او اي واقع اخر, فانه سيكون الاكثر واقعية.
كانط يحذر من عدم التفكير بهذا الموجود كدمج conflation او لمة juxtaposition او تجميع Aggregation للكمالات التجريبية والمحدودة. بل يجب التفكير فيه كوحدة الكمالات الخالصة واللامحدودة في موجود بسيط , لأنه ان لم يكن بسيطا كان مشروطا. وهذا ليس قول كانط وحده فكل الفلاسفة عندما تحدثوا عن اللة قالوا بموجود بسيط. لأنه ان لم يكن بسيطا كان بحاجة الى علة اسبق عليه. كما هي الفكرة التي لدينا عن اللة, الذي بالرغم من انه جامع لكل الكمالات: عالم ومريد وقادر وسميع وبصير ... الخ, فهو موجود بسيط. وهكذا يصل العقل الى فكرة اللة, باعتباره الموجود الاسمى, الكامل, البسيط, الازلي, الواجب والواحد. ويجب التعامل مع فكرة اللة على انه الاساس the ground , وليس المجموع.
لهذه الكمالات the sum عندما يبحث العقل المحض عن الوحدة اللامشروطة لكل المحمولات, لكل الكمالات اللامحدودة , ولا يجد ضالته في التجربة, فيضطر الى تجاوزها. أي عندما يفكر العقل بالميتافيزيقا لا يكتفي بالتجربة فيتجاوزها, لأنها لا تلبي سوقه الطبيعي. وهذا التجاوز يتم من خلال تحويل الموجود الكامل الى موضوع للتفكير فيه. لكن هذه العملية في جعل اللة موضوعا Objectivation, لا تمنحنا الحق في الادعاء ان هكذا موضوع موجود وبالتالي قابل للمعرفة. أي أن عملية جعله موضوعا لا يبرر لنا انه موجود. لا بل كما يدعي العقل فهو موجود في اسمى مراتب الواقع, لانه الاكثر واقعية. في واقع الامر ما يقوم به العقل هو ايجاد ما بإزاء هذه الفكرة كموضوع خارج التجربة. العقل بسوقه الطبيعي يبحث عن وحدة يجمع فيها كل الكمالات, وعندما يصل اليها, يجعل منها موضوعا, أي قابل للمعرفة. ولكن عملية تحويل فكرة اللة الى موضوع لا يبرر لنا على ان مثل هكذا فكرة موجودة. مثلا عندما نحكي عن موضوع موجود مثل الشخص والطاولة, او اي شيء اخر معين, فأنه قابل للمعرفة. ولكن هذا الموجود الاكثر واقعية خلق له العقل ما بإزائه, أي جعل له موجودا يتناسب مع مرتبته, او ما يقابله في الواقع. ولكن طالما اننا لا نستطيع ايجاد ما بإزاء هذه الفكرة كموضوع. لان في ذلك استعمال لمقولات الفاهمة خارج النطاق المسموح استعمالها فيه, أي خارج نطاق التجربة. وبالتالي يقول كانط ليس هناك برهان على وجود اللة. ليس هناك برهان عقلي على وجود اللة. وأن البراهين المتوفرة تشتمل على مغالطة. وهي الانتقال من الفكر الى الوجود. مثلا ديكارت عندما قال انا لدي فكرة فطرية عن اللة, انها فكرة موجود كامل, انا لا استطيع ان اوجدها, وبالتالي انوجدت في ذاتي بواسطة موجود كامل. ولأنه كامل لا بد ان يكون موجودا. فإذا لم يكن موجودا لما كان كاملا. ولكنهم اعترضوا هذا القول على ديكارت, قائلين انه يفرض ان هناك تلازم بين الجبل والوادي, وهذا لا يعني في الواقع ان هناك جبل ووادي. أي أن تفكر ان لديك موجود كامل لا يعني انه موجود.

ثلاثة براهين ميتافيزيقية لاثبات وجود اللة

في الميتافيزيقا هناط ثلاثة طرق لاثبات وجود اللة, وهي:
  1. teleological argument, غائية العالم المحسوس واعتبار اللة هو علة هذه الغاية. أي تنظر الى العالم وكأن اموره ترتبت بحيث تحقق غاية ما (عند ارسطو الغاية هي الكمال), فانه بحاجة الى علة لهذه الغاية.
  2. physico theological argument, الاستدلال من العالم الفيزيائي, حيث ينتقل فيه العقل من الوجود التجريبي, العالم المحسوس, في سلسلة من العلل الى اللة باعتباره العلة الاولى. مثلا: افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت, ... . (الدليل الكوسمولوجي Cosmological proof).
  3. البرهان الانطولوجي Ontological proof, كما واجهه سابقا انسيلم (قديس من القرون الوسطى), وديكارت والآن كانط. أنسيلم يقول اذا سألت كافر من هو اللة, يقول - نفس الشيء الذي يقوله المؤمن- انه ذلك الموجود الذي لا يمكن تصور ما هو اعظم منه. فانك اذا كنت قادر ان تتصور ما هو اعظم منه فسيكون هذا الاخير هو اللة. ولا بد ان يكون موجودا. لأنه ان لم يكن موجودا لكان بالامكان تصور من هو اعظم منه وموجود. وبالتالي فاللة موجود. وديكارت حولها الى تلك الفكرة الفطرية. أما كانط فيقول ان العقل يقوم باستباط وجود اللة من فكرته.

البرهان الانطولوجي

كانط بدأ من هذا البرهان الاخير, بالرغم من ان البرهانين الباقيين اسهل, ولكنهما يرتدان في نهاية المطاف الى هذا الاخير. وبالتالي فان كان فيه مغالطة فسيكون هناك مغالطة في جميع البراهين. يضع كانط البرهان الثالث في هذه الصورة: ان الوجود متضمن في الموجود الاكثر كمالا. أي مفهومه يشتمل على مفهوم الوجود. لأنه -كما قال انسيلم- ان لم يكن موجودا, لكان هناك موجودا اخر اكثر كمالا. بالاخذ في الاعتبار مفهوم عدم التناقض هو معيار الاحكام, واي حكم يشتمل على تناقض فهو باطل, فإن لم يشتمل مفهوم الاكثر كمالا على تناقض, أي اذا كان ممكنا, فإنه بالضرورة موجود. ويمكن بيان هذا البرهان الانطولوجي على النحو التالي. (38:28)
  • قلنا ان الموجود الاكثر كمالا هو الموجود الاكثر واقعية, وفكرة الاكثر واقعية هي فكرة الموجود الواجب. والأكثر واقعية هو واجب اكثر من الممكن. فكرة الموجود الاكثر واقعية هي فكرة الموجود الواجب المطلق. اذا كان مثل هذا الموجود ممكنا, أي لا يشمل مفهومه على تناقض.
    لا بد ان يكون اذن موجودا.
بما ان مفهوم الوجود متضمن في مفهوم الموجود الاكثر كمالا, فاذا لم يكن مفهوم الموجود الاكثر كمالا لا يشتمل على تناقض (أي انه ممكن ميتافيزيقيا) وهو كذلك, فلا بد ان يكون بالضرورة موجودا. لأن الوجود جزء من الكمال. ولكن كانط يرد هذا البرهان على النحو التالي:
  1. ان عدم قدرتنا على ادراك اي تناقض منطقي في فكرة اللة لا يشكل برهانا على ان الأكثر كمالا والأكثر واقعية هو موجود.
  2. ان الانتقال من فكرة الأكثر واقعية الى وجوده, لا تفيد او لا تضيف شيئا,لانها تكون مجرد تكرار المعلوم (). (لو كان اللة في مكان لكان داخل في الشهود). لأني اذا ضمنت الوجود في فكرة شيء ما, فمن المعلوم انني استطيع ان استنتج انه موجود. وكأنما اقول هنا, ان شيء له وجود , موجود. يقول كانط الوجود لا يمكن ان يكون محمولا, لأن المحمول يقتضي اضافة شيء ما, معلومة اضافية. فعندما تقول ان الله موجود انت لا تضيف اية معلومة. لأنني عندما اقول ان شيء ما موجود, فانني اضعه مع كافة محمولاته. اي عندما اقول سلمان موجودد فانني اضفته مع كل محمولاته, طوله ولونه ورائحته ... . وعندما اقول انه ليس موجودا, فانني اعدمه مع كافة محمولاته. ولا ينتج عن ذلك تناقض. مثلا عندما تقول ان الجسم غير ممتد فهذا تناقض. ولذلك يقول كانط ان العناء الذي تحمله ديكارت, وغيره من الفلاسفة فيما سمي بالبرهان الانطولوجي, كان جهدا ضائعا. حالهم كحال رجلا اراد ان يكون غنيا , فأضاف على اوراقه النقدية بضعة اصفار. فالمغالطة هي في كيفية الانتقال من الفكر الى الوجود. 50:15

البرهان الكوسمولوجي

يقدم كانط هذا البرهان بنفس الطريقة التي قدمها به لايبنتس: اذا كان هناك شيء موجود وممكن, أي وجوده ليس منه, فلا بد ان يكون موجود واجب الوجود. على الاقل انا موجود فواجب الوجود موجود.
يقول كانط هذا البرهان ينطلق من الاستدلال التجريبي لاتبات ان ضروري الوجود موجود, ولكن هذا يتضمن استعمالا ترانسندنتاليا لمقولات الفاهمة. صحيح ان كل شيء ممكن بحاجة الى علة, ولكن هذا المبدأ يصلح فقط في مجال التجربة. وهنا تكمن أهميته هذا المبدأ واعتباره. ولا يمكن بهذا المبدأ تجاوز العالم الحسي. اذا كنت تبحث عن قضية العلة والمعلول فستجدها فقط في التجربة. أما اذا تجاوزت التجربة, فهذا سوء استخدام لمقولات الفاهمة. يقول كانط البرهان الكوزمولوجي ايضا يتطلب اكمال سلسلة العلل والمعلولات في الوحدة اللامشروطة للوجود الواجب. وبما ان لدى العقل سوق طبيعي للتفكير في الميتافيزيقا, ولأنه لا يجد ضالته في التجربة, فإنه يتجاوزها. إلا ان الاستسلام لهذا السوق لا يزيد الى معرفتنا أي شيء جديد. وهذا البرهان يتناول عملية الانتقال من فكرة واجب الوجود الى التأكيد بانه موجود. وهذه العملية ترجعنا الى البرهان الانطولوجي.
حتى لو اعترفنا ان سلسلة العلل والمعلولات تقودنا الى واجب الوجود, فهذا لا يقودنا الى ان نكتشف أي شيء عن خصائصه وصفاته. ولذلك يبقى مفهوم واجب الوجود غير محدد, رمزي, هولامي, لا متعين. مثلا عندما قال ديمقريطيس ان اصل الاشياء ذرات, فهو لم يعرف شيئا عن الذرات, وبالتالي مفهوم الذرة كان غير محدد. العقل لا يكتفي بهذا الحد بل يدفعنا الى البحث عن موجودا يساوي او ما بإزاء مفهوم الموجود الأكثر واقعية. معتقدا انه وجد ضالته في مفهوم اللة. وأن الموجود الأكثر واقعية واكثر كمالا هو واجب الوجود. فحتى لو اقرينا ان الموجود الاكثر كمالا هو الموجود الاكثر واقعية, الا ان هذا يبقي في نطاق مفاهيمي. وهذا يقودنا مجددا الى خاصية البرهان الانطولوجي.
الاعتراف بان الموجود الاكثر واقعية هو الموجود الواجب, او ان هذا هو هو الاكثر واقعية لا يسمح لنا الانتقال من المفهوم الى العالم المتحقق. يمكننا الاستمرار في القوول بهذه المفاهيم الى ما لانهاية, ولكن تبقى ضمن اطار مفاهيمي. واذا اردت ايجاد ما بإزاء هذا المفهوم فانت خرجت عن نطاق التجربة.
وهذا يعني اننا بأدواتنا المعرفية لا نستطيع ان نبرهن على وجود اللة. البراهين التي لدينا , المذكورة في القائمة أعلاه, ردها او رفضها كانط بطريقة منطقية وليس تحكمية.

البرهان في العالم الفيزيائي ( الغائية)- Teleological argument

يبدأ كانط باثبات ان ليس هناك طريقة للبرهنة على وجود اللة بطريقة بعدية (الاحكام التأليفة القبلية والبعدية). لأن كل الاحكام التأليفية القبلية والبعدية والقوانين التي تعتمد على الانتقال من العلة الى المعلول, والتي تزيد معرفتنا, لا تنطبق الا على التجربة, أي على موضوعات العالم المحسوس. وهنا تكمن اهميتها واعتبارها. وبالتالي الحجة التي تقول ان نظام الطبيعة يعتمد على علة ترانسندنتالية (اي تتجاوز التجربة) , لا يمكن ان يكون برهانا معتبرا او موثوقا على وجود تلك العلة. هذه الحجة تقول على ان هناك نظام في الطبيعة وان هذا النظام لا بد له من علة. وبما ان هذه العلة تتجاوز التجربة , فلا يمكن اعتبارها برهانا موثوقا على وجود تلك العلة. هذا البرهان الغائي يقوم على الخطوات التالية: • اننا نلاحظ ان العالم يكشف لنا عن اشارات لترتيب غائي. تكون فيه الاشياء وسائل للوصول الى غايات. وهذا الترتيب لا يتعلق بطبيعة الاشياء. اذا لا بد من وجود علة لهذا الترتيب. مثلا عندما نرحل من منزل الى اخر, نضع كل الاغراض في مكان واحد في المنزل الجديد, ومن ثم تأتي سيدة وترتب الاغراض بحيث كل غرض يحقق الغاية المطلوبة منه. وبالتالي من يرتب الاشياء وفقا لغائية معينة يجب ان يكون موجود عاقل. العلاقات المكانية (فوق, اسفل, بجانب, خلف ...) بين الاشياء تؤدي الى حصول نظام متناسق شبية بالعمل الفني, يبرر استدلالنا على ان هناك علة واحدة عاقلة ومختارة. واضح ان كانط يبني هذه العلاقات على نحو يشابه التراتيب البشري, التي عادة ما يؤدي بها الوصول الى غايات. أي استخدام الوسائل المتوفرة للوصول الى غاية ما. ولذلك استنج كانط ان اقصى ما يمكن ان يؤدي به البرهان الغائي, هو وجود مهندس لهذا الكون وليس خالق. وهذا يرجعنا الى الديزاينر الافلاطوني, الذي فعاليته تكون منحصرة في التعامل مع المادة المتوفرة. وبالتالي يقول كانط ان علة ترتيب اجزاء الكون والعلاقات بينها تؤدي الى مصمم وليس خالق. ولما كان الامر على هذا النحو كان لا بد من الاستعانة بالبرهان الكوزمولوجي , أي خلق الاشياء. والذي بدوره يعيدنا الى البرهان الانطولوجي الذي يشتمل على مغالطة.
عرفنا اذن ان الافكار الترانسندنتالية: النفس والعالم واللة, للعقل المحض ليس لها دور في بناء المعرفة , أي لا تزودنا بمعرفة ما بإزاء هذه الافكار.

نظام العقل المحض

يضيف كانط ان هذه الافكار الترنسندتالية تولد فينا توهامات لا تقاوم, لانها طبيعية للعقل كما هي المقولات بالنسبة للفاهمة. وبما ان العقل لا يرضى بما حصل في التجربة فيتجاوزها للوصول الى ما هو ترانسندنتالي. ولأنها طبيعية للعقل فلا بد ان يكون لها وظيفة, لأن ليس هناك شيء عبث بدون غاية بلا هدف, ويجب ان يكون لها استخدام مناسب, وهو ما اطلق عليه كانط الاستخدام التنظيمي (Regolative use). وظيفة العقل بافكاره الترانسندنتاية هي منح معارفنا تنظيما وترتيبا, أي انها تلم معرفتنا بنا وبالعالم ضمن اطار الأنا افكر (النفس)؛ تلم معرفتنا بالعالم من حولنا في فكرة العالم ؛ تلم معرفتنا بكل شيء في فكرة اللة. وبالتالي وظيفة العقل هي ايجاد وحدة تنظيمية لكل فعاليات التجربة الحاصلة في الفاهمة. وهذه الوحدة هي النفس والعالم واللة. تماما كما هو حال الفاهمة في توحيدها لشتات الادراكات الحسية في مقولات وادراجها تحت القوانين التجريبية. • ففي مجال النفس , فكرة الأنا باعتبارها الموضوع البسيط الباقي رغم التغير المادي والشعوري, من عواطف ورغبات. فالأنا تبقى هي هي . فهذا يقودنا الى وحدة كل الظواهر النفسية, أي عندما نقول انا ارغب انا احب انا احزن, فالأنا تبقى هناك كموجود ثابت غير متغير. فتكون توحيد لكل تجربتنا النفسية في مفهوم واحد هو النفس. وهذا ما جعل علم النفس يقوم على اساس جمع جميع الظواهر النفسية وادراجها في صورة ترتيب واحد, وهو الأنا. بالرغم من إن هذه الأنا المتعالية غير معطاة تجريبا, الا انه لا يقلل من اهميتها كأصلا موجها لكل فعالياتنا. • في مجال العالم, اذا اخذت الفكرة الترانسندنتالية للعالم باعتباره وحدة مغلقة, أي سلسلة تامة من العلل والمعلولات, فهذا يؤدي الى وجود عوائق تمنع تقدم العلم. أما اذا اعتبرنا العالم كسلسلة لامتناهية مفتوحة من الاحداث, فان فكرة العالم تثير العقل للانتقال خطوة اخرى في موازاة العلل. إن فكرة العالم لا تملي علينا ما نجد او ما لا نجد في البحث العلمي, بل انها فكرة تثيرنا كأصل موجه Euristic principale, تجعلنا لا نكتفي بما ندركه حاضرا بل تدفعنا بشكل غير متناهي نحو وحدة علمية للظواهر الطبيعية وفقا لقوانين العلية. • أما في الفكرة الترانسندنتالية اللة, فإن اللة يعتبر العاقل الاسمى الاكثر واقعية وكمالا, الذي يوجهننا ويقودنا الى التفكير بأن عالم الطبيعة هو وحدة غائية متكاملة. هذة الافكار تجعل كانط, يخترع نوع جديد من الفلسفة, سماها كما_لو (If-As), • في علم النفس, فكرة النفس ذات فائدة عملية للتصرف كما لو ان الظواهر النفسية تتعلق بموضوع ذو ديمومة وراء كل التغيرات. أنت تتصرف كما لو انك ذات واحدة, مع انك تحب وتكره ... . • فكرة العالم في البحث العلمي تكون ذات فائدة للتصرف كما لو ان العالمية هي تمامية سلسلة من العلل والمعلولات ممتدة قهقرائيا على نحو لا متناهي. • فكرة اللة تجعلنا نتصرف كما لو ان العالم مخلوق من فعل كائن عاقل.  

الخلاصة

ان الميتافيزيقا تمثل الميل الطبيعي الحاصل بمقتضى العقل المحض. ولكن هذا العقل في تأكيده لوجود موضوعات ما بإزاء الافكار الترانسندنتالية, يتجاوز حدود المعرفة الانسانية. لأن المعرفة الانسانية محدودة في العالم المحسوس. يقول كانط انه على الرغم من انه ليس بوسعنا اثبات وجود ما بإزاء هذه الافكار الترانسنسندنتالية , إلا اننا قادرون على التفكير فيها حتى لو لم يكن ما بإزائها. ولكنها لم تكن ابدا بدون محتوى, الا ان هذا المحتوى لامتعين, غير محدود, وبالتالي تكون افكار النفس واللة من نوع الافكار الرمزية.

اقتباسات

التنوير يعني انتقال الإنسان من مرحلة القصور العقلي الى مرحلة البلوغ والنضج. فالانسان في العصور المسيحية الاوروبية السابقة كان يخضع للكاهن دون اي مناقشة. بدءا من عصر التنوير، اي عصر العقل والعلم، اصبح الانسان مطالبا بأن يفكر بشكل شخصي وان يتحمل مسؤولية افكاره وافعاله. [5]
واحدة من المساهمات الرئيسية للمذهب الكانطي هي اجتاز الميتافيزيقيا الدوقماتية وصنع الثورة الفلسفية من خلال نقد العقل الذي يحدد شروط وحدود القدرات المعرفية للإنسان في المجال النظري والعملي والجمالي. [6]
واقترح كانط أنه بفهم مصادر وحدود المعرفة الإنسانية يمكننا طرح أسئلة ميتافيزيقية مثمرة. مثلا, هل من الممكن معرفة موضوع ما من خلال خصائص معينة سابقة على الخبرة بهذا الموضوع؟. يقول كانط أن كل الموضوعات التي يمكن للذهن التفكير بها, لا بد أن تكون في الفكر نفسه. كشروط السببية مثلا لأن كل موضوعات الخبرة يجب أن تكون إما سببا أو نتيجة. ولذلك موضوعات الميتافيزيقيا التأملية, مثل أن يكون العالم أزليا أو حادثا, لا يمكن تطبيقها, بينما أسئلة العلوم يمكن للإنسان أن يجيب عليها, لأنها تعتمد على قوانين الذهن.

نظرية المعرفة

يذهب إيمانويل كانط (1724-1804م) الى ان نظرية المعرفة تقوم على عنصرين هما العقل والحس فالمقولات العقلية تتلقى المدركات الحسية لتشكلها في صورة معرفة بعالم الظواهر. وفي هذا الصدد قال ان " المقولات من دون المدركات الحسية خواء والمدركات الحسية من دون المقولات عمياء ", يعني أن العقل وحده ولا التجربة وحدها تكفي لحصول المعرفة الحقة, بل لا بد من كليهما.
اعتقد كانط بخلق طريق وسط بين التجريبية والعقلانية. التجريبيون ذهبوا الى أن المعرفة تكتسب بالتجربة وحدها، والعقلانيين تمسكوا بأن هذه المعرفة مفتوحة للشك الديكارتي وأن العقل وحده كافي للوصول للمعرفة. ولكن كانط ذهب الى ان استعمال العقل دون تطبيقه على التجربة يقودنا حتما إلى الوهم.
نظرية المعرفة عند كانط، ظهرت أولاً في كتابه "نقد العقل الخالص" , حيث يقول أن للمعرفة مظهرين: «المحتوى والشكل». التجريبي يتمسك بمبدأ التوصل الى محتوى المعرفة بوسطة الخبرة الحسية، خلافا لذلك المنطقي يتمسك بالوسيلة العقلية. أما كانط بالرغم من تأكيده لدور العقل النشط في الخبرة المعرفية, فيقول بأهمية الخبرة الحسية بعد تنقيحها وتنظيمها بواسطة مقولات الإدراك. [7] وبكلمات كانط ذاته: هناك مصدران من مصادر المعرفة الإنسانية: الحس والفهم. الأول، يعرفنا بالأشياء (من خلال حواسنا) والثاني، من خلال الفكر (الفهم). [8] وفي هذا الصدد يقول كانط: لكن، بالرغم من أن معارفنا تبدأ أولاً من خلال الخبرة، لكنها ليست مصدرها, على العكس، خبراتنا التجريبية هي ذلك الشيء الذي نتقبله ونتعرف عليه, والتأثيرات الحسية تعطي فقط السبب. ولكن كثرة التكرار والممارسات الطويلة تجعلنا نغفل عن لتميز بين ما هو بعدي (معطى من الحواس)، وبين ما هو قبلي (المقولات). [9]
وقال كانط بثلاثة مراحل لحصول المعرفة, وهي:
  • الحساسية: وهي ملكة تنحصر مهمتها في تلقي الحدوس الحسية اعتمادا على مقولتي الزمان والمكان؛
  • الفهم : ووظيفتها تنظيم وتوحيد الحدوس الحسية في معرفة كلية ضرورية اعتمادا على مقولات قبلية؛ وبذلك تكون ملكة الفهم مرتبطة بالتجربة أشد الارتباط؛
  • العقل الخالص: لا يرتبط بالتجربة إلا على نحو غير مباشر عن طريق ملكة الفهم لأن إحدى وظائفه هي إعادة توحيد ما وحده الفهم إلى أقصى درجة ممكنة، وله استعمال مفارق في مجال خاص به هو الميتافيزيقا (الله، النفس،أصل العالم..). [10]
ويقول كانط إن التصنيفات التي نقوم بها في عمليات الفهم, موجودة بشكل قبلي في العقل: الزمان والمكان معا، بالإضافة إلى كل ما تحتويها، ليسا أشياء مستقلة في ذاتها. وهنا يخالف التيار المثالي الذي يعتبر ان معرفة المكان تتم من خلال التجربة. على العكس يذهب كانط الى ان المكان ( وأيضا الزمان )موجود في العقل كشكل خالص قبل أي تصور او خبرة. [11]

قدم كانط أطروحة حول الحقيقة تجمع بين تصور العقلانيين والتجريبيين , تنص على ان الحقيقة لا توجد في الواقع ولا في الفكر على نحو جاهز بل هي سلسلة من عمليات بناء وتشييد، وفقا لبنية العقل ومقولاته، ومن خلال تكامل العقل (مفاهيم قبلية) والتجربة (شهود حسية وشهود محض (او قبلية)). وفي هذا المعنى يقول:{المفاهيم القبيلة بدون الشهود تبقى جوفاء، وبالعكس, أي الشهود بدون المفاهيم تظل عمياء. فالعقل يعطي الصورة المنطقية للحقيقة أما مادتها فهي المعطيات الحسية التي هي مادة خامة يقوم العقل بتنظيمها وإعطائها شكلا أو صورة واضحة. لنتأمل المثال الآتي: -أرسلت الشمس أشعتها وسخنت الصخرة. هنا نعبر عن علاقة ذاتية بين ظاهرتين تتعاقبان بشكل مألوف في شعورنا،وهما:
  • الصخرة غير ساخنة
  • الصخرة ساخنة بعد سقوط أشعة الشمس عليها
الحكم هنا هو حكم إدراك،وهو يعبر عن أحاسيسنا وانطباعاتنا،إنه حكم ذاتي يعبر عن تأثراتنا الحسية الذاتية. أما إذا قلت:-الشمس هي السبب في سخونة الصخرة.فالحكم هنا هو حكم تجربة،لأننا نربط موضوعيا،وعن طريق علاقة ضرورية بين مفهوم أشعة الشمس ومفهوم سخونة الصخرة. هناك شيء أضافه الفهم من عنده، وبفضله أصبح للحكم قيمة موضوعية تصدق بالنسبة لكل شعور، إنه مفهوم السببية*وهذا المفهوم ليس إلا قالبا فارغا لا قيمة له بدون مدركات الحس،ومع ذلك لابد منه لكي تصبح المعرفة حقيقية. الحقيقة إذن تتألف من مادة وصورة،الحساسية تقدم لنا مادة المعرفة،أما صورتها فنحصل عليها من الفهم،ولا يمكن الوصول إلى الحقيقة إلا باجتماعهما. معرفة الحقيقة تبدأ باتصالنا المباشر بالموضوع،أي بتأثراتنا الحسية بهذا الموضوع،غير أن هذه التأثيرات لا تصبح معرفة حقيقية إلا إذا توحدت في موضوع ما، وما يوحدها هو قدرتنا على التفكير في تلك التأثيرات، أي الفهم الذي يتوفر على مقولات قبلية تمكنه من ذلك، مثل السببية ومقولتي الوحدة والكثرة...[12].
هكذا يمكن نستخلص ونقول بكل وضوح مع الأستاذ نجيب بلدي في معرض كلامه عن كانط بأنه{لقيام معرفة حقيقية لا بد من وجود عاملين، من جهة معطيات وأشياء تعرف، ومن جهة أخرى صياغة هذه المعطيات في صورة موضوعات واضحة للمعرفة.أما المعطيات فيقدمها الحس،الحساسية،وأما الصياغة فمن عمل الفكر وحده}.
من خلال هذا التحليل تصبح الحقيقة حسب كانط لا هي مادية ولا هي صورية،إنها مطابقة الفكر لذاته ومطابقته للواقع المادي،ومعيارها هو الإقتران ،بعبارة أخرى،الواقع عند كانط صار مجموعة من الظواهر التي يلزم بناؤها، كما أمسى العقل مجموعة من القدرات التي تستطيع أن تشكل معارف صادقة بواسطة الصور والمقولات القبلية السابقة عن التجربة.
ومع ذلك،يستحسن أن نشير إلى أن كانط يضع حدودا للمعرفة لا يمكن تجاوزها، إذ مهما بلغت درجة معرفتنا،فإنها ستبقى نسبية ما دمنا نجهل حقيقة النومين(Noumene)والأمور الميتافيزيقية، فهو يميز بين الظاهر والشيء في ذاته.إذا ما أخذنا الوردة مثلا وأردنا أن نفحص ما تقدمه لنا الحدوس الحسية،لن نجد أكثر من اللون والشكل والرائحة والطعم...أي ما تقدمه لي حواسي،من خلال ما يظهر منها،وبالتالي فلا أستطيع أن أعرف إلا ظواهر الأشياء(phénomènes) أما الوردة في حقيقتها ،أي كونها أكثر من اللون والشكل والرائحة فلا سبيل لمعرفة ذلك. ما يضيفه الفهم من عنده فهو مجرد قوالب فارغة كما سبقت الإشارة،إنه إطارات تتشكل فيها تلك المعطيات الحسية. هنا ترتبط المعرفة بالذات العارفة، فقد تعني وردة بلون أحمر داكن إني أفتقدك كثيرا، كما يمكن أن تعني وردة صفراء أنت شمس حياتي، تماما كما هو الأمر بالنسبة لماء زم زم، فماء زم زم ماء لكنه بالنسبة للمؤمن يختلف عن الماء، فهو لما شرب له،وله قدسية معينة.هنا قد نجد بعض القواسم المشتركة مع ما ذهب إليه أستاذنا محمد شعبان الموجي في موضوعه الذي يحمل عنوان التفكير المسبق هل هو جناية أم بديهية؟. [13]
الموضوع باعتباره ظاهرة في الوعي هو من إنتاج هذا الوعي نفسه وفق مبادئ يركب وفقها الظاهرات في صورة موضوع. فموضوع المعرفة هو موضوع يظهر في الوعي ويختلف عن بيانات الحواس. إن ما يقدم نفسه مباشرة في الخبرة الحسية ليس إلا انطباعات وبيانات حسية، أما الموضوع نفسه باعتباره هدفاً للتعامل المعرفي معه فلا يقدم نفسه جاهزاً للحواس بل هو مُنتَج من قِبَل الوعي وفق مبادئ تركيبية، وهي تركيبية لأنها تعمل على التركيب بين الحدوس الحسية وفق شروط ذاتية قبلية. فما هي هذه المبادئ؟ إنها مسلمات الحدس واستباقات الإدراك وأمثولات الخبرة ومصادرات الفكر التجريبي. ويضع كانط هذه المبادئ على النحو التالي:
  1. - مسلمات الحدس
  2. - استباقات الإدراك 3 - أمثولات الخبرة
  3. - مصادرات الفكر التجريبي
ونلاحظ أن هذه اللوحة تتوازى مع لوحة المقولات، إذ كانت لوحة المقولات مكونة من الكم والكيف والعلاقة والجهة وموضوعة في نفس هذه الهيئة. [14]

أسئلة الفلسفة

من طبيعة العقل الإنساني أنه لا يقف عند حدود التجربة -وحتى المبادئ ذاتها التي يتسخدمها في المعرفة التجريبية تقوده من حيث لا يدري إلى تجاوز حدود كل تجربة، فيتصور وجود حقائق متعالية مثل: النفس والعالم (الكلي) والله. ومن الواضح أنه في هذا المجال، حيث لا يمكن الاستناد على التجربة، يجد العقل ذاته فيمواجهة قواه الخاصية- وعليه فإن الأجوبة التي يقدمها لمثل هذه الأسئلة لا تكون واقعية ولا ضرورية، بل فقط احتمالية. [15]
في ماذا إذن تبحث الفلسفة؟ ما هي أسئلتها الأساسية؟ يقول كانط: "يرجع مجال الفلسفة إلى الأسئلة التالية:
  1. - ما الذي يمكنني معرفته؟
  2. - ما الذي يجب علي فعله؟
  3. - ما المسموح لي بأن آمله؟

مصادر

  1. ^ نقد العقل الخالص/1781
  2. ^ مدخل إلى الفلسفة/ د. مصطفى النشار
  3. ^ معيار الحقيقة سابقا كان في مطابقة ما في الاذهان لما في الاعيان, أي حكمك يكون صحيحا اذا طابق ما في الاعيان. أما الفلسفة اليوم تعتمد على القدرة على تبرير الاحكام وبالتالي سيكون حمك صادق او كاذب بناء على هذه القدرة. الحقيقة المطلقة دائما نسبية, مثلا كان يعتقد في حقيقة دوران الشمس حول الارض. وبناء عليها فسروا كل الظواهر الاخرى. الآن النظرية النسبية هي السائدة. أي نظرية يمكن ان تكون قاعدة لكل العلوم. ولكن لا تلبث ان تنتهي بحلول نظرية اخرى. مثلا كانوا يقولون ان اصغر جزء من المادة هو الذرة, ولكن بعد ذلك اكتشفوا ان للذرة اجزاء, ومن ثم ما لبثوا ان اكتشفوا بعد ذلك ان لأجزاء الذرة اجزاء: الكوارتز. وبالتالي ليس هناك نقطة حيث تقف الحقيقة. لأن العلم الانساني تراكمي والمعرفة تدريجيا تتقدم
  4. ^ Kant, leçons sur la théorie philosophique de la religion, traduction par William
  5. ^ كيفية التوفيق بين الفلسفة الإيمان
  6. ^ الدوقمائية كمصطلح في الفلسفة يشير إلى التيار الفلسفي المعارض للنقدية والمثالية، ومن خلال اشتقاقه للفكر من الكينونة يفترض تفوق الواقع على الفكر، وفي بعض الأحيان الطبيعة على الروح. وحتى الله نفسه يُدركه هذا التيار كملازم جوهري للطبيعة جملة وتفصيلا (وحدة الوجود).
  7. ^ الحقيقة ام الاستنتاجات المنطقية
  8. ^ (Kant, CPR,22)
  9. ^ (Kant, CPR,14)
  10. ^ http://www.philo.hijaj.net/raison.html?g_q=%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%20%D9%82%D8%A8%D9%84%D9%8A%D8%A9%20%D9%84%D9%84%D8%AA%D9%81%D9%83%D9%8A%D8%B1%20%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9%20%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%B7
  11. ^ (Kant, PFM,152)
  12. ^ (المكان والزمان المنشور هنا بالمنتدي للباحث المقتدر مثنى حامد)
  13. ^ هل الحقيقة معطى أم بناء؟
  14. ^ نظرية المعرفة عند كانط باعتبارها فلسفة في المنطق
  15. ^ كانط ومسألة التعليم الفلسفي


مجلوبة من "https://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=مستخدم:Hasanisawi/حول_قوة_الشهود_وقوة_الفهم_لتحصيل_المعرفة_الانسانية_عند_كانط&oldid=11669870"

آخر تعديل لهذه الصفحة كان يوم 20 سبتمبر 2013 الساعة 03:05.
النصوص منشورة برخصة المشاع الإبداعي. طالع شروط الاستخدام للتفاصيل.