مستخدم:Hasanisawi/البرغماتية

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
يقول ويليام جيمس ان البرغماتية اسم جديد لطريقة قديمة في التفكير. لأنها تمثل اتجاها مألوفا وهو الاتجاه التجريبي. ويكاد ان يكون هناك نوع من الاتفاق بينها وبين التجربة الانجليزية عند بيكون ولوك وهيوم ومل في الاعتماد على الواقع الخارجي.

محتويات

     1 ما هو الفرق بين البرغماتية والتجريبية ؟
    2 دع الفكرة تعمل
    3 فإن كانت البرغماتية منهج, فما الفرق بينها وبين الفينومنولوجيا (او الظاهرتية) ؟.
    4 ما هو الجديد في الفلسفة البرغماتية
    5 طابع فلسفة ويليام جيمس
    6 الاصل في نشأة البرغماتية
    7 نظرية جيمس في الحقيقة
    8 مصادر وحواشي
    9 طالع ايضا

ما هو الفرق بين البرغماتية والتجريبية ؟

يمكن القول ان البرغماتية تتجاوز الفلسفة التقليدية بشقيها المثالية والتجريبية, لتهتم اكثر بالغايات والتطلعات.
المثالية أنكرت الحواس ورأت ان ما يصل للعقل بواسطة الحواس ما هي الا صور مشوهة عن الواقع. أما التجريبية فرأت ان الحواس تقودنا الى حقيقة الأشياء.
ولكن البرغماتي لا يبالي بهذا كله, ويقول اذا كان لديك فكرة دعها تعمل لتتحقق من صدقها. أي انه يهتم بالنتيجة والمنفعة التي تعود عليه من الفكرة دون الاهتمام بأصل الأشياء.

دع الفكرة تعمل

يقول ويليام جيمس لا ينبغي استثناء اي فكرة يمكن ان تكون نتائجها مفيدة لحياتنا. وأن الحقيقي والصائب هو ما يلائم نمط سلوكنا. ويؤكد ان دور الفلسفة لا يكمن في رصد الحقيقة بقدر ما هو في خلقها وابداعها على شكل عملي.
وبالتالي فالبرغماتية تعرض عن التجريد والحلول اللفظية للمشكلات الفلسفية, ولا تأخذ بالمبادئ الثابتة, بل تتجه الى دراسة ما هو حقيقي ومتعين. ولذلك فهي لا تهدف الى الوصول الى نتائج يقينية ثابتة, بل الى اتباع منهج يساعد على تحقيق الافكار والمعاني في العالم الخارجي.

فإن كانت البرغماتية منهج, فما الفرق بينها وبين الفينومنولوجيا (او الظاهرتية) ؟.

يقول رورتي ليس هناط طريقة مثلى لوصف العالم. ولكن ان لم يكن هناك فرق في التجربة, فلا فرق في الواقع. ونفى رورتي ان يكون هناك رابط بين البرغماتية والظاهرتية. ولا حتى بينها وبين التفكيكية. ويقول اني انظر الى دريدا كواحد من اهم محللين هايدجر والى هايدجر كأهم قارئين نيتشة.

ما هو الجديد في الفلسفة البرغماتية

البرغماتية استبدلت النظر الى الماضي بالنظر الى المستقبل. فهي لا تربط التجربة بالواقع من حيث الاصول كما فعل لوك وهيوم, وانما من حيث النتائج التي تترتب عليها اي فكرة واقعية.
البرغماتية لا تشكل نظرية فلسفية دقيقة, بل تيار فلسفي يعطي للاراء الشخصية دورا في عملية المعرفة. وهذا يتناقض مع النظرية التقليدية للمعرفة. التي تقول ان ملكة الادراك مستقلة عن رغبات الفرد وغاياته.
البرغماتية لا تقوم على معاني عقلية ثابتة, او تصورات قبلية ولا تؤمن بمعتقدات دوغمائية, ولكنها تعتقد باستقلالية الموجودات عن العقل المدرك.
البرغماتية تحاول تفسير كل فكرة على حدا بتتبع اثر نتائجها العملية, وليس عن طريق مطابقتها للواقع الخارجي[1] لأنها لا تهتم بصياغة نتائج نهائية بقدر اهتمامها بالمنهج الفلسفي نفسه. فالبرغماتية هي اسلوب لتوضيح الافكار وازالة ما يشوبها من غموض. فما هو صادق مرتبط بالنجاح العملي او بما يترجم الى سلوك ناجح. وكما يقول ويليام جيمس, ينبغي ترجمة كل لفظ الى قيمته الفورية الفعلية, ومن ثم تطبيقها عمليا وفقا للخبرة الشخصية. فتكون قيمة الفكرة مرتبطة بنجاح سلوك من يعتقد بصحتها.
يقول بيرس ان كثير من الناس يعتزون بافكار غامضة ويجعلونها هوايتهم الوحيدة وهي في الحقيقة افكار خالية من اي معنى, لدرجة يستحيل فيها ان تكون كاذبة.
أما ديوي فيقول ان الانسان يبدأ بالتفكير للبقاء على قيد الحياة, لأن التفكير يتبع الكفاح والعقل يتبع التفكير. لأن الانسان لا يفكر الا اذا كانت لديه مشكلة, ولو لم تكن عنده مشاكل لكانت حياته عارية من التفكير.

طابع فلسفة ويليام جيمس

فلسفة جيمس هي عبارة عن فلسفة تجريبية متطرفة, تريد اولا مناهضة جميع الفلسفات المثالية التي تعمق في بحر التجريد وابتعدت عن رؤية الواقع. وبالتالي فهي تعارض الروح المذهبية التي تريد ادخال كل الكون في قالب عقلي واحد معد مسبقا ومهيء لتفسير كل الاشياء.
ولذلك قدم جيمس مذهبا يتسم بفكرة التغير والتعدد, لأنه كما يقول لا يكفي مبدأ عقلي واحد لإعطاء صورة مكتملة عن هذا العالم المتكثر وتفسير شتى موجوداته. فالعالم - عند جيمس- هو حقيقة مرنة غير مكتملة, ويمكن وصفه بالتعدد والتغير والحركة المستمرة. ومن هنا ففلسفة جيمس مفتوحة على عالم في دور التكوين, وبالتالي فهي لا ترفض فقط المذاهب الواحدية [2]التي تريد ان تفسر شتى ظواهر الكون وفقا لمبدأ ميتافيزيقي واحد, بل ترفض ايضا الفلسفات المطلقة التي تقول بالمثل والجواهر الثابتة الغير خاضعة للصيرورة والزمان. فالحقيقة بالنسبة لجيمس هي في صميمها قوة ونزوع وفعل. والتجربة هي التي تربط تطور الموجودات المتعددة بالتغيير والزمان. فيرى جيمس ان الحقيقة تتعلق بالجزئيات المشخصة المتعينة اكثر مما تتعلق بالكليات المجردة. وهذا يعني الاهتمام بالمدركات بدلا من المفهومات. والايمان بالجزئي بدلا من الكلي. وبالتالي فهي كما المذهب الواقعي تقول ان الاشياء مستقلة عن العقل المدرك, وان الروابط بين الاشياء خاضعة للصيرورة والزمان. فالمزاج البرغماتي كما التجريبي يؤثر النظر الى الوقائع بدلا من المقولات العقلية. وبالجزئي والتعدد بدلا من الكلي والوحدة. فيمكن اعتبار الفلسفة البرغماتية فلسفة تجريبية تحليلية تميل الى التعلق بالوقائع الخام والى التجزئة والقسمة. فكل واقعة تمثل جسما مستقلا بنفسه, وبهذا يريد جيمس ان يعيد للظواهر حقها المسلوب, فما يبدو ليس وهم او خداع بل حقيقة وواقع.
وأوضح جيمس صلة فلسفته بالفلسفات الاخرى, فقال انها تتفق مع الاسمية (Nominalismo)بانها تتعلق دائما بالجزئي ؛ ومع النفعية بانها تؤكد قيمة الجانب العملي؛ ومع الوضعية بانها تحتقر الحلول اللفظة والمسائل التافهة والتجريدات الميتافيزيقية. لهذا فهي تنادي بتعدد المذاهب (Polisistematismo), وبهذا ليس هناك وجهة نظر واحدة شاملة كاملة مطلقة, ما دامت وقائع الحياة بحاجة الى عقول متعددة للكشف عن جوانبها المختلفة. لأن كل فرد طريقته في النظر الى هذا العالم, وكما قال بروتاغوراس "الانسان مقياس كل الاشياء". [3]
وبما ان المذهب البراجماتي يقول أن مقياس صحة الأفكار يتوقف على نتائجها، فهو بذلك يجعل الحقيقة نسبية غير ثابتة، أي تتغير وفقاً للظروف وأحوال الأفراد والمجتمعات ). البراجماتية (تعيد إلى ذاكرة التاريخ نسبية السوفسطائية التي تزعم أن الفرد مقياس كل شيء). ( الفلسفة البراجماتية تتلخص اليوم في أفكار موجزة ؛ من أشهرها : .. الحقائق نسبية ، ولايمكن الوصول إلى حقيقة مطلقة ).
ومن بين الميزات الاخرى للبرغماتية, توجد النزعة اللاعقلية anti-intelletualismo, التي قربت جيمس الى هنري برجسون, من حيث اننا لا نستطيع فرض مفهوماتنا على الواقع, لأنه لا يمكن ان يتطابق دائما معها. ولأن الحقيقة الخارجية غريبة عن العقل. ولذلك لا سبيل للتعبير عن المدركات بلغة التصورات والمفاهيم. خلافا للافلاطونية, التي ارادت مساوية الشيء بفكرتنا عنه.وحيث الوجود يكاد ان يساوي الماهية. وهكذا فالواقعة هي البدء حسب البرغماتية. التي تفصل المدركات عن التصورات وتقول ان المدركات هي التي تعبر عن ثراء وجدة هذا العالم. وليس هناك وحدة او كل الا اذا كانت التصورات هي اداتنا في التفكير. اما اذا كانت اداتنا هي المدركات فلن يكون غير جزئيات متعددة ووقائع متكثرة.

الاصل في نشأة البرغماتية

اصل البرغماتية يمكن الرجوع اليه في مقال بعنوان كيف نوضح افكارنا الذي نشره بيرز في احدى المجلات العلمية. حيث يقول بيرز ان فكرتنا عن اي شيء ليست الا فكرتنا عن الاثار العملية المترتبة عن ذلك الشيء. فمعتقداتنا في نظره ليست الا قواعد للعمل والسلوك, والتفكير باكمله ليس الا مرحلة اولى لتكوين العادات الفعلية. (وبعدين شو بصير بنبطل نفكر ؟).
فالفكرة الواضحة هي التي تولد اثار عملية وما يليها من احساسات مباشرة او غير مباشرة. وبهذا فتصورنا لاي موضوع يكون من خلال النتائج العملية المترتبة على ذلك الموضوع.
وهذه النظرية هي التي جعلها ويليام جيمس اساسا لفلسفته. والتي شرحها في كتابه Pragmatism وحيث يقول ان الاساس الوحيد لمعرفة صدق المعاني والافكار هو الفارق في العمل والتطبيق. فمعيار الحقيقة هو عملي صرف أي في قيمة الفكرة, وليس في مطابقة الواقع.
فروح المنهج العملي الذي استمده جيمس من بيرس, تكمن في الاتجاه الذي يصرف النظر عن الامور الاولى والمبادئ والمعقولات, ليتجه نحو النتائج. وليس مذهب محدد بل منهج مرن يصلح لعدة فلسفات. والنظرية في هذا المنهج ليست الا اداة للبحث المستمر الذي لا يصل ابدا الى اجابة محددة, بل هي محاولة لتكيف الفكرة مع الواقع (يعني تكيف ما في الاعيان لما في الاذهان). وبالتالي فهو يرفض فكرة الحقيقة كما تصورتها الفلسفات المثالية.

نظرية جيمس في الحقيقة

اراد جيمس تطبيق منهجه العلمي على نظرية الحقيقة, ولكن ادرك انها ليست مجموع العمليات التي لا بد من القيام بها من اجل اثبات وامتلاك حقيقة ما. بل الحقيقة هي تلك التي تنقلنا من تجربة راهنة الى تجربة اخرى جديدة, فهي ليست الصورة المطابقة للشيء وانما فكرة تقودنا الى ادراك ذلك الشيء.
ولكن جيمس يعرف الحقيقة بطريقة اخرى, حيث يقول القضية لا تكون صادقة الا اذا اوصلتنا الى نتائج مرضية. أي مرهونة بما يترتب عليها من ارضاء لحاجات الفرد.
التعريف الاول يتعلق بالادراك المباشر للموضوع كمرحلة اخيرة من عمليات الوصول الى الحقيقة, أما التعريف الثاني الحقيقة تبدو وكانها اقرب ما تكون الى الاعتقاد الحيوي credenza vitale وقال ايضا ان الحق لا يكون حقا الا اذا كان في خدمة الخير.
اذا كانت الفلسفة التقليدية تميل لجعل الحقيقة تنظر الى الخلف , فان البرغماتية تجعلها تنظر الى الامام. او في اقوال اخرى: اذا كانت المذاهب الاخرى ترى الحقيقة وكانها اكتشاف, البرغماتية تراها اختراع.
الحقيقة ليست توافق مع الواقع وانما هي كذلك اذا تبت بالتجربة انها صالحة ومفيدة. وبذلك فالمنهج البرغماتي لا بدان يستحيل الى مذهب تطبيقي Praticalismo. فلا يمكن تجاوز التجربة وليس هناك موضع للتحدث عن حقيقة مطلقة او الشيء في ذاته, بل حقائق متغيرة نتحقق من صحتها عن طرييق التجربة. الحقائق كالاوراق النقدية تظل سارية طالما بقيت متداولة بين الناس.
في نظرية الحقيقة جيمس يستعمل كلمة نتائج بمعنيين مختلفين:
  • في المعى الاول يقرر جيمس ان معنى اية قضية هي عبارة عن نتائجها المباشرة التي يمكن التحقق منها عن طريق التجرية. وهذا ما قصده بيرس حينما قال انه حيثما لا توجد نتائج عملية مباشرة لا يوجد معنى. ول اخذنا بوجة نظره لكان علينا ان نسلم بانه لا ليس هناك موضع لاثارة الكثير من المشاكل الميتافيزيقية, كفكرة الله مثلا. لانه سواء قلنا انه موجود او غير ذلك, فليس باستطاعتنا برهنة ذلك عن طريق التجربة المباشرة.
  • في المعى الثاني فانه يشير الى النتائج الغير مباشرة التي تترتب على الايمان بفكرة او التمسك بعقيدة. وهنا لا يمكن التحقق منها عن طريق التجربة المباشرة, ولكن للايمان هنا نتائج عملية مرضية.
أي ان اعتقاد الفرد بالله يحدث فارقا فيما يختبره الفرد في تجربته الشخصية.
وبالتالي جيمس وسع من معنى كلمة نتائج لتشمل الاثار الوجدانية والغايات العملية. وبالتالي فالحق يعبر عن الملائم في مجال التفكير , كما ان الخير يعبر عن الملائم في مجال السلوك. وليست المنفعة الفردية هي محك صدق الفكرة بل لا بد لها ان تتلائم مع الافكار العملية الاخرى. الاعتقاد فرض ناجح.
نحن لا نكف عن امتحان معتقداتنا عن طريق التجربة. أي يمكن ان نحتفظ بها او نعدلها او نستبدلها بغيرها, ولا نقيس قيمتها بمعرفة مصدرها, بل بمعرفة الغاية التي افضت بها, وما اذا كانت فروضا ناجحة واوصلتنا الى نتائج مرضية.
البرغماتي يريد ان يبحث عن الحق حتى لو وقع في الخطأ, وارادة الحق تنجح حيث يستحيل العقل على تقديم ادلة نظرية.
مبادئ البرغماتي تقتضي ان يكون فرض وجود الله فرضا حقيقيا اذا كان منشانه ان يبعث السلوى والسكينة في النفس البشرية. ومهما كانت الصعوبات التي يتضمنها مثل هذا الفرض الا ان التجربة تدلنا على ان له فعله وتأثيره والمشكلة كلها تنحصر في ان يصبح متوافقا مع غيره من الحقائق ذات الفعل والتأثير.

مصادر وحواشي

  1. ^ عبر تاريخ الفلسفة سادت نظرية التطابق أو التوافق بين الحكم والشيء ( مطابقة ما في الأذهان لما في الأعيان) حسب تعبير الفلسفة الإسلامية العربية . - ميز الفلاسفة بين نوعين من الحقيقة هما : أ) الحقيقة العقلية أو الصورية التي تقوم على أساس عدم تناقض الأقوال والقضايا بحيث لا يتطلب التحقق من صدقيتها إلا مراعاة التناسق الداخلي في القضية أو الحكم . ب) الحقيقة التجريبية التي يتطلب التحقق من صدقها مراعاة الواقع الخارجي للتأكد من مطابقة القضايا للواقع . - في العصر الحديث ظهرت نظرة جديدة للحقيقة مفادها الفائدة والمصلحة ، فما هو حقيقي هو المفيد للحياة وهذا تصور براغماتي للحقيقة يعارض نظرية التوافق والتطابق . - هل الحقيقة هي التطابق بين الفكرة والواقع أم الفائدة ؟ - وهل الحقيقة مطلقة وصالحة لكل زمان ومكان أم هي نسبية ؟
  2. ^ الواحدية ترمز إلى ان "الله" والكون كشيء واحد. تعددت مذاهب الواحدية فمنها الواحدية المادية ، والواحدية الروحية. إلا أن الأفكار المشتركة في كل المذاهب تنظر للعالم ككل واحد، مع نظرة توقير له وتقديس للكون والطبيعة.
  3. ^ ليس من شك أن بروتاجوراس هو الجد الأول للبراجماتيين المعاصرين؛ سواء على المستوى الفلسفي، أو على المستوى الحياتي, فحين يقول جميس: "إن الحقيقي ليس سوى النافع، وأن المطلق ليس صحيحاً على أي نحو" . وللتاكيد فقد كتب شيللر –وهو أحد كبار الفلاسفة البراجماتيين- كتاب " why_protagoras_not_plato . فلاسفة أيقظوا العالم، د. مصطفى النشار، ص 77]).

طالع ايضا

اتسمت الفلسفات الحديثة بفكرة الماهية، أما اللاماهوية فقد تبنتها ودافعت عنها فلسفات معاصرة مثل الوجودية والتفكيكية واللاواقعية والبراغماتية عموماً والجديدة منها خصوصاً، وهي إحدى سمات ما بعد الحداثة. الحداثة دافعت عن وجود ماهيات وحقائق مطلقة وثابتة، في حين أن فلاسفة ما بعد الحداثة يرفضون مفهوم الماهية وكل ما يترتب عليه.
ويلخص الموقف اللاتمثيلي (Anti-representationalism) عند رورتي، في قوله ان «كل من لا ينظر إلى المعرفة بوصفها امتلاكاً للواقع امتلاكا حقيقياً، وإنما هو مجرد امتلاك لعادات في العمل تستهدف التلاؤم مع الواقع. وهو ما يعني أن اللاتمثيلية ليست مجرد سلب لفكرة التمثل الحقيقي للواقع من زاوية معرفية أو لغوية، بل هي رؤية جديدة تستهدف التحرر من إشكالية العلاقة بين الذات والموضوع، أو بين المظهر والواقع، كما تستهدف تزويدنا بعادات عملية تمكننا من التكيف مع الواقع، والتخلي عن البعد النظري في المعرفة. وصاحب النزعة اللاتمثيلية يذهب إلى أنه «لا يمكن لأذهاننا أو لغتنا أن تكون "منفصلة عن الواقع" بأكثر مما تستطيع أن تفعله أجسامنا.
رورتي وديفيدسون يعطيا دوراً للبيئة في تشكيل قناعاتنا ومعارفنا ومعتقداتنا، فليس ثمة انفصال مطلق بينهما، إلا أن هذه العلاقة ليست علاقة تطابق أو تمثل لهذه عن تلك. ومن ثم، فهما لا يقولان بضرورة الانفصال عن البيئة، بل بضرورة امتلاك مفاهيم نافعة للتلاؤم معها.
النزعة اللاتأسيسية Anti-foundationalism, نفي الماهية والتمثل يفضي إلى نفي وجود أسس معرفية صحيحة ومتينة يمكن أن تمثل قواعد بناء لأفكار ومبادئ أخرى. وبالتالي يرى رورتي أن الإبستمولوجيا التأسيسية هي مشروع مضلل وفاسد. اللاتأسيس يتجسد في نزعة التفكيك الذي يضطلع ضمناً الى إثارة مشروع يفضي إلى قلقلة أسس الفروع المعرفية قلقلة جذرية.وبالتالي فهي تجسد نزعة لايقينية حيال المعايير والمرجعيات. فكل معرفة تنشأ ضمن ممارسات الجماعة في مجتمع بعينه. وبرفض هذه المفاهيم يمكن للبشر أن يتخطوا التصور الموضوعي والعقلي للحقيقة وأن يتحرروا من الخضوع له.
رورتي أعاد تأويل المفاهيم الفلسفية، واستبدل دور الفلسفة بوصفها بحث نظري في المعرفة، بدور جديد تتجلى فيه قاعدة عملية وممارسة اجتماعية تتجسد في الديمقراطية، وهي المحاولة التي بدأها ديوي من قبل. وتنطوي هذه المحاولة، بصورة أساسية، في رأي رورتي، على «...المعنى الذي أعطاه للتغير التدريجي لصورة الذات البشرية عن ذاتها.
إعادة تأويل الموضوعية على أنها اتفاق ناجم عن التفاعل المتبادل بين البشر والحوار الديمقراطي، وليس بوصفها وجود الذهن أو اللغة وجوداً مستقلاً عن الواقع.
تحرير الفلسفة من وهم القدسية (التمثل والماهية.) الموروثة عن الدين بفعل التنوير والحداثة. وتقريبها من ميادين الثقافة الأخرى ومن أشكال التعبير المختلفة، الأكثر إنسانية، للبشر عن ذاتهم، والتعايش ضمن حوار مع الآخر.
تربية أخلاقية مناسبة « ترتقي بالبشر إلى ما فوق مستوى التواضع..... وتصعِّد الرغبة إلى حرية المواجهات المفتوحة ، بدلا من العلاقات المتواضعة للحقائق الفوق إنسانية. وينطوي موقف رورتي هذا على بعد إنساني عميق، وطموح إلى تجاوز عرضية العيش في التثاقف، وأمل في إنتاج ثقافة جديدة تنطوي على مضامين إنسانية أهمّها، التعدّدية بدل القطب الواحد، والتسامح مع المختلف بدل إلغائه، والحوار مع الآخر بدل إخضاعه.