مستخدم:Hasanisawi/إرادة المعرفة

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
يعد كتاب ارادة المعرفة, مدخل نظري وتبريري للأجراء الاخرى من تاريخ الجنسانية. وحيث لا يبدو واضح ان فوكو صاغ بشكل مباشر نظرية اخلاقية جديدة, ولكنه عرض بشكل شامل نظريته حول السلطة اللامركزية, او ميكروفيزياء السلطة. [1]
فوكو يدعم النظرية القائلة بأنه, في المجتمعات ألحديثة لا يتم فقط قمع الجنسية بل ايضا إنتاجها وإثارتها من قبل السلطة.
وهذه الجينالوجيا السلطوية ترافق جينالوجية الفرد, الذي ينبغي أن يكون مفهوما هنا كفرد حر أخدا على عاتقه العيش وفقا لقانونه الخاص. فوكو يطلق شعارات ترافقه حتى نهاية حياته, وهي ان جوهر المشكلة هو في عملية "تحرير الفرد من حقيقة رغبته".
كل هذا ألبناء, وهذا الاختراع نفسه, نفذه فوكو من خلال تدريبات روحية وممارسة تذويت (subjectification) وصلت الى الصدارة في آخر أعماله حول تاريخ الجنسانية. من قلب الأخلاق اليونانية وتعارضها مع تقنيات هيمنة المسيحية (اعتراف, تفسير الغرائز, ...). فهي جماليات الوجود التي لا تشمل النرجسية ولا الأناوية. [2]
إن كتاب تاريخ الجنسانية " ليس تاريخ للجنسية, بقدر ما هــو تاريخ لقمع الجنس وكبته, وقد استخدم هذا القمع على نطاق واسع , فــي العصور القديمة, وفوكو يعرضه في الجزئين الأول والثاني من كتابه " تاريخ الجنسانية ", حيث يحلل الرسـائل والبحوث الطبية الإغريقية والرومانية. وأصبح هذا القمع أكثر وضوحاً في العصور الوسطى, حيث كان يخضع الجنس لرقابة أشـد صرامة, من قبل منظومة الأخلاق الدينية, مثلا الأعتراف بأخطاء الجسد, وفيما بعد , أخذت تخف صرامة الرقابة الكنسية, وانتقلت الى الأدب, الحاجة للوصف الدقيق للتجربة الجنسية.
إن الجنس عند فوكو , أداة في يد السلطة لمراقبة المجتمع والحياة الشخصية. فالجنس هو القوة التي تلتقي مع السلطة لإخضاعنا. لأن الجنس هو العنصر الأكثر استغلالاً والأكثر قابلية لنشر النزعة الجنسية, والذي يسيطر على الجسد, وطاقته وشعوره, ورضاه. [3]
تاريخ الجنسانية مكون من ثلاثة اجزاء ويمكن اعتبار هذا الكتاب فسلفة فوكو في الأخلاف. وهنا لا بد له من مواجهة السؤال الذي يدور حول كيف يمكن للذات ان تسلك بمعزل عن السلطة والمعرفة ؟. [4]
اهتم فوكو منذ البداية- منذ تاريخ الجنون ؛ومولد العيادة؛ والكلمات والأشياء؛ وصولا الى المراقبة المعاقبة- بما يقع على الذات من اثر التقنيات الخارجية التي تمنعها من الولوج الى ذاتها. ولكن اكتشاف تقنيات الذات لا تتم بمعزل عن الخارج بل في صميمه وباختراقه لجعله يقبل خارجيتها المختلفة في خضمه.
فعندما اراد فوكو الانهمام بهموم ذاته, كان يتطلع الى الاتيكا اليونانية (Etica), والتي سماها فن الوجود. فكما كان هناك تقنيات لإدارة الذات, فكذلك كان هناك جهد لتزييح هذه التقنيات ودفعها للخروج من آلية الفعل والانفعال, والتحرر من هم مقاومة القمع, لتبلغ حد تحولي قادر على اعادة انتاج الذات باعتبارها ابداعا فنيا. وللوصول الى هذه الرتبة- في نوعية تقنيات ممارسة الذات للتفوق على اثار معارك القولبة والتجهيزات وآليات التصنيف والتعليب- ينبغي تحقيق قطيعة في بنية معرفتنا للذات نفسها. فالذات تخرج من مفهوم الذاتية الى افهوم ذات- بدون ال العريف. حين تتم النقلة من الاخلاق الى السلوك etica, فلا بد ان نصادف تلك الذوات الكثيرة, التي تحملها اجسادها وتملأ علينا المكان. تلك الذوات هي هذه الاجساد التي تتحرك, تمارس افراحها وتعيش ليلها ونهارها, وتعصف بها المتغيرات, وتجعلها مختلفة وعادية وناقصة دائما... . فالحديث عن سلوك يجسد صاحبه امامنا. انه الجسد الذي يحمل هيئته الخاصة, واسمه الفريد. وهو ما يحقق هم تكوينه بذاته. فهو الفرد الجديد الواحد القائم هنا وهناك. وحيثما يتوقف يقوم مركز. وحيثما تدوس قدماه يرتسم محيط. فما اكثر مراكزه ومحيطاته.
فالذات تقطع مع الذاتية, وانبثاق الجسد الآن وهنا يُغني الذات عن ذاتها. انه الفرد - الذي بشر فوكو بولادته- الذي لا يمثل إلا أيقونته الخاصة الغير قابلة للاستعارة, وعاجزة ان تكون النموذج العام. [5]
من اجل ممارسة الذات فوكو يطبق منهجيته الاركيوجينالوجية من خلال اعتماد نموذج الفرد المبدع الآتي من الثقافة اليونانية. باعتبارها اعلى درجات تحقيق لقيادة النفس عند الفيلسوف. وهذه السيطرة على النفس لا تعني الغاء حيويتها- كما حدث مع الاخلاق المسيحية- ولا هي نابعة تبعا لتأثيرات خارجية, بل هي تقنيات ممارسة الذات نحو ذاتها, وفي نفس الوقت تشكل طوية لتلك التأثيرات.
ولذلك فوكو يميز بين الجنس والجنسانية, باعتبار الجنس عملية عضوية مباشرة, والثانية تشتمل على مجمل الحياة الجنسية بمعناها الواسع. والتي من خلالها تستطيع النفس الانفلات من التأثيرات الخارجية المحددة لسلوكيتها, والانزياح خارج وطأة المعرفة الرّتبية والمقامية المعلقة فوقها. وممارسة الذات عند فوكو هي تلك القوة الحيوية القادرة على تحقيق سلطتها التي تنتمي لفعاليتها المباشرة. والقادرة على التخلص من قوى السلطات الاخرى.
وهذه الممارسة اذن يجب ان تحقق بشكل متزامن الكشف والتأويل لكل تقنيات الخطاب الاجتماعي والفلسفي, بهدف تحقيقها اولا ومن ثم التبرء والفرار من وطأتها ثانيا, وبعد ذلك العودة للتألف معها مجددا. وهذا ما يسميه دولوز جدل الداخل والخارج عند فوكو. وأعلى اشكال ممارسة "اركيولجيا الذات" عند فوكو هو التفكير وكتابة خطابها اللامتناهي, في محاولة للكشف عنها وهي متلبسة بين الفكر والسلوك. وهذا لا يعني الوصول الى مثالية التطابق بين الخارج والداخل , بل الفوز بالذات عبر فعلها وانفعالها في العالم.
الفكر في الخارج يقيم دائما مملكة الأخر, التي تنشد إليها الذات , فتبتعد عن مركزيتها وتنخرط في معركة الغربة والاغتراب عن بيتها. [6]
اركيولوجيا الجنسانية ليست سيكولوجيا الجنس, كما عند فرويد او لاكان. كما ان خارجية الذات وممارساتها ليست التواصلية مع الاخر كما عند هابرماس. بل هي التقاء مع جسد الاخر كذات, او ذات الاخر كجسد. وهذا الالتقاء لا يهدف لعمل تطابق بين الذات ونفسها, ولا مطابقتها مع ذات الاخر. بل الالتقاء مع الاخر هو مناسبة لاحداث تغيير الذات لنفسها.
(per capire: يعني التقائي بشخصية مهمة تكون فرصة تسمح لذاتي ان تتغير باستخدام جسدها كذات او ذاتها كجسد ؟)
انها تشكل مشروعا او اسستئنافا لبناء علاقة بين الذات ونفسها في الاخر, وليس بواسطته أو من خلاله. <allora a cosa serve l'altro, se in fondo una operazione simile puo essere eseguita solo nel mio IO
اركيولوجيا الكشف عن تقنيات الذات ننأى بنا عن تحليلات فرويد وتحد من فكرة الوساطة التي حركت المثالية والماركسية والكانطية الجديدة, لأن الاخر لم يعد وساطة معرفية للاغتراب عن الذات ومن ثم العودة ليتطابق معها, بل ان الداخل هو طوية من الخارج لا تتواصل الذات معه لانها فيه , ولكنها تطبعه لتعيد نمذجته داخلها.
الانهمام الكلي بالذات (Epimeleia Heautou) عند اليونان يختلف عن شعائرية عبادة الأنا (ٍSalffashining)التي أشاعتها الحضارة الصناعية. فعملية بناء الذات هي في جوهرها جمالية استطيقية كينونية, اكثر منها اخلاقية اوانانوية. وهذه الكينونة هي التي تمكن الذات ان تتحرر من شبكيات سلطة_معرفة, ومن صراعات علاقات القوة. فالانهمام ليس شأنا انانويا ولا افتنانا, بل الوصول إلى حالة من الاعتدال وتحديد الانفعالات, لتحقيق السعادة الابيقورية.
وكما يقول سقراط اعرف نفسك بنفسك, فالذات ليست جوهرا يجب العثور عليه, ولا اصلا ثابتا, ولا شعورا فرويدويا خفيا, بل مشروع انبناء وتكوين. فهي تحيا حياة صانعها, وليست النفس الامارة بالسوء يجب التطهر من رجسها, ولا هي ذاكرة ماضيها المتكونة مرة واحدة والى الابد, بل الانهمام بالذات ينفتح على إمكانية الخلق والتغيير. ويغدو هذا الانهماك الفرح الحقيقي والتمتع المتجدد بفن الوجود. فليس الابداع مقصورا على الفن بل في متناول اي فرد ان اتقن معرفة كيف يحيا (saper vivere), أي معرفة كيف يصنع حياته كمدخل لفن الوجود. الذي يكون بإقصاء هيمنة نظام المعايير والتحرر من كل اصل ميتافيزيقي للذات.

محتويات

     1 ترجمة من الايطالية
    2 الفصل الاول:نحن الفكتوريون الاخرين
    3 الفصل الثاني: الفرضية القمعية
        3.1 1- الحض على الخطاب
    4 الفصل III: علم الجنس
    5 الفصل IV: جاهزية الجنسانية
        5.1 الرهان
        5.2 المنهج
            5.2.1 الملامح الرئيسية للسلطة
            5.2.2 ما هي العلاقات الأساسية للسلطة, وتأثيراتها في خطاب الجنس ؟
        5.3 الميدان
            5.3.1 التمرحل (Periodization)
    6 الفصل V: حق الموت والسلطة على الحياة
    7 جمل مفتاحية
    8 مصادر وحواشي

ترجمة من الايطالية

إرادة المعرفة (La volonté de savoir, 1976) هو مقال للمؤرخ والفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو. ويهدف المؤلف إلى دراسة كيفية تشكل مجال المعرفة المسمى "الجنسانية", كممارسات ومؤسسات ساعدت على توليدها, وما تبع ذلك من عواقب قسرية. وهو مقدمة لدراسة أوسع حول تاريخ الجنسانية.
Hasan-isawi.jpg
ارادة المعرفة, غرض هذا الكتاب لي
س تحليلا للسلوك الجنسي في المجتمعات الغربية, او لكيفية عمل الناس للجنس, أو كيف تم منعهم من عمل ذلك, ولكن كيف ان هذه السلوكيات أصبحت موضوع للمعرفة:
  • كيف تطورت الجنسانية, في جوانبها الدينية والطبية والتعليمية والاجتماعية والأسرية , وكيف أثرت على الأفراد. ويرى فوكو أن أحد الأخطاء الرئيسية التي أجريت لفك رموز العلاقة بين المعرفة والسلطة والجنس كان في تركيز التحليل على مفهوم القمع دون إدراج هذا الأخير "في سياق أوسع وأكثر تعقيدا.
  • الجنسانية في هذا 'الكتاب ليست سوى ذريعة لمعرفة بأي طريقة, في المجتمعات الغربية الحديثة إنتجت خطابات ونسبت لها قيمة الحقيقة التي كانت مرتبطة بمختلف آليات ومؤسسات السلطة.

الفصل الاول:نحن الفكتوريون الاخرين

هذا الفصل هو مجرد عرض لمضمون وصيغة الخطاب الغربى المعاصر حول الجنس كما عايشه ميشيل فوكو والذى يمكن ان يلخص بكلمة: " الفرضية القمعية".
نحن الفكتوريين , تشير الى النظام الفكتورى الذي هو نظام ينزع للتطهر, ويحكم على الجنسية أو كل ما يتعلق بها من قول وفعل, بالنفى و الحبس. فهو نظام قمعى يحكم على الجنس بالزوال والصمت. الا عندما تكون وظيفته الوحيدة الانجاب. ولذلك فالعقيم الذي يستخدم الجنس لذاته يعتبر شاذا. بالرغم من هذا يقر فوكو ان بعض التسهيلات اعطيت لاعمال الجنس الغير مشروعة الهادفة لجنى الارباح.
وبما ان النظام الفكتورى يحرم الجنس ويعتبره تابو, فهو يحتقر ايضا الجسد. [7]
حتى بداية القرن السابع عشر كان لا يزال هناك بعض الحرية للخطاب والممارسات الجنسية, والتي انعكست على كل مجال من مجالات الحياة اليومية: خطاب مباشر ودون خجل, ملابس تُلمح عن اجساد مسترخية وايماءات صريحة دون حياء زائف , والتي تتسرب منها كودات للسفالة والخلاعة مرنة إلى حد ما؛ في ذلك الوقت كانت الجنسانية تُعاش بحرية تحت ضوء الشمس, ولكن بدلا من ذلك, بعد سنوات قليلة, اصبحت معزولة في ظلام البيئة الأسرية.
وحول الجنس سقط الصمت, والمتزوجين فقط أصبحوا حاملي الشرعية والحقيقة الوحيدة؛ وأصبحوا نموذجا يجب الاحتذاء به, وحولهم فقط يمكن التحدث عن الجنس, ولكن فقط بهدف الإنجاب.
غرفة الوالدين هو "المكان الوحيد الذي يتم فيه الاعتراف بالجنسية. وما يحدث خارجها يتم حذفه, رفضه, وإسكاته, فهو خارج عن القانون والقاعدة الأخلاقية, ويجعل من المستحيل حتى التحدث عنه.
الجميع يحترم الصمت حول الجنس كما لو لم يكن هناك اي شيء يمكن ان يُقال عنه, او يُرى او يُعرف. وهنا يكمن الفرق بين القمع والقانون الجنائي: اوامر الصمت.
الأماكن الوحيدة التي يُسمح فيها أشكال غير شرعية من النشاط الجنسي, هي على وجه التحديد الاماكن التي فيها أي شخص يدعي انه لا يرى ولا يعرف, في أماكن "منزوية حيث قيود وإملاءات المجتمع لا يمكنها أن تدخل, ولكن ولا حتى التجاوزات يمكنها أن تخرج منها, والتي تُسمى "أماكن التسامح". بيت الدعارة ودار الرعاية (تسمى "الفيكتوريون الآخرين"), فالعاهرة والقواد, الطبيب النفسي مع مريضته الهستيرية, هم الفيكتوريون الاخرون. حيث يتم كل شيء بالخفى والصمت, حيث المرسوم الثلاثي من حظر, وفناء وصمت - الذي هو أساس التحفظ والتزمت الذي يسود في الخارج- لا يمكن ان يظهر.
فهل تحررنا من كل هذا؟. ربما تجاوزناه بعض الشيء بفضل فرويد.
يفسر فرويد, حتى لو بحذر, أن القمع, بدءا من "العصر الكلاسيكي, كان حلقة وصل رئيسية بين السلطة, والمعرفة والجنسانية. ويمكنك التحرر منه بشرط التعدي على القوانين ودفع ثمن باهظ, لأن حتى أصغر جزء من الحقيقة هو تحت شروط السياسية.
ولادة عصر القمع في القرن السابع عشر, تتزامن مع تطور الرأسمالية, وعصر البرجوازية. من السهل القول ان هناك قمع لممارسة الجنس لأن هذا يتعارض مع نظام مكثف للعمل, وحيث كان يجب تقليل ملذات الدنيا الى الحد الادنى , ويجب توجيه الجنس نحو الإنجاب فقط.
وهناك سبب آخر يؤدي بسهولة إلى صياغة ان القمع هو اساس العلاقة بين الجنس والسلطة وهو من "مصلحة المتكلم", لأن من يقول ان الجنس مقموع, فإن كلامه يصبح عصيان مقصود. أي فقط التحدث بالجنس - وهو التابو- يؤدي بطريقة ما الى الخروج عن السلطة, وعن كل القوانين والفرائض. ولهذا السبب فإن حقيقة الاستماع لمواضيع جنسية يصبح ذات قيمة تجارية في المجتمع الغربي.
لماذا نحن مقموعين؟ لأننا وصلنا إلى التأكيد على أن الجنس ممنوع, لإظهار أننا نخفيه, ولنقول اننا نكنمه؟. لماذا ربط الناس بين الجنس والخطيئة زمنا طويلا ؟.
فيما يتعلق بالفرضية القمعية تنشأ أساسا ثلاثة شكوك:
  • 1- تاريخية
  • 2- تاريخية-نظرية
  • 3- تاريخية-سياسية
  • 1- تاريخية: هل لقمع الجنس أدلة تاريخية؟
من القرن السابع عشر, هل أنشأ حقا نظام قمعي للجنس ؟
  • 2- تاريخية - نظرية : آليات السلطة لعبت دور في المجتمع, هل هي جزء من نظام القمع؟. علما بأن الحظر والرقابة, والحرمان, هي الاشكال التي من خلالها تتجلى السلطة داخل المجتمع.
  • 3- تاريخي- سياسي : الخطاب النقدي الموجه ضد القمع, ويتقاطع مع آلية سلطة, والذي قاومتها حتى ذلك الحين, او هو مجرد فرع من فروع السلطة. هناك انكسار تاريخي بين "عصر القمع وبين التحقيقات النقدية للمقاومة ؟
احدى العناصر الرئيسية لهذا الكتاب هو تحليل النظام سلطة-معرفة-جنسانية, الذي هو أساس الخطاب حول الجنسانية. في هذا الصدد أكثر مما هو تحليل حول ما إذا كان المجتمع هو الذي بصيغ حظور أو تراخيص حول هذا الموضوع , فإنه أكثر أهمية الاخذ في الاعتبار الحقيقة الخطابية الكلية للجنس. حقيقة في انه يتم التحدث عنه, ومن هو الذي يتحدث عنه, والأماكن ووجهات النظر التي تتحدث به. تلك التي يدعوها فوكو "تقنيات متعددة الأشكال للسلطة".
وسيكون من المهم تحليل ارادة المعرفة كعنصر يعمل بمثابة دعم وأداة للإنتاج الخطابي وآثاره على السلطة. ووفقا لفوكو باتباع هذا الإجراء يظهر أنه في نهاية القرن السابع عشر التحول في خطاب الجنس لم يخضع لعملية تقييد, بل على العكس لقد تم توسيعه. كان هناك نهم ورغبة في تحليل كل جانب من جوانبه, وهذا اعطى حياة لعلم الجنس.

الفصل الثاني: الفرضية القمعية

هذا الفصل يعمل عكس اتجاه الفرضية القمعية , اذ يبرز كيف كانت التجربة الجنسية حاضرة فى الثقافة الغربية. الفصل مقسم الى جزئين: الجزء الاول بعنوان " الحض على الخطاب " , حيث يوضح كيف كان هناك حض على الخطاب بشكل كمى, والثانى بعنوان "الغرس المنحرف " حيث يوضح كيف كان الحض على الخطاب بشكل كيفى وعميق وإرادى بالنسبة للسلطة.

1- الحض على الخطاب

بالتوقف على السطح, القرن السابع عشر يبدو "كبداية " لعصر القمع. منذ هذه الفترة اصبح الجنس اكثر صعوبة وابهظ تكلفة, , كان من الضروري طرده من الاشياء المقولة واطفاء الكلمات التي تجعله حاضرا حضورا محسوسا. حتى المحرمات نفسها تخشى ان تنطقه. الحياء العصري يقتضي منع الكلام عن الجنس, من خلال اصناف المنع التي تساند بعضها. انماط من الخرس تفرض الصمت نتيجة ممارسة السكوت.
لعبة الصمت التي تفرض الصمت.
إذا حللنا هذه الظاهرة في تطورها, فنحن ندرك أنه حول الجنس كان هناك انفجار حقيقي للخطاب. لا شك انها أدخلت العديد من القيود على مستوى اللغة وقواعد الحشمة, لتحديد بدقة متى وكيف يمكن الحديث عن الجنس؛ ومع من؛ وداخل اية علاقات. ولكن ضمن هذه القيود حدث تطور هائل , الذي تسارع في القرن الثامن عشر.
منذ مجلس ترينت (concile de trente) في سياق الاعترافات التي كانت تطرح في القرون الوسطى, كل جانب من الجوانب- حتى على مستوى التفكير بالجنس- كان موضع للتحقيق.
من القرن السابع عشر القيود المفروضة على مستوى اللغة أيضا غزت هذا المجال. الجنس يجب ألا يُذكر بدون حذر, ولكن آثاره لا بد من تحليلها حتى في تشعباتها الاكثر دقة. يجب أن يقال كل شيء.
هناك محاولة لتحديد بكل وسيلة علاقة الجسد بالروح, بين الفكر واللحم وهذه هي بالضبط المرحلة التي حاولوا فيها تحليل المشاعر والأفكار التي تعبر النفس والجسد والتي لها تقارب مع الجنس.
نص القرن السابع عشر قاعدة ان يكون هناك خطاب عن الجنسية لكل مسيحي, على الرغم من أنها كانت قابلة للتطبيق على نخبة صغيرة من المؤمنين المتحمسين الذين كانوا يعترفون عدة مرات خلال السنة. لا يكفي الاعتراف بالأعمال ضد القانون ولكن يجب أن تتحول رغبة كل واحد الى خطاب. يمكن حتى التكهن بأن القيود الشديدة التي فرضت على اللغة, كانت وسيلة لجعلها مقبولة أخلاقيا دراسة استقصائية من هذا النوع. ولد في القرن الثامن عشر, تحريض سياسي واقتصادي للحديث عن الجنس. الجنسية تصبح شيئا يمكن إدارتها والسيطرة عليها. وأتت الحاجة لضبط ممارسة الجنس من خلال خطابات عامة.
في القرن الثامن عشر الحكومات أدركت أنها لا تتعامل ببساطة مع الموضوعات بل مع سكان بظاهراتهم النوعية ومتغيراتهم الخاصة. وفي قلب المشكلة الاقتصادية والسياسية التي يمثلها السكان يكمن الجنس. فهو هدف لتدخل السلطة.
هناك حالتين كأمثلة:
  • الأولى هي للمؤلف المجهول : حياتي السرية, سلسلة من أحد عشر مجلدا طبع منها عدد قليل جدا من النسخ, حيث يصف الكاتب تفاصيل حياة مكرسة لممارسة الجنس وهذا هو مثال عن آثار نظام الجنسية التي أنشئت في ذلك الوقت,
  • ومثال عن عامل الفرنسي كان يدفع الفتيات للحصول على الاهتمام. بعد ان اشتكوا عليه, هذا الشخص لم يعد مجرد المتجاوز للقانون, ولكن يصبح ضار ويتعين دراسته في مجمله كفرد له جسم, ونفسية, ونبضات , انحرافاته المحتملة. وكذلك بالاضافة الى انه موضوع قانوني يصبح موضوع طبي, تتم دراسته كحالة سريرية. وراء دون جيوفاني, خاطف الزوجات ومغرر العذارى, ومتهرب من القانون, يظهر الفرد المجنون جنسيا الذي طوعا أو كرها يتأثر سلوكه من طبيعة بنيته الجسدية والنفسية.
لم يعد هناك صمت واحد ولكن العديد من أنواع الصمت: لنأخذ على سبيل المثال كليات القرن الثامن عشر. للوهلة الأولى يبدو أن هناك محاولة لإخفاء بكل وسيلة كل ما يتعلق بالحياة الجنسية, ولكن يكفي التوقف لملاحظة الهياكل المعمارية للكليات, تصميماتها تدور حول الحياة الجنسية للطلاب واثأرها الممكنة, بتقسيمات مدروسة بدقة لكل الفراغات. القرن التاسع عشر لم يكن قرن القمع والصمت, ولكن قرن التكاثر والاختلاف الجنسي, والانحرافات متعددة الأشكال.
حتى القرن الثامن عشر القوانين الثلاثة الكبرى التي حكمت "المجال الجنسي هي:
القانون الكنسي[8]؛ المسيحية الرعوية؛ والقانون المدني, والتي تركزت تحركاتها خصوصا على الجنسية الشرعية بين الزوجين, والهيتيرو والتحكم بها من خلال قواعد صارمة وبحث معمق.
على العكس من ذلك, منذ 1700, دخلت العديد من التخصصات الأخرى في إنتاج الخطابات حول الحياة الجنسية. الطب, والطب النفسي, علم التربية وعلم النفس ...؛ انهم مهتمون بشكل خاص بالبحث في مجال الجنسية وما يدور حولها تاركين العلاقة الزوجية خارج هذه البحث. وبالتالي وظيفة السلطة ليست الحظر, ولكن يمكن تصنيفها في أربع مجموعات رئيسية:
1* - بمقارنة ظاهرة زنا المحارم وتلك للطفل الذي يخوض في الجنسية نلاحظ اختلافات كبيرة:
  • في الحالة الأولى السلطة تستهدف زنا المحارم كشيء يجب تقليله وتحريمه, بينما في مجال الحياة الجنسية للطفل, في كثير من الأحيان لا تؤخذ بعين الاعتبار , ولا ينظر إليها على أنها مرض بحاجة الى شفاء, لا يبني جدار, ولكن في الواقع تُفتح عدد لا حصر لها من الطرق لتحليل وترشيد هذه الظاهرة.
  • 2- البحث عن الانحرافات يؤدي إلى تصنيف جديد لها:
في حين ان الشخص الذي كان يقترب من اللواط كان مخالف للقوانين المدنية والجنائية, الآن يظهر على أنه منحرف ومشروط بخياراته من قبل خنوثة الداخلي, ومن خنوثة في الروح. اللوطي يعتبر انتكاسي (تراجعي). المثليّة نوع. نشأت اذن سلسلة كاملة من المفردات لتصنيف هذه الانحرافات الجنسية.
  • 3- ترتبط المتعة بالقوة في دوامة دائمة تتغذى على نفسها: متعة البحث عن الحقيقة ومن ممارسة السلطة , والمتعة الناشئة من محاولة الهروب من هذه الآلية. لا تجعلهما ضد بعضها البعض ولكن يتلاحقان يتداخلان, ويستأنفان.
  • 4- مولد أجهزة التشبع الجنسي التي ميزت الفراغات والطقوس الاجتماعية في القرن التاسع عشر, أو بالأخري الأماكن التي تمثل نقاط تراكم الجنسية, مثل المهاجع, والصفوف, والمؤسسات المدرسية والنفسية, ودور الدعارة, والسجون. 'في هذه المساحات تم عزل الجنسية الغير شرعية.
بمقارنة الجنسانية الغربية بالجنسانية لدى الرومان أو الهنود أو الصينيين, يقابل الفيلسوف بين ما عندهم من “فنّ إيروسيّ” ars erotica موجّه نحو البحث عن اللذّة وما لدى الغرب من “علم الجنس” scientia sexualis الذي يعني أن نقول في شكل اعتراف حقيقة رغباتنا. أن نقول الجنس, عند الغربيين, لا يعني أن نقول كيف نجد اللذّة, بل الاعتراف برغباتنا. ممّا يعني أنّ الأهمّية التي نعقدها على قول هذه الحقيقة كانت حاضرة ـ من قبل ـ في طقس الاعتراف حيث يتوجّب على الخاطئ أن يبوح بشهواته الأشدّ حميمية.

الفصل III: علم الجنس

علم الجنس هو الإنجاز الأكبر للثقافة الغربية فى الخبرة الجنسية, في هذا الفصل يوضح فوكو تلك الخصائص التى اعطاها الغرب للممارسة الجنسية.
علوم الجنس باعتبارها شيئا مضاد للفن الايروسي ARS EROTICA. ولكن في المجتمع الغربي الفن الايروسي لم يكن دائما غائبا (نجد عناصر مماثلة في البحث عن الاتحاد المطلق مع الله وفي ظواهر نشوة وحيازة في السياق الديني) ولا هي غريبة عن عملية إنتاج الحقيقة حول الجنسانية. يمكننا أن نرى ان علوم الجنس لدينا كشكل خاص من الفن الايروسي. بينما في الفن الايروسي الحقيقة يعثر عليها في المتعة, لقد أنتجنا شكلا جديدا: المتعة المشتقة من الحقيقة عن المتعة. العناصر الاهم في علم الجنس لا يمكن العثور عليها في الجنسانية كشيء عقلاني في جميع الحالات, وإنما في مضاعفة و"تكثيف الملذات المتراكمة حول حقيقة الجنس.
هناك خمس نقاط أساسية تجعل المعرفة حول الجنسانية "علم الجنس":
  • 1- جعل الجنس موضوع طبي (medicalization), أي جعل الجنس شيئا علميا يمكن اثباته من خلال سلسلة من العلامات والأعراض. من خلال التحليلات الطبية, والتنويم المغناطيسي , واستدلالات حرة ...
  • 2 - اقتراح الجنسية كشيء خفي وغامض موجود في كل مكان, مما دفع الأفراد للحفر في أعماق أنفسهم, للاستدلال عن أي شيء يمكن أن يكون له أدنى اتصال بالمتعة وأسبابه
  • 3- دخول علم المسببات -etiology في اللعبة ؛ ولهذ فقد ربطوا عدد كبير من الأمراض الطبية والنفسية بالانحرافات الجنسية والعكس بالعكس, العديد من الأمراض الجنسية ردوا اسبابها إلى اضطرابات طبية, وخلل في الجسم والعقل.
  • 4 - الشخص الذي كان له دور الوسيط للمعترف يأخذ الآن دورا مزدوجا,أي الذي كان يدعي ان القدرة على التفسير (التأويل) والعفو, فهو أيضا قادر تصنيف ما هو طبيعي أو غير طبيعي.
  • 5- الاعتراف كان الوسيلة الرئيسية لإنتاج الحقيقة حول المسائل الجنسية ولاحقا انضم اليه التحليل السريري, وعدد من التخصصات الطبية, والطب النفسي, ثم التربوية ... الخ . ويبدو ان طبيعة الجنس مفتوحة للعمليات المرضية, وبالتالي يتطلب عمليات تطبيع, وابقاءه تحت السيطرة, والضبط, والرصد, لجعله يصبح علمي لا سيما من خلال الخطابات المؤسسة حوله.

الفصل IV: جاهزية الجنسانية

هذا الفصل مقسم الى اربعة اجزاء: الرهان , المنهج , الميدان , التمرحل. وهو الفصل الذى ينتقل فيه فوكو من مجرد الوصف الى التحليل لمركزية القيمة العظمى المعطاة للممارسة الجنسية بشكل معين فى الثقافة الغربية. [9]
هذه السلسلة من الدراسات والبحوث عن الحقيقة حول ملذات الجنس يمكن مقارنتها بالتحول التاريخي لقصة: bijoux indiscrets de Denis Diderot , حيث المارد Cucufa منح الامير Mangogul خاتم سحري قادرة على جعل النساء يتحدثون حول الجنس. منذ القرن الثامن عشر ونحن نحاول بكل الطرق أن نجعل الجنسانية تتحدث, فجعلناها سبب كل شيء, ووضعناها في كل زاوية. فكل إجابة نشير إلى الجنسية والمتعة. فالجنس هو سبب كل شيء.
حتى الآن استطعنا ان نجعل الخاتم يتكلم, ولكن ليس الخاتم عن نفسه. ولهذا السبب نشعر بالحاجة للحفر تحت السطح للتوصل إلى فهم جميع الآليات التي تنظم المتعة ؟

الرهان

هدف تحقيقات فوكو موجهة نحو بحث تحليلي للسلطة وليس حول صياغة نظرية حولها. هناك سمات معينة للنظرية القمعية التي ترى في السلطة عنصر رقابة وحرمان للجنسانية:
  • 1- العلاقة السلبية, بين السلطة والجنس لن تقام اي علاقات من أي نوع إلا وتكون نتائجها سلبية؛ السلطة لا يمكنها الا أن تسلب الجنس, تجعله غامضا, إخفاءه, اسقاط الصمت حوله, والجوانب وتخدير بعض جوانبه, مراقبته... وحيث السلطة تضيف شيئا, فهي تضيف الحرمان, الفراغات والثغرات و الصمت.
  • 2- نسخة القاعدة. الجنس يتعرض, من قبل السلطة الى مخطط ثنائي سماح| نفى, صحيح| خطأ, شرعي | غير شرعي, طبيعي | مريض, بدون حل وسط, اما ابيض او اسود.
  • 3- دائرة الحظر - لذلك السلطة يمكنها تمثيل الجنسانية بالإنكار والحرمان, وفرض على عناصر معينة من الحياة الجنسية ألا تظهر إذا أرادت الاستمرار في الوجود, وهو فرض يجعلها تختبئ في الظلال
  • 4- منطق الرقابة - يخضع لثلاثة أشكال:
  • التأكيد على عدم السماح
  • منع ان يقال وإنكار وجوده. نسخة ثلاثية للحظر, والفناء والصمت.
  • 5- وحدة الجهاز, وبالتالي فإن القمع من قبل السلطة, يتصرف بنفس الطريقة وبنفس الشدة , وإن كان ذلك على مستويات مختلفة في جميع الظروف, والبيئة, أو الطبقة الاجتماعية.
السلطة المشرعة دائما مخضعة , سواء الرعية مع الامير, والابن مع الوالد, والمعلم مع التلميذ, والمريض مع الطبيب.
ووفقا لفوكو هذه الرؤيا مقيدة للغاية لأن السلطة في هذه الحالة لن تكون قادرة على إنتاج أي شيء, إن لم يكن نوعا من ضد- الطاقة. ان المفارقة في عملها يكون في عدم السماح للفرد الخاضع عمل أي شيء باستثناء ما هو مسموح له. ومع ذلك, فإن هذا المفهوم القانوني للسلطة الذي اصبح فقط إجراءات قمع وهيمنة تم قبولة عموما. ووفقا للفيلسوف العنصر الرئيسي الذي أدى إلى هذا الاستنتاج هو أن السلطة تستطيع العمل بما يتناسب مع الجزء الذي منها تستطيع اخفاءه, وخصوصا عن الافراد التي تمارس عليهم سيطرتها.
تعرف وتحدد السلطة بالقمع لأنها تقوم على القانون الذي حددته المؤسسة الملكية. بدلا من ذلك ينبغي تكوين تحليلية للسلطة بحيث لا تأخذ نموذج القانون كحق. ووفقا لفوكو بالقاء نظرة فاحصة, ندرك أن السلطة لم تحكم الجنس على شكل القانون والسيادة, ولكن من خلال "التحليل التاريخي يمكننا التوصل إلى تكنولوجيا للجنس أكثر تعقيدا وأكثر إيجابية بكثير من التأثير البسيط للحظر. صياغة شبكة آخر من التفسير التاريخي تتقدم تدريجيا من خلال "رؤية أخرى للسلطة. التفكير في وقت واحد بالجنس بدون القانون وبالسلطة من دون ملك.

المنهج

تشكيل نوع معين من المعرفة عن الجنس لا يقتضي صياغتها من حيث القمع والقانون بل من حيث السلطة. التي عند فوكو لا تعني مجموعة من الأجهزة التي تضمن اخضاع المواطن في دولة معينة, ولا نوعا من القهر الذي يُفرض ضد العنف كآلية للتوازن , ولا حتى هيمنة فئة اجتماعية معينة على آخرى, بل هي تمثل مضاعفات لعلاقات القوى القريبة الى الساحة الاجتماعية, حيث ( SI ESERCITANO E INTRINSECI, COSTITUTIVI DELLA SUA ORGANIZZAZIONE).
شروط إمكانية السلطة, وشبكة تفسير وفك رموز تحركاتها, حتى تلك الهامشية, لا ينبغي البحث عنها في نقطة مركزية واحدة, حيث تنبع الطاقة, بل بالاحرى في تلك الحركة التي تهتز تحت الأحداث المحلية المتعددة, والغير مستقرة والمتطورة بشكل مستمر.
السلطة منتشرة في كل مكان ليس لأن لها الخيار جمع كل شيء في وحدة واحدة, بل لأنها تأتي من كل مكان. السلطة ليست "مؤسسة, او بنية, يملكها البعض, ولكنها الاسم الذي يطلق على كل ذلك الهياج للحركات الآتية من العديد من المصادر والأجهزة الموجودة في كل المجتمعات. هذا التعدد في العلاقات يمكن ان يتبلور على شكلين: في السياسة أو في الحرب, وهما استراتيجيتان مختلفتان ولكن كل منهما على استعداد ان تقلب الاخرى في أي وقت.

الملامح الرئيسية للسلطة

السلطة ليست شيئا يمكن شراءه, او الفوز به, او تملكه أو تركه , بل شيء ينبع من نقاط متعددة , وهو غير مستقر بتاتا, وغير متساواي ولا ساكن.
علاقات القوة ليست شيئا خارجيا لأنواع أخرى من العلاقات, كما قد تكون العمليات الاقتصادية, او علاقات التعارف أو العلاقات الجنسية, ولكنها متأصلة وجوهرية.
السلطة تأتي من الأسفل, أي في أصلها لا يوجد تعارض ثنائي جامد بين المهيمن والمهيمن عليه, او بين ملاك السلطة وأولئك الذين يخضعون لها, او مسار ازدواجي يهبط من الاعلى الى الأسفل, ولكن بوصفها خط يخترق الصراعات المحلية ويربط بينها.
علاقات القوة مقصودة وفي نفس الوقت ليست ذاتية, او بالاحرى لا يوجد أي سلطة تُمارس دون سلسلة من النوايا والأهداف, ولكن ليس كخيار لفرد واحد. عقلانية السلطة هي التكتيكات التي تتشابك وتدعم بعضها البعض لتشكل شبكة كثيفة تعمل كقاعدة او اساس لممارسة السلطة.
حيث توجد سلطة توجد مقاومة, ومع ذلك, أو ربما بسبب ذلك, المقاومة ليست ابدا في موقف خارجي بالنسبة للسلطة, وإنما هي داخل السلطة, وجزء من السلطة نفسها.
لا يمكن ان توجد علاقات القوة الا بواسطة عدد وافر من نقاط المقاومة. التي هي موجودة في كل مكان في الشبكة الكثيفة للسلطة. هي نقاط, وعقد, وبؤر, منتشرة في الزمان والمكان بكثافات وترددات مختلفة , تُشعل فجأة أوقات معينة من الحياة, وأجزاء معينة من الجسم, وبعض السلوكيات ...

ما هي العلاقات الأساسية للسلطة, وتأثيراتها في خطاب الجنس ؟

ووفقا لفوكو, ينبغي تحليل آليات السلطة من خلال توازن القوى, كما عمل مكيافيلي الذي كان واحدا من الاقلة الذين حللوا الأمير من خلال هذا المنظور. التخلص من الأمير وفك رموز آليات السلطة ابتدأ من استراتيجية ملازمة علاقات القوة .. في خطاب الجنس, وخطابات الحقيقة التي تظهر في وقت معين وحول مواضيع محددة (جسد الطفل, وجنس المرأة, والممارسات التقييدية لمعدل المواليد, ...) ما هي العلاقات الأساسية للسلطة, وتأثيراتها في هذه العملية؟
يتعلق الامر بمحاولة دمج الانتاج الوفير من الخطابات حول الجنس في مجال متعدد الأشكال لعلاقات القوة. وهذا يقودنا إلى طرح, لأول مرة, أربع قواعد:
  • 1 - قاعدة قرب الحدوث
نقاط الانطلاق سوف تكون "المراكز المحلية" للسلطة-معرفة, على سبيل المثال, والعلاقة القائمة بين المعترف والمعترف له, أو جميع أنماط المعرفة, وأشكال القهر, والتحقيقات, التي تتشكل حول الوالدين , والأطباء, والموظفين, والمربين الذين يحيطون مهد الرضيع بانتظار أصغر مظاهر للجنس.
  • 2- قاعدة التغيير المستمر
لا نبحث عن من يملك سلطة الجنسية ومن لا يملكها, ولا من له الحق ومن يعرف او يجهل, ولكن يجب البحث عن نمط التغيرات الكامنة في علاقات القوة. علاقات السلطة -معرفة, ليست شيئا صلبا محددا ولكنها مصفوفات متغيرة باستمرار. كما هو الحال في القرن التاسع عشر , مجموعة الآباء والأمهات والأطباء والمعلمين والمشرفين التي تراقب الطفل تخضع لتحولات وتغيرات مستمرة
  • 3- قاعدة التأثيرات المزدوجة
لا يوجد اي مركز محلي فعال ان لم ينضم الى آلية أوسع, الى استراتيجية جمعية, وفي الوقت نفسه لا يمكن للاستراتيجية زاحدة ان تضمن تأثير كلي , إن لم تؤسس على أحداثها المحلية والهامشية, وعلى وعلى نقاط الربط. الأسرة بالتأكيد لا تعمل كدولة صغيرة, ولكنها دعمت المناورات الواسعة, مثل تحديد النسل, وجعل الجنس مسالة طبية, وجعل الاعضاء الغير تناسلية مسألة نفسية
  • 4 - قاعدة تعدد القيم التكتيكية للخطابات
ويكون في الخطاب حول تمفصلية السلطة والمعرفة. فكما ان مظاهر السلطة متغيرة وغير مستقرة. فان هناك تعددية لعناصر خطابية يمكن أن تدخل في اللعبة في أوقات مختلفة. الخطاب يبث وينتج سلطة, ويعززه وفي نفس الوقت يُلغمه.
مثلا في حالة اللواط تشكل العديد من الخطابات, وتحليلات طبية, وكتبت كتب في المجال القانوني, والطب, والطب النفسي, والتي دفعت إلى الأمام عملية السيطرة الاجتماعية على هذا الشذوذ, العناد ولكن هذا يعني أيضا أنها ساهمت تدريجيا في ابراز هذه الظاهرة "المثلية الجنسية, واخراجها إلى النور, والتي بدأت بالمطالبة بحقوقها الشرعية والطبيعية.

الميدان

لا ينبغي أن تُفهم الجنسية على اعتبارها حركة ذات طبيعة تمردية, التي تحاول بكل وسيلة الهروب من شبكة السلطة المفروضة عليها, ولكن كنقطة عبور ذات خاصية كثيفة بالنسبة لعلاقات السلطة. الجنسية بالنسبة لعلاقات القوة ليست عنصر اصم بل واحدا من الاكثر خصوبة وقابلية لأن تستعمل كاداة للاخضاع.
منذ القرن الثامن عشر, يمكننا تحديد أربع مجموعات سلطوية واسعة من شأنها تطوير أجهزة محددة حول الجنس :
  • -عملية اظهار وعرض لجسد المرأة.
تم تحليل جسد المرأة وتعريفه بأنه هيئة مشبعة بالجنسية, والذي بالطبع مفتوح لعمليات باثولوجية , ومرافق من قبل الطب والطب النفسي ومراقب من الأسرة, وفي العلاقة مع الأطفال ومع الزوج. وغالبا ما يحيط بالأم صورة المرأة العصبية, والهستيرية.
  • بيداغوجية الجنس للأطفال.
مكافحة جنسية الطفل والتي كان ينظر اليها كأمرا طبيعيا (لأنها موجودة في كل فرد) وفي نفس الوقت كأمر غير طبيعي, يجب الغاءه . مخلوقات على الحدود المتزامنة بين ما هو هنا وما هو هناك من الجنسية.
  • - سوسيولوجية السلوك الانجابي,
سوسيولوجية (تنشئة اجتماعية) اقتصادية وطبية وسياسة تجاه الزوجين, وجعلها مسؤولة عن السياق الاجتماعي كله بما يتعلق بتحديد النسل.
- سايكاياتريّة (Psychiatrization ) متعة الشذوذ. يتم عزل الغريزة الجنسية وكأنها غريزة بيولوجية سيكولوجية مستقلة. تم التحقق من هذه الغريزة في كل مظاهرها, بتحليلها من خلال الطب والطب النفسي.
في القرن التاسع عشر تم ذكر الخطوط العريضة لأربع اشكال رئيسية مستهدفة لعمليات المعرفة: المرأة الهستيرية, والاستمناء , الزوجين مالتوس [10], البالغ الشاذ. من خلال هذه الاستراتيجيات, تم إنتاج الجنسانية نفسها.
وقد أدت العلاقات الجنسية, في كل مجتمع, إلى جهاز من التحالف: نظام الزواج, وتثبيت وتطوير القرابة, احالة الأسماء والممتلكات, ... هذا التحالف فقد أهمية تدريجيا عندما الهياكل السياسية لم تستطيع جعله اداة صالحة او إعطاءه قاعدة كافية, ولذلك فقد انشؤوا أداة جديدة تتداخل معه دون حذفه: نشر الجنسية, التي هي مثل ذلك التحالف تدخل بين الجنسيين ولكن بطريقة مختلفة تماما: يستند جهاز التحالف على قواعد محددة للغاية بما يتعلق بما هو مسموح به وما هو غير ذلك, ويأخذ في الاعتبار بشكل خاص الروابط بين الجنسين المحمية من القانون والدولة بواسطة نظام محدد.
بينما نشر الجنسية , يعمل على تقنيات مرنة ومتعددة الأشكال لانتاج امتدادا لمناطق السيطرة وتقوم على أحاسيس الجسم, وشدة الملذات, وطبيعة الانطباعات أكثر دقة والغير محسوسة.
ويرتبط جهاز التحالف ارتباطا وثيقا بالقانون, لأنه يهدف إلى وظيفة من التوازن بالنسبة للجسم الاجتماعي. جهاز الجنسية يتكاثر, يضيف, يخترع, يخترق الاجساد بطريقة مفصلة ويتحكم بالسكان بشكل كلي.
جهاز الجنسية تم إنشاءه حول جهاز التحالف وابتدأ منه.
الأسرة هي النقطة المحورية لاجهزة التحالف والجنسية؛ تنقل القانون, والبعد القانوني, والاقتصاد في جهاز الجنسية. ولهذا السبب بالذات في القرن الثامن عشر أصبحت موقع الزامي للمشاعر, والعواطف والحب ومكان الجنسية المفضل هو الأسرة . فوكو يقارن الأسرة ب"كريستال" جهاز الجنسية؛ الذي يبدو أنه ينشر الجنسية ولكنها يعكسها ويكسر ضوئها.

التمرحل (Periodization)

إذا كنت ترغب ان تجعل تاريخ الجنسانية مركزا لآليات القمع, فهذا يفترض فاصلين:
  • الاول في القرن السابع عشر مع ولادة الحظر الكبير,-؟
  • والآخر في القرن العشرين مع انعطاف المنحنى: اللحظة التي فيها آليات القمع بدأت بالتراخي.
في نهاية القرن الثامن ولدت تكنولوجيا الجنس , تقنية جديدة تماما , حتى وإن لم تكن معفاة تماما من موضوع الخطيئة , فهي تنجو من هيمنة الكنيسة, وهذا لأن طريق علم النفس, والطب, والاقتصاد, اصبحت الجنسية قضية علمانية ومن نصيب الدولة: مشكلة من شأنها ان تضع كل فرد وكل مجموعة اجتماعية تحت المراقبة.
وقد تم تطويرها على ثلاثة محاور وهي:
  • التربية, مع هدف محدد حول الجنسية الطفولية, والطب مع الفسيولوجيا الجنسية للنساء والديموغرافيا لتحديد النسل (والطب النفسي مع فهرسة الانحرافات).
كل واحد من هذه المحاور اعتمد على أساليب ادرجت من قبل المسيحية, ولكن تكنولوجيا الجنس منذ القرن الثامن عشر بدأت بتنظيم هذه المحاور "المؤسسة الطبية, وليس حول مسألة الموت والعقاب.
تم اختصار اللحم ليصبح فقط الكائن الحي. الجنس يحصل على استقلالية بالنسبة للجسد, وفي نفس الحقبة, التحليل الوراثي وضع الجنس في موقع المسؤولية البيولوجية فيما يتعلق بالنوع. ليس فقط يمكن أن يعاني من مرض ما ولكن يمكن أيضا أن ينقله للأجيال القادمة. وهذا كان واحد من الأسباب التي دفعت إلى إدارة الجنسية.
الثلاثية المكونة من الشذوذ - والوراثة- والانحطاط, شكلت النواة التي من حولها بدأت تتمحور التكنولوجيات الجديدة للجنس. طب الشذوذ وتحسين النسل , كانتا من الابتكارات العظيمة في منتصف القرن التاسع عشر. الطب النفسي, والقانون, والطب الشرعي, ووظيفته الرقابة الاجتماعية, ومراقبة الأطفال الخطيرون أو في خطر, عملوا منذ فترة طويلة على أساس نظام الانحراف- الارث.
عندما نشأ التحليل النفسي استأنف هذه المشكلة محاولا تحريرها من ارتباطاتها مع الوراثة ومن ثم مع جميع أشكال العنصرية وتحسين النسل التي تبعتها.
بالاضافة الى ذلك, لو كتبنا تاريخ الجنسانية من حيث القمع , وطابقنا بداية هذا العصر المظلم للجنس مع ولادة الرأسمالية, سننتهي حتما إلى الاشارة إلى استخدام القوى العاملة التي من شأنها أن تؤدي إلى افتراض أن القيود والقمع كانت أكثر إصرارا في الطبقات العاملة والفقراء, بينما التقنية الأكثر صرامة طبقت بكثافة قصوى في صفوف القادة السياسية والاقتصادية المتميزة.
وفي الأسر البرجوازية والأرستقراطية , بداية مشكلة (problematized) الجنسية عند الأطفال والمراهقين, وجعلوا جنسية الأنثى موضوع طبي (medicalized).
وكان أول من شكل حوار سايكاياتري psychiatrization حول الجنس, وتناول فرط التهيج الجنسي خالقا مجموعة واسعة من الأمراض الفيزيائية والنفسية المتصلة بالانحرافات.
انها البرجوازية التي بدأت باعتبار الجنس الخاص بها شيء ثمين, يجب الحفاظ عليه, لانه كنز هش, ومعرفته اصبحت أساسية.
الشخصية الاولى التي تم تحليلها كانت الامرأة العاطلة التي عندما بدأت مسؤليتها كأم وزوجة, ظهر انها عصبية وتعاني من الأبخرة.
اما قطاعات الشعب, حتى وان كانت مغمورة في جهاز التحالف, فقد نجت لفترة طويلة من الجهاز الجنسي.
بتحليل هذه الحجج, فوكو يبين لنا الشكوك حول بعض العناصر التي هي في أساس فرضية القمع, مثل "تجانس انتشار الجهاز الجنسي. فبدلا من قمع الطبقات المستغلة , هذه الظاهرة تبدو بمثابة تأكيد ذاتي للطبقة البرجوازية
وحتى الطبقة الأرستقراطية أكدت خصوصية جسدها ولكن على شكل الدم (او العرق), في حين ان البرجوازية تجعل من الجنس دمها من خلال الاهتمام الجينالوجي والوراثي.
عند الزواج لا يؤخذ في الاعتبار الضرورات الاقتصادية فقط, ولكن أيضا التهديدات الوراثية . عكسوا الدم الأزرق للنبلاء الى جسم سليم ونشاط جنسي صحي, ولهذا السبب استغرق الأمر وقتا طويلا لكي تعرفه الطبقات الأخرى: يجب ان يكون عنصر مميز وفي اللحظة التي بدأ فيها بالانتشار نتيجة التعايش القسري بين البروليتاريا والبرجوازية, وللحفاظ على نسل هذه الأخيره, في حالة أنها اتت على اتصال مع الطبقات الاجتماعية الدنيا.
وربما فكرة القمع أتت من خلال المنع الذي حاولت خلقه الطبقات الوسطى, لكي تحمي فئتها من الطبقة السفلى, ولهذا فقد أكدت ان اي شكل من اشكال الجنس يجب أن يخضع للقانون.
وفي اللحظة التي بدأ فيها جهاز الجنسية بالانتشار , التمايز الاجتماعي ظهر على شكل القمع الجنسي.

الفصل V: حق الموت والسلطة على الحياة

في هذا الفصل الاخير من "إرادة المعرفة"- يتناول فوكو ما سماه "السلطة الهائلة للموت", وهو تحليل عميق للقتل – عبر الحرب – من أجل العيش, ثم تحليل ثان أعمق للقتل – عبر عقوبة الإعدام – وحيث تتجلى سلطة فعل "الإحياء" أو رد فعله "الموت"... ثم تحليل ثالث تركيبي "لسلطان الموت" عبر أنظمة وقواعد الانضباط (السياستان: التشريحية والبيوسياسية) لتشكيل جسم "السلطة البيولوجية" في النهاية, التي ترتع في مرعى الموت بمختلف أشكاله, وخلف ذلك تتراءى أشكال "المقاومة" والحرص على هذا الذي تقوم الذات حارسة له, أي على الحياة والإنسان بما هو حي: الحرص على الحياة رغم كل الرموز السلطوية التي تحاصرنا, من كل جهة, و تضغط علينا, في كل حين. [11]
لزمن طويل امتيازات السلطة السيادية كانت لها حق حياة او موت الرعية. وفي وقت لاحق بين الحاكم ورعاياه لم يعد هناك تصور ان السلطة تُمارس دون شرط, ولكن فقط في الحالات التي يتم فيها تهديد السيادة. التي يمكنها ان تطلب الحرب من مواطنيها, وتعريض حياتهم للخطر, ولكن دون أن تعلن لهم مباشرة انها حتى الموت ؟.
في البداية كان تُمارس السلطة ك instance of withdrawal, كآلية للإزالة, والابتزاز. السلطة كانت خصوصا الحق في اخذ أي شيء حتى الحياة نفسها.
شهد الغرب تحولا عميقا جدا حول هذه الآليات من السلطة: الانسحاب ؟ لم يصبح الآلية الرئيسية ل"ممارسة السلطة ولكن واحدة فقط من العديد من الأدوات لزيادة وتعزيز القوات التي تُخضها: السلطة تهدف إلى إنتاج قوى, وتطويرها وتنظيمها بدلا من منعها أو تدميرها. ومع ذلك لم تكن الحروب أبدا هكذا دامية منذ القرن التاسع عشر , ولكن مع ذلك حتى هذه القوة الهائلة للموت يبدو كما تكملة للقوة التي تُمارس بشكل إيجابي عن الحياة.
الحروب لا تعد تقاتل باسم الحاكم , بل باسم البقاء للجميع. تُدفع شعوب بأكملها للموت باسم إرادتهم للحياة. المجازر تصبح حيوية.
إذا الإبادة الجماعية هي حلم السلطات الحديثة, ليس لتنشيط الحق القديم للقتل, ولكن لأن إبادة السكان يضمن حياة أفضل للآخرين.
الشيء نفسه ينطبق ايضا على عقوبة الإعدام: يُقتلون باسم الحياة, أولئك الذين قد يشكلون خطرا كبيرا للأفراد الآخرين.
الآن السلطة تُمارس قبضتها على الحياة وعلى مجراها ككل, الموت هو الحد الذي يتملص منها, وبعيد المنال, النقطة الاكثر سرية للحياة.
هذه السلطة على الحياة تطورت في مسارين مختلفين منذ القرن السابع عشر:
  • المسار الأول ركز على الجسم بوصفه آلة, وتعزيز مواقفه وابتزاز قواته, والانماء المواز لفائدته وانقياده, وادراجه في نظم مراقبة فعالة واقتصادية, كل هذا تم بواسطة آليات سلطة تتميز بتخصصات: علم التشريح السياسي للجسم البشري.
  • المسار الثاني تم تشكيل في وقتا لاحقا, في منتصف القرن الثامن عشر, والذي ركز على الجسم - وخاصة على الجسم المعبور من آلية المعيشة ويخدم كدعم للعمليات البيولوجية: الولادة, التكاثر, الوفيات, مستوى الصحة ونوعية الحياة, كلها ادرجت في سلسلة من ضوابط تنظيمية: السياسة الحيوية (biopolitics ) للسكان.
انضباطات الجسد وتنظيمات السكان هما المسارين اللتي حولهما تطور تنظيم السلطة على الحياة.
تقنية بوجهين, تشريحية وبيولوجية مضمونة من قبل سلطة التي دورها الاساسي ليس القتل ولكن الاستثمار على الحياة.
وهكذا افتتح عصر السلطة-الحيوية. من جانب الانضباط الامر يتعلق بمؤسسات مثل الجيش والمدارس. وانعكاساته على التكتيكات, والتعلم, والتعليم ونظام المجتمع.
ومن جانب اخر تنظيم السكان يتعلق بالديموغرافيا, وتقدير العلاقة بين الموارد والسكان, والحياة ومدتها المحتملة. هذه السلطة الحيوية كانت بلا شك واحدة من العناصر الأساسية لتطور الرأسمالية, ولكن إذا تطور اجهزة الدولة ضمن الحفاظ على علاقات الإنتاج, أساسيات علم التشريح السياسي والحيوي -التي ظهرت في القرن الثامن عشر كتقنيات سلطوية حاضرة على جميع مستويات الجسد الاجتماعي- تصرفت على مستوى العمليات الاقتصادية.
بقي ضغط الواقع البيولوجي لآلاف السنين قوي للغاية, الوباء والمجاعة كانا الشكلين الاكثر دراماتيكية من هذه العلاقة, وبهذه الطريقة تحت شعار الموت. زيادة الإنتاجية والموارد جنبا إلى جنب مع تحسن تقنيات المعرفة والزراعة الطبية سمحت بتنمية شاملة في القرن الثامن عشر وأبطئت تهديدات الموت . وبسبب هذا الوضع, توسعت مساحة إجراءات السلطة أخذة بعين الاعتبار عمليات الحياة بدأ من السيطرة على السكان وتغييرهم.
للمرة الأولى في التاريخ الواقع البيولوجي ينعكس على الواقع السياسي
السلطة لم تعد تتعامل مع أفراد الذين موتهم هو الحد الاقصى, ولكن مع كائنات حية يجب مراقبتهم من خلال تعزيز الحياة نفسها. إذا امكننا تسمية تاريخ -حيوي الضغوط التي من خلالها تحركات الحياة وضغوطات التاريخ تتداخل مع بعضها البعض, فيجب علينا أن نتحدث عن سياسة-حيوية لتعيين ما يدخل الحياة وآلياتها في مجال الحسابات الصريحة ولجعل السلطة وكيلا عن تحول حياة الإنسان.
فوكو يؤكد أنه لآلاف السنين ظل "الانسان ما قال عنه أرسطو: حيوان عائش, وله قدرات إضافية في مجال الحياة السياسية؛ اما الإنسان الحديث فهو الحيوان الذي في سياسته هناك مسألة ما اذ كانت حياته معاشة.
لم يعد الموت جزء لعبة السيادة, ولكن توزيع ما هو معاش في مجال القيمة والوحدة.؟
سلطة من هذا النوع يجب ان يؤهل, ويُقيس, وترتيب الأولويات, بدلا من ان يندلع في انفجاره القاتل.
القانون يعمل أكثر فأكثر كقاعدة التي وظائفها تنظيمية, , كتأثير لسلطة ركزت على الحياة.
الحياة اليوم اكثر من انها الحق أصبحت حصص الصراعات السياسية, حتى وان تشكلت هذه الصراعات بواسطة التأكيد على الحق. الحق على الحياة والجسد والصحة والسعادة, والقناعات والاحتياجات.
لهذه الأسباب, اتخذ الجنس دور بالغ الأهمية كموضوع للصراع السياسي: هو عنصر اتصال بين محورين على طولهما تطورت التكنولوجيا السياسية للحياة. من جهة تشارك في انضباطات الجسد, من تكثيف وتوزيع للقوى وتكييف واقتصاد للطاقة. من جهة اخرى تشارك في تنظيم السكان من خلال جميع الآثار الكلية التي تُحفزها.
تنتج رصد دقيق, ومراقبة مستمرة, وتنظيم للفراغات, حتى الفحوص الطبية والنفسية, وكل السلطات الصغرى على الجسد, وحالات تؤثر على فرد او فئة اجتماعية بأكملها.
يستخدم كمصفوفة للانضباطات وكمبدأ للتنظيم, ولهذا السبب في القرن التاسع عشر الجنسية كانت مطاردة حتى في أصغر التفاصيل. ونرى أنها اصبحت موضوعا للعمليات السياسية والتدابير الاقتصادية والحملات الإيديولوجية عن الاخلاق والمسؤولية.

جمل مفتاحية

  • تميز فكر فوكو - كما تجلى في كتابه اركيولوجيا المعرفة- بانه وضع المعارف والأحداث السابقة في مواضع جديدة, بهدف رصدها وتأويلها من جديد, معتمدا على الطفرات التاريخية وعلى إعادة النظر بالمناهج المرتبطة بتاريخ الفكر.
  • وفي كتابه تاريخ الجنسانية درس الجنس من منظور نظري وسياسي, ووجد ان الخطاب حول الجنس مثله مثل الممارسات العقابية, يتأسس على الاستغلال الواعي للافراد. في الجزء الاول: ارادة المعرفة, من هذا الكتاب , يقول فوكو انه منذ القرن 16 كان العصر الفكتوري الاكثر قمعا للجنس. وأن التحرر الجنسي بدأ مع حلول القرن العشرين. ويضع هذه الفرضية القمعية في اقتصادية الخطابات والاقتصاد حول الجنس داخل المجتمات المعاصرة منذ القرن 17 ليجد ان التحرر الحالي هو وجه من أوجه الخضوع للايعاز الذي اطلقه القرن العشرين لضرورة معرفة الجنس.
  • فوكو يعد من فلاسفة القطيعة والانعطافات العنيفة في الفكر النقدي. وقد أدى دوراً في زعزعة الثوابت الراسخة في مجال المعرفة وإعادة النظر بالكثير منها. [12]
  • السلطة تنتقل من السياسة الى الاخلاق بهدف تتبع سلوك الافراد. ولكن الاخلاقية الفوكوية تقف على عتبة هذا الانزياح للكشف سلفا عن استراتيجيات وتقنيات متعددة الاشكال للسلطة. مثل القمع؛ والحض على الخطاب, حيث تسخدم المعرفة كأداة للسلطة؛ وتقنية تطوير نظم المراقبة؛ والفردنة؛ وتقنية انتزاع الاعترافات؛ وتقنية نشر الاعتقاد في الاشباع الجنسي عند الزواج؛ وتقنية الخطاب المعرفي في علم الجنس؛ وتقنيات سلطوية اخرى مثل علم الاجتماع وعلم النفس والديموغرافيا والسياسة والاقتصاد. فما هي هذه السلطة التي تحتل كل هذه الاشكال ؟. انها في كل مكان ولا مكان, سيرورة بلا ذات وليس مفعولا لذات فردية او جماعية او تاريخية. انها سلطة لامركزية ولكنها موجودة في مؤسسات مثل السجن والمدرسة والعيادة والثكنة ... , ومنتشرة بفوضوية في كل الجسد الاجتماعي. ولكي تحقق السلطة وظيفتها لا بد الا ان تخطط ايضا تقنيات ايجابية لادراة امكانات الافراد وتصنيع حياتهم. وتمارس عملها خارجيا من خلال الاثر الاجتماعي لوعود اللذة وخطاب العلم والمعرفة, وداخليا كمرآة لمعرفة ذواتنا. وإن كنت خارج السيطرة تتهمك بالخيانة او الجنون وتعزلك في سجونها ومصحاتها. اذن السلطة تحسم الصراع من خلال علاقات القوة.
  • دور السلطة لا يكمن فقط في السيطرة الخارجية على الافراد, من قمع ومنع فقط, بل أيضا داخليا من خلال السيطرة المعرفية على الذات. هذه السيطرة الذاتية تسمح للسلطة بخلق الإنسان وفقا لمتطلباتها, فمثلا خلقت انسان الرغبة الجنسية من خلال الفكر الفرويدي ومؤسسات الطب النفسي والممارسات العيادية. وهذا النوع من السلطة هي سلطة طواعية, تبدو ذات طابع ايجابي, لأنها سلطة نابعة من الذات على ذاتها, حتى وإن تشكلت اولا في الخارج في الجسم الاجتماعي ككل, من خلال خطابات معرفية مستهدفة لغاية معينة معدة مسبقا. وهذا يعني أن السلطة تستخدم المعرفة كذريعة لتصنيع حقيقة وحيدة يلتزم بها الجميع طوعا.
  • وفي الفصل المعنون حق الموت والسلطة على الحياة يتحدث فوكو عن السلطة الحيوية. التي تعتبر من اهم انواع السلطة الايجابية, والتي تهتم بالتوزيع الديموغرافي والنسل وتوزيع قوة العمل. السلطة على الحياة بدأت منذ العهد الروماني , حيث العاهل يدفع الجنود للحرب, من اجل الدفاع عنه . فللسلطة حق الاستيلاء على الاشياء والوقت والاجساد وعلى الحياة. ولكن بعد ذلك أصبحت السلطة ذات وظائف متعددة متعلقة بادراة الحياة , ولتي سماها فوكوالسلطة الحيوية. أي بدأت السلطة تؤسس سيادتها على الاستثمار في الحياة وليس على الموت كما كان معمول به سابقا. ولهذا يجب ترويض القوى وتوزيعها, أي النظر للجسد كآلة للانتاج الاقتصادي. ولذلك السلطة الحيوية والرأسمالية صنوان , متلازمان, امر واحد. لأنه لولا سياسات واقتصاديات الجسد لما تحققت الرأسمالية. ومن يخرج عن نمط التطبيع- مثلا تحديد النسل- يعزل اجتماعيا. واعتمدت السلطة الممارسات الاعترافية في الطب النفسي لتحقيق ذلك التطبيع الجماعي.
  • والسياسات الحيوية ترتكز على تخطيط ومراقبة التكاثر والوفيات والحالة الصحية والتعمير. والسلطة الانضباطية هي الوجه الاخر للسلطة الحيوية, وهي تكمن في عمليات الفردنة والتطيع ومراقبة الجسد. ونشر الاعتقاد حول الجنس هو منفذ السلطة للتحكم بالجنس البشري. جنسنة الوالدين لصالح راشدين اصحاء وهسترة النساء لصالح مسؤوليتهم كامهات. وتنظيم الاثارة الاجنسية في الجسم الاجتماعي. جنسانية بلا جنس (عملية اخصاء). الجنسانية كجاهزية سياسية مقابل الجنس . جاهزية الجنسانية هي هسترة وتربنة وطبننة من قبل السلطة الحيوية. أي جهاز الجنسانية هو اهم ادوات السلطة الحيوية , من تدريب وتربية وتنظيم للسكان. السلطة صنفت الجنس بفئتين: المرغوب والغير مرغوب. وهذا الاخير مقصي وغير معبر عنه قانونيا. لأنه سيء وخطير. ولهذا العلم ادوات للاقناع والتأثير في خدمة صناعة حقيقة المعرفة-والسلطة.
  • يخاطب فوكو الاخلاق النابعة من الذات الحرة الغير خاضعة لضغوطات الجسم الاجتماعي ولسلطة تقيدها في بعد واحد لها هو الجنس. وهدف فوكو هو الكشف عن اليات السلطة كخطة اولى لمقاومتها.
  • يحدد فوكو موقفه من السلطة السلبية المتمثلة بالقمع, بالحديث عن النظام الفكتوري الذي ظهر منذ القرن السابع عشر. الذي ينزع للتطهر من خلال قمع أي ممارسة جنسية او قول او حتى مجرد التفكير بها. باستثناء وظيفة الانجاب والتكاثر. ولذلك يعتبر العقيم والمستخدم الجنس لذاته شاذا ( بالرغم من بعض التسهيلات التي اعطيت لاعمال الجنس الغير مشروعة لجني الارباح). ولما كانت النظام الفكتوري يحرم الجنس ويعتبره تابو, فهو يحتقر الجسد ويحرم كشفه.
  • هل العلاقة بين السلطة والجنس هي فقط علاقة قمعية ؟. نعم لأن القمع يعني الحكم على الشيء بالزوال وعدم الوجود. ومع صعود البرجوازية الى الحكم في القرن السابع عشر , اصبح الجنس جزء من الملذات التي تشتت قوة العمل. وسمح فقط للجنس في غرفة الابوين فقط وبهدف الإنجاب.
  • ماذا يستلزم عن هذا الخطاب حول الجنس (ربح المتكلم). يرى فوكو ان الفرضية القمعية كانت السبب الاكير لانتاج خطاب حول الجنس. لأن وضع الجنس في خطاب تحريضي يتضمن النضال ضد السلطة, وقول الحق والاعلان عن قدوم يوم اخر تشرق فيه نور الحقيقة وتعود فيه اللذة الى موقعها الطبيعي. ولأن المجتمع الغربي يؤنب نفسه عن طول صمته لما عناه منذ العصر الكلاسيكي. لأنه عندما كنا نتحدث عن الجنس نخالف القانون ونلغي المحرمات ونكشف الحقائق. ولادة القمع تزامنت مع نمو الرأسمالية, واصبح القمع والبرجوازية جسما واحدا. ولذلك ربط فوكو الجنس بمشروع سياسي يدين الرأسمالية. فالخطاب عن الجنس هو ثورة على النظام القمعي للوصول الى قمة التحرر الشخصي.
  • الفائدة السياسية من الفرضية القمعية ؟.
    • هل هي تتبع تاريخي للكبت الجنسي منذ القرن السابع عشر ؟
    • هل السلطة في مجتمعنا ذات طبيعة قمعية ؟
    • هل تمة قطيعة بين عصر القمع والتحليل النقدي للقمع ؟.أي هل الخطاب عن الجنس اليوم يفكك ما كان منكبت جنسي ام هو جزء نفس الآلية السلطوية؟.
الحديث عن الجنس يعتبره فوكو شكل من اشكال عصيان السلطة. ويربط الجنس بالحقيقة والتحرر السياسي. لأن الانفجار الخطابي حول الجنس الذي حدث في القرون الثلاثة الاخيرة, ساندته السلطة بداية من الحث على الاعتراف المسيحي, ثم انتشار الادب الفضائحي , وظهور الديموغرافيا وخطاباتها حول الانجاب والصحة والجنس, وخطاب التحليل الفرويدي.

مصادر وحواشي

  1. ^ استراتيجيات السلطة وارادة المعرفة/ دراسة عن فوكو/ احمد حمدى حسن حافظ
  2. ^ Ars erotica et scientia sexualis/ Michel Foucault e la Storia della Sessualità
  3. ^ سلطة الجنس/ أسامة غانم/ الحوار المتمدن-العدد: 4368 - 2014
  4. ^ مقدمة مطاع الصفدي لكتاب ميشيل فوكو, تاريخ الجنسانية: إرادة المعرفة, ترجمة, مطاع الصفدي وجورج أبي صالح, مركز الإنماء القومي, بيروت, 1990, ص 5
  5. ^ مقدمة المصدر السابق ص.7
  6. ^ الغربة انتقالاً أو نأياً أو تنحيًا أو نزوحاً أو تخلياً أو ما شابه ذلك إلا أنه سيظل مفهوما يشير إلى الخارج الإنساني , كمعنى مجردٍ. أما الاغتراب فإنه يشير إلى الداخل الإنساني كشعور مرتبط بمن يشعر به .../عن الفرق بين الغربة والاغتراب/ عبدالجواد خفاجي
  7. ^ استراتيجيات السلطة وارادة المعرفة/ احمد حمدى حسن حافظ/ 2013
  8. ^ القانون الكنسي هو النظام الأساسي القانوني لمجموعة القوانين والأنظمة الصادرة من السلطة الكنسية
  9. ^ استراتيجيات السلطة وارادة المعرفة من دراسة عن فوكو / احمد حمدى حسن حافظ
  10. ^ المالتوسية هي عقيدة اقتصادية التي , بالاشارة للاقتصادي الإنجليزية توماس مالتوس, تعزي أساسا إلى ان الضغط السكاني يؤدي الى انتشار الفقر والجوع في العالم.
  11. ^ حول السلطة (الجزء الثاني): رموز السلطة/ د. عبد العزيز غوردو /مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية
  12. ^ فوكو (ميشيل (1926-1984)/ حنان قصاب حسن/ الموسوعة العربية