مستخدم:Hasanisawi/الحداثة في الفكر العربي المعاصر

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
تعبر كلمة حداثة (بالإنجليزية: Modernity) (عصرنة أو تحديث) عن أي عملية تتضمن تحديث وتجديد لما هو قديم. استخدم مصطلح الحداثة لأول مرة من قبل الشاعر الفرنسي شارل بودلير (Charles Baudelaire). الحداثة في الوقت الحاضر تشير الى فترة تطور الفكر الاجتماعي, كما والى نمو مركزية الدولة القومية (كما يقول أنتوني جيدنز -Anthony Giddens ) والى نشأة العقلانية في كثير من مجالات الحياة الاجتماعية (على سبيل المثال ، ، بيروقراطية ماكس فيبر –Max Weber) . ,ترتب على ذلك تطور كبير في مجال الابتكار التكنولوجي. من الممكن إقران بداية الحداثة بالثورة الصناعية الثانية ونشأة الوضعية، التي اصحابها من مؤيدين القيم المادية والعلمية البحتة. [1]
الحداثة أنشأت تغييرات اقتصادية وسياسية واجتماعية , وهذه التغييرات على ما يبدو بدأت في أوروبا في القرن السادس عشر.
البعض يؤرخ بداية الحداثة عام 1436، مع اختراع الطابعة المتحركة. البعض الآخر يرى أنها بدأت عام 1520 مع الثورة اللوثرية ضد سلطة الكنيسة. ومجموعة أخرى قالت عام 1648 مع نهاية حرب الثلاثين عام ومجموعة اخرى تربطها بالثورة الفرنسية عام 1789 أو بالثورة الأمريكية عام 1776 , وبعض المفكرين يظنون انها بدأت عام 1895 مع كتاب فرويد "تفسير الأحلام".[2]
وبلغت الحداثة ذروتها في الربع الأول من القرن العشرين، وامتدت مكانيا من روسيا إلى الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، وتضم مذاهب فنية وأدبية مختلفة: كالمستقبلية والتصويرية والانطباعية والسريالية. [3]; [4]

محتويات

     1 ما الفرق بين الحداثة والمصطلحات المرادفة الاخرى ؟
    2 ما هي عوائق الحداثة في الفكر العربي المعاصر
        2.1 اشكالية التراث
            2.1.1 ميكانزمات النهضة
        2.2 الأخر ودوره المزدوج
            2.2.1 لماذا هذا الموقف المزدوج ازاء الماضي وماذا يترتب عليه
        2.3 الوضع الاشكالي للنهضة العربية
            2.3.1 العقلانية والروح النقدية
            2.3.2 اشكالية الحرية
                2.3.2.1 الحرية في المجتمع العربي
    3 خلاصات
    4 مصادر

ما الفرق بين الحداثة والمصطلحات المرادفة الاخرى ؟

من السهل -على الاقل بالنسبة للقارئ الغير متخصص- الخلط بين الحداثة وبين العديد من المصطلحات المرادفة الاخرى : مثل المعاصرة والجدة والاصالة.. الخ.
ينبغي معرفة الحداثة بالمفهوم الغربي الذي هو الأساس, في اللغتين الانجليزية والفرنسية انتشر لفظي Modernism و Modernity. اللتي اختلفت ترجمتهما للعربية بين ألحداثة والعصرية, والمعاصرة. اما في المعاجم فيكاد يكون الفرق ضيقاً في الترجمة. في المعجم نجد العصرانية كترجمة لكلمة Modernism ، وعصرية كترجمة لكلمة Modyernity أو كون الشيء عصرياً.
  • لغويا الحداثة تأتي من الفعل حَدَثَ الشيءُ حَدَثَ ُ حُدُوثًا، وحَداثةً : نقيض قَدُم. [5]
  • واصطلاحا فالحداثة اتجاه فكري، يشمل أغلب المذاهب، ودخلت في مجالات عديدة فنية ، وأدبية، وتشير بشكل عام الى أي عملية تجديد لكل ما هو قديم من ثقافات فكرية وعادات. مثلا الاكتشافات العلمية أنشأت بيئات جديدة، وعجلت حركة الحياة، وبلورت كافة الاتجاهات الاجتماعية والسياسية والدينية، وأظهرت قوى وسلطات جديدة، وبالتالي غيرت الصراعات الطبقية وفصلت اغلبية البشر عن عاداتهم القديمة. [6]
  • الحداثة من منظور إسلامي : عند الكثير من الدعاة تتنافى مع الدين والاخلاق الإسلامية، وجاءت لتهدم كل ما هو إسلامي من دين ولغة وأدب وتراث. كما تبين ايضا في كتاب "الحداثة في ميزان الإسلام" للدكتور عوض القرني, حيث قام فيه بنقد التيار الحداثي, وإبراز أن تطبيقاته العملية مضادة للإسلام والعروبة. وقيل أن مرجعيته مختلفة عن مرجعية المسلمين. وفسر بعضهم الحداثة بأنها اللاعروبة , والغذامي عرفها بأنها انقلاب في المضامين، وتمرد في الموضوع. [7]
  • الفرق بين مصطلح الحداثة ( modernity ) والتجديد (modernism) يكمن في ان الاولى تعني إحداث تغيير في المفاهيم السائدة القديمة ( مثلا الالتزام بالقافية وكتابة الشطرين في الشعر ).
أما مصطلح التجديد فيعني مذهبا أدبيا ، بل بالاحرى نظريه فكرية لا تستهدف الحركة الإبداعية فقط, بل تدعو ايضا إلى التمرد على الواقع بكل ما فيه من علوم سياسية واجتماعية واقتصادية ... .
الحداثة لا تعني شمول المخترعات في الادب والشعر كما يقول عباس محمود العقاد, فليس شاعرا عصريا من يصف الطائرة, ولا هو حتى قديما اذا وصف البعير. الحداثة تتحقق عندما يقول الشاعر شيئا يستحق أن يقال. أو كما يقول عز الدين اسماعيل [8] قد يكون الشاعر مجددا حتى وإن تحدث عن الناقة والجمل.
ومن المؤكد ان الكثير من الخلط بين هذه المفاههيم يرجع لاسباب مثل تعدد الدلالات. فمثلا علاقة الحداثة بالاصالة تعني للسلفي العودة إلى الجذور التراثية؛ أما بالنسبة للحداثي فتعني الصلة بالذات. [9]
وبما يتعلق بالتميز بين الجديد والحديث قال ادونيس : "للجديد معنيان: زمني وهو، في ذلك، آخر ما استجد، وفني، أي ليس في ما أتى قبله ما يماثله. أما الحديث فذو دلالة زمنية ويعني كلّ مالم يُصبح عتيقاً. كل جديد، بهذا المعنى حديث. لكن ليس كل حديث جديداً ... . الجديد يتضمن إذن معياراً فنياً لايتضمنه الحديث بالضرورة، وهكذا قد تكون الجدة في القديم كما تكون في المعاصرة". [10]
عبد الله الغذامي يقر أولا أن الحداثة قد انفصلت تماما عن مفهوم التجديد والمعاصرة ؛ وهو انفصال يتفق عليه كل من يجادل حول الحداثة ؛ لأن الجميع يرضون بالتجديد، ويقبلون المعاصرة ، ولكنهم يختلفون حول الحداثة. وبعد ذلك يقول الغذامي ان مفهوم الحداثة؛ يتعدد بتعدد المتحاورين فيه، حتى الحداثيين أنفسهم يختلفون حول تعريف الحداثة. وهذا ما يجعل مفهومها موقفا خاص بدلا من ان يكون تصورا معرفيا مشتركا. وبالتالي فهو مفهوم فردي لا يعتمد على اسس ثابتة, كما عندما نقول حداثة نازك الملائكة, او حداثة أدونيس, وهو أيضا مفهوم متغير زمنيا كما يصفه الغذامي, عندما يقول حداثة الخمسينات ، او حداثة الستينيات.
فكل فرد قبل تعريفه للحداثة يجب ان يسعى الى تحديد موقفه من اشكالية التراث والتجديد, وأن لا ينتقي منهما ما يلائم تطلعاته ويتفق مع السياق من حوله. ففي المجتمعات المحافظة - كما يقول الغذامي- تكون مقبولة الحداثة الشكلية, أما حداثة الانساق الذهنية فتظل مرفوضة. [11]
الفرق بين الحداثة والتجديد - وفقا ل خالدة سعيد- يكمن في شمولية الحداثة وخصوصية التجديد. أي ان التجديد من مظاهر الحداثة، والجديد عندها "هو إنتاج المختلف المتغير ... . الجديد نجده في عصور مختلفة، لكنه لا يشير إلى الحداثة دائماً". [12]
يقول اركون ان هناك فرق بين الحداثة الزمنية والحداثة المعرفية, وفي هذه الحالة الاخيرة الجاحظ (مات عام 869) يمثل افضل المحدثين لكل المواقف الفكرية التي ضجت الثقافة العربية في الفترة الرائعة من الإنسية العربية. الحاحظ شخص حديث يطرح على الاسلام اسئلة من نوع النقد التاريخي التي مسلمواليوم لا يستطيعوا تلميح ضرورتها وجدواها. [13]
في معظم الدراسات الادبية والنقدية اقترنت الحداثة أيضا بمصطلحات اخرى، مثل الاصالة.
  • الأصالة مصدر أصُلَ. أصالة الثَّقافة العربيّة : سماتها الأصليَّة المميّزة؛ - أصالة العمل الفنِّيّ : تميُّزه بالإبداع والابتكار ؛ - بالأصالة عن نفسي: باسمي الشَّخصيّ. الأصالة في الآداب هي المقدرة على التفكير والتعبير عن الذات بطريقة مستقلّة. [14] فمثلا الاصالة في اللغة الايطالية (Autenticità) تشير الى كل ما هو أصيل وحقيقي، أي ما هو غير كاذب أو مزور، وما يمكن أن يظهر او يثبت وجوده على النحو الصحيح. [15]
  • الاصالة لا تدل على فترة زمنية معينة، بل على العمل والانتاج الجديد الذي يحدث على مدار التاريخ، وكأنما هو حقيقة فريدة تنأى عن أي تفسير او مقارنة. [16]. والاصيل هو الانتاج الصادق المعلن للأول مرة. فالأصالة تعني التخلص من التقليد. ولكن المعنى الآخر للاصالة يمكن تشبيه بالعراقة. فمثلا عراقة الأدب تأتي من طابعه المحفوظ المنحدر الينا من بعيد". [17]
فالاصالة في هذا المعنى تعني التأصل في الأصل والصدور عنه، وبهذا كانت الاصالة تتضمن معنى الديمومة والاستمرار. [18]. وهكذا تصبح الحداثة وجها واضحا ولازماً من وجوه الأصالة. وبالتالي يمكن القول ان ملحمة جلجامش وشعر امرئ القيس وأبي نواس ونصوص المتصوفين كلها داخلة في أفق الحداثة. أي اننا نصف هذه النصوص بأنها حديثة لأنها أصيلة في امتلاكها هوية متحركة تضمن لها الاستمرار في الزمن القديم والحديث والآتي. [19]

ما هي عوائق الحداثة في الفكر العربي المعاصر

لماذا حصلت كل تلك الهوة السحيقة التي تفصل الامة العربية عن معطيات العالم المعاصر والتي لا نستطيع ردمها أو تقليصها في المدى المنظور ؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي ينبغي أن يطرح الآن. [20]
أو كما يقول الجابري: لماذا تأخرنا نحن العرب وتقدم غيرنا, وكيف ننهض للحاق بركب الحضارة الحديثة ؟. هذا السؤال اتى كسؤال محوري في الفكر العربي الحديث.
وفقا لتقرير " برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة " للعام 2002، العالم العربي يعاني بسبب عجز ثلاثي: في تحقيق الحرية، وفي المعرفة، وفي تمكين المرأة. إخفاق المشاريع التحديثية العربية واستمرار التأخر يعود جملة معوّقات تاريخية واقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية. [21]
تكونت بنية العالم العربي المعاصر خلال ثلاث مراحل: المرحلة العثمانية، ومرحلة الاستعمار الغربي، ومرحلة العهد الاستقلالي.
هزمت الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الاولى, حيث وقف العرب بجانب الانجليز لأنهم اعتقدوا ان تحررهم من سيطرة العثمانيون سيسمح لهم باقامة دولتهم العربية الواحدة. ولكن الانجليز قسموا المشرق العربي في معاهدة سايكس بيكو.
الجزائر منذ عام 1830, كانت تحت السيطرة الفرنسية. ومصر ايضا كانت من عام 1798 الى 1901, تحت سيطرة حملة نابليون. بعد ان انتهت حملة نابليون, فشل مشروع محمد علي النهضوي, الذي اقام دولته في مصر , وأراد توحيدها مع السودان وسوريا الكبرى وشبه الجزيرة العربية. فتكالبت الدول الاستعمارية لوأد هذه الدولة القومية الناهضة.
مع خضوع الوطن العربي للاستعمار مع مطلع الفرن العشرين , عاش العرب حالة تناقض ما بين المشروع والايدولوجيا وما بين المشروع والتاريخ.
طرحت افكار للنهوض بالواقع العربي , ولكن الواقع العربي على الارض عاكس التصورات. هناك من دعى للوحدة الامة الاسلامية, وهو امتداد لمحمد دين الافغاني. ومحمد عبده في القرن التاسع عشر؛ وهناك من يدعو الى دولة عربية حديثة على النموذج الغربي, مثل سلامة موسى والليبراليين العرب في الفترة الاصلاحية انذاك. فكان هناك الكثير من الافكار التي تدعو الى وحدة الامة اما على اسس اسلامية او على اسس ليبرالية او علمانية.
ولكن هذه الدعوات الايدولوجية والدينية التي ظهرت مع منتصف القرن العشرين لتوحيد الامة العربية لم تنجح بسبب تجزءة الوطن العربي, ولا استطاعت ان تهزم المشروع الصهيوني. بالعكس حرب اذار 1967 اخفقت المشاريع النهضوية التي نشأت قبل هذه الحرب.
بعد الحرب ظهرت الكثير من الافكار الجديدة التي حاولت اعادة المشروع النهضوي, ولكن ظهرت ايضا اشكاليات عديدة. مثل الحرية والديموقراطية والتراث والتجديد والاصالة والمعاصرة ... . والكثير من الاشكاليات حاولت تجاوز المشاريع مثل القومية العربية او وحدة الامة الاسلامية (مثل تلك لسيد قطب).
ما آلت إليها تجارب النهضة السابقة لا ينبغي أن تحجب عنّا ما راكمته من مكتسبات، وما كان فيها من عوامل قوة تحتاج اليوم إلى استعادةٍ وتطوير، وإلى استدخدامها في مشروع جديد. وخصوصا من خلال التركيز على مسائل مهمة مثل الحرية والدستور والتمثيل النيابي. [22]

اشكالية التراث

من الاتجاهات السائدة بشأن إشكالية التراث والحداثة، نجد الاتجاه السلفي المعارض تماما للحداثة؛ والسلفي المعتدل الذي يوافق على الأخذ ببعض جوانب الحداثة التي لا تتعارض مع القييم والمعتقدات الخاصة بنا، والتي لا تؤثر على هويتنا المتميزة؛ ومن ثم نجد الحداثي المتطرف الذي يريد أن يضع التراث في متاحف التاريخ ؛ والحداثي المعتدل الذي يأخذ من التراث مالا يتعارض مع الحداثة.
لا يوجد امة لها تراث عريق، وتاريخ حضاري متميز، أضر بها تراثها، كما أضر بالأمة العربية، وأصبح وبالا عليها. فمنذ الصغر ونحن لا نتوقف عن تمجيد وتعظيم هذا التراث , والاعتزاز بفضله على الحضارة الغربية. ولكن كل هذا لم يؤدي الى ما كان مقصود منه: أي شحذ الهمم وحشد الطاقات, بل بالعكس من ذلك أدى الى ركود وتخلف، والى مقاومة للتغيير والتطوير. و كما يقول جمال الدين الأفغاني" العربي يعجب بماضيه وأسلافه، وهو في أشد الغفلة عن حاضره ومستقبله".[23]

ميكانزمات النهضة

يقول الجابري: ليس هناك قانون عام يحكم ميكانزمات النهضة. ولكن معظم النهضات عبرت ايدولوجيا عن بداية انطلاقتها بالدعوة الى الانتظام في التراث. أي العودة الى الاصول من اجل الارتكاز عليها في نقد الحاضر وفي نقد الماضي القريب باعتباره المسؤول المباشر عن هذا الماضي, ومن ثم القفز الى المستقبل.
ولشرح هذا الميكانيزم النهضوي, يقول الجابري انه عندما يبلغ الصراع بين القديم والجديد درجة من التطور, تعمد القوى الجديدة الى البحث في الماضي البعيد عن اصول تبدو مضامينُها وكأنها تؤسس الجديد, وتجعل الحاضر وأساليبه وكأنها انحراف عن تلك الاصول , وتجعله مدان ليس فقط باسم المستقبل بل باسم الماضي ايضا.
نجد هذا الميكانيزم الايدولوجي النهضوي واضح في الثورة العربية الاولى, التي حققها الاسلام في الجزيرة العربية. حيث طرفا الصراع كانا قريش من جهة والحنفاء الذين يمثلون قوى التجديد من جهة اخرى.

فكرة التوحيد التي بشر بها الحنفاء كانت تعبر عن رفض سلطة قريش. التي كانت تتلمس السند لها من خلال شد العامة الى عبادة الاصنام.
فكرة التوحيد كانت تربط كل انواع السلطة بسلطة واحدة غير مشخصة. وبالتالي رفض أي سلطة مشخصة كمفهوم ايدولوجي. وهكذا ذهب الاسلام بالدعوة الحنفية الى ابعد مداها, فدخل في صراع مع قوى التقليد. حيث كان شعارهم: "حسبنا ما كان عليه ابائنا". فالاسلام لم يتجه الى المستقبل وحدة والى محاربة الماضي والحاضر, بل اتجه الى الاصل, الى دين ابراهيم كتراث اصيل قبل الانحراف, من اجل الارتكاز عليه وتحقيق القفزة الى المستقبل.
ونجد نفس الميكانيزم في النهضة الاوروبية الحديثة, وهي ألية العودة الى الاصول من خلال احياء الاداب الرومانية والاغريقية. وما تبع ذلك من نزعة انسانية والثورة على سلطة الكنيسة في العصور الوسطى. ونتيجة ذلك تفككت بنية العصور الوسطى وانبثق منها فكر جديد فلسفة وعلوما. وعاد مركز السلطة الفكرية الى تجربة الفرد والعقل. يقول الجابري ان الانسان في ميكانيزم النهضة,لا يطلب الماضي لذاته، بل يختزله في أصول, ليعيد إحيائها في صورة تساعده على تجاوز الماضي والحاضر على صعيد الوعي، ومن ثم الانطلاق إلى المستقبل تفكيراً وممارسة. [24]
كلا النهضتين: العربية الاولى والاوروبية الحديثة انطلقتا من الانتظام في التراث, ليس للوقوف عنده, بل لترتكز عليه في عملية التجاوز النهضوي للماضي والحاضر ومن ثم القفز الى المستقبل بتوازن واتزان.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا لم تنجح النهضة الحديثة في تحقيق التجاوز النهضوي للماضي. أو لماذا بقيت ازدواجية الاصالة والمعاصرة تمثل الاشكالية المحورية في الفكر العربي؟.
الجواب على هذا السؤال يكمن في معرفة لماذا لم تعاني التهضتين: العربية الاولى والاوروبية الحديثة, من هذه الاشكالية او بما نسميه التراث وتحديات العصر.

الأخر ودوره المزدوج

النهضةالعربية الاولى والنهضة الاوروبية الحديثة, قامتا في اعقاب سقوط ما كان يمكن ان يمثل المنافس لكل منهُما. فالنهضة العربية قامت بعد ان استنزفت الحرب الطويلة كل من الفرس والروم. وبالتالي كان هناك فراغ سياسي في المنطقة. ولو بقيا الفرس والروم على قوتهما لأجهضا هذه النهضة في مهدها.
وبالمثل حدث في النهضة الاوروبية الحديثة التي تزامن موعد انطلاقها مع تراجع الحضارة الاسلامية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. والتي توجت بسقوط الاندلس وانتقال العلوم العربية الى اوروبا.
وهذا يعني ان ميكانيزم الرجوع الى الاصول في كلا النهضتين كوسيلة لاجتياز الماضي والحاضر, ما كان لينجح لولا غياب الاخر. لأن التهديد الخارجي يجعل الذات تحتمي في ماضيها, وتتثبت في مواقعها الخلفية للدفاع عن نفسها. وهذا يناقض مع استراتيجية الميكانيزم النهضوي الذي يتطلب اعادة احياء الاصول في الوعي للانطلاق الى المستقبل.
وبالتالي تعثر النهضة العربية الحديثة يرجع الى ان ميكانيزم النهضة كان وسيلة للدفاع فقط.

لماذا هذا الموقف المزدوج ازاء الماضي وماذا يترتب عليه

في حين ان النهضتين الانف ذكرهما انطلقتا بفعل عوامل داخلية بعيدة عن اي تهديد خارجي, النهضة العربية الحديثة كانت وليدة الصدمة مع قوى الغرب الرأسمالية والاستعمارية. والاخطر ان هذا هو ان الغرب لا يزال يقدم نفسه بمظهرين متناقضين: مظهر العدو ومظهر الحرية والديموقراطية والعلوم. وهذا ادى الى ازدواجية موقف النهضة العربية الحديثة, فالتبس ميكانيزم النهضة, الذي يعتمد على عملية العودة الى الاصول , مع ميكانيزم الدفاع الذي قوامه الاحتماء في الماضي والتثبت بالمواقع الخلفية. وهذا الوضع الاشكالي المتوتر هو ما تعبر عنه اشكالية الاصالة والمعاصرة. التي تشير الى نوع من التوتر بين الماضي والمستقبل, بين التراث والفكر المعاصر, بين الانا والاخر. مما جعلها لا تقوم على الاتصال والانفصال, بل على التنافر والتدافع.

الوضع الاشكالي للنهضة العربية

ان الحضور المستمر للعامل الخارجي وطابعه المزدوج (عدو ونموذج) جعل العلاقة بين قوى التقليد وقوى التجديد, علاقة متشابكة, لا تنمو في اتجاه التجاوز والانفصال وانما اقرب الى الاستقرار والركود. فالصراع في الوطن العربي لم يكن بين قوى التقليد وقوى التجديد وحدها, بل هو صراع مزدوج معقد لأنه:
  • صراع ضد الغرب ومن اجله في آن واحد. ضد التوسع والعدوان من جهة, ومن اجل القيمه الليبرالية من جهة اخرى.
هذا من جهة, اما من جهة اخرى وبفعل الطبيعة المزدوجة للاخر
  • لم تعد الاصول هي المتكأ عند قوى التجديد, بل النموذج الغربي فرض نفسه كأصل ينتمي الى المستقبل وليس الى الماضي. فاصبح الصراع في الساحة النهضوية العربية, صراع من اجل الاصول, ففريق يتمسك بالاصولية التراثية العربية الاسلامية, وفريق يدعو الى الاصولية الحداثية الغربية.
  • ومن جهة اخرى انقسمت القوى النهضوية على نفسها, لأن فريق كان يربط النهضة بالتحرر من السيطرة العثمانية, وبسبب عداوة الغرب للامبراطورية العثمانية, فقد كان ينتظر مساعدة الغرب في عملية التحرر. بينما كان هناك فريق اخر يبحث عن صيغة لتطوير الدولة العثمانية وتجديدها بهدف تقوية الخلافة الاسلامية.
  • خصوصية التركيب الاجتماعي في الوطن العربي من اقليات عرقية ودينية, باصولها المختلفة, أدى الى اعطاء الاولوية للصراع من اجل الاوصول بحد ذاتها. وليس الصراع ضد الاخر. او من اجل تجاوز الماضي والحاضر الى المستقبل.
  • بالاضافة الى ذلك انقسام الوطن العربي كان مظهرا اخر من مظاهر تعقيد اشكاليات النهضة العربية الحديثة. وهذا الانقسام كان النقيض العملي لحلم النهضة العربية, اي الوحدة.

العقلانية والروح النقدية

ثقافتنا محكومة بثقافة الاخر وتابعة له بقدر ما هي تابعة لثقافتنا القديمة. التحرر من تبعية الاخر تتم من خلال التحرر من تبعية الماضي. فكيف ذلك ؟
يقول الجابري ان التحرر من التراث لا يعني الالقاء به في سلة المهملات. مثلما التحرر من ثقافة الغرب لا يعني الانغلاق دونها.
التحرر من ثقافة الغرب يأتي عن طريق التعامل النقدي معها, في فهم مقولاتها وفي التعرف عن اسس تقدمها. لأن ما يحصل اليوم هو اننا نأخذ الثمرات ونعرض عن المبادئ والاسس. نستورد لنستهلك وليس لنغرس ونستنبت. ومن المؤكد ان هذه العمليات تعتمد على التربة الصالحة. ولذلك فنحن بحاجة الى اعادة كتابة تاريخنا الثقافي بصورة عقلانية وبروح نقدية. لكي نكتسب عقلانية اصيلة جديدة, ولكي تصبح التربة الصالحة لمبادئ العلم المعاصر.

اشكالية الحرية

تاريخيا مؤشرات الحرية في البلاد العربية ضعيفة.. بالرغم من وجود دعوة متجددة للوعي والتعمق في تشخيصها في دولة معينة. في نظام معين أو في فرد معين. المهم هو ان تبقى دائما موضوع نقاش، بوصفها ضرورة حياتية وليست مسألة أكاديمية. فمهما تنوعت صورالحرية، سيبقى الوعي بها هو منبعها.[25]
لا دولة إلا دولة الحرية ولا عقل إلا العقل الحر, هذا ما يقوله عبد الله العروي الذي يعتبر مفهوم "الحرية" من أبرز مفاهيم الحداثة [26] , حتى أنه عنون بها احدى كتبه.
للاجابة عن سبب شمولية إشكالية الحرية في هذا البحث, يجب ان نسأل انفسنا ما اذا مفهوم الحرية موجود في الثقافة العربية الكلاسيكية؟ ؛ وهل المجتمع العربي الإسلامي التقليدي عاش تجربة للحرية؟ وإذا كان ذلك، فما هو نوعها؟ وهل تتطابق مع المفهوم الغربي ؟.
يقول العروي ان أيسر طريقة للتعرف على مجتمع ما, هي تلك التي تتم من خلال التحليل النفسي والاجتماعي لمجموع الشعارات التي يستخدمها هذا المجتمع والتي تعبر عما ينقصه. لأنه كلما تجذرت الحرية كلما اختفت الشعارات.
لحظة التقاء الفكر العربي (التقليدي) مع الفكر الغربي (الليبرالي), بدأت في القرن الثامن عشر مروراً بالتاسع عشر, والتي احدثت صدمة على مستوى مفاهيم الفكر الوسطوي الإسلامي التي ورثها الفكر العربي الحديث. فسفراء الدول الأوربية كانوا يتغنون دائماً بالحرية, ولم يكن زعماء العرب يعرفون ما هي هذه الحرية ولم يجدوا مقابل لها, فتوصلوا الى معرفة ان عندهم نقص في ممارسة الحرية. وهذا يعني ان بجانب قاموس اللغة يوجد قاموس الرموز والثقافة المكتسبة. لذلك، من الضروري تحليل مفهوم الحرية في الفكر الإسلامي الوسطوي. وبالبحث في القاموس عن كلمة (حرر)، نجد أنها تحمل معاني خلقية وقانونية واجتماعية وصوفية. وتم تناول مسألة الحرية في علم الكلام بما يتعلق بعلاقة الفرد بخالقه وأخيه الإنسان، أي ان الامر يتعلق بحرية من نوع نفساني ميتافيزيقي. الذي يختلف عن مفهوم الحرية في القرن التاسع عشر , الذي يدور حول الفرد كمشارك في انتاجية المجتمع.
وفيما يلي بعض الرموز التاريخية التي تدل على وجود امثلة ضد الدولة:
  • 1- البداوة: بوصفها نوع من التقاليد والعادات والقوانين الخارجة عن نظام الدولة. فكان البدوي يمارس قوانين غير مشروعة تحت ستار البداوة. وهذا ما لاحظه ايضا ابن خلدون حين قال أن التنظيمات التعليمية مُفسدة لطبيعة البدوي لأن الوازع [27] فيها أجنبي. فالبداوة كانت تعني نوعاً من التحرر السياسي من سلطة الدولة والاعتماد على عادات خارجة على قوانينها.
  • 2- العشيرة: لأن المرء في عشيرته يُمارس قوانين مفروضة عليه، ويمكنها ان تُخالف أحكام الدولة السياسية.
  • 3- التقوى: المؤمنين يعتبرون التقوى وازعاً داخلياً, لأن الرجل التقي يتحرر من ثقل الجسد وعبودية المادة، فيكون حراً نوعاً ما.
  • 4- التصوف: نشأ كردة فعلٍ على الأوضاع الاجتماعية المتدهورة في الدولة الإسلامية، ويُقابل التصوف في الحضر الحب العذري في البدو. التصوف كما هو معلوم يمثل أعلى درجات التحرر من علائق الدنيا. فهي حرية مطلقة. فمثلا الحلاج بقي يقول أنا الحق والحق انا حتى اعدم.
بهذا المفهوم هل هي حرية الفرد في المجتمع, او هي في علاقته مع نفسه ؟.
سلطة الدولة هي سلطة قمعية ولذلك الفرد لم يكن يمارسها اجتماعيا وسياسيا على ارض الواقع. أي ان مفهوم الحرية ليس كما هو في الغرب, حيث تدور حول الفرد الاجتماعي. بينما في المجتمعات الاسلامية فهي تدور حول الفرد وعاداته في الحالة الوجدانية. أي بمعزل عن الدولة وبحماية العشيرة. لم يكن في المستطاع ممارسة الحرية بالمفهوم الغربي بسبب القيود الاجتماعية والسياسية. مثلا الأحزاب والروابط والنقابات لم تكن ممارسة في المجتمع.
ومن هذا التحليل لم يكن هناك واقع للحرية في المجتمع الإسلامي التقليدي، بل فقط طوبى الحرية, كما يقول العروي. الذي يرى أن هذه الطوبى تدل على أن هذا المجتمع مهيء لفكرة الحرية.
هذا بالنسبة للمجتمع التقليدي الإسلامي. لكن ماذا عن مجتمع التنظيمات الذي بدأ مع القرن التاسع عشر؟. [28] التطور الذي حدث في شكل الدولة بالمجتمع العربي؛ جعلها تربط كل القوانين بها, زهذا جعل حيز الحرية (اللادولة) يضيق شيئاً فشيئاً, وهكذا دولة التنظيمات حدت من لادولةالماضي: كالعشائر والتصوف والبداوة. لتي اعتبرت ثقافة بالية ويجب القضاء عليها. فبقدر ما توسعت الدولة، بقدر ما كان هناك الحاجة الى تجميع المجتمع كله تحت مظلة القانون لما تمليه عليها قوانين الدول الغربية.
فكلما زاد توغل الدولة، زاد لمعان شعار الحرية واتسع مفهومها، لأن التطور اللغوي يلازم طرديا التطور الاجتماعي.
لكن ما هي الحرية التي يدعون بها؟. إنها حرية بلا مبرر، وما يمكن ان يبررها هي الدعوة إليها فحسب. فحركات الدعوة إلى الحرية هي حركات تأويلية كما يسميها العروي. لأن مفهموم الحرية لديها فيه نزعة أوربية ليبرالية، مع تضمينات سنية وأخرى اعتزالية. لهذا، فتلك الحركات متناقضة في عمقها الفكري وتعتمد اساسا على مفهوم الحرية الليبرالية. فما هي الحرية الليبرالية, وكيف تفاعل معها المجتمع العربي ؟. وبالتالي ينبغي تحليل الليبرالية تاريخياً من خلال تطورها واهتمامتها من جهة، وكيف استقبل المجتمع العربي تلك المنظومة من جهة اخرى. لمعرفة ما اذا المفكرين العرب استوعبوا مفهوم الحرية ؟.
يقول العروي أن العرب تلقوا الصورة النهائية من الليبرالية، الصورة المحملة بكل التناقضات والمشبغة بروح المراحل الليبرالية التي سبقتها. وكيف ان المثقفين العرب كطه حسين ولطفي السيد تهافتوا على كتاب "الحرية" لجون ستيورات مل. فكتاب مل يُمثل مشكلة الليبرالية في المرحلة الليبرالية رغم تأثره بالمراحل السابقة. وتلقوا رواد الإصلاح هذا الفكر دون فحص ناقد لأسسه الفلسفية وتطوراته التاريخية، فإنهم لا يضعون قضية الحرية كبحث فلسفي بل يكتفون بوصفها والمنادة بها. فنتاج هذه الحقبة نتاج شعاراتي لا أكثر. نتاج تلفيقي يقوم على تعريفات للحرية بما يوافق الفقيه ويرضى بها الليبرالي كما عند الطهطاوي وغيره. الحرية أصبحت شعارا رائجاً لا يختص بالحقل السياسي بل دخل على النتاج الأدبي وغيره. المثقفون العرب في هذه الفترة لم يكونوا مخلصين لأصول الليبرالية، وكما يقول العروي. نعم، سيبقى شعار الحرية الليبرالية مرفوعاً لأن الحاجة تدعو إليه، ولكنه سيبقى مفهوم مجرد فقط.
ويؤكد العروي ان الليبرالية العربية ليست وليدة الليبرالية الغربية بالمعنى الآلي للكلمة. بل نتجت كحاجة للمجتمع العربي. ويؤكد العروي على ضرورة تطبيق النظرية الليبرالية لإدراك ما ينتج عنها من تناقضات. تأصيل الحرية يأتي تبعا للتناقضات الناشئة عن هذا التطبيق. أي أن الحرية تقوم على انقاض الليبرالية.
فهل الحرية تحل مشاكلنا؟ أم تزيدها تصارعاً ؟.
أسئلة للشك حول الحرية يطرحها جون ستيورات ميل حين انطلق من مسلمة ليبرالية تفترض أن الإنسان كائن عاقل. ولكن هل الإنسان عاقل ويعرف مصلحته في كل المجتمعات؟ وهل هو دائما عاقل في نفس المجتمع؟ . فمثلا هل يجوز بيع السم والسلاح؟ أو أن يبيع أعضائه؟ أو أن يقتل نفسه؟ أو إجباره على التعليم؟؛ او تحديد نسله؟. فتدخل الدولة هنا يحجم من حرية تصرف الفرد من جهة، وعدم تدخلها قد يؤدي إلى أن يضر الفرد بنفسه من جهة اخرى.
هذا هو مفهوم الحرية المتناقض الذي استقبله المثقفون العرب الأوائل , ضمن المنظومة الليبرالية الغربية، والذي جمع بين ديمقراطية روسو، ونخبوية فولتير، واستبدادية هوبز، وسمعنا نداء الثورة الفرنسية القائل: (لا حرية لأعداء الحرية)، والشعار الذي يقول: (لابد من إجبار الناس على أن يكونوا أحراراً).. نفهم حينها كما يقول العروي أن الحرية إذا “أطلق مفهومها حملت في ذاتها تناقضات تتبلور عند التطبيق، إنهم يرفعون شعارها ويتغنون بها، ولا يتصورون أن تكون هي مشكلة عوضاً أن تكون حلاً لجميع المشكلات”. [29]
الحرية في المجتمع العربي
الحرية في العالم العربي كما يقول العروي ظلت مدةً طويلة كـ"شعار" في الميدان الفكري والسياسي، ولكن بعد تجربة الشعار التي امتدت إلى مابعد الحرب العالمية الثانية حدث تطور، حيث انتقلت الحرية من الشعار إلى المفهوم.. أي بدأ التنظير الفلسفي للحرية.
ولكون الحرية كانت ضرورة حياتية في العالم العربي، لم تكن تنافضاتها واضحة، أو بالاحرى شدة الحاجة إليها أخفى تقريباً تناقضانها.
ويقول العروي ان الحرية توجد حيثما غابت، وتغيب حينما وجدت. ونظرية الحرية ما هي إلا "كشف" عن هذا الجدل". إذن نظرية الحرية في غاية الأهمية، وفي غاية التفاهة أيضاً.
وفي الختام يستنتج عبداله العروي أن مفهوم الحرية لا يكفي للتعبير عن بالحرية في العالم العربي، بل يُشاركه فيه مفاهيم أخرى كالتنمية والتحرر والأصالة. لذلك فالنظر إلى جانب واحد من المفهوم يؤدي إلى اختزال الحرية في العالم العربي. وكما يقول بنيس إن التعليم الذي حاصر الحرية، هو نفسه الذي عمم الجهل، فالجهل هو الكلمة العليا لمنع الذاتيات بأفقها المفتوح على اللانهائي، وهو بالتالي رحم العبودية بجميع أشكالها. [30]

خلاصات

هناك العديد من الاشكاليات الثقافية التي تعبر عن الهوة التي يشعر بها المثقف العربي بين ثقافته القومية التي بمجملها هي ثقافة الماضي, وبين الفكر المعاصر الذي ما زال في جملته فكر الغرب.
ويقول الجابري ان الحاجة تدعو العرب الى تدشين عصر تدوين جديد, لا من الدعوة الى تبني نموذج معين او الاحتماء به, بل من نقد كل النماذج , لا بل من نقد العقل العربي نفسه.
إن ثقافة الحرية هي ثقافة العدل والمساواة، بين جميع أبناء الوطن الواحد، في الكرامة والمعرفة والاختيار والاعتقاد والحلم والخيال والتعبير . ثقافة الحرية هي شهادة ميلاد المواطن في دولة الحق والقانون الذي يساوي بين الجميع ويتساوى فيه الجميع.
الباحث حسين العودات لا يضع حداً نهائياً لمرحلة النهضة. لأنه في عرضه لإشكاليات الفكر العربي المعاصر من حداثة وديموقراطية ... - في كتابه- يبدأ من آراء النهضويون الأوائل (الطهطاوي والأفغاني والكواكبي ...) حتى الوصول إلى المفكرين المعاصرين مثل الجابري وطرابيشي وأركون. يوسع من مرحلة تغيير الواقع وتجديده، فشل المشروع النهضوي بعد قرنين من الزمن بسبب غلبة أهل الدين والعسكر, يؤكد انتقالنا إلى مرحلة اخرى تتجاوز النهضة التي فشلت ولا تشابهها إلا في الظاهر. وعدم التمييز بين مراحل التطورات التاريخية والاجتماعية والفكرية للعرب وقضاياهم, لا يعني أننا تجاوزنا الحاجة إلى النهوض والحداثة، بل العمل على تحقيقهما الآن سيواجه عقبات أكثر إشكالية وتعقيداً من قبل. [31]

مصادر

  1. ^ ويكيبيديا الايطالية/Modernità
  2. ^ ستيفن تولمن 1992: "كوسموبولس: الأجندة المخفية للحداثة"، مطبعة جامعة شيكاغو: شيكاغو. Toulmin, Stephen 1992; Cosmopolis: The Hidden Agenda of Modernity, University of Chicago Press : Chicago.
  3. ^ جبرا إبراهيم جبرا، ندوة العدد « الحداثة في الشعر »، مجلة فصول العدد : 1 / 1982، ص 264
  4. ^ د. كريم الوائلي, تناقضات الحداثة العربية
  5. ^ المعجم الوسيط
  6. ^ مارشال بيرمان 1981: "كل ما هو صلد يذوب في الهواء: اختبار الحداثة". Berman, Marshall 1981; All That is Solid melts into Air: The Experience of Modernity.
  7. ^ الحداثة وإشكالية الرؤية/ عبدالله الدحيلان
  8. ^ الدكتور عز الدين إسماعيل عبد الغني. ولد عام 1929 في مدينة القاهرة. مؤلفاته : الأدب وفنونه - الأسس الجمالية في النقد العربي - التفسير النفسي للأدب - قضايا الإنسان في الأدب المسرحي المعاصر - الفن والإنسان - أوبرا السلطان الحائر - الشعر العربي المعاصر - في الشعر العباسي
  9. ^ حمادي صمود، ندوة العدد، "الحداثة في الشعر" مجلة فصول، العدد : 1 / 1982
  10. ^ مقدمة للشعر العربي، أدونيس. ص99
  11. ^ الغذامي/ حكاية حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية، المركز الثقافي العربي، بيروت / الدار البيضاء 2004
  12. ^ الملامح الفكرية للحداثة، خالدة سعيد: 25
  13. ^ العلمنة والدين. الإسلام والمسيحية والغرب. أركون. تقديم وترجمة: هاشم صالح
  14. ^ المعجم: اللغة العربية المعاصر
  15. ^ ويكيبيديا الايطالية/Autenticità
  16. ^ ظواهر فنية في لغة الشعر العربي الحديث، علاء الدين رمضان
  17. ^ الملك اوديب، توفيق الحكيم، المقدمة: 14
  18. ^ التأصل في الأصل والصدور عنه/
  19. ^ مقدمة في نقد الحداثة- بين البدعة والاختلاف/ محمد علاء الدين عبد المولى/ الحوار المتمدن-العدد: 1434 - 2006
  20. ^ أسس الحداثة ومعوّقاتها في العالم العربي المعاصر/ الدكتور عبدالله تركماني
  21. ^ أسس الحداثة ومعوّقاتها في العالم العربي المعاصر/ الدكتور عبدالله تركماني
  22. ^ المشروع النهضوي العربي - مركز دراسات الوحدة العربية
  23. ^ إشكالية التراث والحداثة وأثرها في أزمة التطور الحضاري /الأعرجي/2007
  24. ^ محمد عابد الجابري «التراث وتحديات العصر» مركز دراسات الوحدة العربية
  25. ^ كتاب "مفهوم الحرية" للمفكر المغربي عبد الله العروي
  26. ^ – عبدالله العروي ((1933م)- مفكر وروائي مغربي، من أنصار القطيعة المعرفية مع التراث "العربي/الإسلامي"، ومن دعاة تبني قيم الحداثة "الغربية" باعتبارها قيم إنسانية، يدافع عن التوجه التاريخي باعتباره معبرا عن "وحدة" و"تقدم" الإنسانية، وعن الماركسية في صورتها الفلسفية الحداثية -
  27. ^ زاجر ومانع داخليّ يَرْدَع عن شيءٍ ما ويمنع من ارتكاب سلوك معيَّن " وازع أخلاقيّ / دينيّ
  28. ^ قراءتي لكتاب عبدالله العروي (مفهوم الحرية)
  29. ^ تلك الحرية الساحرة.. أسئلة للشك!/ بقلم : عبدالله الرشيد
  30. ^ "الحداثة المعطوبة" وأكذوبة الربيع العربي/ محمد بنيس/2013
  31. ^ حسين العودات/ 2011/ النهضة والحداثة بين الإرتباك والإخفاق.